أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 5 مايو 2012

شحاذ (جبع) يقف على مفترق بين عوالم مختلفة

يثير متسول مسن، «يداوم» على مفرق قرية (جبع)، الذي تمر منه السيارات المتجهة الى رام الله، ونابلس، وبيت لحم، والخليل، وأريحا، ويحاذي عدة مستوطنات أُقيمت على اراضي القرية التي احاطها الاحتلال بسياج، وأغلق مدخلها الرئيس.
وعلى الارجح فان المتسول، الذي يرتدي الزي الفلسطيني التقليدي، اختار هذه المنطقة، لأنه سيكون في منأى عن ملاحقة الشرطة الفلسطينية له، في حين ان سلطات الاحتلال في تلك المنطقة تهتم فقط بما تسميه الامور الامنية، وترجمتها، اقامة الحواجز، واذلال المواطنين، والاعتداء عليهم، بينما الشرطة الاسرائيلية، تُسير دوريات لـ «اقتناص» مخالفات للسائقين الفلسطينيين.
موقع المتسول «الاستراتيجي» وهيئته واسلوب تسوله، جعلته حديث السائقين والركاب عندما يقتربون من مفرق جبع، وعادة ما يبدأ السائق في الحديث عندما تتوقف سيارته على المفرق، ويقترب المتسول من المركبة مادا يده، طارحا سؤالا استنكاريا للركاب: «هل تعرفون الحالة المادية لهذا المتسول؟» ولا ينتظر الاجابة، لأنه يجيب بنفسه: «هذا يا اخوان مليونير يملك عمارات وبنايات في نابلس»، ويردف قائلا: «يوميته لا يبيعها بألف شيقل، بل انه يكسب اكثر من ذلك». وبعض السائقين لديهم الاستعداد لان يؤكدوا بانهم يعرفون المتسول شخصيا، ومواقع عماراته المفترضة.
ومثل هذه الشائعات التي يتبناها السائقون، تقلل من تقديم الركاب لما «يخرج من انفسهم» للمتسول العجوز، الذي لا تهمه الامطار، او الشمس الحارقة، ولا تحول دون وجوده اليومي على مفرق (جبع)، وكانه اصبح جزءا فلكلوريا من مشهد يتغير بسرعة، بسبب تسارع الاستيطان واجراءات الاحتلال، فيبدو انه يقف على «مفترق» بين عوالم مختلفة، بعضها ينتمي الى القرن الواحد والعشرين، بينما تُذكر حالة قرية (جبع) بالمعسكرات النازية المغلقة في فترة توصف بانها من اظلم حقب القرن الماضي.
وعلى الجهة المقابلة، للمفرق، على الشارع المؤدي الى رام الله المحاذي لقرية (جبع)، لا يختلف موقف السائقين على خط نابلس، الذين استحدثوا لهم موقفا هناك، لالتقاط الركاب الآتين من الخليل، وبيت لحم، واريحا، وابو ديس، والعيزرية، وغيرها.
ومن موقعهم وخلال انتظارهم للركاب، الذي يطول احيانا، يستطيعون ان يراقبوا هذا الراكب المثير، الذي يأتي معهم صباحا، ليتخذ مكانه على المفرق مادا يديه بكل الاتجاهات.
وقال أحد السائقين: «نسمع نحن ايضا عن ثراء هذه المتسول، ولكن يبدو ان الحديث عن ثروة كبيرة لديه، محض خيال، لان اصحاب الملايين في هذه البلاد، يمكن ان نعدهم على اصابع اليد».
واضاف: «هذا المتسول «يداوم» نصف دوام ان جاز التعبير، فهو يأتي معنا صباحا، وفي منتصف النهار، يقطع الشارع نحونا، حاملا «غلته» من الاموال، ليعود الى نابلس، ويبقى متسلحا بالصمت في الذهاب والاياب».
ولدى السائقين الذين لا يملون من مراقبته، حكايات عديدة عن هذا المتسول، قد تعكس امنيات معينة، ولدى احدهم مثلا الاستعداد لان يحلف بأغلظ الايمان، بان ضابطا اسرائيليا كبيرا، اعطى المتسول ورقة حمراء من فئة المئتي شيقل، ويكون ذلك مناسبة، للحديث عن «سخاء» الاسرائيليين في منح المتسول المال، مقارنة بالعرب. ثم يبدا السائق في الحديث عن الوضع الاقتصادي للسائقين، وضعف الحركة، وكثرة الضرائب.
وبينما يدور الحديث عن المتسول، يبدو انه غير ابه بما يدور حوله، فهو لا يكف عن مد يده، لاستلام ما يمكن ان يضعه فيها عابر على مفرق (جبع)، وعندما تقل حركة السيارات، يجلس على مجموعة من البلاطات التي وضعها فوق بعضها البعض، او يقضي حاجته خلف غرفة للتمديدات الكهربائية.
http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=3&id=171614&cid=2579

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق