أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 23 يناير 2018

كنيسة الخضر في الطيبة..تواصل التقاليد..!






























يواصل أهالي بلدة الطيبة، على بعد 12 كيلومتر شمال شرق مدينة رام الله تقاليد موغرة في الزمن تتعلق باحترام القديس جوارجيوس أو الخضر الأخضر، وتشهد كنيسة الخضر القديمة في البلدة على تواصل هذه التقاليد في البلدة التي شكلت حاضرة مسيحية مهمة في ريف القدس.

تاريخ كتابي
يعزو علماء الكتاب المقدس، بلدة الطيبة، إلى بلدة: عوفرة وعفرون وأفرايم، وجميعها أسماء لبلدة واحدة ذكرت في أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وذكرها كل من: فلافيوس يوسف، ويوسيب القيصري، والقديس جيروم.
واتخذت اسمها الحالي (الطيبة) في القرن الثاني عشر، عندما ناصر أهلها صلاح الدين الأيوبي في حربه ضد الفرنجة، فأطلق على البلدة اسم الطيبة لطيبة أهلها، كما تذكر الحكاية التي يتداولها الأهالي حاليا.
وحسب السجلات، فان اسم الطيبة لم يفرض رسمياً إلا في بداية العهد العثماني. وتذكر لافتة تعريفية في كنيسة الخضر: "حافظت الطيبة بشكل غير ممسوس به على ذكرى وزيارة يسوع إليها قبل الآلام وتوقف يسوع عن التجول علانية بين اليهود وذهب إلى ناحية محاذية للبرية، إلى مدينة يقال لها أفرام ومكث هناك مع تلاميذه (يوحنا 54:11) واليوم الطيبة هي البلدة الفلسطينية الوحيدة المسيحية بكامل سكانها، من أرثوذكس، ولاتين وملكيين".
خلال جولة في بلدة الطيبة القديمة، يمكن الوقوف على أصالة التراث المعماري والفني الذي حافظت عليه البلدة، وانتقل عبر الأجيال، وتسيطر على مركز البلدة آثار قلعة صليبية من القرن الثاني عشر. وهي قلعة القديس إيليا، بالإضافة لآثار كنيستين بيزنطيتين. فوق واحدة منهما بنيت كنيسة الروم الأرثوذكس الحالية.
كنيسة الخضر
وتعتبر آثار كنيسة الخضر، هي الأكثر تميزاً ولفتاً للانتباه، ورغم الخراب الذي تعرضت له عبر قرون، إلّا أنها ما زالت محافظة على أبهتها، ومداخلها البهية، وأعمدتها، وحجارتها التي تكاد تنطق بتاريخها ومجدها.
حسب تقارير التنقيبات الأثرية الفرنسية بين عامي 2009 و2000، والتي أحيت المراحل التاريخية المختلفة لاستخدام الموقع، فان آثار كنيسة الخضر أو كنيسة مار جريس، هي تركيب كنسي واسع مكرس للقديس جوارجيوس.
بناء الموقع غير محفوظ بشكل جيد بسبب العوامل الطبيعية والتعديلات اللاحقة، وهذا دليل على استمرارية استخدام الموقع منذ العصر البرونزي (1550-2300). خلال الحكم البيزنطي الروماني (في القرن الثالث والرابع)، بُني حصن صغير في الموقع من حجارة بارزة منحوتة، لمراقبة تقاطع الطرق بين الطريق الآتية من القدس جنوباً والطريق الآتية من أريحا شرقاً. وتم اختيار الموقع في القرن الخامس لبناء تركيب كنسي.
 وكانت الكنيسة في الأصل مبنية حسب تخطيط بازيلكي، ومقسمة إلى ثلاثة أروقة، واغلق الرواق الأوسط وجعل له غرفة صغيرة في الجنوب، ودرج كبير أمام الواجهة. وغطي البناء بالفخار المدعم بإطار خشبي.
وفي بداية القرن السادس، حسب النقيبات الأثرية الحديثة، التي لُخصت على لوحات تعريفية في الموقع، فان أهميته ظهرت بالنسبة للحجاج مع امتداد مساحته، فقد تم بناء رواق صغير للصلاة في الجهة الجنوبية والشمالية. وكان هناك اصطفاف لغرف الخدمة التي كان من ضمنها جرن المعمودية، ومن بين غرفتين في الجهة الغربية ذات وظيفة ليتروجية، بالإضافة إلى غرفتين في الجهة الشرقية ذات وظيفة سكنية، وغرفة صغيرة مكشوفة تحتوي بئراً عميقة.
وخلال عهود لاحقة، أُضيفت مكونات أخرى للمبنى، كما هو الحال في الجزء الشمالي، بالإضافة إلى أسوار في الجهة الشرقية، وداخل رواق الصلاة (المستوى الثاني للفسيفساء).
كنيسة صليبية
بعد أربعة قرون من الإهمال الذي واجهته كنيسة الخضر، بنى الصليبيون كنيسة جديدة أصغر حجماً خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر، واستخدموا في بناء كنيستهم حجارة منحوتة من أعمدة أقدم ومن زوايا الجدران، وتكونت كنيستهم من رواق واحد بجناحين، الخلفي منهما على شكل نصف دائري بقبة في الوسط، أمّا السقف ذا الإطار الخشبي الذي كان يغطي الكنيسة البيزنطية، فتم استبداله بسقف حجري على شكل تقاطع الأقواس، وجعل الصليبيين الأسوار أكثر سماكة على حساب الفسيفساء، أما جرن المعمودية فقد تم نقله إلى وسط الجناح الجنوبي، وكذلك تم إعادة بناء الرواقين الشمالي والجنوبي، أما الرواق الشمالي فقد تم تقسيمه إلى أكثر من غرفة، ومستوى أخر للأرض يتم الوصول إليه عن طريق درجات.
لم تتوقف أعمال إعادة البناء والترميم، ففي منتصف القرن الثالث عشر مثلاً، تم إجراء العديد من الترميمات وعمليات التقوية، بعد انهيار عنيف، لا يزال مجهولاً، إذا ما كان سببه معركة أم زلزالاً.
وخلال الحكم المملوكي، والذي امتد ما بين 1517-1250 والعثماني 1917-1517 وحتى اليوم، لم تتوقف إعادة بناء الجدران وتغيير المساحات.
دماء على فناء الكنيسة
تستقطب كنيسة الخضر الزوار والسياح، لخوض تجربة روحانية-ترويحية-سياحية، بين أطلال الماضي، خصوصا وأن آثار الكنيسة تطل على مساحات خضراء، تشهد على جهد الفلاح الفلسطيني، في صراعه مع طوبوغرافيا الجبال، وانتصاره بزراعاتها وتخضيرها.
وفيما يتعلق بأهالي الطيبة، وزوار محليين، فإنه يتم زيارة الكنيسة، لإشعال الشموع في مكان مخصص لذلك، وطلب شفاعة الخضر لتحقيق الأماني.
ويظهر في فناء الكنيسة، بشكل دائم، آثار دماء التضحيات التي تقدم إيفاءً لنذور، وعندما تتحقق يقدم أصحابها على تقديم القرابين، كما كان يفعل أجدادهم منذ آلاف الأعوام.
خلال الأعوام القليلة الماضية حققت بلدة الطيبة، حضورا مهما على المستوى السياحي، حيث تشهد مهرجان البيره السنوي، والذي يتم فيه أيضا عرض منتجات محلية تقليدية، وافتتح قبل عامين فندق، لتنشيط الحركة السياحية المحلية والخارجية إلى بلد الناس الطيبين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق