أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 30 أكتوبر 2022

منزل مطل على المرج







 هجر أحمد يونس العيسة، من قريته زكريا في الهضاب الفلسطينية المنخفضة، في منتصف شهر تشرين الأول عام 1948م، لتبدأ رحلة لجوء لم تدم طويلا، فبعد شهور رحل عن الدنيا، وقلبه معلق بمنزله وقريته، في مكان لجوئه قرية سعير، قضاء الخليل.

في مذكرات مختصرة، خط ابن قريته محمد الحاج عبد الفتاح عدوي، بقلم رصاص عن وفاته: "في يوم الإثنين الواقع 13 صفر سنة (...) انتقل إلى رحمة الله تعالى أحمد يونس من زكريا في مستشفى بيت لحم في باب الزقاق، ثم أتوا به وشيع جثمانه في قرية سعير في جانب نبي الله العيص وقد حضره فوج من الأهالي ما ينوف على خمسمئة رجل وكان دفنه بعد غياب الشمس".

بالنسبة لأحمد يونس، كانت شمسه بدأت بالغروب، منذ تشريده، وتركه منزله الذي بناه، وجلسته أمامه، متأملا سهل أجنادين عند أقدام تل زكريا، حيث كان يزرع القمح والشعير، مثل باقي أبناء القرية التي اعتمد اقتصادها، بشكل رئيس على الزراعة.

أخذ المرج اسمه، من معركة أجنادين الحاسمة بين العرب والبيزنطيين عام 634 م، ويمتد لأراضي عدة قرى مهجرة، مثل عجور، وتل الصافي، وبيت نتيف.

المنزل، الذي رحل أحمد يونس عنه، في بداية رحلة اللجوء، استوطنه آخرون، وهو واحد من ثلاثة منازل لم تهدم في قرية زكريا وقطنها مستوطنون.

أدخل المستوطنون، تغييرات على المنزل كما يقول إبراهيم الخطيب، الذي هُجِّر من قرية زكريا طفلا: "أضاف المستوطن الذي استولى على المنزل القرميد، فالمنزل بني من الإسمنت المسلح وأمامه شرفة واسعة، وهو يتكون من غرفتين، وحوله قطعة أرض مسورة، بسنسلة حجرية بارتفاع مترين تقريبا، تقصر قليلا من أمام البيت فيما بعد، وأمامه شجرة خروب ضخمة، يبدو أن المستوطن قطعها لكنها نمت من جديد".

صورة هذا المنزل، ومنازل القرية الأخرى، احتفظت بها الذاكرة التسجيلية الطفولية للخطيب، المقيم الآن في عمان، مستعيدا ذكرىات قريته.

يقول الحقوقي شوقي العيسة: "هذا منزل جدي، استولى عليه مختار المستوطنين الذين استوطنوا قرية زكريا".

خاض العيسة مغامرة خاصة، عندما زار المنزل مع خاله محمد يونس، في عام 1997م، بعد تمكن الخال من الدخول لفلسطين، بتصريح زيارة.

يروي العيسة: "وصلنا المنزل، وبدا خالي متأثرا، وهو يرى المنزل الذي رأى فيه النور، وشهد طفولته، لأول مرة منذ النكبة وقد سلب من المستوطنين".

يضيف: "تحدثنا مع المستوطن، الذي أخبرنا أن والده مختار المستوطنين مات، وهو يجري إصلاحات في المنزل استعدادا للزواج".

يظهر فيديو، صور عن زيارة الخال للمنزل، يقول فيه المستوطن: "بيت جديد، وزوجة جديدة"، بينما يستمع الخال صامتا تختنق الكلمات لديه، فلا شيء يمكن أن يعبر عن الموقف، واغتصاب منزله، وتوارثه من قبل المستوطنين.

خلال الزيارة، كان الخال، كما يقول العيسة، متوترا ومتأثرا، وعمد الخال، وهو مهندس زراعي، إلى إحدى الأشجار فقطع أغصان، ليزرعها في منزله في الأردن.

ولد الخال في المنزل المغتصب عام 1937م، ورافق عائلته في رحلة اللجوء، وشهد وفاة والده ودفنه في سعير، ثم انتقل مع العائلة إلى مخيم النويعمة في أريحا، قبل الاستقرار في مخيم الدهيشة، قرب بيت لحم.

انضم للحركة الوطنية، واعتقل في عام 1957م، وأفرج عنه 1965م، حصل على شهادة في الهندسة الزراعية عام 1977م، من يوغسلافيا السابقة.

يعكف الآن، على كتابة مذكراته، التي بدأها من طفولته في المنزل المغتصب، وأجواء قرية زكريا التي سبقت النكبة، التي رصدها طفلا، وتضارب الأخبار، وسماعها من الراديو في منزل المختار، المغتصب الآن، وما زالت بجانبه شجرة رمان صمدت رغم العصف بمعالم القرية.

يمكن للأشجار، أن تحرس المنازل، حتى يعود أهلها.

https://www.alhaya.ps/ar/Article/141701?fbclid=IwAR2NkX_aRChxNhlaPCxaRNekLJqQ1d5UOTv_9x-paw30xHE8hNtNj_NRlO8