أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 9 سبتمبر 2024

حوار مصطفى عبيد


 

* يختلف المبدعون في غايات الابداع.. يرى البعض أنه جمال في حد ذاته لا يمكن توظيفه أو توجيهه لتأكيد مبادئ أخلاقية ورؤى سياسية، ويرى آخرون أن الفن عموما أداة ووسيلة يصلح بل ينبغي استخدامها في مواجهة قسوة العالم وتأكيد الحقوق..

ما هي تصوراتك كمبدع كونك فلسطينيا وعروبيا تناضل من أجل قضية عدل؟؟

-أعتقد أن الكاتب، يطوِّر، إن جاز التعبير، الإجابة على السؤال الأبدي: لماذا أكتب؟ في البدايات المبكرة جدًا، كتبت ما سميته شعرًا وزجلًا، من أجل الوطن، وفي مرحلة لاحقة كتبت من أجل العمَّال والفلَّاحين، واكتشفت أنَّهم لا يقرأونني. مع الوقت أصبحت الكتابة بالنسبة لي مشروع حياة، أدركت أنَّني نجوت لأكتب عن ناسي. ليست لدي دعاوى كبيرة، بشأن دور الأدب في التغيير. أكتب لمن يريد أن يعرف أو يقرأ، ويسعى للمعرفة، أو الاستمتاع، إذا رأى ما يستحق أن يُقرأ فيما أكتبه.

بالنسبة لي لا حياة لي خارج الكتابة، وحول ذلك، تواريخ مهزومين، وحكايات من انتصروا لأنفسهم، وحقوقهم، وحيواتهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تمثل مهنة الصحافة مسار منافسة للأدب، فتختطفه بواقعيتها من عوالمه الخيالية، ويشكو كثير من الكتاب الروائيين من ذوي الخلفيات الصحافية من صعوبة التفرغ للأدب بسبب طغيان هموم أكل العيش والعمل..

كيف نجوت كمبدع من الانغماس في العمل الصحفي؟ وكيف ميزت لغتك الروائية عن اللغة الصحافية؟ وإلى أي مدى استفدت كأديب من العمل بالصحافة؟؟

--حرصت مبكرًا، على تمييز قلمي الصحفي، بميل للأدب. في ذهني تحذيرات قرأتها مبكرًا لغسان كنفاني، تتعلق بعلاقة الصحافة بالأدب. تعاملت مع الصحافة ببراغماتية- إن جاز التعبير. استفدت من روتين الكتابة الصحفية اليومية، وأساليبها الاستقصائية والتحقيقية، وأدخلت للصحافة الفلسطينية، موضوعات، لم تحظ باهتمام سابقًا، تتعلق بالمكان الفلسطيني وأزمنته وأساطيره. جيّرت الكتابة الصحفية لخدمة مشروعي الأدبي.

بمثل ما أفدت الصحافة بخلفيتي الأدبية، فإنَّ بصمات صحفية مهمة لاحظها القراء على مشروعي الأدبي. يمكن الاستفادة، أدبيًا، من الفنون الصحفية، كالاستفادة من الفن السينمائي مثلًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لك مجموعة قصصية بعنوان " مازلنا نحن الفقراء أقدر الناس على العشق" .. هل مازلت تؤمن بذلك؟ ولم؟

-هذه مجموعة كتبتها مبكرًا جدًا. تعود لمرحلة فكرية معينة من مسيتري، لم تطل، وإنما كانت مؤثرة، وأقصد الفكر اليساري.

وسعت، اهتماماتي، لتشمل، بالاضافة للفقراء، فئات أخرى مهمشة. حتى الآن أنا كاتب منحاز طبقيُا، ومن أنحاز لهم، هم فعلًا، أقدر النَّاس على العشق، حتى يخيَّل لي أنهم خلقوا له. وغيرهم يعيشون على ثُمالته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تستخدم أسماء مدن عربية وفلسطينية في عناوين أعمالك " مجانين بيت لحم"، "سماء القدس السابعة"، "وردة أريحا".. ما السر في ذلك؟ هل هو تأكيد هوية أم ارتباط روحي بالأماكن؟ وماذا تشكل الأماكن في مخيلة الروائي؟

-مشروعي الأدبي، يكاد ينحصر في كنه المكان والزمان الفلسطينيين. أزعم أنهما ميدنان غير مكتشفين. قد يكون الارتباط الروحي، تعبير ساذج عن علاقتي بالمكان. هي رحلة بحث عن هُويَّة، في مواجهة الطمس، والتزوير، وسحق المكان ماديًا. يمكن، مثلًا، أن تزور موقعا اليوم، وفي الأسبوع المقبل قد لا تجده. دمرته البلدوزرات الاحتلالية. أين ذهبت الأنفاس، والأفكار، والرؤى، وحكايات العشق والكره؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حصلت على عدة جوائز قيمة منها جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة القائمة القصيرة للبوكر العربية هذا العام، وجائزة فلسطين، وغيرها.. والسؤال الآن: إلى أي مدى تُشكل الجوائز إضافة في مسيرة كل مبدع؟ وهل استهداف الجوائز بعينها يمكن أن يقولب الابداع الأدبي ويوجهه؟؟

-نحن في عصر الجوائز، لا أعرف إذا كان ذلك مؤسفًا، أو غير مؤسف؟ الجوائز تسلَّط الضوء على العمل الفائز، وتنبه لوجود كاتب له أيضًا أعمال أخرى، قد تستحق الاحتفاء، أو الالتفات، ساعدتني الجوائز، في ترجمة أعمالي للغات أخرى، لكنني لست كاتب جوائز. أحب أن يعرفني القارىء من خلال ما أكتبه فقط.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

تعرضت لمحنة الاعتقال في سبيل القضية الفلسطينية، وذقت مرارة الظلم والقسوة..كيف استفدت ابداعيا من هذه التجربة؟ وكيف حولتها إلى إضافة في طريق المقاومة بالفن؟

-جربت الاعتقال مبكرًا، وكنت أعرِّف نفسي ككاتب، أعرف أنني سأكتب عن تجربة السجن. ولكن عن أيَّة تجربة أكتب؟ انتظرت سنوات طويلة، حتى كتبت رواية المسكوبية، عن تجربة الاعتقال في معتقل المسكوبية الرهيب في القدس، مقدما الأسير الفلسطيني، في حالاته الانسانية، صموده وانكساراته، وهذا لم يكن ممكنًا، في مرحلة سابقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

وصف البعض رواية سماء القدس السابعة بأنها موسوعة سردية لمدينة القدس.. كيف كانت رحلتك في البحث والاشتغال على القدس تاريخيا وإبداعيا ووجدانيا؟

-يمكن لأي قارىء أن يرى في أية رواية، ما يرغب. رواية سماء القدس السابعة، ليست سِفري الأول أو الأخير عن القدس، لكنها السِفر الأكبر. قدمت في الرواية مقترحات سردية، وتقنية، وجمالية.

أظل مترددًا حول مدى نجاحي، في هذه المغامرة. الرواية تكتسب استقلالًا عن كاتبها، ولكلِّ رواية قدر وحظّ. أنا سعيد بجميع الآراء حول ما أكتبه.

ــــــــــــــــــــــــــ

"المنتصر لا يخفي جريمته، والمهزوم لا يكتب قصته، وحدها الرخامة تحكي جزءاً من القصة في هذه المدينة التي لا تعيش إلاَ بالقصص".

إلى أي مدى تشكل القصص خطا مناضلا في القضية الفلسطينية؟؟ ومن تتابع من المبدعين الفلسطينيين؟ من يعجبك أكثر؟

-أنا متأثر بالروائي إميل حبيبي، قدَّم فلسطينًا تشبهني، إضافة إلى عمله الجمالي والفني. أعتقد أنَّه بصمة متفردة في الأدب العربي الحديث. استفاد من ممكنات السرد العربي الثرية والمتعددة، المهملة من كُتّابنا، وقدَّم الفلسطيني، بدون تجميلات رومانسية. من الأصوات الجديدة، أعتقد أن عباد يحيى، يُستحق أن يُتابع.

الفلسطيني حافظ على وجوده بالقصص، والحكايات، والأساطير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كيف ترسم سمات شخصياتك؟ وكيف تحافظ على إنفعالاتها عبر الأحداث؟ وكيف ترسم تلك السمات الدهشة؟

-هذا سؤال كبير، قد يكون من المبكر الحديث عنه، وربما من اختصاص النقاد أكثر. الشخوص تستقل عن الكاتب، وتقرر مصائرها بأنفسها. لا أحاول التدخل، خشية من قارىء قد يكتشف الأمر ويخرج لسانه لي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موضوع المحاكاة الحرفية للواقع أمر عفى عليه الزمن. ما هو رأيك في الروايات التاريخية وهل يجب تعمد مخالفة الحقيقة؟

-أؤمن بوجود عقد، غير مكتوب بين القارىء والكاتب، قبل الخوض في العمل الأدبي، أننا بإزاء، عمل افتراضي. أنا لا أكتب رواية تاريخية، ولكن حتى الروايات التي تصنف تاريخية، فإن لها منطقها الخاص، كروايات جرجي زيدان. ماذا قال لنا الإخباريون عن العباسة أخت الرشيد؟ لا شك أنَّه قليل. زيدان صنع رؤيته هو. قد يعتمد كاتب الرواية التاريخية، على ما يعينه على خلق عظم لرواياته، ولكنَّه يحتاج لكسوها باللحم، وهذا هو التخييل، وانحيازات الكاتب. لو أخذنا مثالًا، عن كاتبين أرادا كتابة عملين عن ثورة الزنج في العصر العباسي. سنجد أحدهما ينحاز للثائرين، والآخر يريد التأكيد على عظمة العباسيين، وقوة مفهوم الخلافة، وتحريم الخروج على الحاكم، ولا يرى في الثورة، إلا تمردًا. 

ما هي أحب أعمالك إلى قلبك؟ ولم؟ وما هو العمل الذي تفكر فيه كثيرا ولم تكتبه؟

-لا وجود لأعمال محببة أكثر لقلبي، ولكن اعمالا، ربما ظلمت اعلاميًا، وقراءة، كرواية جسر على نهر الأردن، والإنجيل المنحول لزانية المعبد.

متى يشعر الكاتب بالتحقق؟  وإلى متى يظل الكاتب يكتب؟ هل هناك سن معين للإعتزال؟

-الأمر قد يختلف من كاتب إلى آخر، التقيت في أبو ظبي مؤخرًا، بكاتب حصل على البوكر، قبل سنوات، ويشعر بالتحقق بكتابة رواية واحدة. بالنسبة لي، لا أشعر أنني قلت الكلمة الأولى في وجه هذا العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق