جسر على نهر الأردن لأسامة
العيسة رواية تقع على متن 288 صفحة من القطع المتوسط وهي من إصدارات مكتبة كل شيء
في حيفا سنة 2018.
تتحدث الرواية عن
سيرة يوسف الرطاسي [نسبة إلى قرية ارطاس قضاء بيت لحم] تلك السيرة التي تدور أحداثها
حول حرب حزيران [النكسة 1967] فيتناول العيسة عدا عن السيرة الزمانية للحدث،
يتناول أيضا السيرة المكانية لبلدة ارطاس والقرى والخرب والبلدات والآثار المحيطة
بها، وهذه قد تكون احد أهم ميزات أعمال العيسة الروائية، فهو إنسان متيم بحكايا
التراث وصفحات التاريخ.
في الرواية يمسك بنا
يوسف الارطاسي بشدة ويهزنا حتى يعيدنا لوعينا ولذاتنا حتى تستفيق الحقيقة؛ تلك
الحقيقة التي كبدت العيسة كثيرا حتى مُنعت هذه الرواية من الأردن، أما لماذا منعت
في الأردن بالذات، فهذا يستقيم مع سيرة بطل الرواية يوسف الارطاسي الذي يخدم مكلفا
في الجيش الأردني إبان وحدة الضفتين، رغبة منه في محاربة العدو الإسرائيلي
واسترجاع ما تم احتلاله في نكبة 1948.
تقع الحرب [النكسة
1967] ويصاب صاحبنا بالخذلان من دور الجيش المتواطئ، أو بالأصح دور الدولة التي
خذلت جيشها. "في الحروب لا يعلم الجندي كل شيء، وربما هو آخر من يعلم"
ص١١٣.
في الصفحة ١٢٦ ينسحب
الجيش شرقا ويبقى كثيرا من الكلام في البطون وبقيت تتناقله الأجيال كأمانة في الأعناق
إضافة لأمانة التحرير وحلم الشهداء.
وفي الصفحة ١٢٧ يبوح
بطلنا بشيء من مشاهد المأساة حين يصف المشهد بحرقة وحيرة فيقول:" سرنا في
الجبال، وقطعنا الوديان، مررنا عن عيون ماء، ورصدنا ارض الغور التي تودع
الربيع....بعد ساعتين من المشي المرهق، وجدنا أنفسنا مرة أخرى في قيادة الكتيبة
التي كنا فيها، لقد عدنا إلى فص الجمل، لم أحب الفص هذه المرة، تشاءمت منه ومن
وجوده الذي شهد على إصابتي، وتدمير المدفعية [الريكت لانشر]...وجدنا في فص الجمل
جميع سرايا الكتيبة قد سبقتنا والتركات تنتظرنا، والتساؤلات توجعنا وخزاتها، اركبونا
في التركات وسرنا في الطريق لأريحا، قفز أمامي مشهد الجسر سكنني،وتسارعت دقات
قلبي، إلى أين المسير حقا؟ هل نحن جيش يتقدم أم يتقهقر؟ ...مع الوقت اكتشفت انه
ليس فقط كتيبتنا التي تسير على الطريق، وإنما أيضا جميع اللواء؛ لواء القادسية..."
وفي ص ١٣٠ يتابع ذلك
المشهد المأساوي فيقول: "حامت طائرات العدو فوقنا ،وقصفت الطريق أمامنا،
نزلنا من التركات، ولجأنا إلى سفوح الجبال،...يفسر يوسف أبو الكواكب هذا الحدث [رفيق
صاحبنا بطل الرواية يوسف أبو النجوم ] فيقول: "الآن بدأت افهم، إنهم يحددون
طريقنا.... ما يطلقونه علينا هو لتخويفنا، وجعلنا نتجه إلى هناك، إلى الجسر،
نغادر، نترك ارض المعركة إلى الضفة الأخرى".
ما دار من إرهاصات وما
حدث من مؤامرات وخبايا إبان الهزيمة وما تبعها من أحداث مخزية في المعسكر شرق
النهر ص ٢١٦ وحتى ٢٢٠ وفيها تدور أحداث القصة المؤلمة والمبكية حد النحيب
[الفلسطينيات على السيل ببريزة] دفعت صاحبنا لنتيجة واحدة؛ الانتساب للفدائيين
فتلك الطريقة الوحيدة لاستعادة الذات والكرامة الوطنية المسلوبة، وهذا ما تم
بالفعل ص ٢٢٩ ابتداء و يتم فعليا بصفحة ٢٤٣ حتى ٢٤٦، وعند هذه الصفحة بالذات ينتمي
صاحبنا إلى صفوف الثورة الفلسطينية تحت الاسم الحركي أبو النجوم هو وصاحبه أبو
الكواكب ويقسم صاحبنا أبو النجوم على القران ويقسم صاحبه أبو الكواكب على الإنجيل
ص ٢٤٦.
يتسلم صاحبنا مجموعة أوراق
ومناشير تتعلق بالتثقيف الثوري، ويحضر عدة لقاءات مع المفوض السياسي ويدور حوار
خصب يتمخض عنه لقاء مع الفدائي قايض وهو ابن الشهيد الأول في الثورة احمد موسى..
وبالنتيجة يسترسل
قايض ابن الشهيد الأول احمد موسى [بطل عملية الانطلاقة الأولى، عملية عيلبون]
يسترسل في رواية أحداث وتفاصيل العملية التي استشهد فيها والده برصاص الجيش الأردني
على اثر عودته سالما بعد تنفيذ العملية... ص ٢٤٩ وحتى ٢٥٥.
يتعمق صاحبنا أكثر وأكثر
وينغرس في معمعة النضال والعمل الفدائي أكثر ويلتحق بقوافل العائدين عبر النهر،
لكن كفدائي هذه المرة أخذا بعين الاعتبار "بان الأرض لا تحرثها إلا
عجولها" متسلحا بواقع مرير ومؤامرات لا حصر لها ارتكبت من قبل الأنظمة
العربية وجيوشها تجاه فلسطين وشعبها.
ينطلق صاحبنا في
الصفحة ٢٧٤ إلى النهر عند مخاضة دير علا، تلك المخاضة المفضلة لعبور الشريعة، ويصل
المنطقة مع منتصف الليل، ويكشف فيها حركة دؤوبة، لنازحين يريدون العودة....
العيسة وهو يكتب ينقش
في الذاكرة أحرف فلسطين بكل ما فيها من وجع وفرح من قساوة وقهر ومن مجد وتاريخ،
وهو بذلك مخلص لفكرته الأولى في الكتابة عن فلسطين الأرض والإنسان.
عبر حكايا التاريخ
والتراث تارة وعبر مسيرة يوسف الرطاسي، نجح العيسة في أن يبقي لنا منارة الأمل
خفاقة وقادة؛ فهذا هو يوسف الرطاسي، بطل الرواية المرابط على الحدود مع بيسان في
حزيران 1967م، بانتظار ساعة الحسم واسترداد ما فقدناه... حتى تقوده أحلامه ليلتقي
ورفاقه مع الجيش المصري في تل أبيب ويطهرها من رجس الصهاينة وإذا به يجد نفسه في
نكسة ونكبة جديدة، وفي ظروف غير مفهومة له، فيقطع جسر نهر الأردن مع جيشه مهزومًا
هروبا إلى الشرق، وبعد فترة، عائدا إلى الأرض المحتلة فدائيا، بعد انضمامه لحركة
فتح، والمقاومة الفلسطينية التي طرحت نفسها ردا على هزيمة الأنظمة العربية
وجيوشها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق