غداة احتلال الرئيس
صدام حسين للكويت، كان يمكن سماع أغاني تصدح في المصرارة، تبشِّر الناس السائرين، أو
الجالسين يحتسون القهوة، ويتحدثون عما جرى، والعمّال الحائرين، وزبائن مطعم
العكرماوي الذي يزدردون الحمص مع السياسة، أن الخطوة الثانية ستكون القدس، وليس من
مهمة الأغاني تفسير، لماذا اختار الرئيس الذي يبدو أنه أصيب بلوثة تضخم في الذات
لا شفاء منها، طريقًا طويلة إلى القدس، تمرّ من الكويت، رغم إنها لم تكن ولا مرة
ضمن الشعارات التي رفعت، كالطريق إلى القدس تمر من عمّان، أو من زحلة.
ما حدث في ذلك
الصباح، وما تلاه من أسابيع الأزمة، ضربت البلاد حالة هوس جمعي لا تسمع لأي رأي
مختلف، ولا شك بأنها تصلح مجال دراسة في العلوم الإنسانية.
لا أعرف حتى الآن سرّ
موقف الرئيس عرفات الداعم لصدام، وبذلك الوضوح الذي يناقض شخصية عرفات
البراغماتية، وبالطريقة التي عبّر عنها، في تصريح صحافي من بغداد، رغم أن مساعده أبو
إياد اتخذ موقفًا مختلفًا، واعيًا ورؤيويًا، وقد سمعت رواية من شاهد شاهد عيان وهو
مرافق لأبي إياد، كيف أن القائد الفلسطيني واجه صدام حسين بشجاعة وعبر له عن خطورة
الأمر في وجهه ومباشرة وبحضور القيادة الفلسطينية. قد يكون هناك مبالغة، وبغض
النظر عن مدى شجاعة أبو إياد في مواجهة صدام، فان موقف الأوَّل، يدل على وجود صوت
عقلاني، وربما دفع ثمن ذلك حياته، برصاص أبو نضال الذي كان حينها ربيبًا لصدام
حسين، ومقيمًا في حظيرته.
بدا الملك حسين معتدلاً
في تصريحاته الصحافية، لكن الإعلام الأردني الموجه وغير الموجه، خرج من عقال أية
عقلانية، وتستحق جريدة النهار المقدسية المحتجبة التي كانت تمول من النظام الأردني،
أن تكون عينة دراسية على جنوح الهوس الجمعي الوطني والديني والقومي.
لم يكن بالإمكان في
ظل حالة الهوس الجمعي، نشر أي مقال ضد الاحتلال الصدامي للكويت، ويمكنني تذكر أصحاب
الدكاكين الصحافية، الذين كانوا يشغلوننا بالقطعة، وهم متحمسين لعهد حديد من
الانتصارات الصدامية، فلجأت إلى كتابة يوميات سميتها يوميات الكيماوي، ربما سأدرجها
مستقبلاً ضمن خطط النشر.
من تجليات حالة الهوس
الجمعي، أن منظرًا يساريًا عصابيًا، كتب مقالاً وصف فيه صدام بأنه بسمارك، وطبعًا من
الواضح أنه لا يعرف شيئًا عن بسمارك وعن صدام، وقبل أشهر، التقيته صدفة ومن باب
التأكد إذا كانت ذاكرتي ما زالت صالحة، سألته عن المقال، فقال بأنه يحتفظ به في أرشيفه،
وانه رغم دعمه المطلق لبشار الأسد الآن، فانه
يلوم قناة المنار التي كان يظهر على شاشاتها كثيرًا، وأصدقائه من حزب الله،
لعدائهم لصدام.
قد أكون من القلائل،
الذي سعد باعتذار الرئيس أبو مازن للكويت، ولكن
على الجانب الآخر فإن
دولة الكويت ارتكبت واحدة من الجرائم الفظيعة التي لم تعتذر عنها حتى الآن، ولم
يطالب الرأي العام الفلسطيني بذلك واقصد جريمة تطهير ٢٥٠الف إلي ٣٠٠ ألف فلسطيني
عرقيًا، اضافة الى خروقات لحقوق الانسان.
لا أعرف كثيرا عن
السياسة الكويتية الداخلية الآن، ولذا فإنني أجهل من هو المرزوقي الذي أطلق اسمه على
شارع في سلفيت، برعاية رسمية، وتحت ضغط لحظة من الفزعات العاطفية. أدرك أن من أدوار
النخب الرسمية، المساهمة في بناء الهويات، ولكنها لا تبنى على ردات فعل عاطفية،
ولا ضمن سياق ومحددات ورؤى.
لا أعرف، إذا صدر عن
المرزوقي تصريح في المستقبل، عبّر فيه عن رأي مختلف عن اتجاهات الرأي العام الفلسطيني،
أن يبادر البعض، وبفزعة عاطفية أيضًا، إلى نزع اللافتة وتغيير اسم الشارع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق