أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 27 سبتمبر 2021

تمارا الرواية ورواية تمارا/خالد أبو عجمية


 


"أين هي الروايات غير المتحيزة في زماننا أو في أزمنتكم؟"

لا أعتقد أن صديقي أسامة ينتظر التهاني والتبريكات على صدور عمله الأخير، الإنجيل المنحول لزانية المعبد وأظنه فرح بما خلقته هذه الرواية حولها منذ صدورها، فمنذ أن صدرت وهي تجذب تفاعلات عديدة في أوساط مختلفة، وهذا دوما من مواصفات أعمال العيسة الإبداعية، وهي بالمناسبة صفة يحلم بها أي كاتب في أن تثير أعماله حالات جدل ونقاش ومواقف، وما هي في الأساس فائدة الأدب إن لم يخلق حالة تفاعل وجدل.

أخر هذه المواقف كان منع وجودها في معرض عمان الدولي للكتاب بقرار رسمي، وهذا أمر يثير الاشمئزاز والتقزز من استمرار هذه الحالة في معارض الكتب في الدول العربية، وقد قلنا لهذه الدول مرارا وتكرارا، لا تختلف مع صاحب إبداع، فقط اشتريه، وإن لم تستطع اقطع رأسه، وحتى بذلك لن تنتصر عليه، فهنيئا للصديق أسامة وعمله الإبداعي بهذا المنع.

تقع هذه الرواية ضحية لنفس المصير التي تواجهه صاحبة الرواية تمارا، التي تعيش غضب الأرباب من جهة وغضب القبيلة وأقاويل لا يملك أصاحبها دليل عليها كما لم يملكوا ضد الرواية نفسها، ومحاكمة الرواية من اسمها يدل بلا شك على أن من قرر منعها أو الاعتراض عليها لم يقرأها، ولو كان قرأها لربما كان له رأي آخر، وقد أشار العيسة في تعليق له أنها لا علاقة لها بالإنجيل الذي يعرفه الناس، كنا نعتقد أن الكنيسة قد تجاوزت هذه الحالة (السلفية) منذ زمن بعيد، ولكن مؤسف أن نكتشف أنها لا زالت تعود إلى سنوات الظلام ولم يصلها عصر التنوير.

قرر العيسة أن يترك تمارا تروي حكايتها وبقي يقف جانبا لكنه لم يكن محايدا على أي حال، (كنت اعرف بأنه إسرائيلي وكان يعرف بأني كنعانية) في اعتقادي أنه كان على علم دقيق بما ستفضي إليه الرواية من جدال وآراء حولها ولهذا أعطى صاحبة الرواية حق قولها كما تريد، في قضية كبيرة وخطيرة تتعلق بالتاريخ والجغرافيا والحكاية وتفاصيلها، أعطاها أن تقدم المقدس بطريقتها بعد أن دلها على خباياه وتفسيراته كما يراها هو، ((وبالمناسبة الكاتب له رؤية خاصة ومميزة   بهذا الشأن قد لا يتفق معها العاديون (الكلاسيكيو النظرة للنص الديني)))، فهي الكنعانية التي تدخل إلى عالم مكثف في نصوص وتقاليد دينية تعتبر مقدسة، وكانت متسلحة بمعرفة أسامة ودراساته ونتاج نبشه في المخطوطات والنصوص القديمة حتى جلبت (الأسطورة) من أنفها وأناختها في واقع قريب وحالي، وحاضر الآن (تخيلي كيف أرخن الأراخنه في قومه يتقدم ليضع يده في يد الأدون الكاهن المحبوب في قومه، تخيلي أية معجزة سنجترحها معا ونقرب الكبار ونجمعهما سويا).

لا بد من القول إن أسامة لعب لعبة المقتدر بطريقة ذكية وحاذقة في تطويع الحكايات بمخزون هائل من اللغة المتأثرة برصانة (اللغة الأصلية) وبعيدا عن اللغة الدارجة الآن المسطحة التي تعاني من تشققات المعرب ولغة التكنولوجيا الحديثة وحافظ على رصانتها بحيث تمكن من لي ثناياها لتخدم نسق الحديث الذي يحمل هالة قدسية ما، وكان قريبا جدا من تمارا وتماهى مع لغتها بحذق لكي لا يظهر حضوره على حافة الصفحات ويضع في فمها الكلام لتقوله، إلا إنه في بعض الجمل قد أعلن عن حضوره ولا أعرف إن كان يقصد ذلك أم إنها مرت عفو الخاطر، ولم ينتبه لها (قد تكون الانتماءات الدينية هي أخر العوامل المهمة...الخ) (أما الادونات يلتمسون الحكمة هربا من تكاليف المقاومة) (علينا أن نؤنسن العدو حتى نفهمه) (القوميون لا يؤمنون بالحب)  وغيرها الكثير.

وكي لا نكون مثل أولئك الذين منعوا الكتاب في معرض الكتب في عمان، وعلى قاعدة ما قدمه أسامة نفتح باب الحوار والنقاش والاختلاف مع ما قدمه من مواقف وآراء فهل هي آراءه أم أراء تمارا؟؟ سأناقش تمارا في آراءها لاحقا بشكل أوسع.

كعادته أسامة في أعماله يقف أمام الموروث بكل عناوينه ويتناقش معه وجها لوجه غير هياب، ويبقى على مسافة من الاحترام لهذا الموروث، يفككه ويعيد تركيب أجزاءه باقتدار المثقف العارف الذي يمتلك ناصية الوعي بمكنوناته، يختار أسامة زاوية الرؤيا الخاصة به التي ربما تبدو غريبة للآخرين لهذا ربما ينفرون مما يصوره بجرأته الكبيرة، ينطبق عليه قول العظيم ديستويفسكي (أنا أقول ما لاتجرؤ أنت على التفكير فيه)، وجرأته بدأت في اختيار العنوان المستفز لمن يعتبرون أنفسهم مدافعين عن تعاليم الأرباب، كما حصل مع تمارا أيضا التي عانت من تدخل الأرباب ونصوصهم في خياراتها وصاغت جزء كبير من حياتها، وأقر مع أسامة أنه لا محرمات أيا كانت أمام قلم وفكر، ومن يعتبرون أنفسهم حراس النصوص المقدسة إنما هم أعداء لحرية التفكير والرأي وقد فشلوا في العهود الغابرة وسيفشلون لا محالة، تعالوا للحجة والبرهان والعقل، أما منع أو حتى حرق كتاب لن يجدي نفعا، وهذا ما يكبر العمل الذي قام به أسامة وقدمه للقارئ العربي باقتدار وإبداع وجمال، أستنكر منع هذا الكتاب وأدعو كل مؤسساتنا وأطرنا الثقافية رفض واستنكار هذا المنع لأن صمتها يعني شراكتها المطلقة لهذا المنع.

سأكتب لاحقا عن الرواية للمساهمة في نقاشها وتفكيكها بشكل موسع.

#خالد_أبو_عجمية

#الإنجيل_المنحول_لزانية_المعبد

#المؤسسة_العربية_للدراسات_والنشر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق