أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 13 سبتمبر 2012

الأميرة النائمة على منحدرات جبل الزيتون


تتلألأ على منحدرات جبل الزيتون، مجموعة من القباب الذهبية، التي تشكل الجزء المنظور، من أكثر من مكان، لما تعتبر واحدة من أجمل الكنائس في القدس وفلسطين، إن لم تكن الأجمل.
وتحمل الكنيسة، التي بناها القيصر الكسندر الثالث في القرن التاسع عشر (1889م)، على اسم (مريم المجدلية) الشخصية الدراماتيكية في العهد الجديد، ملامح المعمار الروسي القيصري، وتستحضر في الذهن، بهذه القباب الخمس التي تخطف الأبصار، البنايات المهمة في الساحة الحمراء في موسكو.
ويحلو لكثير من المصورين، التقاط صور ذات طابع فني، تظهر قباب هذه الكنيسة، على جبل الزيتون، مع مسجد قبة الصخرة، على تلة (موريا) في القدس القديمة، في محاكاة لمفهوم الوحدة الوطنية، ومفهوم التآخي الديني.
ومثل كل الأماكن، التي تكتسب أهمية ما، فان للكنيسة اسطورتها الخاصة، لكنها الحية ايضا، وتتمثل بضريح يضم رفات احدى أميرات العائلة القيصرية، بعد رحلة معاناة طويلة، تختلط بتقلبات السياسة، وجموح الثوار، والتوق الديني.
كان وضع حجر الأساس، لكنيسة مريم المجدلية، جزءا من النفوذ الروسي المتعاظم في فلسطين، وتأسيس الجمعية الامبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية الروسية في عام 1882 بمرسوم اصدره الامبراطور الكسندر الثالث، الذي اراد ببناء هذه الكنيسة تخليد ذكرى والدته.
واصبح أول رئيس للجمعية الأمير سيرغي الكسندروفيتش عمدة موسكو، الذي حضر مراسم وضع حجر الأساس للكنيسة، برفقة زوجته يليزافيتا فيودوروفنا، وهي شقيقة دوق هسّن في المانيا، واعتنقت الأميرة، مذهب زوجها الارثوذكسي امعانا في تدينها، ولم يدر بخلدها وهي تقف على منحدرات جبل الزيتون، انها سترتبط بهذا المكان، الذي يبدو انه يبحث عن هويته، في ظل اضطراب الأمور في الامبراطورية العثمانية، اكثر من غيره.
في ظل الأوضاع التي كانت تشهدها روسيا القيصرية، واندلاع عمليات (الارهاب الثوري) اغتال الطالب المتحمس كاليايف، الأمير سيرغي الكسندروفيتش رومانوف، بإلقاء قنبلة على عربته، فقضت عليه عام 1905م، وتم تعيين ارملته الأميرة يليزافيتا فيودوروفنا، خلفا له في رئاسة الجمعية الامبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية الروسية، وتضع الروايات ذات الطابع الديني، الأميرة الأرملة، في صورة وفاء يحتذى، عندما تشير الى انها جمعت اشلاء زوجها المضمخة بالدماء، المتناثرة على ثلج موسكو، وباعت او وهبت ممتلكاتها، الثمينة ولا شك، وأسست رهبنة للعناية بفقراء موسكو.
ولم تكن عملية اغتيال زوجها، هي آخر الاحزان، ولم يكن لجوءها الى الله، آخر المطاف، في بلاد كانت على موعد مع واحدة من أكبر ثورات القرن العشرين، قرن التغيرات الكبرى.
تذكر المدونات التي تطرقت الى سيرتها، الى ان الثوار الشيوعيين، الذين قرروا التخلص من جميع افراد العائلة القيصرية، قبضوا عليها، والقوا بها حية، في هوة منجم فحم في سيبيريا، فلقيت حتفها عام 1918م، لكن جنود ألكسندر كولتشاك، زعيم الحركة البيضاء المناهضة للثورة الشيوعية، اخرجوا، رفات الأميرة، بمساعدة الجيش البريطاني، الذي انضم اليه كولتشاك.
وكانت الأميرة هذه المرة، وهي مجرد رفات، على موعد مع رحلة جديدة، وأخيرة الى الأراضي المقدسة، لم تكن سهلة ابدا، حيث نقلها جنود الثورة المضادة، بسرية ووسط مخاطر، الى كنيسة مريم المجدلية، في القدس، لتتمكن من النوم أخيرا، في المكان الذي احبته.
في تشرين الثاني 1981م، طوبت الكنيسة الروسية البيضاء (قبل وحدة الكنيسة عقب انهيار الاتحاد السوفييتي)، الأميرة النائمة على منحدرات جبل الزيتون، باعتبارها شهيدة، وفي عام 1992م، اعلن اساقفة بطريركية موسكو، قدسية يليزافيتا فيودوروفنا، ليصبح ضريحها في القدس مزارا.
مَكر التاريخ، لم يكف عن الابتسام، للأميرة القديسة، بعد ان نفضت روسيا عنها تبعات الثورة الشيوعية، وبدا انها تصالحت مع تاريخها القيصري، لكن هذه عملية يبدو انها لم تستكمل حتى الآن، ففي السابع من حزيران 2012، اقترح وزير الثقافة الروسي فلاديمير ميدينسكي تغيير أسماء شوارع موسكو التي تحمل أسماء الثوار، وتسميتها بأسماء ضحايا "الإرهاب الثوري" أمثال الأمير سيرغي الكسندروفيتش رومانوف.
اقتراح الوزير لم يجد طريقه الى التطبيق حتى الآن، وأثار جدلا، كما قالت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا". ورأى خبراء أن تغيير أسماء شوارع موسكو سيتسبب بمشكلة أخرى تضاف إلى كم هائل من المشاكل التي تواجه روسيا. كما أنهم اعتبروا أن وزير الثقافة لم يأخذ في الاعتبار رأي المجتمع الروسي.
لا شيء يمكن ان يؤكد، ان الأميرة النائمة في القدس، تتابع أو تحفل بما يدور، والا لكانت من عالمها الآخر، ضحكت كثيرا على أهواء وتقلبات البشر في عالمنا، التي تبدو في أحيان كثيرة غير مفهومة.
http://www.alhayat-j.com/pdf/2012/9/15/page6.pdf
http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=3&id=183928&cid=2708

هناك 4 تعليقات:

  1. Great post. I am dealing with a few of these issues as well.
    .
    Also visit my blog post english premier league transfer news and rumours

    ردحذف
  2. you're in point of fact a just right webmaster. The web site loading velocity is amazing. It seems that you're doing any distinctive trick.
    Moreover, The contents are masterpiece. you have performed a fantastic job on this matter!
    Feel free to surf my weblog :: latest transfer news for real madrid

    ردحذف
  3. Thank you for the auspicious writeup. It actually was once
    a leisure account it. Glance complicated to far introduced agreeable
    from you! However, how can we be in contact?
    Feel free to visit my web site ; pizza games online free

    ردحذف
  4. May I just say what a comfort to discover someone that actually understands
    what they're discussing on the internet. You actually realize how to bring a problem to light and make it important. A lot more people really need to read this and understand this side of your story. It's
    surprising you aren't more popular because you most certainly have the gift.

    Here is my weblog ... Batman Games

    ردحذف