أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 17 يونيو 2019

الراسية؛ بصمة مثّال فلسطيني في كنيسة القيامة










يجول المثّال جورج نسطاس، بناظريه في كنيسة القيامة، ويشير إلى أعلى عمود قريب من مقصورة الضريح المقدس، ويقول: "هذا من انجاز والدي".
ووالده هو المثّال جريس نسطاس، الذي عمل في كنيسة القيامة في القدس، لمدة 23 عاما، من عام 1963 حتى عام 1986م، وكان المثّال لكل الطوائف، الذي عمل في أقسام الكنيسة كافة، التي تتقاسمها، ثلاث طوائف رئيسة، وفقا لاتفاقية الوضع القائم (الاستتكو) التي تعود إلى القرن التاسع عشر، وما زال معمولا بها حتى الآن.
رؤوس الأعمدة الضخمة، التي تسمى الواحدة منها بلغة الحجّارين، الراسية، يمكن رؤيتها، وبأنماط متعددة في أنحاء الكنيسة.

جورج الذي درس الفنون الجميلة في ايطاليا، هو ابن لعائلة من بيت لحم، اشتهرت بنحت الحجارة، ويفخر بعمل والده الذي اكتسبه بالخبرة، وطوره بموهبته.
يقول جورج الذي كان يرافق والده الراحل إلى عمله في الكنيسة، وأصبح لاحقا مثّالا فيها: "درة أعمالي والدي في المنطقة المسماة البروتندا، أي الباحة الدائرية، والمقصود الدائرة حول مقصورة القبر المقدس".
ويضيف: "حجم كل تاج عمود 1.5 متر مكعب، وهي كتلة كبيرة  من الحجر، كان والدي يحتاج لإنجازها، ليس أقل من ستة أشهر، حتى ينجز رأس العمود، أو الراسية، كان يتم وضع كتلة الحجر على العمود، لأن ذلك أسهل على العمل، بدلاً من العمل على الكتلة وهي على الأرض، لأنه لم يكن يوجد آنذاك، مثل الآن، آلات متقدمة، يمكن أن ترفع الكتلة وتضعها على العمود، بعد انجازها، وفي بداية العمل يساعد والدي اثنان أو ثلاثة من العمال".
عندما يصعد جريس نسطاس، كل يوم إلى الكتلة الحجرية، ولمدة ستة أشهر ماذا كان يفعل؟ يجيب ابنه جورج، بأنه كان يعمل على زخرفة الكتلة، بزخارف نباتية، مستوحاة من ورق الخرشوف ومشتقاته، لينجز رأس عمود، هو خليط من أنماط بيزنطية، وصليبية، وهلنستية وغيرها.
ويسبق عملية النحت، عملية معقدة، إذ كان جريس، يحضر نحو 20 نموذجا، يصنعها من الجص، لرؤوس أعمدة مستوحاة من الفنون البيزنطية، والرومانية، والهيلنستية، والإسلامية، ويزور المتحف الإسلامي في الحرم القدسي الشريف، الذي يوجد فيها رؤوس أعمدة ضخمة كالتي يصنعها، ويطلع عليها.
وبعد انجاز النماذج، يدعو ممثلي الطوائف الثلاث في كنيسة القيامة لرؤيتها، وكل منهم له حق الفيتو على أي نموذج، ويتم التباحث والتشاور، حتى اختيار نموذج معين، وتكتب اتفاقية لانجازه، يرد فيها اسم جريس نسطاس، كمنفذ.
وعادة ما يكون النموذج المتفق عليه، خليط من مختلف النماذج، ويصعد جريس بواسطة السلم إلى أعلى العمود، ليمضي ستة أشهر أو أكثر، لتصبح الكتلة الحجرية رأس عمود، أو راسية، ملفتة للأنظار، كما هي الآن.
ورث جريس نسطاس، مهنته، من جده إبراهيم الياس نسطاس، الذي اشتهر كمثّال، له موقع في منطقة إصليب وهو جبل يتبع لمدينة بيت جالا اشتهر بمحاجره منذ الفي عام، واشتهر الجد إبراهيم، باستخدامه خامة الحجر الأحمر التي اشتهرت به المنطقة التي أقيمت عليها مستوطنة جيلو، بعد الاحتلال في حزيران 1967م.
يقول الحفيد جورج: "كان لجد والدي إبراهيم، نشاط فعّال، وله أعمال في أكثر من مكان، كما في دير الكرمل في بيت لحم، وكنيسة القيامة أيضا، ولكن شهدت حياته المهنية، فترة صعبة ما بين عامي 1880 -1910، ففي فترة نهاية الحكم العثماني هذه، ضعف عمل الإرساليات الدينية، وكانت الفرص قليلة والمنافسة قوية".
في كنيسة القيامة فقط، وفي المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى، يمكن رؤية رؤوس الأعمدة الكبيرة، بأنماطها التي تمثل الحضارات التي مرت على فلسطين.
وفي كل الأعمدة في الكنيسة، يمكن تخيل بصمة مثّال فلسطيني رائد، اثبت نفسه بفنه وموهبته، هو جريس نسطاس.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق