عندما كان
أحمد الشقيري يخطب في غزة، كان بعض الناس في مخيم اللاجئين على شارع القدس-الخليل،
يحضرون كواشين الأرض، وَيُمنون أنفسهم بعودة قريبة. و"..بدك فدائية
بنلبس".
رقصوا أمام بورقيبة، الذي تكرم وطبع قبلة على خد احدى بنات المدرسة، وبعد خطاب أريحا، وضعوا صورة (زوج وسيلة) على دبر حمار..اختلفوا اذا كانت الوحدة هي طريق التحرير، أم ان التحرير طريق الوحدة؟، ومارسوا لعبة ترتيب الكلمات (حربة. وحدة. اشتراكية) بالأهمية اللازمة، قبل ان يتبين لاحقا دمويتها. وان كل طرف مستعد لإسالة الدماء مع من يختلف معه في ترتيب الكلمات.
في حزيران
1967، تناول الشقيري، برفقة قائد تعته السكر، الطعام مع فرقة من الجيش الأردني على
شارع القدس-الخليل، قرب قبة راحيل، وودعهم، متعتعا بالنشوة، على أمل اللقاء مع
الجيش المصري في تل أبيب. في مقر اقامته في فندق الامبسدور بالقدس، أبدى الشقيري
تسامحا غير مسبوق مع اليهود، قال للصحافيين الاجانب الذين احاطوا به من كل جانب،
بانه لا يريد رمي كل اليهود في البحر، وسيسمح للسفن الغربية ان تنقل ما تبقى منهم.
بعد يوم اختفى
الشقيري من الامبسدور الذي تحول إلى مقر لقيادة الجيش الإسرائيلي، ووصل مقر
القيادة في عمّان، لا يذكر الشقيري كيف اختفى. إعلام العدو المغرض، قال بانه هرب
بثوب فلاحة.
الطريق إلى
القدس أصبحت الان تمر من السلط، خط الدفاع الثاني عن القدس..
تغيرت الخطط،
وكثرت، اختلفوا إذا كان هدف الثورة الوليدة، هي التحرير، أم النصر؟ ثم قالوا
الطريق إلى القدس، تمر من عمّان، تذكر واحد في المخيم ان الأغوار إلى القدس أقرب..
في أكتوبر (أو
تشرين-تداولوا الاسم حسب الموقف من قائدي المعركة السادات والأسد) 1973 انتظر بعض
الناس على شارع القدس-الخليل وصول طلائع الجيش المصري، بعد فترة اختلفوا عن مَن
الذي انتصر في تلك الحرب..!
قال مثقف
عضوي: "حرب تحريك"، وقال شيخ: "كفرة سلاحهم شيوعي".
بعد فترة غير
طويلة نزل الناس إلى الشارع، منتصرين لدماء أطفال (تل الزعتر)، وابدوا وجهة نظر أخرى
في الحرب، قالوا: "أسد في لبنان، وأرنب في الجولان"، ويبدو ان ذلك لم
يكن كافيا، فاستبدلوا اسم الاسد، بالنعجة..!!، ولم تعترض جمعيات الرفق بالحيوان..(في
الواقع لم يظهر بعد مصطلح الانجي اوز).
نزل من انتظر
قوات السادات، إلى شارع القدس-الخليل، ينددون بخائن كامب ديفيد، واصبح اسمه (زوج
جيهان). وعندما قُتل، وزعوا الحلوى..
اختلف ناس
الشارع، وتعاركوا بالأيدي، على الصداقة مع الاتحاد السوفيتي، أو الصين، فالأول
سيحرر أراضي 1967، أمّا الصين فقيل انها مستعدة لإزالة إسرائيل عن الوجود، واختلفوا
حول سياد بري، ومنغستو مريام، وافتوا بأحقية البوليساريو في الصحراء.
خوّن ناس
الشارع، الرئيس-الضرورة، الذي فتح النار على الخميني، معلنا اكتشافه المذهل ان
الطريق إلى القدس تمرّ عبر البوابة الشرقية.
قال مثقف
عضوي: "هذا هو القرف الثوري، والبرجوازية الصغيرة عندما تخون، والشوفينية
القومية، واليسارية الطفولية عندما تتجسد".
وقال شيخ:
"ظهر الأعور الدجال في بلاد الرافدين".
في بيروت
قالوا الطريق إلى القدس تمرّ من جونيه، تذكر واحد من المخيم أن الجنوب أقرب..، ثم
اختلفوا اذا كانت الطريق إلى القدس تمرّ من تونس أو دمشق، حتى ظهر إغراء جديد، لا
يقاوم: الطريق تمرّ من الكويت..من مطعم العكرماوي في المصرارة، حيث اعتاد تناول
الحمص، سمع مواطن من المخيم مَن يغني مطالبا الرئيس-الضرورة بانهاء حسابه مع
الكويت الخائنة بسرعة ليصل إلى القدس..، وأكد مثقف عضوي بجدية: "ظهر بسمارك
العربي".
وقال شيخ:
"ألم تروا صورته على القمر؟!!".
على جانب شارع
القدس، نهض عمران جديد، أخذ اسم الدوحة، وقالوا في تبرير الاسم، مشيرين إلى مكرمة
قطرية غامضة، يبدو انها كانت من الثقل حتى سوغت تسمية المدينة على اسم العاصمة
القطرية. في ظرف جديد، تفجر غضب ناس الشارع على مَن وصفوه بزوج موزة. آخرون لم
ينتظروا، ان يحدث له مصير السادات، فاعدموا دمى له.
وتغير الشعار
للمرة الألف ربما، الأخير: الطريق إلى القدس تمرّ من القصير..وسُمع في بعض زواريب
الشارع هتاف جديد: "شبيحة للأبد لعيونك يا أسد".
وقال المثقف
العضوي، والرذاذ يتطاير من فمه من شدة الحماس: "صلاح الدين جديد، تروتسكي
جديد، ماوتسي تونغ جديد، هوشي منه وجياب وجيفارا، تجسدوا في أسد واحد".
وقال شيخ:
"المهدي ظهر في القصير، جنود الله المجندة وملائكته تحارب طاغوت الأرض. أسد
علي، وعلى العدو حمامة".
على شارع
القدس-الخليل، مرّ أنبياء وفاتحون، وأفاقون، وغزاة، وشعراء، وكُتّاب، ورحالة. بدى
الشارع محايدا، غير مبالٍ، له كل الأعذار، لا يستطيع ان يذكر كل الثوار والأمراء
والصعاليك الذين مروا عليه..!
ثمة سبب اخر
لعدم المبالاة هذه، فالشارع فقد الكثير من أهميته، فخلال سنوات الغضب والتساؤلات،
شقت دولة العدو شوارع بديلة، إلى القدس، تلتف حوله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق