*"لن يعرف أحد
من هو الرجل الأول أو المرأة الأولى الذي رأى أو رأت البياض الذي ظهر فجأة، على أهل
قريتنا الفلاحين وجلل قبر فاطمة عندها تحول الأمر إلى أعجوبة، استلزم الحج للموقع،
وأصبح جزر من مخيلتنا عن أنفسنا، وكأننا كنا بحاجة إلى معجزة الورد لنرى ما كنا
غير قادرين على رؤيته، أو إننا تجاهلناه مستكينين غارقين في ظلام طال سنوات لا
يمكن معرفة عددها".
*"في عام 1939،
هوى على رأسها بآلته الحادة. واحدة من نساء هذا الجانب مِنْ المتوسط، الكثيرات
اللواتي ما زلن يُقتلن منذ سنوات."
قلنا سابقًا إنَّه
كاتب عجيب، كُتبه فعلًا هي عملية اكتشاف، تكتشف القديم لتعود إلى العصر الحديث
ربما إلى تاريخ كتابة هذه المراجعة، فهو كاتب على استعداد لنقلك من زمن سيدنا آدم إلى
يومك الحاضر.
468 صفحة هي صفحات
الرواية وبابين باب استكشافي وباب بوليسي. يستكشف الكاتب من خلالهما التقاليد
المرتبطة بمريم العذراء والخَضِر الأخضر، وعلاقة الإنسان الفلسطينيّ بالطَّبِيعَة
وما وراءها، في برّ القُدْس الجنوبيِّ، خلال النِّصْف الأول مِنْ القرن العشرين،
في رواية حول جريمة قتل امرأة، تظللها الظروف المحيطة في وطنٍ، هو نفسه تُرتكب
جريمة أقسى بحقه، من كل الجبهات من قوى استعمارية، ونُخب عاجزة ومتآمرة، فيُقسم
ويحتل وينتهك.
قبل البدء بالكتاب،
عرفت أنَّ الكاتب كاتب غريب، يصرّ أن ينقلنا إلى جبهات، وجبهات لتشعر أنك تدخل
معركة مع رواياته عليك أن تنتصر فيها عليه بفهم الكتاب ومعرفة ما يريد أن يقول قبل
الانتقال إلى الصفحة الثانية، كأنَّك في صراع من صراعاته لأنك دخلت في قفص مخصَّص
صنعه الكاتب لك، يبدأ من الصفحة الأولى، وينتهي مع نهاية الرواية. كل ذلك بلغة
حكيمة سهلة الفهم وأسلوب الكاتب المميز وحبكة مدروسة ضمن متاهة، يجعلك تنسى الهدف أو
البطل الأصلي لتعود له فجأة. باستخدام تقنية النص المفتوح، فأنت لا تعرف ماذا تقرأ؛
كتاب تاريخي، رواية والسلام، شعر، نثر، النص المفتوح أكثر اتساعًا، كما أنَّه أكثر
احتمالًا للتجريب، لا ينفي ذلك أن رواية وردة أريحا أو ما قبلها روايات، لكنه
الأسلوب.
*صفحات الرواية:
من قرأ رواية الإنجيل
المنحول الذي كتبها الكاتب وصدرت عام 2021م، يستغرب كيف أعاد الكاتب صراع الشرق
وجعل المرأة ضحية للمرة الثانية. في الأولى كان صراع دينيِّ قوميِّ، متأصل من
سيدنا إبراهيم وهنا صراع عقيدي أساسه العادات والتقاليد البالية لا تختلف فيها
تمارا عن فاطمة. جميعهن قتلن لكن كل واحدة بطريقةٍ مختلفة ولا أقصد هنا الموت، بل
الشرف.
في صراع تاريخي ممتد
من العهد التركي إلى الإنجليزي مرورًا بالعهد الحالي الذي نعيش فيه، أصعب احتلال
جعل الكاتب، القاتل هنا حكيمًا وناقلا لنا عبر مدن فلسطين في رحلة تاريخية عجيبة
بين الأديرة والكنائس في بيت لحم، والقدس، وأريحا، والناصرة، عبر ترنيمات الخضر،
وتعاويذ البتول إلى ضحكات فاطمة وتكبيرات الورد. شرح الكاتب خلاله تطور المجتمع
الفلسطينيِّ؛ ثقافته، فكره، عاداته، وتقاليده، الشوارع، والمدن، أثواب الجَدَّات، وأثواب
كنعان. كله تغيَّر، وانتقل وتطوَّر، إلَّا قضايا الخداع والنظرة الدونية للمرأة.
*وردة أريحا: إن عدنا
إلى قراءات في المواقع الالكترونية عن وردة أريحا، نجد أنَّها تعرف أيضًا بشجرة
مريم، كفّ العذراء، نبات الطلق، كفّ مريم، عشب حولي قصير ينمو بعد سقوط الأمطار في
الخريف مع بداية الشتاء في الأماكن ذات التربة الطينية، الحصوية التي تستقبل مياه
السيول. تجف النباتات بعد نفاذ الرطوبة في التربة، وتلتف الأفرع إلى أعلى لتكون
على شكل كرة تشبه قبضة اليد المغلقة بأحكام على الثمار الناضجة الجافة، ندما يحصل
النبات على الرطوبة من الأمطار أو الغمر بالماء، فإنَّ الفروع الميتة تتفتح منبسطة
إلى الخارج لتحرِّر بعض البذور الموجودة في الثمار، وعند حدوث الجفاف فإنَّ الفروع
تلتف مرَّة أخرى منقبضة إلى أعلى مرَّة أخرى، وهذا النظام الميكانيكي يؤكد ويساعد
على استمرار حياة هذا النوع في البيئة الصحراوية القاسية. وقد ورد في بعض الكتب أنَّ
هذا النبات لا يموت إطلاقًا.
*فاطمة: فتاة جميلة
فلَّاحة صغيرة، ربما أكبر أمنية لها هي أن تتزوج وتسعد يمنع عنها قول لا أو أن تنظر
إلى شاب تلتفت إليه مجرد التفاف، يحيطها الشرف من كل الجهات، لأن أُمَّها حواء
ربما هي من أخرجت آدم من الجنة. عليها أن تكون خاضعة لأهواء الرجل، ونزواته فلا
نستغرب من الجريمة التي حصلت لأنّها جريمة مستمرة عبر الزمن لم تنتهي لكي تبدأ، ولدت
مع ضعف المرأة وجبروت الرجل.
*حكاية: ملخص القصة إن
أردنا؛ رجل كبير في العمر خرف وعده رجال قريته أنَّ فتاة جميلة ستكون له ربما وهي
في بطن والدتها لم تر النور، ليطاردها في الطرقات ويصر على الاقتراب منها وعندما
دافعت عن نفسها قتلها ولبستها الخطيئة، ليصبح هو بطلًا قوميًا خلص العائلة من عار
كبير كان سيلبسها. لكن لماذا أخذت هذه القصة كل هذه الصفحات ونشرها الكاتب بعد
تدقيق وغيره؟ الجواب لأن ما حصل لم يكن
زمان مضى، هو زمان حاضر أيضًا، ونحن نحوم حول الكذبة وننشدها، ويتفاخر كل واحد
بجنونه الخاص وعَوَرِه وهَبَله ودجله، ويسوق الواحد منا حكايات بعيدة عن الواقع،
ويرسم حوله الأسطورة، وعجائب الأمور، ويتخذ من الحماس ما يدفع بالبقية على الصمت
من وقع الذهول، والبقية بائسة في أحلامها، لا يوقظها إلا دجل الكلام وذو الحسد
اللعين.
*وأيضًا هي حكاية
الزمن الفلسطينيِّ الممتد فهي رواية الخضر عليه السلام، هو يتناوله في أكثر من
وجه، وتكاد الرواية أن تكون جامعة لكل ما جاء في التراث الشعبي عن
"الخضر" مع سيدنا موسى والفلاح وحكايات كنعان، وخضر ذلك الصفي الذي علق
بين الديانات، لكنه محبوب من الجميع ومن جميع الأديان "من يحبهم ألله يدبر
لهم مكانًا قرب الخضر، جالب الأمطار، عندما يركض حصانه في السماء، نسمع صوت الرعد،
وكأنَّه يقول إنَّه لم ينسنا، ويذكرنا بنفسه، يركض على حصانه الأبيض، باحثًا عن أي
مكلوم ليغيثه، قدِّيس الماء والخضرة، وهو من يسكب الماء على نبات الصبر، فأصبح
دائم الخضرة، يصبر على العطش، ... يزور سيدنا الخضر الينابيع يومي الخميس والجمعة،
نحسّ بطيفه على موائدنا، يأخذ حصته من خبزنا، يحمينا عندما نحتاج لحمايته، ويتدخل
عندما يرى بأنه يجب أن يتدخل، إنه لا ينسانا مثلما لا ننساه" عبر الأزمنة المتعاقبة .
*وهي حكاية الحرام
والممنوع فسبب الجريمة هو أن فتاة مسكينة طفلة صغيرة ضحكت على رجل خرف طلبها
للزواج فاعتبرت جريمة فهي لم تكن تعرف وهي الفتاة الضاحكة، أنَّها قتلت في وطن
يحرم ربما الابتسام، فكيف بالضحك فنحن نعيش عصر الممنوعات والخوف والحذر وكل شيء
في هذا الزمن الحاصل 2023، ففاطمة لم تقتل لأنَّها ضحكت بل لأنَّها تحدَّت الممنوع،
رفضت السقوط والضياع كما ضاعت البلاد بين
احتلالات واستعمار وأزمنة من الحرب والجوع، لكأنَّ العيسة أراد القول أين تذهبون؟ أوقفوا
هذا كله لقد سقطت البلاد واحتوتنا النكسة بعد
النكبة فقط تغيرت الأسماء.
*وأخيرًا فاطمة لم
تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، لكن الكاتب نقل قصتها بطريقة فلسطينيَّة تتبع عوالم
متعددة من أزمنة أزمنة القهر والاضطهاد، وما وقع على هذه البلاد من قسوة العباد
على العباد، ومن ظلم الحكام الذين توارثوا الأرض، واستباحوا العباد لكأنَّنا في
زمن الخيول، حيث الناس تهتم بفرس وتنسى البلاد، وتنسى أن هناك عدوا خطط ودبر
ليستولي على مقدرات البلاد فهم فيها فساداً ففسدوا وأفسدوا، وأخذهم العلوّ إلى
التيه خسفاً وسخطاً وضياعاً. الأرض التي توراثها أيضاً الأنبياء والأتقياء
والأولياء والصالحين، مثلما ورثها الخلفاء والأغنياء والبسطاء والسعداء والبؤساء.
الأرض التي تتسع لكل ما فيها من حكايات، وخيبات ومقامات وكتب سماوية وأناشيد
وروايات وأسفار وكتب والتي حوت كل الديانات، لأننا نعيد الأزمنة التي تصر على
القرب من الأساطير وأثواب كنعان، مثل رفضها البعد عن الأديرة والمساجد والكنائس
وارث البلاد.
#ردينة_ياسين
#وردة_أريحا
#أسامة_العيسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق