الزيارة
الأولى للقرية التي ذهبت في الاحتلال الأوَّل، حدثت في السنوات الأولى للاحتلال
الثاني، الذي وحّد البلاد، ولكنّها لم تعد هي البلاد.
الأم
- العمّة تزوجت وفق أحد أنواع الزواج العديدة في المجتمع الفلسطينيّ التقليديّ،
وهو زواج البدل، ولعلها لم تغفر حتى وفاتها ىعد عمر مديد، لمن تسبب بذلك.
قادت
الأم-العمّة، الأولاد والبنات في زيارة أولى، مؤثرة، مدرة للعواطف، إلى زكريا، وما
لفت الفتاة التي كانتها انشراح آنذاك: الزوز، نبتة قرن الغزال، متعددة الأسماء،
التي تعرف لدينا باسم الزوزو.
هتفت
انشراح: الزوزو، وكأنّها لا تصدق كل هذا الزوزو الذي ينبت في أرض الزوزو.
وأصبح
لدى الفتية الأصغر أمثالي، وهم يتعلمون سريعًا التمييز، بين أنواع النباتات
البريّة، الاهتمام بأنهم كلما رأوا النبتة هتفوا بصوتٍ عالٍ: الزوزو يا انشراح،
فتهرع، وخلفها توأم روحها سعاد، إلى النبتة لترى وتعاين، وتحوَّل الأمر إلى مزاح
ومرح وسباق، بين المنازل اليهودية القرميدية، التي بنيت على أطلال منازلنا المهدمة.
في
لقاءاتنا الأخيرة، كانت مهتمة بالقرنية، قلت لها بأنّهم في شمال بلادنا يسمونها
زعتر بلاط، ولها مثل الزوزو أسماء وفيرة، فاستغربت، ووعدتها بإرسال شتلات منها إلى
عمّان، لتزرعها في حديقة صغيرة معزولة، بين كتل المدينة الإسمنتية.
خلال
الأشهر الماضية، سيرحل وبشكل تراجيدي، معظم أبطال حكاية الزوزو هذه، افتتحت الرحيل
الأم-العمة، وبعد رحيل سعاد، قالت فتاة الزوزو: أريد الذهاب إلى سعاد، وبعد شهرين
ذهبت. من بقي من شخوص الحكاية، التقوا الأسبوع الماضي في العاصمة الكارهة لنفسها،
آتين من الأرض المحتلة، ومن الشتات، ليرافقوها، في رحلتها الأخيرة وهي توارى، في
أرض صحراوية الروح لا تشبه روحنا، بعيدًا عن أرض الزوزو.
كان
عليَّ خلال الأشهر الماضية اختبار منسوب الدفق العاطفي، المرتفع نسبيًا، بين
الراحلين.
جيل
النكسة، بعد جيل النكبة، ينفرط عقده. ماذا تبقى لنا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق