أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 31 أغسطس 2019

الحرية لا تتجزأ..!



لم أسمع بالأستاذ رامي شعث، قبل اعتقاله على يد مخابرات السيسي، لنشاطه ضد التطبيع مع دولة الاحتلال، ولا أعرف موقفه، كممثل لمنظمة المقاطعة، من مواقف والده الدكتور نبيل السياسية، والتي تتضمن، بحكم مناصبه في السلطة وفي منظمة التحرير التي اعترفت بإسرائيل، نشاطات تطبيعية.
لم أستاء من الدكتور نبيل، ولم أسخر من إعجابه بمغنية إسرائيلية، كما فعل كثيرون لدى إعلانه ذلك، ولعله، بالإضافة إلى التعبير عن ذوق فني تجاه مغنية يهودية شرقية شعبوية، جزء من أسلوبه للتأثير في الرأي العام الإسرائيليّ، واختراق قلعة العدو، ولكنني تضايقت من صوره مع مفاوضين إسرائيليين في منتجعات مصرية. عندما يفاوض قادة حركة تحرر، العدو، فإنهم لا يلتقطون مع مفاوضي العدو تلك الصور المبالغ فيها من الضحك، والانسجام، وأجواء الصداقة، فالصور في هذه الحالة، مع القتلة، تحمل رسائل لنا كشعب تحت الاحتلال، وللعالم.
ولا أعرف مشاعر الدكتور نبيل، الذي بدأ بعد "فشل الجهود الدبلوماسية" لإطلاق سراح رامي، إطلاق حملة تضامن مع ابنه على صفحات التواصل الاجتماعي.
أقول لا أعرف مشاعره، التي افترض أنها تكونت بأثر رجعي تجاه أهالي المعتقلين السياسيين، من قبل النظام السياسي الفلسطيني الذي كان الدكتور نبيل، في مطبخه بجوار الرئيس الراحل ياسر عرفات.
لم نسمع صوتاً للدكتور نبيل في إدانة الاعتقال السياسي، أو التضامن مع الأهالي، عندما كان نائبًا يمثِّل الشعب، ولم نجده يقدم استقالته وهو وزير، احتجاجًا على الاعتقال السياسي.
هذه الخواطر خطرت لي، عندما تلقيت منه، كما الآخرين بالطبع، طلبًا للإعجاب بصفحة أسسها للتضامن مع المعتقل السياسي في سجون السيسي رامي شعث.
بالنسبة للأحرار، فالحرية لا تتجزأ، فقط لدى العبيد، الحرية لها مقاسات، وتفصيلات.
الحرية لرامي شعث، من سجون نظام كامب ديفيد، والحرية لكل المعتقلين في سجون الممانعة، وغير الممانعة، وفي معتقلات الرجعية، والتقدمية، في العالم العربي، وكل العالم.


الجمعة، 30 أغسطس 2019

ألقاب الحكّام الحربية..!









كما الآن، حدث أيضًا في الأمس..!
 أبو منشار؛ لقب يلصق، الآن، بحاكم سفيه، وأحمق، وفي أمس يافا، بداية القرن التاسع عشر، سيعرف حاكمها محمد أغا بأبي نبوت، والنبوت سلاح، استخدمه متسلم المدينة وعرف به، في عصر المدافع.
لكن الفروق يمكن أن تكون واضحة، حتّى بالنسبة لأصحاب الألقاب الحربية، ففي عهد أبو نبوت، ازدهرت يافا، وما زالت بعض المنشآت التي بناها قائمة، مثل بوابة القدس (الصورة)، التي بناها أبو نبوت في أسوار يافا بعد تحصين المدينة وتقوية أسوارها.
وضع أمام البوابة التي أخذت اسمها لأنها تفضي إلى طريق القدس، نقطة حراسة، وفوقها نصب مدافع، وخارج البوابة وفي منطقتها ازدهرت أسواق عروس البحر الأبيض المتوسط.
ماذا سيترك أبو منشار، ليذكّر به؟ غير ركام وحطام ومغامرات حروب، يذهب فيها أبرياء.

الخميس، 29 أغسطس 2019

استشراق المستوطنين..!













لكل من قادة الحركة الصهيونية رحلته في فلسطين، مشوا على الأقدام، وبالمركبات للتعرف على البلد الذي سيستعمرونه، والتقوا النّاس الذي لم يروا فيهم، إلّا استمرارًا لتقاليد الحياة كما جاءت في العهد القديم، وتحمس بعضهم كبن غوريون مثلاً في اعتبار بدو فلسطين، الدليل على استمرار تقاليد بني إسرائيل القدماء، وسير الرحلات إلى مضارب البدو الذين يثبتون بالنسبة له، إدعاءات أيديولوجية.
بالطبع ستتغير الأمور، وتمارس بحق شعبنا، بفئاته كافة، عمليات تطهير عرقي.
بالنسبة للمستوطنين في الضفة الغربية، امتلكوا أيضا نظرة مزدوجة تجاه ناسنا، فمن جهة هم هدف للقتل، والطرد، وسرقة أرضهم، ومن جهة أخرى، أعجبوا، وإن باعتراف بدا خافتا، وازداد مع السنوات، بثقافتهم الضاربة الجذور.
ولكن لم تخلو النظرة من استشراق بدا قديما، فلم يروا في تقاليد الفلاحين، مثلا، إلا استمرارا لنشاط شخوص توراتية كراعوث المؤابية وبوعز.
في بداية القرن العشرين انتشرت صور فلاحات بيت ساحور في حقل الرعاة، وكأنهن حفيدات راعوث، وبدن في الصور، بالأثواب المطرزة، جميلات،مرفهات، والصور الكثيرة المتاحة الآن على مكتبة الكونغرس تكذب، ولا تظهر فيها معاناة الفلاحات وكدهن في حقول الفقوس.
صور الساحوريات وقد خلعن الثوب التقليدي، يظهرن على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بمدينة ييت ساحور، أقل جمالا من تلك الصور القديمة التي لم ير فيها مصورو الكولونيالية الأميركية في القدس، إلّا استمرارا لحكاية راعوث في العهد القديم، وإنجيل متى.
هذه صور تعود لسبعينات القرن الماضي، التقطها مستوطنون في الضفة الغربية، تظهر إعجابا بيوميات الفلاحين الفلسطينيين، وتم نشرها من قبلهم على الفيس، ولكن ضمن مرجعية ترى في الفلاحين، مشاهد فلكلورية ضرورية، في ملحمة العصف بالأرض والإنسان التي تنفذها الحركة الاستيطانية.

الاثنين، 26 أغسطس 2019

هذا هو أبو الفهد..!



هذه صورة أحد رموز الاحتلال البشع، الرمز والاحتلال، تعود لعام 1986م، مقتصة من فيديو نشره الصديق طارق صبح لعيد الميلاد في بيت لحم عام 1986م، وساعد الصديق مراد الخمور في قصها من الفيديو.
فيما يلي ما يخص أبو الفهد، في شهادة لي تعود لعام 2013م، نشرت في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، انشرها بمناسبة الحصول على صورة واحد من مجرمي الاحتلال
**
في أوائل ثمانينات القرن الماضي، ظهر شخص شديد العنف، يهودي من كردستان العراق، في منصب مستشار حاكم بيت لحم العسكري، وأطلق على نفسه اسمًا كوديًا: أبو الفهد، على الأغلب رأى أنه يناسب الدور المكلف به. يجيد العربية، كواحد من أبنائها، وكان يضطلع بدور قامع المظاهرات البشع. وضع أبو الفهد، لسبب ما، مطاردة الكتب في بيوتنا هدفًا له، مما ضيق حلقة الحصار الثقافي علينا، وعلمنا أنه يتمتع بقراءة كتبنا، وبعضنا رد على ذلك الحصار بحيلة، وهي زيارة مكتبة الجامعة العبرية بالقدس، التي كانت توفر لطلابها جميع المنشورات الفلسطينية بما فيها مجلات فصائل المقاومة في بيروت، ويمكن تصور متعة الواحد منا وهو يقلب بأمان صفحات مجلات مثل «الحرية»، أو «فلسطين الثورة»، أو «الهدف»، بعيدًا عن صفعات أبو الفهد الخشنة. في عام 1984 خيم أمام مخيمنا الحاخام ليفنغر، مطالبا سلطات الاحتلال باتخاذ إجراءات رادعة لمنع أولاد المخيم من رشق سيارات المستوطنين، وتم فرض حظر تجوال طويل على المخيم. وفي يوم، وأنا في غرفتي محبوسا مثل باقي أهالي المخيم، دخل الأديب الإسرائيلي سامي ميخائيل ومعه مصور، وقال لي بأنه جاء ليكتب عن معاناة السكان. وباغتني بسؤال: الكاتب تكون لديه على الأقل مكتبة، أين مكتبتك؟ أجبته، بأنني أخبئ كتبي تحت الأرض، لأن كل اقتحام من قبل الجيش يؤدي ليس فقط إلى مصادرتها، ولكن أيضا إلى ضرب، وأحيانا المحاكمة بتهمة حيازة مواد ممنوعة، ورويت له كيف داهم أبو الفهد، أخيرا المنزل، وصادر كتاب «عرس بغل» للطاهر وطار، واستدعاني للتحقيق، من دون أن يعلم أن أحداثها تدور في ماخور، وليس لها علاقة بشيء اسمه فلسطين، وبقيت مرميا من الصباح حتى المساء أمام مكتبه في مقر الحاكم العسكري الذي كون فيه مكتبة لا بأس بها من كتبنا المصادرة، وفي نهاية كل يوم يخرج أبو الفهد من دون كلمة ليسألني: الكتاب لك؟ فأقول له نعم، فيطلب مني أن أعود في الغد، وهكذا توالى اعتقالي النهاري. ضحك سامي ميخائيل، وقال: أنتم تخبئون الكتب تحت الأرض، ونحن نخبئ الدولارات تحت الأرض، ترى لمن سيكون المستقبل؟ في تلك الفترة، شاع أن كثيرا من الإسرائيليين يخبئون الدولارات بعيدا عن البنوك للتحايل على قوانين نظمت التعامل مع العملة الصعبة. آخر مرة شوهد فيها أبو الفهد، بعد تقاعده، وهو يبيع الخضار على بسطة في سوق محني يهودا الشعبي في القدس الغربية، يمضي وقته في مجادلة العجائز اليهوديات. يبدو أن القراءة لم تفده، بعكسي، فهي أنقذتني من أن لا أكون أي شيء سوى نفسي، ونفسي فقط.
https://aawsat.com/home/article/10173

الجمعة، 23 أغسطس 2019

مراجعات الرفيق رماز..!



نشط الرفيق رماز، في صفوف اليسار الفلسطيني البراغماتي، ودفع ثمن اختياراته، سنوات طويلة في سجون الاحتلال.
كان مشاغبًا، متسائلاً، فنانًا، مثّالا وعندما قرر، بعد هزيمة أوسلو بسنوات، الهجرة إلى الدانمرك، أدرك، وقد ترك خلفه، الاختيارات التي غيّرها، أنه يمكنه أن يساهم، بتقديم مراجعات فلسفية، للتراث الإنساني الفكري، فعكف على الكتابة، وأصدر خلال عام نحو خمسة كتب، قد يكون أهمها وأكبرها: الشيفرة الكونية، وفيه يراجع ويقترح، خلال أكثر من سبعمائة صفحة، مسلمات، ونظريات.
ربما لو ظلّ في اختياره اليساري السابق، لاتهم، من الرفاق بالهرطقة. ليس لدى رماز تطلعات كبيرة بشأن ما يقدمه، ولكنّه يقول بأنه يبذر، رغم معرفته بقحالة الصحراء التي يستهدفها، لعلّ وعسى.
ربما يلفت ما يقدمه رماز، في ما صدر له، وما سيصدر، المهتمين بالفلسفة، ويقدمون مراجعات، وانتقادات، وإضافات.
سيغادر رماز، بلاده غدًا إلى بلاده الجديدة، وستكون لدى عودته، بعد أشهر، ندوة، أو أكثر عن كتبه.

الخميس، 22 أغسطس 2019

آخر من تبقى من (خلية القيامة) يتحدث






كان عمر اسحق مصطفى قُنيص، 14 عاما، عندما وقعت النكبة، فانضم إلى قوافل اللاجئين، تاركا قريته عين كارم غرب القدس، إلى مدينة بيت جالا.
ولم يكن أمامه إلا الانضمام لسوق العمل الرائج آنذاك في المدينة، وهو ما يتعلق بتشذيب الحجارة، المستخرج من المحاجر، وتجهيزها للبناء، فأصبح دقّيقا، بلغة أهل المهنة.
وبدأ عمله في محاجر الدهيشة، المعروفة بصخرها القاسي، الذي أُطلق عليه اسم مزي يهودي، ويميل هذا النوع من الحجارة إلى اللون الأزرق، وكان مرغوبا لتحمله الظروف البيئية المختلفة.
ويتذكر قُنيص، الذي قابله مراسلنا في منزله في مدينة بيت جالا، ما يصفه الإقبال الشديد على حجر الدهيشة، وتصديره خصوصا إلى العاصمة الأردنية عمّان، حيث كان يعمل مع زملائه في الورش المحلية هنا، لتجهيز حجارة البناء، لنقلها إلى عمّان، وكان ذلك خلال عامي 1953-1954م. ومن المباني التي شيدت بحجر الدهيشة، كما يذكر قُنيص، مبنى قيادة الجيش الأردني في حي العبدلي في العاصمة الأردنية.
وانتقل قُنيص، وهو من مواليد 1934م للعمل في محاجر إصْليّب، التي اشتهرت بحجارتها الحمراء، والتي صادرها الاحتلال بعد حزيران 1967م، وحولها إلى مستوطنة جيلو.
ولكن التجربة الأهم، بالنسبة لقنيص، هو عمله في كنيسة القيامة في القدس، ضمن فريق من الحجّارين الفلسطينيين، لمدة عشرين عامًا، ولم يبق على قيد الحياة منهم سواه، والمعلم شكري أبو الريش (أبو جورج).
يتذكر قُنيص: "كنت أوّل من عمل في كنيسة القيامة مع زميل لي من بيت جالا هو حنا سابا، وكان ذلك في 16-10-1962م، وبدأنا العمل، بإزالة الحجارة التالفة في الكنيسة، ووضع بدلا منها، حجارة أخرى، بعد دقها وتهذيبها، ثم أتى آخرون للعمل، ومعظمهم من بيت جالا من بينهم: نخلة قيسية، وجريس زيدان، وشكري موسى، ونقولا مطلق، ويعقوب عيد، وعايد العلم".
عمل الحجارون في كنيسة القيامة، وعلى رأسهم المعلم جريس نسطاس، ليس فقط في الترميم، ولكن أيضا في تجهيز الكتل الحجرية المستخرجة من محاجر أم الشرايط في مدينة البيره، كرؤوس وقواعد أعمدة.
ويسمى الحجر المستخرج من محاجر أم الشرايط، بالحجر الملكي، ومن ميزته ليونته، وقربه من الحجارة في كنيسة القيامة.
كان قُنيص، كما يقول، ليس فقط أوّل من عمل في كنيسة القيامة ولكنه آخر من ترك العمل، بعد عشرين عاما ونصف.
يقول قُنيص: "تركت العمل، لانتهاء الأشغال وذلك في شهر نيسان 1983م، وعندما بدأت كنت أتقاضى دينارا أردنيا واجدا في اليوم، وعندما غادرت، كنت أتقاضى أربعة دنانير".
ويتذكر قُنيص، كيف تلقوا خبر اندلاع الحرب عام 1967م، وغادروا الكنيسة، إلى بيت لحم، سالكين طريق وادي النار الوعرة، مشيا، ولم يحصل انقطاع عن العمل إلا لأيام قليلة، عاد بعدها إلى رحاب كنيسة القيامة، ليدق الحجارة، وعندما يحين موعد الصلاة، يتجه إلى مسجد عمر بن الخطاب القريب، ليؤدي صلاته، ويقفل عائدا إلى الكنيسة، ليكمل عمله.
طوال فترة عمله في كنيسة القيامة، اشتغل قُنيص مع الروم الأرثوذكس، تحت توجيهات مهندس يوناني مختص، بينما عمل قسم آخر مع اللاتين، وقسم آخر مع الأرمن، وقسم رابع في المكان المشترك بين الطوائف في الكنيسة، ولكل مجموعة من الحجارين، مهندس ومراقب.
ولكن هناك من عمل مع جميع الطوائف، كما حال جريس نسطاس، كما يؤكد ابنه جورج، وهو متخصص في الفنون، والذي يشيد بالدور الذي اضطلع به الحجارون، خلال عشرين عاما في كنيسة القيامة.
ويتذكر قُنيص، باحترام، زميله المعلم جريس نسطاس، قائلا: "كان المعلم جريس، فنانا في عمله، ونحاتا، وأبرز أفراد الفرق التي عملت في كنيسة القيامة، وتركز عمله في الكورنيش، ورؤوس الأعمدة، التي تحتاج إلى موهبة وعناية خاصة، وحرفية لافتة".
ومن أبرز أعمال قُنيص في كنيسة القيامة، كما يقول: "عملت على عمودين في منتصف الكنيسة، طول العمود ثلاثة أمتار، وحفرت الكورنيش اللولبي على كل منهما، واستغرق العمل، على كل عمود، شهرين، وتتبعت ما رسمه لي المهندس، واكتشفت خطأ للمهندس في تفصيل معين، فبادرت وغيّرت، وسرت على التتابع السابق، وجاء من شكاني للمهندس، الذي عندما علم ما فعلت، أثنى على عملي".
من الأدوات التي استخدمها قُنيص: شاكوش، ومطبة، وازميل، وشوكة، وشاحوطة، والأخيرة تستخدم للحجر اللين، بعكس المطبة التي تستخدم للحجر القاسي.
وبعد الاحتلال، عمل قنيص، وأعضاء في الفريق، لفترات متفرقة، في باحة دير مار الياس قرب بيت لحم، أو في كنيسة المصلبة غرب القدس، لتجهيز الأعمدة والحجارة، ثم نقلها إلى كنيسة القيامة، وهذا أسعل لطبيعة العمل.
وعن الفرق بين الدقّيق الحالي، والسابق يقول قُنيص: "في السابق كان الواحد منا يستلم كتلة الحجر كما هي، مجرد دبشة، أما الآن، فان الدقّيق يستلمها بعد نشرها على المنشار، وجاهزة للتشذيب".
عندما يذهب قُنيص إلى الصلاة في المسجد الأقصى حاليا، يقصد كنيسة القيامة، ويجلس في باحة نصف الدنيا في الكنيسة، متأملاً عمله، وعمل زملائه.
يقول قُنيص: "أحن لتلك الأيام في الكنيسة، والتي اعتبرها الأهم والتي ما زلت أذكرها، في مسيرتي المهنية، في الواقع أكاد لا أذكر إلا هي".
عندما خرج قُنيص، من قريته عام النكبة، اعتقد مثل الآخرين، بأن الأمر لن يستغرق سوى أسبوعين، وسيعود، ولكن السنوات كرت، وعاد إلى قريته، زائرا، ليتفقد منزل العائلة، الذي تقطنه عائلة يهودية، ولكن رب العائلة التي استولت على المنزل، لم يسمح له بالدخول، وإلقاء نظرة على المنزل الذي ولد ونشأ فيه قُنيص.
يقع منزل قُنيص في وسط عين كارم، قرب الكنيسة اللاتينية، ويتذكر تفاصيل الحياة اليومية المزدهرة في قريته، حيث عاش المسلمون والمسيحيون، ونسجوا علاقات استمرت بينهم حتى الآن.


الأربعاء، 21 أغسطس 2019

مبدع موناليزا بيت جالا..!



في موضع منزوٍ في واجهة قصر شهوان في بيت جالا (بني في الربع الأوَّل من القرن العشرين)، يقبع هذا الرأس، الذي يُمثل امرأة من بيت جالا، وهو أوَّل نموذج معروف يظهر فيه غطاء الرأس الشطوة، الزي التقليدي المحير لنساء بيت جالا وبيت لحم وبيت ساحور.
وتتدلى من الشطوة قلادة تحوي العملات ومنها العملة الرئيسة العثمانية، سننحي تحية لجهد الفنان لإبراز الطغراء على العملة.
كتبت سابقًا عن ما سميتها مونليزا بيت جالا، مشيرًا إلى: "لا نعرف اسم المَثَّال، وهو واحد من أعدادٍ كبيرة من الحجارين الذين عرفت بهم بيت جالا وبنوا العمائر في بيت لحم والقدس ورام الله وغيرها. لقد صنعوا مجد عصر الحجر الفلسطيني".
ولكن المعلم في صناعة الحجارة شكري أبو الريش، أخبرني بأنّ مبدع المنحوتات على قصر شهوان، هو المثّال يعقوب ربّاع، وهو من جيل سابق، وتحدث عنه بإعجاب، ولكنه لا يعرف عنه تفاصيل.
لا لمسات جمالية تظهر أنوثة صاحبة الوجه، وإنما نشعر بفلاحة كدها التعب والعمل في الأرض وقطف الزيتون، والإنجاب الذي لا يتوقف، وقهر الاكليروس الأرثوذوكسي والتقاليد.
مسحة كبرياء وتحدي على وجه المرأة التي عاصرت البريطانيين، والمصريين، والأردنيين، والإسرائيليين، والفلسطينيين، وكانت شاهدة على سرقة جنود الاحتلال لتماثيل نسور بعد حزيران 1967م، وعلى قصف احتلالي خلال انتفاضة الأقصى، أطاح برأس آخر على شرفة القصر، وخصصت مجلة نيوزويك في حينه، خبرا صمنته صورة الرأس المقصوف.
على الأرجح فان الحجر الذي استخدمه المَثَّال، من محاجر إصليب التي ترنو إليها المرأة بعينين حادتين، وقد أصبحت مستوطنة جيلو، التي وقفت فيها ذات مرة هيلاري كلينتون ودعت لقصف بيت جالا.

الثلاثاء، 20 أغسطس 2019

قراءة في التجربة الروائية لأسامة العيسة/حسن قطوسة



كلمة لا بد منها
الرواية قضية كبرى وموقف من العالم والحياة، وأي نص لا يتمترس خلف قضية إنسانية أو جمالية أو فلسفية أو وجودية لن يكون أكثر من ثرثرة عابرة لن يكترث بها نهر الحياة المتدفق أو همهمات المارة في الغدو والآصال، وهذا ما أدركه أسامة العيسة قبل أن ينزف حرفا واحدا في صفحة السرد الفلسطيني في هذا القرن، إذ قرر وعن سابق إصرار وترصد أن يكتب تاريخ الفقراء والمهمشين الذين تجاهلهم التاريخ الرسمي ومؤسساته البيروقراطية وكتبة التنظيمات والفصائل، وهذا ما منح نتاجه الأدبي قوة وعنفوانا وقاعدة واسعة من القراء والمتابعين وهم الأكثرية.
عن الكاتب
صحفي يقيم غي بيت لحم وخبير في الآثار ينحدر من قرية زكريا المهجرة، تعانق هذا الثالوث في بناء عالمه الروائي وتشيده (حيث طغى أسلوب التقرير الصحفي في قلم الخبير بالآثار والأساطير في محاولة لقراءة الظواهر من جذورها وفي حس الأسطوري الذي تعاقب على بناء المكان) 
البناء الروائي عند أسامة العيسة
لقد استطاع العيسة أن يؤثث عالمه الروائي بمداميك من التاريخ والجغرافيا والأسطورة والفولكلور والأغاني الشعبية والتراثية والعادات والتقاليد في كل المراحل التاريخية التي تناولها في مسيرة قلمه المتدفق بلا حدود ليشكل بهذا اسما أدبيا وظاهرة ثقافية يجدر بأي دارس أو قارئ حساس للأدب الفلسطيني أن يلتفت لها مليا.
أظن أني قد أتيت على كل نتاج العيسة الروائي (قط بئر السبع، المسكوبية، مجانين بيت لحم، قبلة بيت لحم الأخيرة،نهر على جسر الأردن، وردة أريحا)
وسأحاول في المقال أن أمسك بالخيط الرفيع الذي يجمع هذه الروايات وأن ألقي الحمولة الجمالية والمعرفية التي خزنتها هذه الروايات في بهو الروح اللولبي.
لا يكتب العيسة رواية التخيل التاريخي أو التأريخ ولا يسعى بأن يكون من كتاب هذا النوع من الرواية ويرفض هذا التصنيف لرواياته رغم محاولة البعض إدراجها في هذه الرواية، إلَّا أنه مهووس بالتاريخ والمكان عندما يصرّ في كل مكان أن يرجع للجذور والأساس وأصول التسمية في محاولة منه لدحض الرواية الصهيونية ولتجذير الهوية (كتب عن أحمد عبد العزيز البطل المصري الذي شكّل قوات لقتال الصهيونية قبل النكبة وفجر الوكالة اليهودية في القدس ولم يبق منه إلا شاهدة قبر مهجور في أراضي بيت لحم، وتحدث عن جبل النبي يونس وسبب تسميته المرتبط بأسطورة قذف يونس من بطن الحوت في هذا الجبل، وعن عين أيوب التي أسكن قربها ولم أنتبه لها، وعن شهيد من قرية دير بزيع، وعن المسكوبية التي كانت معسكرًا للجيش الروسي وعن نهر الشريعة والمعارك التي جرت فيه ،وعن مجزرة قبيا التي أحرجت الجيش الأردني قبيل النكسة وعن عذابات الأسرى في غياهب السجون وعن بيت لحم وكنائسها وجبالها وأوديتها ومخيماتها وعن التلحمي الذي قاتل مع جيفارا وعن مؤسس أوَّل دار سينما وعن المجانين وتاريخ في الدهيشة فهناك السياسي المهزوم والعاشق الخائب وعن جامعي الضرائب والأعراس وأسماء الريح والمطر وعن قط بئر السبع الذي شكل حاملا إنسانيا للأسرى ومأزقا لإدارة السجن وعن نهر الأردن والقبائل التي مرت به والمعارك التي جرت قربه والجيوش التي عبرت به إلينا، ولست في وارد سرد الموضوعات التي تناولتها رواياته بقدر إصراره على الغوص في جذور المكان وهويته، فتحس أن للحجارة تاريخ وهوية وشهادة ميلاد وشرعية مستمدة من المكان وكذلك لأناس هذا المكان وتقلب الدول عليهم وتحولاتهم عبر الزمن، وهذه مساحة أغفلها التاريخ الرسمي ومؤسساته وكتبة الظروف الطارئة، وقد أحسن اختيار هذه المساحة التي تتيح له مادة حكائية ثرية)
يقول درويش (من يكتب حكايته /يرث أرض الكلام ويبلغ المعنى تماما) وقد بلغ العيسة المعنى عندما أنحاز للفقراء الذين عبدوا بأجسادهم جسر العبور للقوافل والجيوش، من كان يظن أن هناك رواية ستكتب عن مجانين بيت لحم التي كانت محل نكتة وتندر لنا في أحايين كثيرة، من كان يتوقع أن يرفع العيسة هؤلاء المجانين المهمشين لمصاف الحكايات العظيمة، لقد كتب عن هؤلاء المجانين وانفعالاتهم وتاريخهم الثوري والعاطفي الذي يختصر البلاد بوجعها وامتدادها، وانتقد اليسار الفلسطيني وانكساره في روايته (قبلة بيت لحم الأخيرة) عبر تحولات المكان في هذه المدينة التاريخية التي تفوح بعبق التاريخ وتتغلب على مكر الجغرافيا (كي تكونوا عالميين كونوا محليين)، فالسحر موجود في أدق التفاصيل الصغيرة التي تحيطنا .
روايات العيسة لا تكاد تخلو من أغنية شعبية أو موَّال حزين أو أنشودة قومية لقد استطاع مزج كل هذه المكونات في بوتقة سحرية كقطعة الناس التي ترفه عين المبصر في متحف بعيد
الآن سأجمل خطاب كل رواية على حدة
قط بئر السبع (تنتمي لأدب السجون وتختلف عنه في نفس التوقيت، قط يدخل للأسرى فيحتووه ويعتنوا به مما شكل إحراجا لإدارة السجن التي تعلن حالة التأهب القصوى لإخلاء هذا القط، الانتصار على السجان معنويا وتاريخيا فحتى القطط كنعانية ولا تدين للطارئ بالولاء)
المسكوبية (يبدو أن العيسة لم يستنفد حكايته في السجن، فحاول رصد تحولات الحركة الوطنية من خلال كوكبة من السجناء والمعتقلين في سجن كان معسكرا للجيش الروسي)
روايات السجن عند العيسة مفتوحة النوافذ تستقبل الهواء الرطب وتتغلب على كل قولبة مما منحها  نسغ الحياة.
مجانين بيت لحم (خطاب المهمشين والبسطاء الذي أغفله التاريخ الرسمي)
قبلة بيت لحم الأخيرة (تحولات المكان ومحاكمة اليسار الفلسطيني سرديا)
نهر على جسر الأردن (حكاية جندي مجهول لم يقاتل)
وردة أريحا (جريمة قتل تفكك حكايا أهل المكان وتحولاته)
لا أزعم أني أتيت بالكلمة الفصل في هذا المقال وربما يضيق هذا الفضاء بالحديث عن النتاج الأدبي للعيسة، وما أردت إلا الإشارة لهذا الرجل وأدبه.

الاثنين، 19 أغسطس 2019

فضائل الفساد الشرقي..!



أمضى ضافي الجمعاني أكثر من ثلاث وعشرين عامًا في سجون حافظ الأسد، وكان آخر من أُفرج عنهم من القياديين العبثيين، من رفاق الأسد. سهر معه يوم الخميس، ويوم السبت سجنه، ولم يسأله أحد أي سؤال طوال فترة اعتقاله الطويلة.
كم مرة تذكر الجمعاني، تلك السهرة مع رفيق الدرب، وهو يعد الأيّام في سجنه الطويل؟
في الفترة التي أمضاها وحيدًا، في المستوصف، كتب تجربته، وذهنه ضافيًا، كما قال، وعندما قرروا أخيرًا إطلاق سراحه، طلبوا منه جمع أغراضه، فوضعها في حقيبة ومنها مخطوطة الكتاب، وعندما استلم الحقيبة منهم، بعد خروجه اكتشف انهم سرقوا كل أغراضه، ولكنّهم تركوا المخطوطة، فهي لن تفيد صغار النظام بشيء.
المخطوطة أصبحت كتابًا، قرأته قبل سنوات، وحينها تساءلت كيف وأين كتب كتابه؟ ولم أكن أعرف أنه نجا، بسبب فساد مستشر في أنظمة القمع الشرقية، ولا حل له.
يا لفضائل الفساد الجاهل..!
للكتب، مثل البشر حكايات، وقد تكون لحكاية كتاب الجمعاني، تتمة، عل أحدهم يتتبعها، ويكتب لنا عنها وعن حكايات كتب عربية أخرى.

الأحد، 18 أغسطس 2019

شقراء قيسارية وجاسوسها اليهودي ومفهوم الهوية..!











قيسارية؛ حبة العقد في مشروع عظيم فلسطين، هيرودس، تطورت في العصر البيزنطي، لتضحى، نموذجًا للتعددية الفلسطينية، ربما كما حلم بها هيرودس حاكم فلسطين العَلماني. هذا ما يمكن أن نستشفه من الحفريات واللقى الأثرية، ولكن أيضًا من إخباري القرن السابع الميلادي البلاذري (ت: 892 م (297 هـ).
ليس لدى البلاذري معلومات يقينية حول تاريخ فتح العرب لقيسارية، مشيرًا إلى أن ذلك تم ما بين سنتي 18-20ه.
لا شك أن البلاذري، يبالغ عندما يذكر بان معاوية بن أبي سفيان عندما فتح قيسارية وجد بها: "من المرتزقة سبعماية ألف، ومن السامرة ثلاثين ألفا، ومن اليهود مائتي ألف، ووجد بها ثلاثمائة سوق قائمة كلها، وكان يحرسها في كل ليلة على سورها مائة ألف".
وقد يكون جنوحه للمبالغة، سببه إظهار البأس الإسلامي في فتحها، وتغلب فئة مؤمنة صغيرة على فئة كافرة كبيرة، ولكن من ناحية أخرى، ربما لا تبتعد أرقام البلاذري كثيرًا، عن ما نعرفه عن ازدهار فلسطين البيزنطية.
الحفريات الأثرية، أكدت تعددية قيسارية بشكل جزئي، كما ذكرها البلاذري، فمن بين ما كشفته، في السنوات الأخيرة، كنيس سامري يعود للعصر البيزنطي.
ويمكن لفلسطينيٍّ معاصر محبط من الهزائم، أن يشعر بزهو، للعثور أخيرًا، على جاسوس يهودي، عندما يقرأ للبلاذري: "كان سبب فتحها أن يهوديًا يقال له يوسف أتى المسلمين ليلاً فدلهم على طريق في سرب فيه الماء إلى حقو الرجل على أن أمنوه وأهله، وأنفذ معاوية ذلك. ودخلها المسلمون في الليل وكبّروا فيها، فأراد الروم أن يهربوا من السرب فوجدوا المسلمين عليه. وفتح المسلمون الباب فدخل معاوية ومن معه. وكان بها خلق من العرب".
يشير البلاذري إلى وجود شقراء في قيسارية، يقال أن اسمها شعثاء، ولكن يبدو انها ليست أية شقراء، مشيرًا إلى انها من قال فيها شاعر الرسول الكريم، حسان بن ثابت:
تقول شقراء لو صحوت عن الخمر    لأصبحت مثرى العدد
في العقد الفريد، وديوان حسان، نجد البيت مع اختلاف بسيط، وأبيات أخرى:
تقول شعثاء لو صحوت عن ال ... كأس لأصبحت مثري العدد
أنسى حديث الندمان في فلق ال ... صبح وصوت المسامر الغرد
لا أخدش الخدش بالجليس ولا ... يخشى نديمي إذا انتشيت يدي
يأبى لي السيف واللسان وقو ... م لم يساموا كلبدة الأسد
وحسب شارح ومحقق ديوان حسان (القاهرة/ المطبعة الرحمانية/1929م)،  عبد الرحمن البرقوقي، فإنَّ الشقراء، تحث حسّان، ليقلع عن الشراب، ليصبح ثريًا، وباقي الأبيات متعلقة بالخمر والندماء (ومن يرغب بالاستزادة يمكنه العودة إلى ديوان حسَّان).
حسَّان الذي يصفه شارح ديوانه بالجبان، كتب هذه الأبيات على الأرجح، إذا صدقنا رواية البلاذري بعد إسلامه، وتكريسه كشاعر للرسول، ومع ذلك يبدو أنه لم يقلع عن الشرب، بل أن ما كتبه في الشراب، ربما يصنف من عيون الشعر الذي قيل في بابه.
ماذا كانت نتيجة تدمير مجد قيسارية البيزنطية، النتائج الآنية، كما نفهم من البلاذري، أن سَبْي قيسارية بلغوا أربعة آلاف رأس.
البلاذري يكتب تاريخ منتصرين عن التطهير العرقي الذي تعرضت له قيسارية الفلسطينية، ولكن ماذا حدث لسَبْي الفلسطينيين؟
يذكر البلاذري، بأنه تم جر هذه "الرؤوس" إلى الجزيرة العربية، وقسّمهم عمر بن الخطاب، في لفتة موجهة على الأرجح للرأي العام الداخلي، على يتامى الأنصار، وجعل بعضهم في الكتاب والأعمال للمسلمين. وهذا يعني أن من سَبْي الفلسطينيين، من الكفاءات العالية.
ملاحظة يصر البلاذري على ذكرها، ليؤكد لفتة الخطاب: "وكان أبو بكر الصديق رضى الله عنه أخدم بنات أبى أمامة أسعد بن زرارة خادمين من سبى عين التمر فماتا، فأعطاهن عمر مكانهما من سَبْي قيسارية".
ويبدو أن البيزنطيين، لم يسلموا، بسقوط قيسارية المدوي، يخبرنا البلاذري عن هجوم للروم، في أيام ابن الزبير، على قيسارية: "فشعثتها وهدمت مسجدها".
وبعد أن حسم عبد الملك بن مروان، الخلافات الداخلية بين المنتصرين، استعاد قيسارية.
كفلسطيني معاصر، هل أنا من أحفاد الفاتحين، أم من أحفاد من نجو من السبي؟
في عام 1948، انضم مسبيون جدد إلى قائمة سَبْي قيسارية الطويل، وهذه المرة، على يد محتلين جدد، حملوا أيضا السيف بيد، وكتاب مقدس بيد أخرى، وسيكتب بني موريس تاريخ منتصرين، وبأن قيسارية كانت أول بلدة، تعرضت لعلمية طرد منظم لسكانها العرب، على يد الهاغاناة، وهو ما يسميه ايلان بابيه: "تطهير عرقي". 
بقي من منازل قيسارية ستة منازل لم تُدمر، والسبب نقص المتفجرات..!
 يا للصدف عندما تنقذ ناسًا من الموت، ولكن لتجعلهم سبايا..!
مسجد قيسارية، حوّله المحتلون الجدد، إلى مقصف..!
**
الصورة: سائحة تجرب قدراتها الصوتية الأوبرالية على مسرح قيسارية الروماني، أمام مجموعتها السياحية.

الجمعة، 16 أغسطس 2019

روتشيلد الذي لم يغادر بعد..!




علاقة عائلة روتشيلد بالاستيطان في فلسطين، لا تنتهي. في قيسارية، مدينة الحضارات على البحر المتوسط، يستمر الروتشيلديون في دعم أعمال ما بعد الاستيطان الصهيوني في المدينة.
مشروع حفظ وإعادة آثار قيسارية إلى وضعها السابق (أي وضع وأي سابق؟) هو مرحلة أخرى في عمل صندوق إدموند روتشيلد، مؤسس مستوطنة على أراضي قيسارية العربية في عشرينات القرن الماضي.
يقود الصندوق اليوم البارون بنجامين والبارونة أريان دي روتشيلد.
تفخر عائلة روتشيلد بأنها تدعم على مرّ الأجيال: "الاستيطان، والصناعة والعلم، والثقافة، والفن، والتعليم العالي في إسرائيل".
المدينة الفلسطينية العظيمة، التي نكبت عام النكبة، وشرد فلسطينيوها، وهم من أصول بوسنية، هي الآن واجهة سياحية مهمة في دول الاحتلال، بدعم آل روتشيلد.
**
الصورتان: سبيل الحوريات في قيسارية 14-8-2019م

الخميس، 15 أغسطس 2019

نستولوجيا يافية..!






يعبر صاحب مبنى في يافا، عن حنين إلى الدولة العثمانية، بعد أن جرّب الاحتلال البريطاني، كما يظهر من النقش المثبت على البناية.
الرخامة التي نقش عليها الرقم، هي رخام مستورد لا يوجد مثله في فلسطين، ولطالما استوردت الحضارات التي مرّت على البلاد، الرخام، من الخارج.
يرجح المثّال جورج نسطاس، ان هذا الرخام، هو مرمر ايطالي، وحرض صاحب المبنى، على أن يستخدم تقاليد الخط في الفترة العثمانية على نقشه، مشيرا مثلا إلى التاريخ بالهجري؛ عام 1348 الموافق عامي 1929-1930م، مثبتا شعار الدولة العثمانية؛ النجمة والهلال.
على الأرجح فان صاحب المبنى، اقتنع، بعد أن رأى ما رأى من البريطانيين، أن جملا مكان جمل برك، فأصابته، على الأرجح نوبة نستولوجيا وحنين إلى الماضي، وكأنه نسي المجاعة والأمراض، وتربص العثمانيين، وجرّهم للنّاس، وقودا لحرب لم يقتنعوا بها، كما فعل بقص الأشجار، لتكون وقودا للقطار في حروب السفربرلك.
ربما كان صاحب المنزل، ما زال على قيد الحياة، عندما نفذ البريطانيون في عام 1936م عملية مرساة، التي دمروا خلالها منازل عديدة في يافا القديمة، وهجروا سكانها، الذين وجدوا أنفسهم بدون مأوى.
يلاحظ أن فخامة النقش، لا تتناسب مع تواضع المبنى، يبدو أن حرص البعض على نقش فكرته، يكتسب أهمية كبيرة، حتّى أكثر من ذكر اسمه، كما فعل صاحب المبنى الذي أغفل ذكر الاسم.
من الجيد، أن الأشجار التي قصت، وشكلت غابات فلسطين الطبيعية، عادت ونمت من جديد، وأصبح بإمكاننا، أن نرى البلوط، والسنديان، والخروب، يغطي مساحات واسعة، بعد سيطرة الأشجار الاستعمارية، كالسرو، والكينيا.
وفي قلب يافا المحتلة، ما زال النقش المرمري، ببياضه المشرب بزرقة فاتحة، قادرًا على إثارة دهشتي.