أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 27 يناير 2023

الكلبة الثكلى

قطب والشعراوي ومعهما غنيمة المجانين/جواد أبو هليل


 


اليوم تحقق أحد أحلام الشباب: امتلاك نسخة خاصة بي من تفسير (في ظلال القرآن: سيد قطب)، فكم مرة استعرت أحد أجزائه من مكتبة المسجد/المدرسة حين لم أكن أمتلك ثمنه!

هذه الطبعة الحديثة الأنيقة صادرة عن دار الكتب العلمية في 2019، ووجدتها في (مكتبة العماد) في الخليل (شارع وادي التفاح الجديد).

وردا على الحملة المسعورة على الشيخ الشعراوي، بحثت عن تفسيره الكامل فلم أجده في مكتبات الخليل التي زرتها اليوم، فاكتفيت بمختصر تفسيره الذي أعده أحد أبنائه، ووجدته في مكتبة دنديس في الخليل (شارع وادي التفاح الجديد).

الجميل أن ما يجمع المفسرين الكبيرين (رحمهما الله) هو أنهما درسا اللغة العربية لا الشريعة كتخصص رئيس. كان تمكنهما من اللغة من الأسباب الرئيسة في إتيانهما بما لم يأت به الأوائل من فتوحات في التفسير لا تخفي على ذي بصيرة منصف. وتبقى أم الدنيا ولادة لا يضرها ما يشن عليها من حملات تشويه عبر تقديم نماذج لا تعكس قيمتها الحضارية والعلمية.

ومن غنائم هذه الغارة الأعمال الكاملة للشيخ أحمد ديدات (رحمه الله)، ورواية (مجانين بيت لحم: أسامة العيسة).

#سيد_قطب

#الشعراوي

#مجانين_بيت_لحم

#حواد_أبو_هليل

كلبة تبكي ابنها

قرية جراش المدمرة

مغارة التوامين

الأربعاء، 18 يناير 2023

الصراعات في رواية: الإنجيل المنحول لزانية المعبد/ردينة ياسين


 


"جد الزيتون في شهرين

وأرمي الحب في شهرين

ومدد رجليك شهرين وكأنهما يومين

واجمع الكتان في شهر

واحصد الشعير في شهر

واقطف العنب في شهر

وخزن شهدك في شهرين

واجن فاكهة صيفك في شهرين"

بهذه القصيدة الكنعانية التي عبرت فيها تمار أو اثمار عن العمل والإنتاج للفلاح الفلسطينيِّ، نبحر في رموز وصراعات وثيمات الكاتب الفلسطيني أسامة العيسة، الذي ينقلني في كل كتاب من كتبه إلى مرحلة مختلفة بين الخربطة في فهم القصيدة والرواية في: قبلة بيت لحم، أو لوثة المجانين ولن ننسى أمنية الحرب التي لم تحصل في: تباريح جندي، فهو ابن  بيت لحم أكثر مدينة شهدت على الصراع بحكم موقعها الأساسي هي وأختها القدس، ذلك الصراع الذي استمده الكاتب من الكتب المقدَّسة هذه المرَّة عبر سفر التكوين، الفصل ٣٨ عن يهوذا الإسرائيلي وزوجة ابنه تمار الكنعانية.

سؤال قبل البدء: ما هذا العنوان؟

العنوان غريب وملفت: الإنجيل المنحول وهو كتاب مقدَّس، وزانية المعبد أي فتاة الكاهن المقدَّسة، لكن المطلع على كتب وأسلوب الكاتب يحاول الإجابة عن ذلك، فمن هي الفتاة وما قصة الإنجيل وقصة الارتباط الغريب؟ يجد القارئ كتب أسامة العيسة ورواياته ناقدة للواقع متجذرة بالتاريخ لأنه ابن هذه الأرض التي تسمى فلسطين، عبر إعادة الصراع ضمن هذا الخط، فهو يتحدَّث عن الوجود الكنعاني/الفينيقي على أرض فلسطين، ويتحدَّث عن الدخلاء اعتمدوا على "وعد يهوه" بإعطائهم الأرض. ونجد الفرق بين قسوة "يهوه" وأتباعه "يهوذا"، ورحمة "عشتار" واجتماعية "الكنعاني/الفينيقي تمارا وأسرتها" الذين تعاملوا بروح مدنية مع الدخلاء أتباع يهوه. نحن الآن في 2023 بداية سنة جديدة فهل عكس الكاتب الصراع على الزمن الحاضر أم أعطاه تاريخًا موحل بالقدم وصراع ديني لم يوجد حتى بالحروب الصليبية برغم قيامها على مبدأ الدين.

صراعات الرواية

1. صراع الأسماء:

أثمار أو تمار، وربّما النخلة، هي صراع أراده الكاتب من نوع غريب فالاسم كنعاني يعني النخلة القوية الممتدة كنخل أريحا الثابت في الأرض ويهوذا والد زوجها في إشارة كبيرة إلى الوجود الفلسطيني الكنعاني والدخلاء الذين اعتمدوا على وعد، ومدى طيبة الأول وقسوة الثاني، فالأوَّل حافظ على الوطن والثاني احتل ودمر هذا الوطن. نعم ثمّة ثيمة كبيرة تبدأ من هنا أثمار ووالدها الكاهن الذي سمَّاها باسمها لأسبابٍ دينيّة أوّلًا، ولكن الأهم في اختياره اسمها هو لكي تكون كالنخلة، جميلة مثمرة، مستقيمة بلا أيّ اعوجاج، فالأشجار كلّها تنمو مع اعوجاج إلَّا النخلة تستمرّ صعودًا بجذع مستقيم. كما أنَّ والدتها لم تكفّ عن ترتيل أناشيد تُعدّد فوائدها الدينية وفق الآلهة عشتار آلهة الكنعانيون.

2. صراع الهوية:

تنازل الكاتب عن حقوقه راو لصالح تمار فجعلها الراوي والمروي عنه في إشارة إلى صراع الهوية   "يا بعل يا بعلننا". بعل هنا أراد الكاتب لتمار أن تتحدَّث عن الصراع بكل قوة فهي من طبيعة فلسطينية كنعانية تدعوا إلى السلام ا متعلقة بالأرض، وهذا يشير إلى أن هؤلاء القوم يتبعون ثقافة متعلقة بالزراعة/بالخصب، بالخير الذي تعطيه لهم الأرض، لهذا أوجدوا أرباب (زراعية).

لهذا نجدهم قوم منتجين يفضون العمل بالأرض على القتال والحرب: "...من رسائل بعلنا: حطم سيفك وتناول معولك، وتعال معي نزرع السلام والمحبة في كبد الأرض".

في المقابل نجد يهوه يتناقض تمامًا مع عشتار، فهو رب قاسٍ يفرح بشي اللحم، كما أنَّه رب لمجموعة معينة من الناس، اختارهم بطريقة عنصرية ليكونوا عباده من دون البشر.

3. صراع الفكر الموجه ضد المرأة الشرقيَّة:

تمار إحدى الضحايا فهي قبل أن تكون زانية قديسة هي ضحية لا علاقة لها بكل الديانات برب موسى أو رب بعل. هي فتاة أحبت وتزوجت مات زوجها أخذت أخوه ثم هجرت فانتقمت من والدهم فهنا نقلنا إلى الظلم الموجه ضد المرأة وتدفيعها الثمن كأنّ،َها الشخص المسؤول عما حصل عليها أن تجلد فلولا ختم يهوذا لكانت قتلت هي وعائلتها. هنا يتساءل القارئ عن أصول هذا الصراع المستمر منذ أكل التفاحة والذي لن ينتهي.

4. صراع الآلهة والديانات السماوية:

عبد الكنعانيون الآلهة بعل وعشتار، والإسرائيليون لهم دين منزل دين سماوي وسيبدأ الصراع من قصة حب وهل يوجد ألعن منه فهو حب بين تمار الكنعانية وعِير بن يهوذا الإسرائيليّ. علاقة تتعقّد في مساراتها، وسط موافقة الكاهن والد تمار، وشبه اعتراض من يهوذا والد عير، رغم زواجه من كنعانية، وهنا يبرز سؤال سيتكرّر على مدار الرواية حول السبب في تزويج الكنعانيّ ابنته للإسرائيليِّ، وعدم جواز زواج الكنعاني بالإسرائيلية؟! ويبرز اعتراض فتيان كنعانيين على تزويج كنعانية من ابن يهوذا قاتل الكنعانيين ومدمّر قراهم.

5. صراع القصَّة:

يتزوج عِير الإسرائيليِّ من تَمار الكنعانية، بعد علاقة حبّ جديرة بالاحترام، وبعد لقاءات عدة في عيون الماء، حيث يلتقي الشبّان بالفتيات، فيراها هو ابن يهوذا والعائلة الإسرائيلية المعروفة، وابن امرأة كنعانية؟ لكنه لا يلبث أن يدخل في نوبات مرض قاتل. وحسب التقاليد تتزوَّج تمار من شقيقه أومان وتتوالد الأساطير والخرافات من رحم بعضها بحيث يصعب حصرها، لكنَّنا نظل في علاقة تمار ووالدها الكاهن المبجّل لدى قومه، مع قبيلة يهوذا بن يعقوب المبجّل هو الآخر لدى قومه. علاقة ملتبسة وتزداد التباسًا بزواج أومن من تمار. فبدلًا من أن يكون بديلًا لشقيقه المتوفى، ويصبح زوجًا حقيقيًا لأرملة شقيقه، ثم إنه لا يلبث أن يموت. ما يضطر القبيلة للبحث عن بديل له كزوج لها، وليس ثمة سوى فتى صغير هو شِيلة الابن الثالث ليهوذا، فيكون الوعد. يكبر شِيلة، ويرفض الزواج من تمار، ويؤازره والده يهوذا، فتقرِّر تمار الانتقام، ويكون انتقامها حاسمًا. ففي موسم جزّ الأغنام، الموسم الذي يُفرِد له المؤلف صفحات عدة، تتخفى تمار في ثياب زانية، وتترصد ليهوذا ثم تجذبه ليضاجعها دون أن يعرفها، وتحصل منه على أغراض تثبت اللقاء، ثم تحمل منه. وحين تحدث الفضيحة ويثبت أنه هو الفاعل، يعترف أنَّ من في بطنها هو ابنه، بل ابناه التوأمان، لتنتهي الرواية بهذا الاعتراف وبالمصالحة بين القبيلتين الكنعانية والإسرائيلية.

6. الصراع الآن 2023:

أراد الكاتب عكس الصراع على الوقت الحاضر، تؤشر على علاقة الفلسطينيِّ بالإسرائيليِّ، ودور المستوطنين في تدمير حياة الفلسطينيِّين، والمواجهات التي تجري بينهم وبين أطفال فلسطين، في الوقت الذي يستمر الصراع فيه على "إنجيل" تمار المرفوض بين الكثير من الأناجيل، رغم وجود مقام لها، كلما هدمه الإسرائيليُّون أعاد الفلسطينيُّون بناءه. فكان تمار وعير والكاهن ويهوذا هم اختصار قوي لعلاقة الفلسطيني بالإسرائيلي وصراع القوة والصمود صراع الدين برغم كل شيء

7. صراع العادات والتقاليد:

إن اطلعنا على جوانب الحياة الاقتصادية بالاجتماعية، خصوصًا في مجتمع قبَليّ عشائريِّ محكوم بزعيم (إله)، يتحكَّم بمجموعة من الزعماء يتحكَّمون بدورهم بالرّعاع، فثمّة تراتبية وتقسيم وظائف وغنائم، يظهر ذلك في مشاهد عدة، أبرزها حين يعلمون بحمل تمار بالزنى، فيطلب منهم زعيمهم يهوذا أن يأتوا بها ليحرقوها، وفعلًا يحاصرون منزلها حتى تضطر أن تكشف أنَّ الزاني هو يهوذا نفسه، فيتراجعون، بل تتراجع مكانته لديهم. هذه هي تمار، امرأة لا تعرف من هي وما حقيقتها؟ لكننا نكتشف أنَّها "ثورية" في مجتمع خانع للتقاليد والقيم الدينية والاجتماعية البالية، وقد تصرّفت على نحو ينتصر لقضيتها وحضورها ضمن الخيارات الأخلاقية والتربويّة والاجتماعيّة في الحبّ والحياة.

8. أخيرًا:

في ملحق أخير بالرواية شروحات تلقي أضواء لا نعرف مدى واقعيتها، فالإنجيل المنحول الذي تم العثور عليه في "خرائب بحيرة الملح"، كما يقول من عثر عليه "على تلة مشرفة على مرج يمتدّ من أراضي قريتنا حتى شارع ظهر الجبل الذي يقطع فلسطين الوسطى"، هناك ينتصب مقام توارثه أهلنا باعتباره مقام "العزيزة". يُجلّه المسلمون لأنه "يعود لقديسة ماتت في هذا المكان خلال الغزوات العربية لأرضنا.."، ويقدّسه المسيحيّون باعتباره "مقامًا لجدّة المسيح التي ظهر حملها للناس في شهرها الثالث". أما المستوطنون اليهود فـ"استولوا على أرض قريبة تقع على تلة مجاورة، وهجّروا الفلاحين وبنوا مكانهم مستوطنة سمّوها باسم النبية التائهة.

الثلاثاء، 17 يناير 2023

الاحتلال يغتال روح (بقلاوة) الحلوة








 


في مساء يوم الجمعة الماضي، حضر الطفل عمرو خالد الخمور (14) عاما، مع حشد كبير، في قاعة الفينيق في مخيم الدهيشة، قرب بيت لحم، تأبين الشهيد عمر يوسف مناع، في ذكرى مرور أربعين يوما على استشهاده على أرض المخيم، وفجر اليوم أصيب إصابة بالغة في الرأس، خلال اقتحام الاحتلال لمخيم الدهيشة، استشهد على أثرها بعد ساعات.

باستشهاد الخمور، يكون مخيم الدهيشة قد قدم ثلاثة شهداء خلال أقل من شهر ونصف، فبالإضافة إليه ولمناع، استشهد أيضا آدم عياد.

الخمور هو واحد من عدد كبير من فتية المخيم وأطفاله يطلقون على أنفسهم صفة حراس المخيم، يتصدون لقوات الاحتلال عندما تقتحم المخيم، وهو ما تفعله بشكل دائم.

يسود الاعتقاد بين ناس المخيم، أن قوات الاحتلال تنتهج سياسة جز العشب، بحق فتية المخيم وأطفاله، للتخلص من أكبر عدد من حراس المخيم.

يقول المحلل العسكري اللواء يوسف الشرقاوي: "يستهدف الاحتلال، جيلا بأكمله، إنه يركز على فئة عمرية معينة، ولدى الجنود أوامر بإطلاق النار".

قبل سوات قليلة انتهجت قوات الاحتلال سياسة الإصابات في الأرجل، وهدد مسؤول الشاباك، بشكل علني، أنه سيجعل فتية المخيم يمشون على عكازات، والآن تغيرت السياسة، إلى تفجير الرؤوس.

عاش مخيم الدهيشة ساعات قلقة، مع الأنباء التي تحدثت عن إصابة طالب الصف التاسع، وإعلان الأطباء تعذر التدخل الجراحي، حتى وصل الخبر الأليم، فأغلقت المحال، وساد صمت حزين.

شيع جثمان الشهيد من مستشفى بيت جالا الحكومي، وسار موكب التشييع على شارع القدس-الخليل، وبعد إلقاء نظرات الوداع الأخيرة على الجثمان، والصلاة عليه، انطلقت الجماهير، وقد هبط الظلام، إلى مقبرة الشهداء في قرية ارطاس المجاورة، حيث وري الثرى.

لوح رفاق الشهيد وأصدقاؤه له، تلويحة الوداع الأخيرة، لمن ينادونه ممازحين بقلاوة، لحلاوة روحه، وانطلاقها، وتفتحها على الحياة.

تأثر الشهيد الخمور، باستشهاد رفيقيه عمر مناع، وآدم عياد، كما يقول مقربون منه، وشقيقه إبراهيم المعتقل في سجون الاحتلال، منذ 26 آب 2022م.

ينحدر الشهيد من قرية زكريا، في الهضاب الفلسطينية الوسطى، التي طهرت عرقيا عام النكبة، وشتت أهلها في المخيمات.

الاثنين، 16 يناير 2023

قرية الفاتور التي نكبت مرات







 


يحرص مخلص الغرير، على اصطحاب أولاده، بشكل دوري، إلى منطقة شكلت ذكرياته الأولى، ونجح في أن تصبح جزءا من ذكريات الأبناء.

ينتمي الغرير، إلى قبيلة عرب الصقور، التي قطنت سهول بيسان، ونكبت، وتشتت، ولكن الكبار أورثوا الصغار، ما يتوجب معرفته عن أراضي القبيلة الممتدة.

نشأ الغرير في قرية الفاتور، التي تقع في أقصى جنوب بيسان، عند حدود طوباس، والأصح أنه عاش في الجزء الذي لم يحتل من القرية في عام 1948م.

هجر سكان الفاتور، التي تبعد أقل من 12 كلم عن بيسان، يوم 15-5-1948م،  بعد هجوم العصابات الصهيونية عليها، ضمن عملية جدعون.

يقول الغرير، وهو يقف على أرضهم في قرية الفاتور: "بعد اتفاقيات الهدنة في جزيرة رودس، حددت الحدود، بين دولة الاحتلال، والأردن، وبموجبها أصبح القسم الأكبر من أراضي القرية تحت سيطرة دولة الاحتلال".

حسب مصطفى الدباغ، صاحب موسوعة بلادنا فلسطين، فإن مساحة قرية الفاتور، التي تنخفض 199 مترًا عن سطح،  729 دونمًا، في حين أن تقديرات الغرير، تشير إلى أن مساحتها تناهز ألف دونما.

بعد تحديد الحدود، لم يتبق للأهالي سوى مئتي دونم، وبقي في الجزء المحتل عيون الفاتور، التي تحي الأراضي، وتل الردغة، وهو واحد من أهم التلال الأثرية في منطقة بيسان.

في عام 1967، كما يقول الغرير: "طهرت القرية عرقيا، وسيطر المحتلون على أرضنا، وهي الآن تحت نفوذ مستوطنة محولا".

لم يقم المحتلون، مستوطنة على أراضي الفاتور، التي احتلت عام 1967م، وإنما استخدموها للزراعة، وسحبوا مياه عين بليبل، وجمعوها في بركة ثم في خزان ضخم، للاستفادة منها في ري مزروعات في بيوت بلاستيكية.

وقف الغرير، بالقرب من عين بليبل، قائلا: "إنها جزء من ذكريات عائلتنا" وروى حكاية: "جاءنا قرب لنا من الأردن اسمه أبو النمر من عائلة القميش، من عرب الصقور، وطلب مني أخذه إلى عين بليبل، بدا متأثرا عندما وصلنا العين، قائلا، إنه تعرف على أم نمر على هذه العين، لقد سرقوا ذكرياتي الجميلة.

يقدر الغرير، عدد سكان القرية الذين بقوا في الجزء الذي احتل عام 1967، بنحو 160 شخصا جميعهم من عرب الصقور، ومعظمهم من عائلة الغرير، اعتمدوا في معيشتهم على الزراعة، والثروة الحيوانية. يقول الغرير: "كانت حياتنا مزيجا من البداوة والفلاحة".

تبعد أراضي الفاتور الخصبة، نحو 3 كلم عن نهر الأردن، ويظهر قبالتها على الضفة الشرقية للنهر، قرى أردنية، مثل كريمة، ووادي اليابس، الذي اشتهر بفضل شاعر الأردن مصطفى وهبي التل، وديوانه المعنون عشيات وادي اليابس.

بجانب قرية الفاتور، تجمعات سكنية طهرت عرقيا، مثل: الحمرة، والزرَّاعة، والسافرية، وكلها أراض زراعية.

تعتبر الفاتور، واحدة من عدة قرى، طهرت عرقيا ودمرت بعد عام 1967م، وشرد ناسها، أقيمت في الأغوار، قريبا من نهر الأردن.

بعد السياج الحدودي الذي يفصل بين أراضي القرية، يمكن رؤية تل الردغة، الذي وضعت عليه قوات الاحتلال برجا عسكريا، بينما تستخدم مياه عين الفاتور، خدمة لبرك تربية السمك.

أقام مستوطن، بيارة حمضيات (بوملي) على أراضي الفاتور، تمتد على بضعة دونمات. يقول الغرير: "سيطر المستوطن على هذه الأرض، بموافقة مستوطنة محولا، وقبل ثلاث سنوات رفعت قضية، من خلال هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، لاستعادة حقي، وسأستمر في ذلك".

يضيف: "جرب أهلنا كارثتي اللجوء والنزوح، كان عمري نحو أربع سنوات، في عام 1967م، وهجرنا لنعيش في مخيم الحصن في شرق الأردن، حتى تمكنت من العودة، لأعمل في السلطة الوطنية، وأواصل الدفاع عن أرضنا وذكريات الآباء".

يشعر الغرير بالتأثر، وهو يروي لأبنائه، عن معالم الفاتور، ومنها تل الردغة، الذي يعود للعصر البرونزي، وينابيع الفاتور التي تتفجر عند أقدامه، وتحول المكان إلى جنة أرضية.

 

الجمعة، 13 يناير 2023

أساطير الشرق والإنجيل المنحول/ردينة ياسين


 


إن بحثنا عن تمار  نجدها امرأة صغيرة. كنعانية. لكنَّها ضحية من الضحايا. أستغرب إنني وبالصفحة 100 من  الرواية. لم أجد الكاتب أو أنَّه استعار شخصية تمار، وترك لها المجال لتكتب وتروي كأنَّه ينقلنا من واقع قديم، لا علاقة له ببني إسرائيل أو غيرهم إلى العصر الحديث. عصرنا نحن القراء في أسلوب جديد من أساليب العيسة.

لمسته قبل ذلك في أرواح كلمنجارو. للكاتب إبراهيم نصر الله. نعم هنا أسامة العيسة، ترك المجال لتمار لتصبح الرواي والمروي عنه بل هي الرواية وتنقلها. ولا أعرف ماذا سيحدث بعد ذلك؟ أو إلى ماذا ستنقلنا؟ لكنني أقرأ عن أبعاد لا أعرف إن كنت سأتمكن من سردها  حال انتهاء الرواية.

لنرى ونكمل. ونتمنى أن لا تكون لوثة مجانين بيت لحم  قد أصابتنا هنا، أيضا؟

خربة اللوز

الثلاثاء، 3 يناير 2023

عندما يرتقي الأطفال في غُبشة الفجر
























 


تغيَّب آدم عصام شاكر عياد (15) عاما، عن الامتحان، الذي استعد له، مثل زملائه في مدرسة ذكور الدهيشة الإعدادية.

لم يتمكن عياد، من الوصول لمدرسته، لتقديم الامتحان، ولن يعود لمدرسته مرة أخرى. لقد أخذت رصاصة أطلقها جندي احتلالي فجر اليوم، حياته، وحرمته من مدرسته، وصادرت أعوامه المقبلة.

ارتقى عياد، في غُبشة الفجر، خرج ورفاقه مما يطلق عليهم حراس المخيم، ليطاردوا جنود الاحتلال الذين اقتحموا المخيم لتنفيذ اعتقالات. اعتاد حراس المخيم من الأطفال والفتية، التصدي لجنود الاحتلال. فخر زملاء آدم، أنه ارتقى وهو مقبل، فتلقى رصاصة الاحتلال، في صدره.

استشهد آدم، في اليوم الثالث من عام جديد، يبدو أنه لن يكون مختلفا بالنسبة لأهالي المخيم، فقبل شهر استشهد عمر مناع، خبَّاز المخيم، وصديق آدم، ورفيقه في مجموعات حراس المخيم.

طالما خرجا معا في غُبشة الفجر، ليطاردوا جنود الاحتلال المدججين، بالحجارة. ونشر رفاق الشهيدين صورا لهما معا، مؤكدين على العلاقة الكفاحية التي ربطت الاثنين، وعمموا ما وصفوه بوصية الشهيد عياد، المكتوبة بخط يده، ودعا فيه إلى توجيه البوصلة إلى الاحتلال.

جاء في الوصية: "كان نفسي أشياء كثير أعملها، بس احنا ببلد مستحيل تحقق حلمك فيها، وأنا مبسوط كثير إنه ربنا حققلي حلم من أحلامي وهو الشهادة".

وأضاف: "الشهادة مش بس موت، هي فخر لنفسك، وفخر للعالم، الشهادة انتصار"، وختم وصيته: "ما تنسوني، ما بدي أقلكم مع السلامة.. لنا لقاء في الجنة".

ينحدر الشهيد عياد، من قرية عسلين، في قضاء القدس، لجأت عائلته إلى مخيم الدهيشة، ليكون محطة انتظار قصيرة للعودة، ولكن استشهاده، يرمز إلى سيل الدماء الذي ما زال ينزف، في سبيل العودة، التي طالت.

نعت مؤسسات مخيم الدهيشة، الشهيد، باعتباره وحيد والديه، ونقل جثمان الشهيد، إلى مستشفى بيت جالا الحكومي، ومنها انطلق في العاشرة صباحا، موكب تشييعه إلى مخيم الدهيشة.

سار رفاق الشهيد، وأهالي المخيم، خلف نعشه، على طريق القدس-الخليل، حتى منزله، حيث ألقيت عليه نظرة الوداع الأخيرة، ومسحت والدته وجهه، وهي تجهش بالبكاء للمرة الأخيرة.

صلي على جثمان الشهيد أمام المخيم، وتقدم والده موكب التشييع، وفي رحلته الأخيرة، إلى مقبرة الشهداء في قرية ارطاس القريبة، سار أهالي المخيم، في الدروب التي دب عليها الشهيد، فقط قبل ساعات معدودة.

نعت لجنة التنسيق الفصائلي في محافظة بيت لحم، الشهيد عياد، وأعلنت الإضراب الشامل، على أن يسمح لطلبة المدارس والجامعات بتقديم امتحاناتهم وفقا لبرنامج الامتحانات المعد مسبقا.