أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 21 يونيو 2020

لماذا فضل والدي الموت قبل أوسلو؟/رحمة حجة



قبلة بيت لحم الأخيرة (2016) للروائي الفلسطيني أسامة العيسة. قرأتها بنسخة ورقية
"كلنا أجيال بلا ذاكرة، نظن أن التاريخ يبدأ من هنا." (ص246)
"وأنا كنتُ بحاجة لأن أستمع، وأستمع، لأن أصدّق أن نصف عمري كان شيئًا حقيقيًا، ارتبطت به هذه المدينة (بيت لحم) وتفاصيلها، درست في جامعتها، وسجلَت جدرانها همسات حبنا أنا وسميرة، وأمضيتُ طفولتي بين أزقتها وسوقها وسينماتها، ونفذت عملًا نضاليًا في شوارعها، وها أنا أعثر على واحد من زمني، أنا شاهد على زمنه، وهو دليل زمني." (ص247)
بين العبارة الأولى والفقرة الثانية، تتلخص رواية "قبلة بيت لحم الأخيرة"، فالذاكرة هي كل ما سبق لحظة لقاء رائد الحردان بحب حياته سميرة، بعد خروجه من السجن الذي قضى فيه 20 عامًا.
أسمته والدته حنّا تيمنًا بجد الراهب الذي عمّده في كنيسة المهد، لاعتقادها بأنها تحميه من شرّ قرينته، وعن ذلك يقول رائد "كنت في المدرسة نهارًا حنّا وبعد الظهر في البيت والحارة والسوق رائد، في أحيان كثيرة لم أعرف متى أكون حنّا الحردان؟ ومتى أكون رائد الحردان؟"، وفي زمن التحولات ندمت الأم لأن شيخة أفتت لها بحرمة هذا العمل، ويتقاطع هذا مع حوار رائد مع صديق مسيحي، بعد تحرره أو ربما دخوله سجنًا آخر حين قال له "متى كنّا أطرافًا يا جريس؟" ص260
رائد شاب فلسطيني جامعي مجتهد جدًا في دراسته "لأن سلاح الفلسطيني الوحيد علمه" كما يقول والده، وهو "نسناس" برأي الطلبة الحزبيين الذين نشطوا في الحركة الطلابية أوائل الثمانينيات في جامعة بيت لحم، لكنه الجندي المجهول الذي يكتب لسميرة بياناتها السياسية، فهي حبيبته، وفي ذات الوقت إحدى قيادات الحركة الطلابية النضالية في الجامعة، التي لا ترضى إلا بفلسطين كاملة، غير مجتزأة، و"ستحرر فلسطين" يومًا ما، كما قال رائد بنبرة ساخرة وفي تالي الأيام قدّسها لفكرها حتى في خصامها، وهي التي فقدت إحساسها بجسدها بعد تعرضها للتعرية والإذلال في أحد السجون الإسرائيلية، ثم في ما بعد، تركت رائد، ببساطة هكذا، قررت إنهاء العلاقة، وهو رضخ لرغبتها دون جدال.
اجتهد رائد في البحث ونبش تاريخ مدينته ومن مر عليها من مستعمرين وقادة ومناضلين، من فنانين وسياسيين، يستذكر سميرة مع كل امرأة ينبش تاريخها، خصوصًا القويات من النساء، صاحبات المبادئ والقيم العليا، المعشوقات القاهرات مثل روكسلانة زوجة السلطان العثماني سليمان، صاحب الألقاب الكثيرة والكبيرة.
معلومات كثيرة وأسماء ووقائع تاريخية مهمة وهامشية أو مغيّبة، هي ما جعل من بيت لحم، المدينة التي نراها اليوم، التي يقصدها السوّاح ويعود إليها المنفيون وأبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين ويتعلّق بها الغرباء الذين يصبحون مع الوقت جزءا منها، ويبقون فيها حتى لفظ آخر نفس، قتلى أو موتى أو أجسادًا متطايرة الأشلاء (الطبيب الألماني هاري فيشر).
لماذا هذه المعلومات كلها؟ لماذا هذا العرض المتتابع والمتسلسل لأشكال النضال الفلسطيني ضد الاحتلال؟ من خلال رائد قبل السجن وأبو العبد داخل السجن، والتحولات عبر رسائل محمدوف خارج السجن، الذي كان نافذة رائد على العالم خلف القضبان؟ ربما هو النفي المستمر لفكرة أن "التاريخ يبدأ من هنا" المذكورة أعلاه، وأيضًا في ص61 بصيغة مختلفة "كل جديد يرتكب حماقة هدم ما سبقه وإلغائه"، فمن يلغي التاريخ من السهل عليه نسيان المجد والتضحيات واللحمة الشعبية، من السهل التفرقة والانقياد، وماذا لو كان الموضوع أكثر حديّة بحيث يكون الذي ينسى كان هو نفسه جزءًا من ذلك التاريخ (مثال سميرة وحمدان الأحمر واليسار الذي غرق في الNGOs والباجيرو"؟ هذا ما لم يستطع رائد تحمّله وتفسيره أو حتى إيجاد مبرر مقنع له يجعله يمشي ويتجاوز كغيره من الذين تجاوزوا وصمتوا.
الحكايات مترابطة ومتواصلة ضمن مسار الرواية، فإذا ظننت أن حكاية السينمائي ميغيل ليتين مثلًا، تنتهي في ص54 واكتفيت، أخبرك أن "بعض الظن إثم"!
أنا بكيتُ كثيرًا على رائد بعد خروجه من السجن وحين قرأت حواره ومشاعره التي سردها خلال لقائه بسميرة، بكيتُ عليه صحيح، ولكن ما الفرق بيني وبين كل الذين أبكوه؟ أنا والكثير مثلي الذي استسلم وتجاوز وخلق لنفسه مبررًا لكي يتمكن من العيش وألا "يموت على الهامش" كما هو مبرر سميرة!؟ ما الفرق؟!
قالت أختي يومًا "موت أبي في أول التسعينيات (قبل أوسلو) كان لصالحه، أستطيع تخيّل ما سيعانيه إذا عاش التغييرات!" وأبي لم يكن مقاتلًا أو سياسيًا، كان أستاذًا في مدرسة ابتدائية تقاعد مبكرًا وتفرّغ لفلاحة أرضه، أعتقد بعد قراءة سيرة رائد، صار من السهل علي تخيّل غربة الأسرى الذين مروا بتجارب مشابهة له!



الاثنين، 15 يونيو 2020

ما هي الحقيقة فيما يجري في بطريركية اللاتين في القدس؟



بيت لحم-الحياة الجديدة-أسامة العيسة-ما كان يجري الحديث عنه همسا، وبعيدا عن الإعلام، حول ما تواجهه بطريركية القدس للاتين، خرج للعلن، وبدا الأمر صاعقا، من حجم الديون التي تقل البطريركية.
عندما أنهى البطريرك فؤاد طوال، مهامه كبطريرك للقدس، في 24 حزيران 2016م، امتنع الفاتيكان عن تعيين بطريركا، وبدا الأمر مستغربا، واستدعي بييرباتيستا بيتزابالا، الذي غادر القدس قبل فترة وجيزة، بعد أنهاء عمله كحارس للأراضي المقدسة، ليسمى مدبرا رسوليا.
وأثار تعيين بيتزابالا، التساؤلات، حول امتناع الفاتيكان عن تعيين بطريركا خلفا لطوال، وأيضا حول قومية بيتزابالا، فقد استقر لدى أبناء الرعية انه منذ تعيين البطريرك ميشيل صباح، بطريركا للقدس، أن البطريرك المقبل سيكون عربيا، وهو ما حدث عندما سلم صباح، عصا السلطة البطريركية في 12 حزيران 2008م، لطوال، في كنيسة القيامة.
وكانت هناك أسماء تتردد، لتولي المنصب، مثل المطران وليم الشوملي، وفتح عدم إيضاح الأمور من قبل البطريركية أو الفاتيكان، إلى انتشار شائعات، عديدة، تتعلق بسوء إدارة البطريرك طوال للبطريركية، خاصمة فيما يتعلق بتاسيس جامعة في مسقط رأسه مدينة مادبا الأردنية.
ولطمأنة، من يريد أن يطمئن، أعلنت مصادر في الفاتيكان، بأن تعيين بيتسابيلا، محدد بفترة زمنية، يفترض أن تنتهي أواسط هذا الصيف، وان تعيينه جاء: "لتصحيح وضع البطريركية المالي".
وقبل أيام، نشرت مواقع إخبارية عربية داخل الخط الأخضر، عن ما وصفتها صفقات "مشبوهة" لبيع أراضي اللاتين في الناصرة بثلث السعر، وان الذي يقف خلف البيع، المدبر الرسولي يبيتسابيلا، الذي "يعمل على بيع 300 دونم من أراضي البطريركية في قلب مدينة الناصرة إلي جهات مشبوهة وبثلث سعر السوق، وبمساعدة ثلاث شخصيات من الناصرة وحيفا".
وردا على ذلك أصدرت بطريركية القدس للاتين بيانا، نفت فيه الشائعات  والأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام حول موضوع بيع بعض ممتلكات البطريركية في الناصرة.
وأورد البيان معلومات صادمة عن ديون البطريركية: "لا يخفى على أحد أن بطريركية القدس للاتين تواجه في السنوات الأخيرة عجزًا ماليًا كبيرًا يبلغ حوالي ١٠٠ مليون دولار أمريكي، بسبب سوء الإدارة التشغيلية السابقة، الذي يرتبط مباشرة بالجامعة الأمريكية في مادبا. يذكر أن الديون المستحقة تعود لمصارف مختلفة وليس للفاتيكان".
وأضاف البيان: "في السنوات الأربعة الماضية، تم القيام بعمل هام لإعادة تنظيم الإدارة، رافقه وضع ضوابط وقيود داخلية مناسبة"، ولكن: "مع تراكم الديون الهائلة، وبالرغم من الجهود العديدة المبذولة لجمع المال، فقد اتضح لنا أن الحل الوحيد يتمثل في بيع بعض الممتلكات".
وأوضح: "يتم النظر أيضًا في بيع عدة ممتلكات في الأردن من أجل سداد بقية الدين وتم اتخاذ القرارات في هذا الشأن، حتى وإن كانت الظروف الاقتصادية في البلاد غير مناسبة، نظرًا للكساد الاقتصادي الذي تمر به البلاد. في الأردن، على كل حال، لا يوجد ممتلكات كافية لسداد الدين".
وبين البيان: "لهذا السبب، وبعد عدة محاولات جادة، تم التوصل إلى قرار بيع أراضٍ في الناصرة إذ تمت الموافقة عليه حينها من الأطراف المختصة، من بينها اللجان الداخلية في البطريركية اللاتينية والكرسي الرسولي. يستثني هذا البيع أكثر من ١٠٠ دونم من الأراضي في المواقع المميزة، والمخصصة لمنفعة الجماعة المسيحية في الناصرة في المستقبل".
وجاء في البيان أيضا: "سيتم البيع وفقًا للسعر التجاري واستنادًا لتخمين رسمي. كما ويجري البيع الآن لرجل أعمال عربي. لقد تصعب علينا اتخاذ هذا القرار إذ كان هذا الحل هو الوحيد الممكن. ستنشر البطريركية، في الوقت المناسب، بيانًا شاملًا ومحددًا حول عملية البيع هذه".
وأكد البيان: "إن جميع الأخبار المتداولة والتي تؤكد أمورًا أخرى كثيرة وتختلف في مضمونها عن كل ما ذكر في هذا البيان، أخبار وإشاعات مزيفة، لا أساس لها من الصحة وهدفها التشهير بمؤسسة عريقة".
ومثلما هاجمت بعض الأوساط في الرعية، المدبر الرسولي، فان أوساط أخرى كان لها رأي مغاير، فزار وفد من شباب ورجال حارة النصارى في القدس، المدبر الرسولي في مقره بالبطريركية، وعبروا عن تضامنهم الكامل معه، مؤكدين بأن: "أبناء الرعية تثق بحكمة شخصه الكريمة وإدارته، وان أملاك الكنيسة في الأرض المقدسة هي أمانة في عنقه، ونحن على ثقة تامة انه لن يتخل عن شبر واحد منها لأنه حارس ومؤتمن على الأرض المقدسة".
وعبر المتضامنون مع المدبر الرسولي: "عن غضبهم من التراشق الإعلامي والسموم التي تبث عبر شبكات التواصل الاجتماعي من بعض الخارجين عن وحدة الصف، والذي لديهم مآرب وأهداف وأجندات شخصية منها زعزعة الثقة بين أبناء الرعية و الآباء الأجلاء".  وأكدوا ان كنائسنا و رموزنا الدينية وآبائنا الأجلاء خط احمر".
ومابين المؤيدين والمعارضين للمدبر الرسولي، ميز البعض مواقفهم، مثل يوسف وليم حزبون، الذي قال: "قبل كل شيء المدبر الرسولي الحالي يحمل الكثير من المسؤولة على عاتقه، وهو أفضل ألف مرة من البطريرك فؤاد طوال الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة".
وأضاف: "إذا كان الحل هو البيع لماذا لا تباع ٤٠٪ من أسهم جامعة مادبا لمستثمرين، وهل عرضت هذه الأراضي على كنائس وطنية أخرى؟ أو على رهبانات مثل الفرنسسكان ورهبان الكرمل أو غيرهم؟ هل تم محاسبة المتورطين في هذه الديون؟ هل يوجد فساد؟".
وطالب بنشر ما فعلته البطريركية من محاربة الفساد، والتدابير التي اتخذتها: "لأن هذا سوف يساعد الناس في الكنيسة على الوقوف إلى جانب المدبر الرسولي، وعلى الكنيسة إعطاء الأولوية لأبناء الطائفة المقتدرين على شراء هذه الأراضي بسعر عادل".
وختم حزبون كلامه: "الثقة كبيرة في المدبر الرسولي ولكن لن تستمر إذا لم يكن هنالك شفافية كاملة".