أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 24 مارس 2024

مع سماء القدس/ منير الحايك


 "نجوتُ لأروي قصَّتي، وأنتَ نجوتَ، لترويَ قصَّتَكَ، ولعلّ قصّتَينا قصّة واحدة، قصَّتنا معًا، وقصّتنا مع الآخرين، أو قصّتهم معنا" تقول لور لكافل في إحدى رسائلها قُبَيل نهاية رواية "سماء القدس السابعة" (منشورات المتوسّط 2023) لأسامة العيسة. ولعلّ هذه الجملة تختصر الكثير من تساؤلات كلّ متلقٍّ يحمل الكتاب، ويتهيّب البدء بقراءة صفحاتها التي تقترب من الـ700.

فمن كان يتوخَّى الـمُتعة من خلال التجديد والتجريب والتقنيات أو الألاعيب الروائية الجديدة، أو يتوخّى الغموض والتشويق والمفاجآت وانتظار الخواتيم المفتوحة والمدهِشة، لن يستطيع إكمال صفحات الرواية الأولى حتّى. وعلى الرغم من أن البعض وصفها بأنها رواية توثيقية، ولم يكن عمل أسامة العيسة سوى توثيق الحكايات والأمكنة في أزمنة حاضرة أو من خلال التذكّر والحَكي، فإنّ غرض الكاتب كان غير ذلك.
تبدأ الحكاية في السبعينيات، بأنّ السَّبعَ "طربَل"، السبع وهو قريب والد الطفل كافل، وبشكل أدقّ "ذو الكفل"، الذي ينقل لنا في قسم الرواية الأول "سِفر للحياة" حكايات والده، تلك الحكايات التي يرويها الأب عن القدس وأحيائها وشوارعها ومبانيها وأزقتها وساحاتها، ويروي عن ناسها وتاريخها وحاضرها، والد كافل الذي نسمعه يحكي فلا يكلّ ولا يملّ، وهو الشيوعي الذي يشارك في عملية ضد الاحتلال ويُؤسر على إثرها، ذلك الأسر الذي يقود الرواية في جزئيها الثاني والثالث "سفر للحزن والحياة" و"سِفر للبقاء والحزن والحياة"، وهما أقصر بكثير من الأول، نحو تحوّل من الحكي إلى الغايات الأخرى بعد الحكي للتأثير بالمتلقّي.
تبقى حكاية السبع وطربلته (عجزه الجنسي)، مع زوجته الأولى ومن ثمّ الثانية، والتي تؤدّي به إلى مشكلات كبيرة كالعدوانية والإدمان وغيرها، ليصل في النهاية إلى أن ينتحر، حكاية السبع التي أرادت منها الرواية الإضاءة على جانب من مجتمعنا، الذي يتدخّل فيه الكل في شؤون الكلّ، حيث تدخل الخرافة والدين بشكل علني ومسيطر على حساب العقل والعلم، الأمر الذي يحيلنا إلى تساؤلات كثيرة حول جهل هذه البيئة، التي يجب أن تحارب جهلها حتى تستطيع التحرّر فكريًّا قبل كل شيء.
تستمرّ حكايات الأب من خلال مشاهداته مع ابنه، حكايات حول القدس، المدينة التاريخية، التي تتوالى عليها الاحتلالات والصراعات مع توالي العصور، لتقول الرواية بأنه على الرغم من كل ذلك، تبقى المدينة، ويبقى ناسها، ليعطي الأمل الذي أراده الوالد زرعه في أفكار طفله وخيالاته، علّه يقوده نحو مستقبل مختلف، ولكن الأمور تأخذ حيّزًا أكثر واقعية، فبعد كل حكايات الوالد وآماله وابتساماته المسيطرة، وبعدما توهمنا به الرواية بأنّ أمورًا إيجابية كانت تحصل لدى الناس العاديين في المدينة، فهنا الشيخ نعيم يحاول فكّ الحجاب، والشيخ عبد ربّ النبي يعارضه، والسبع يضرب خطيب زوجته الأولى بسبب الغيرة، ووالد كافل يلتقي مريم التشادية لتطاله شكوك ابنه وزوجته والقارئ، وهناك حوارات مع يهود و"إسرائيليين" من التي اعتدنا سماعها في الروايات والأخبار حول الحقّ والتاريخ والمقاومة والمستقبل، ولكن يأتي أسر والد كافل، مصدر الحكايات التي طالت، بعد فشل عمليته ورفاقه ضد الاحتلال، لتتكشّف الأمور، ويتكشّف الواقع الذي سيؤدّي إلى المستقبل الخارج عن إطار الأمل الذي تعطينا إياه الحكايات، فتموت الوالدة التي طلبت الطلاق واتّهمت بعلاقة مع رامي اليهودي، ومن بعدها يموت الأب، ليصبح مصير كافل السفر والتبني في إحدى المدن البريطانية وعائلاتها.
في الجزء الثاني من الرواية يخبرنا كافل بموت أمه، ومن بعدها موت أبيه، كأنه مذيع في محطة إخبارية أجنبية، الأمر الذي كان له الأثر الكبير على المتلقّي، فالسرد البعيد عن وصف الحالة الشعورية للطفل، أدى إلى إثارة تساؤلات وتأثيرات كانت غرض الكاتب الأساسي، ليقول إن خبر وفاة امرأة من فلسطين أو أسير في سجون الاحتلال، ليس سوى خبر، قد نسمعه ولا نسمعه في الوقت نفسه، وقد يؤثّر خبر حالة الطقس فينا أكثر من هذا الخبر. في هذا الجزء نسمع صوت كافل مع شخصيات أخرى بشكل أكبر، أما في الجزء الأخير، فتحضر لور برسائلها، لتأخذ دور الوالد، ويأخذ كافل الوالد مع ابنه دور والده، لتكون نهاية الرواية تشبه بدايتها، ولتقول إن للحَكي دورٌ هو أحد أدوار المقاومة، فالحكايات يجب أن تبقى، والرواة يجب أن يستمرّوا بالحَكي، فتبرّر الرواية لنفسها كثرة الحَكي فيها، فتكون هي الغاية بذاتها.
مأخذ على الرواية على الرغم من دَور الأب وحكاياته فيما تم ذِكره سابقًا، وهو جزء الرواية الأول، الذي كان يمكن أن يكون أقصر بكثير أو أطول بكثير، فلو أن بعض الحكايات جاءت أقلّ توثيقية، لما شعر المتلقّون، بالملل الذي شعروا به فتركوا الرواية ولم يكمولها، لأنهم حكموا عليها بأنها للتوثيق فقط، فغاية "الحَكي" التي تحدّثنا عنها، يجب أن يقرأها الناس العاديون وليس النُّخَب، الذين أصبحوا قلّة قليلة جدًّا، فلغة النصّ وسلاسة السرد وواقعية الشخصيات والأمكنة والأزمنة، كانت كفيلة بشدّ القارئ، لو لم تحاصره كثرة الحكايات في البداية. تلك الحكايات تقودنا إلى سؤال تقنيّ قد يكون مأخذًا آخر على النص، فكيف يمكن لطفل في العاشرة أن يحفظ تفاصيل حكايات والده بدقة، ويسردها عندما يكبر؟!
إنها رواية صعبة، ولكنها ضرورية، نحتاجها ويحتاجها جيلنا والأجيال القادمة، فالقُدس أولوية كما كلّ شبر من أراضي فلسطين المحتلة. وأختم من الرواية نفسها "القُدس، مدينة الحِجارة، وتدويرها، ما تهدمه الاحتلالات تبنيه احتلالات أُخرى، وتُواصِلُ المدينةُ القدَرية رحلتَها، ونظلُّ نحن فيها، مثل هذه الحجارة، قد تُهدَم وتُشَتَّت، ولكنها تعود مبنيّةً من جديد".

الثلاثاء، 19 مارس 2024

كفّ غليص/ خالد قراقع


 


وانا اقرأ لك عن تلك الفتره التي كنَّا فيها اطفالًا، وكنَّا زملاءً في نفس الصفّ، وأصدقاء بالطبع، أذكر أنَّني كنت موقوفًا ذات مرَّة وجاؤوا بك، وكان أحمد أخوك رحمه الله، والكثير من طلَّاب مدرسة الدهيشه الإعدادية، وكنت في الغرفه معك، وكان بالطبع أبو الفهد الضخم بالنسبه لنا في تلك الأيَّام، وأذكر أن جندي ضخم أيضًا، كان يدخل علينا ومن شدَّة قسوته أطلق الشباب عليه لقب غليص. هذا الجنديّ ضرب أحد الموقوفين بجانبي كفّ، بقيت أذني تؤلمني أكثر من أسبوع من شدَّته، وتعجبت كيف لهذا المسكين تحمل ألمه.

لقد عبرت عن تلك الفتره وعن تاريخ مرّ على هذا الشعب، فأحسنت وأبدعت صديقي أسامه لك كل الاحترام.

#خالد_قراقع

#مخيم_الدهيشة

الاثنين، 18 مارس 2024

أسامة العيسة: نجوتُ لأحكي

 


روايته "سماء القدس السابعة" رشحت لجائزة "البوكر"

أسامة العيسة

مهما تنوّعت إصدارات الروائي والباحث والصحافي الفلسطيني أسامة العيسة، تبقى فلسطين حاضرة في أعماله، بدءا من مجموعاته القصصية التي سجلت بداية تجربته الأدبية عام 1984، ثم رواياته السبع ومنها "وردة أريحا" و"قط بئر السبع" و"مجانين بيت لحم" التي أهلته للحصول على جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب عام 2015، في حين وصلت روايته الأخيرة "سماء القدس السابعة" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) 2024.

ما بين إصدار أدبي وآخر كان العيسة حريصا على تقديم فلسطين بمنظور تاريخي وبحثي وأصدر كتبا عدة من بينها "ظله على الأرض: ألقاب حكام مسلمين في رقوم مقدسية" و"مخطوطات البحر الميت: قصة الاكتشاف". هنا حوار معه.

  • وصلت روايتك "سماء القدس السابعة" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، فهل ترى أن هذا الترشح جاء نتيجة مقاومة من نوع مختلف؟

لا أحب أن تكون لديَّ ادعاءات كبيرة أحمّلها للعمل الأدبي. أعتقد أن أي عمل أدبي عليه تقديم نفسه كأدب دائما، لكن لو حدَّثت شخصا عن يوميَّات الكتابة والحياة في ظل الاحتلال، ربما اعتُبر ذلك بطولة.

أعيش في مخيم الدهيشة الذي يتعرض منذ عقود لاقتحامات نهارية وليلية، واعتقالات وشهداء وجرحى ودهم منازل وحظر تجوال كان يستمر أحيانا في المرة الواحدة، أكثر من ستة أشهر. هناك أمر يتعلق بالتعود، ولا تستثنى الكتابة من ذلك. يرتقي مثلا شهيد أعرفه أو أعرف والديه، وبعد الجنازة والحزن، يكون عليَّ ايجاد أي مكان أجلس فيه لأكتب حكاية الدم الراحل. الكتابة ذاتها، في مختلف ظروفها تعتبر مقاومة، ليس فقط بالمعنى الوطني الذي يشمل الدفاع عن الأرض المغتصبة، لكن أيضا هي ديناميكيات الكاتب الدفاعية عن ذاته الإبداعية في مجتمعات ليست الكلمات من أولوياتها. كل ليلة، أُخبئ الحاسوب المحمول، تحسبا لاقتحام منزلي، وحتى لا يصادر وتذهب معه كتابات.

يدهشني كيف تصمد أساطير الناس وتنتقل كنسغ عبر القرون، لتتشكل مع ما يفد من أفكار وأديان ثقافة جديدة

  • استغرقتك كتابة "سماء القدس السابعة" سنتين من التنقل بين القدس وبيت لحم، كيف ألهمتك هاتان المدينتان؟

عشت وما زلت، على أرصفة هاتين المدينتين. المسافة إلى باب العمود، وسط البلد في القدس، من منزلي كانت تستغرق سبع دقائق، عشت لأختبر كيف يمكن أن يكون السفر إلى أيّ  دولة في العالم أسهل من قطع هذه المسافة، بسبب إجراءات الاحتلال. في أوقاتٍ كثيرة خلال كتابة الرواية، وفي ظروف معينة، كنت أقطع المسافة بين المدينتين مشيا.

بيت لحم والقدس مدينتان توأم، ولو لم تُنكبا لصارتا مدينة واحدة. حدود القدس الاحتلالية الآن جزءٌ كبير منها يمتد على أراضي بيت لحم التي تُخنق مثل باقي المدن الفلسطينية. حكايات المدينتين في الحرب والحب والمجتمع تضافرت، حاولت لملمة ما تبقى من هذه الحكايات، وكثير منها تركها أصحابها وفرّوا، حاملين معهم وطنهم، مع قناعة أن من الصعوبة العيش فيه.

  • يحضر الرقم سبعة في عنوان روايتك، وهو رقم له خصوصية دينية أو علمية، فمعادن الأرض سبعة (على سبيل المثل)، فلماذا السماء سابعة عندك؟

الرقم سبعة رقم سحري في ثقافة الشرق القديم، تمكَّن من الصمود لدى شعبنا، وهو يغيِّر دينه على الأقل ثلاث مرات خلال ألفي عام. يدهشني كيف تصمد أساطير الناس وتنتقل كنسغ عبر القرون، لتتشكل مع ما يفد من أفكار وأديان ثقافة جديدة، ولكنها ذات جذور.

أسامة العيسة

الفلسطيني، يعيش وفيه من جذوره الوثنية واليهودية والمسيحية والإسلامية الكثير. هذا هو نسغ الهوية، التي تتمتع بدناميكية، ولكن ليس إلى حد الخروج عن الشروط المكانية لهذا الحيّز الصغير، طريق الحضارات والغزاة والفاتحين والأفاقين والمغامرين، الذي يحمل اسم فلسطين.

هذا نوع من المقاومة، الانحناء أمام الأنواء، هو صمود، ثم تفرد الهوية عودها، وما توقعنا أنه انتهى نراه يتجدد في الأمثال، والدين الشعبي، والتقاليد وغيرها. هذا سرّ الرقم سبعة.

آمن ناسنا بمقولة: "يا ناصر السبعة على السبعين" وعاشوا الأمل. في فلسطين يعيش الإنسان حالما، مؤسطرا الحياة، مؤمنا أن السماء ستتدخل في وقت ما لتحسم الكثير.

المكان الفلسطيني

  • للمكان حضور أساسي في أعمالك الأدبية، فكيف توظف المكان الفلسطيني وتمنحه بعدا روائيا تاريخيا؟

مشروعي الروائي قائم على تقديم المكان والزمان الفلسطينيين. من المؤسف أن من احتل فلسطين قدَّم رواية منتصرين، بمن فيهم الحكّام المسلمون، بمختلف تنويعاتهم. فلم تقدم تلك الرواية إضافة معرفية الى المكان الفلسطيني، واستثنيت منها رؤية الناس لأنفسهم، وللآخر. الرواية لديّ، هي أيضا تاريخ المهزومين.

أنا ابن عائلة لاجئة، فجأة فقد الوالدان عالمهما ومنزلهما وأرضهما وقبور أسلافهما وهويتهما الفلاحية وكل شيء. ولاذا بالصمت في مخيم اللاجئين، وهما يعانيان من الحكام والقمع وفقدان الأبناء. حسب إحصائية للانروا، فإن 50 في المئة من أبناء المخيمات منذ بداية خمسينات القرن الماضي حتى منتصف ستيناته، ماتوا. أنا من الذين نجوا وقد نجوت لأحكي الحكايات.

رواية فلسطينية

  • لديك إصدارات قصصية وأخرى روائية، فمتى تكتب القصة ومتى تتجه إلى الرواية؟

أوّل إصدار لي كان مجموعة قصصية صدرت في القدس عام 1984 بعنوان "ما زلنا نحن الفقراء أقدر الناس على العشق"، وفي العام التالي أصدرت في رام الله قصة طويلة بعنوان "الحنُّون الجبلي"، وسمعت من كثيرين أنّ عليَّ أن أكون روائيا. فكتبت رواية واحدة على الأقل لم تنشر، ومجموعة من القصص صدرت لاحقا.

أشعر بالقرف من المدّعين والشلليين الذين لا يعرفهم سوى جمهور "فيسبوك"

لا أعرف متى عليَّ أن أكتب رواية أو قصة أو بحثا، أو الأصح متى أنشر. أكتب في هذه المجالات كلها. لكن سوق النشر يتحكّم. الرواية هي السائدة حاليا. القصة ليس لها سوق، أما الأبحاث فتحتاج إلى إنتاج من ناشر يقدّر أهمية نشر أبحاث ذات طابع موسوعي استغرق إعدادها ميدانيا سنوات طويلة، وأن لها أن تكون استثمارا ثقافيا ومربحا أيضا.

  • متى تتجه إلى إصدار الكتب التي تستمر فيها بالتوثيق بطريقة مختلفة، وإن بقي الموضوع دائرا في الفلك الفلسطيني؟

هذا هو مشروعي الثقافي، عن فلسطين المكانية-الزمانية، البحث يحتاج إلى وقت طويل، وهذا يناسب طبيعتي المنقبة الشغوفة وظمئي المعرفي الذي يصعب إرواؤه. أشعر أحيانا أنني أبحث لنفسي، لكي أفهم أولا، أو أحاول الفهم، لذا تتعدد الاهتمامات، وما زلت لا أستعجل النشر في المجال البحثي.

  • ماذا عن أفلامك التسجيلية التي تراوحت بين السياسة والثقافة؟

أعددت أفلاما عن الأغنية السياسية في فلسطين والثقافة في بلادنا، لكن ما واجهته هو الفقر الرؤيوي لدى المنتج وجهات الإخراج والتنفيذ. اعتقدت أن هذا النوع من الفنون، كالصحافة، غير راسخ في بلادنا العربية. هناك استسهال في الإنتاج لتلبية رغبة قنوات فضائية لتعبئة ساعات البث، يستفاد من ذلك أن المشاهد العربي غير متطلب. 

صناعة ثقيلة

  • إلى أيّ  حدّ تعتبر نفسك حرا في ما تقدمه، وإن ظهرت التحديات فكيف تواجهها؟

أنا حرّ ولكن؟ أنا كاتب في شرط مكاني وتاريخي محدد. لست كاتبا من أميركا اللاتينية مثلا. ما هو مقبول من كاتب أجنبي، غير مقبول من كاتب عربي. أعتبر هذا القارئ الذي لا يتقبل مني ما يتقبله من نظير أجنبي، شريكا وأتصالح معه، فأخطو وإياه خطوات إلى الأمام مع كل عمل. وكل عمل بالنسبة إليّ هو مغامرة في الأسلوب والمضمون. يبدو أن الأمور تنجح حتى الآن.

  • كيف ترى المنتج الروائي الفلسطيني؟

لن تكون نظرتي موضوعية إلى هذا المنتج، كواحد من أبناء الكار. لكن ما أستطع قوله إنه بعد سنوات مرحلة أوسلو طرحت أسئلة كثيرة حول الأدب المقاوم الذي أنتج قبلها، وكتب "بالدم" كما كان كتَّاب منظمة التحرير يقولون، لكن القراء رأوهم يعودون للجري وراء المناصب والمكاسب ويتبوؤن مقاعد فساد. لا أرغب في استثناء أحد منهم.

تعجبني المغامرات الروائية الطموحة، كأعمال عبَّاد يحيى، وباسم خندقجي مثلا. أشعر بالقرف من المدّعين والشلليين الذين لا يعرفهم سوى جمهور "فيسبوك".

  • ماذا بعد "سماء القدس السابعة"؟

لديّ  مسودات كتبت قبل رواية "سماء القدس السابعة" لكنني أتمهل في النشر. أكتب يوميا، وأبحث وأقرأ وأنقب. الكتابة صناعة ثقيلة.

الأحد، 17 مارس 2024

وليد لا يعترف!


 


في حولية الليطاني!

صادفت وليد، على الفيس، أوَّل أمس الجمعة، بعد سنوات من البحث عنه، فقنصته. قبل أعوام هاتفته من تل تعنك، الأثري المهم، في قريته. كنت رفقة طلاب الآثار في جامع القدس، وأساتذتهم. ردَّ علي كان خارج حدود القرية الحدودية. خلت أنني وأنا على قمة التل، أراه في مرج ابن عامر، الذي يطل عليه التل. كيف أصبح شكله الآن؟ وأصلًا هل يذكرني؟

عرفت وليد في مناسبة مزعجة. في مثل هذه الأيَّام عام 1978م، غزت دولة الاحتلال جنوب لبنان، ووصلت حدود نهر الليطاني، وربَّما بعده، في عملية عُرفت باسم النهر. بؤر الاشتباك آنذاك انتفضت ومنها مخيمنا. كان أولاد المخيم يتحكَّمون في مركبات جيش الاحتلال ومستوطنيه على شارع القدس-الخليل. مفتاح القدس بجيبنا، بفضل حجارتنا.

اعتقلنا مجموعة من الأطفال وتعرضنا لضرب وحشي، ترك ندوبًا نفسيَّة لدي لفترة ليست قصيرة.

كنَّا مشبَّعين وطنيًا وأدلجة، لنا مواقف من فيتنام إلى البوليساريو. من بين المعتقلين: شوقي العيسة، وبرهان شعبان عطا الله، وخالد الحايك، وآخرين تركت عائلاتهم الأراضي المحتلة وهاجرت، بسبب صدمة وحشية ذلك الاعتقال. رُميت وبرهان في المياه العادمة. في فترة السجن تلك كنا نحاول متابعة ثورة الكاسيت الخيمنية.

أمضينا فترة السجن في البصَّة (واحدة من بنايات تارجيت الاستعمارية الصفراء) التي توارثها مَن حكمنا، بعد الإنجليز: المصريوُّن، والأردنيُّون، والإسرائيليُّون والآن: الفلسطينيُّون.

مَن نقل منا إلى سجون الاحتلال، لم تقبلهم إدارت السجون، بسبب صغر سنهم، فعادوا الينا، إلى جهنمنا الصغيرة، طبعًا سيتغيَّر الأمر لاحقًا لدى مصلحة سجون الاحتلال.

جلب الجنود، معتقلين ناشطين من طلبة جامعة بيت لحم، الحركة الطلابية كانت دافعة للتحركات الجماهيرية. منهم من نعرفهم مسبقًا. اختلنا عليهم، لأنَّنا كأولاد رفضنا الاعتراف بما وجه لنا من تهم، بينما هم اعترفوا. قُدمنا لمحكمة عسكريَّة عُقدت لأوَّل مرة وآخرها في البصَّة.

قد يتفاجأ الأصدقاء، أن نبيل كوكالي (الدكتور نبيل الصديق الصدوق الآن) كان زعيم طلبة الجبهة الشعبيَّة المعتقلين. عانينا جميعا من البرد، والضرب، والجوع.

من بين المعتقلين وليد. أظنه كان من نشطاء الجبهة الديمقراطيَّة، لكن أبا غسَّان، أسر لي قبل سنوات، عندما كنت أبحث عن وليد أنَّه من الشعبيَّة.أبو غسَّان أصبح رئيس مجلس اتحاد الطلبة في الجامعة، ممثلًا عن الجبهة الشعبيَّة.

صبَّحت على وليد، وعرَّفته بنفسي، وأظنه لم يتذكرني، لكنَّه تذكر تلك السجنة.

قال: "أتذكر عندما صفُّونا طابور وصار الجنود يفرزوا فينا وأنا أكلتها".

أنا أيضًا أتذكَّر، فسألته عن واقعة المجرم أبو الفهد، اليهوديِّ العراقيِّ الكردي الضخم، عندما مرَّ من أمام غرفتنا، يهصر مجندة ضئيلة بالنسبة لحجمه، كي يزيدنا قهرًا، فهمس وليد: فَوِّتها شوية. سيظل سماع أبو الفهد للكلمة المهموسة سرًا، إلَّا إذا كان ركَّب استشعارين على أذنيه الكبيرتين.

أخرجونا من الغرفة وضربونا، وتركَّز الضرب على وليد، الذي لم يعترف ولم نعترف على أنَّه الهامس.

كما أنكر وليد أنَّه الهامس أمام أبو الفهد وجنوده، ينكر الآن وهو على مشارف السبعين حولًا، أنَّه المتسبب بقمعنا.

قال: "بجوز القائل قرمان هل تذكره؟"

يقصد عبد الكريم قرمان، الصامد الآن في مخيم النصيرات، تحت القصف والمأبدة التي ذهب ضحيتها الكثيرين من عائلته. لا أذكر أنَّ قرمان، كان معتقلًا معنا. شكرا وليد لانعاش الذاكرة.

قلت له: أظن أنَّ الهامس هو أنت! قرمان الغزاوي، أظنه لا يستخدم فعل الأمر فوِّتها! وهو مؤدب، مسالم، حتَّى أنَّه انتمى لتنظيم شيوعي يحمل اسم سيدة (زمرة إميلي)!

رد: والله  ما انا صاحي!

-ههههههه

*والله ما أنا صاحيها هذه الكلمة: فوِّتها!

ستنقل الصخور، والوديان، والأشجار، والطيور، والزواحف، والضباع لسلالتها، أنَّه وِجد من دافع عن شرف الصامتين.

الصورة: أبو الفهد الهصور. احتلال 1967م كان فرصة لليهود العرب في دولة الاحتلال، التي جندتهم للتعامل مع المحتلين، فقمعوا وفسدوا. (للمزيد عن ذلك يمكن مراجعة كتاب يهودا شنهاف).

#عبد_الكريم_قرمان

#شوقي_العيسة

#يهودا_شنهاف

#أسامة_العيسة

السبت، 16 مارس 2024

"تصدع الجدران".. ثورة أدبية للأسرى الفلسطينيين تصل للعالمية/ علي الكفراوي


 


بينما تستمر حرب إسرائيل على غزة، يعاني الأسير الفلسطيني وحشية الاحتلال، ولكن من قلب العتمة يبزغ فجر الرواية الفلسطينية بكل دمويتها المعذبة وبكل إنسانيتها الحالمة، بنهار جديد ترفرف عليه رايات الحرية، وتحمل الأنباء وصول روايتين فلسطينيتين للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، وهما "قناع بلون السماء" للأسير باسم خندقجي، والأخرى "سماء القدس السابعة" للروائي أسامة العيسة.

تفاصيل:

https://www.aljazeera.net/culture/2024/3/13/%D8%AA%D8%B5%D8%AF%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A3%D8%AF%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D9%89

#علي_الكفراوي

#باسم_خندقجي

#وليد_دقة

#يحيى_السنوار

#وليد_الهودلي

#فراس_حاج_محمد

#بيسان_عدوان

#تحسين_يقين

#جمعة_الرفاعي

#أسامة_العيسة

الجمعة، 15 مارس 2024

في مكتبة خليل توما/ فادي توما


 


في ذكرى مولد الوالد، أحضرنا رواية سماء القدس السابعة، المهداة لروحه، ووضعناها إلى جانب ديوانه في مكتبه الذي أحب.

#خليل_توما

#فادي_توما

#سماء_القدس_السابعة

#منشورات_المتوسط

#أسامة_العيسة

الخميس، 14 مارس 2024

لا فرح في زمن غزة الدامي/ فادية البمبمي


 الروائي الفلسطيني أسامة العيسة ابن مخيم الدهيشة المقام منذ 70 عاما بمدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية، تفرد بين أبناء جيله من الروائيين الفلسطينيين بالكتابة عن المكان، حيث تتبع حكايات أبناء المخيم من المهمشين والمهزومين، ووثق حكاياتهم في مواجهة التاريخ الذي يكتبه المنتصرون.

بعد "سماء القدس السابعة" يسعى أسامة العيسة باستمرار إلى تطوير مشروعه الأدبي المتواصل، حيث يرى أن لا حياة له خارج الكتابة.

عند رصد سيرة العيسة الذاتية، نجد كاتبا وطنيا بمعنى الكلمة، فوطنه، وتحديدا بيت لحم مسقط رأسه، هما منبع كل أعماله الإبداعية والأكاديمية، فأغلب رواياته تحمل اسم بيت لحم مثل "مجانين بيت لحم"، التي توجت بجائزة الشيخ زايد للكتاب في العام 2015، و"قبلة بيت لحم الأخيرة"، حتى أن أبحاثه في التراث والآثار كانت داخل حدود وطنه، مثل "مخطوطات البحر الميت"، و"تل أبيب لا تعرف النسيان: قصة اغتيالات قادة انتفاضة الأقصى".

مدينة القدس

لا فرح.. في زمن غزة الدامي

قال أسامة العيسة، بعد وصول روايته "سماء القدس السابعة " للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوك "، في حوار خاص لـ"تليجراف مصر"، “يصعب التعبير عن أي فرح، في زمن غزة الدامي هذا، أحاول إقناع نفسي أن وصول روايتي المشتبكة مع واقع قاس وصعب، للقائمة القصيرة لجائزة معتبرة، هو مساهمة في معركة الأمل التي يخوضها شعبنا، إدراج روايتي في القائمة يمنحها فرصة انتشار أكبر ووصول إلى قراء مفترضين، وهذا ما يتمناه الكاتب، بل هو جائزته الحقيقية”.

سماء القدس السابعة

سماء القدس السابعة

يرى "العيسة "أن مشروعه الروائي يرتكز إلى الفهم العميق للمكان والزمان الفلسطينيَّين، وهي مسألة قد تختلف عن التوثيق، فالتوثيق قد يكون من عمل المؤرخ والصحفي أكثر من الكاتب،

يحاول تقديم المكان الفلسطيني من زوايا مختلفة، معتبرا أنه ما زال بِكرًا من ناحية معرفية، خصوصًا وأنَّ العرب في وجودهم الطويل في فلسطين، لم يسهموا كثيرًا في الجهد المعرفي للمكان، في معظم الحالات استندوا على المرويات الدينية، وأساطير الأولين.

أسلحة الصمود والخيال

أكد العيسة أن “الفلسطيني فعل مثلما يفعل أي إنسان يُحتل وطنه وتاريخه، بدأ مقاومته مبكرًا، وتطورت هذه المقاومة مع أجيالٍ تحمل في كل مرَّة ما أسميه ربيعها، واختيار شكل مقاومتها، أعتقد أنَّ الصمود هو أبرز أشكال المقاومة في الأراضي الفلسطينية كافة، وأشكال المقاومة كافة تحتاج إلى الخيال، وأحيانًا إلى الجنون، كما حال المقاومة الآن في غزة والضفة الغربية”.

انتعاش الرواية الفلسطينية

بعد وصل روايتين فلسطينيتين إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، والجدل الذي أثير حول رواية "تفصيل ثانوي" لعدنية شبلي، يرى المرشح للبوكر، أسامة العيسة، أن الرواية الفلسطينية، تشهد انتعاشًا منذ بضع سنوات، بعد استيعاب صدمة أوسلو، وتأسيس سلطة دون سلطة تحت الاحتلال، وانعكاس التراجع على المناحي كافة، ومنها الأدبية، الملفت في جائزة البوكر هذا العام، أنَّها المرَّة الأولى التي تصل فيها رواية كتبها أسير، وهو باسم الخندقجي، إلى هذه الجائزة الرفيعة، هذا يعني أن الأدب الذي يكتب في غرف السجن وزنازينه، تمكَّن من تطوير نفسه، رغم الظروف القاهرة، أي عودة للأدب، سواء كان فلسطينيًا أو غيره، هو أمر هام، للثقافة الإنسانية.

روايات بأقلام ليست فلسطينية

يشدد "العيسة" على أن الروايات التي كتبت عن فلسطين، بأقلام ليست فلسطينية، لم تكن تجارب مشجعة، مثل رواية للكاتب الجزائري ياسمينة خضرا.

يضيف “شعرت أنّ روح المكان الفلسطيني وإنسانه مفقودة، هناك كتابات بأقلامٍ فلسطينية ينطبق عليها هذا أيضا، العمل الأدبي صناعة، تحتاج للكثير، ولا تتطور بالنوايا الحسنة والمشاعر الوطنية”.

“الأقرب إليّ”

تأثر "العيسة" في بداياته الأدبية بأدب المقاومة الفلسطيني، وبالأديب إميل حبيبي، واصفا اياه بأنه أهم كاتب فلسطيني ظهر خلال القرن الـ20، تمثَّل فلسطين، دون بطولات زائفة وشعارات فارغة. ويضيف “تأثرت بعدد من أدباء العالم مثل همنجواي، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وبابلو نيرودا وغيرهم، لكن الأقرب إليَّ من ناحية إبداعية هما إميل حبيبي ونجيب محفوظ”.


الأربعاء، 13 مارس 2024

القدس تنتظر الغواصين.. ولكل منا قدسه الخاصة/وحيد تاجا




دمشق ـ من وحيد تاجا:

مع وصول روايته (سماء القدس السابعة) إلى القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية (البوكر) قال الروائي الفلسطينى أسامة العيسة لـ (الوطن): القدس مدينة رمزية لملايين البشر من مختلف الأديان، هي نوع من الفردوس المشتهى. و لكل منا قدسه الخاصة... قدسه الواقعية والرمزية.

وعن روايته قال إنها رواية احتفاء بالمكان، وبالشخوص، بمدينة نصية وقدرية. ولكنها أيضا مراجعة للمسلمات، والشعارات، وحتى للفعل الفدائى المبكر، الذى لم يكن، رغم فداحة التضحيات وسموها، والمرجعيات الثقافية للمناضلين، ليفضى إلى انعتاق المدينة، بحجرها وبشرها. يشار إلى أن أسامة العيسة كاتب وصحفى ولد فى مخيم الدهيشة فى مدينة بيت لحم، فلسطين فى عام 1963م. صدرت له عدة كتب أدبية وبحثية، فى القصة والرواية والآثار وطبيعة فلسطين وحازت روايته (المسكوبية) على الجائزة العربية للإبداع الثقافي 2013. حصلت روايته مجانين بيت لحم على جائزة الشيخ زايد للكتاب 2015. ولنقترب أكثر من أسرار تفاصيل رواية (سماء القدس السابعة) أبحرنا مع مؤلفها أسامة العيسة من خلال هذا الحوار:

ـ نبدأ من الأسم.. لماذا اسميتها سماء القدس السابعة ؟

تختار الرواية اسمها الذي قد لا يكون في ذهن الكاتب أو تخطيطه ، جاء الاسم من واحدة من حكايات القدس، عن الوفاء والأخوة، وعلاقة السماء بالأرض. أترك للقاريء اكتشاف ذلك بنفسه.

ـ روايتك الأولى (المسكوبية) كانت عن القدس...وها انت تعود في روايتك الأخيرة إلى القدس مجدداً.. لماذا القدس تحديداً ؟

القدس مدينتي فيها درست وتسكعت وعملت وسجنت وأحببت ونشرت. أسكن على بعد سبع دقائق بالحافلة من باب العمود وسط البلد في القدس. سيبعد المحتلون القدس، ويصبح الوصول إلى أي عاصمة في العالم أسهل، ولكن من الصعب إبعادها، على الأقل في المتناول الإبداعي، القدس مدينة رمزية لملايين البشر من مختلف الأديان، هي نوع من الفردوس المشتهى، فلكل واحد في دنيانا قدسه التي يتصورها في خياله أو يعيشها، كونتها حقائق وأساطير، وتؤدي أحيانًا لإصابتهم بالجنون ، في كل عام تسجل على الأقل نحو ثلاثين حالة جنون لزوار المدينة، يطلق عليها العلماء: متلازمة القدس. قدسي هي قدس ناسي ، القدس هي التي يمكن أن تندلع من أجلها حروبا، كما الحال الآن، ويحرص الفاتحون، والغزاة، والأفاقون، على توثيق مغامراتهم على جدرانها، تذكارا لأجيال مقبلة، القدس مدينة تمتلك نصيا، من خلال الكتب المقدسة، وغير المقدسة، وهي مدينة الأقدار، التي تهدم وتتنسف وتجرَّف وتظلّ.

ـ المكان ( القدس ـ بيت لحم ) هو البطل الأساسي في كل أعمالك الروائية، هل نتحدث عن مشروع روائي لـ أسامة العيسة يرتكز على المكان الفلسطيني تحديداً...؟

المكان والزمان الفلسطينييان، هو مشروعي الروائي خصوصًا أن الزمكانية الفلسطينية، هي بِكر، تُمكِّن أن يخوض الكاتب أو الباحث مغامرة الغوص والاكتشاف، كتبت أيضًا على أماكن أخرى مثل رام الله وبئر السبع، وفي مشروعي البحثي كتبت، ضمن رؤيا جديدة، عن مواقع أخرى،القدس تنتظر الغواصين!.

ـ تطرقت الرواية باسهاب إلى التاريخ وكانت اقرب إلى التوثيق الامر الذي يطرح سؤالاً حول العلاقة بين الروائي والمؤرخ والحد الفاصل بينهما، وكيف يمكن فك الارتباط بين روايتنا لتاريخنا وبين رواية الأخر لتاريخنا؟

الرواية التاريخية لها مقومات عند النقاد لكن في روايتي هذه أنا لا أكتب تاريخًا، أجوس من خلال عيني فتى اكتشافه للمدينة، وهو ما لا يمكن أن يجده القاريء في أي كتاب عن القدس ،إذا أراد أحد أن يسمي ذلك تاريخا، فهو تاريخ المهزومين، والمهمشين، والحالمين، والعشاق الذين يذهبون لمواعيدهم مع المدينة، رغم أنهم يدركون أنهم قد لا يعودون. أنا لا أؤمن بتوحيد الرواية الفلسطينية، الرواية الفلسطينية هي روايات. هناك، مثلا، روايات الأفندية والمنتصرين عن القدس، التي اهتم بها المؤرخون، ولكنني أكتشف المدينة، رفقة القاريء بعيني الذين أغفلهم التاريخ مع أنهم جزء مهم من صنعه.

ـ كان ملفتاً شكل الرواية وتقسيمها إلى 3 أسفار:(سفر للحياة)، والثاني (سفر للحزن والحياة)، والثالث (سفر للبقاء والحزن والحياة) ما الذي يحدد شكل الرواية عندك؟

كل رواية تحدد شكلها هذه رواية ذات طابع ملحمي، وحاولت أن تأخذ شكلًا جديدًا في الرواية الفلسطينية أمَّا النجاح في ذلك، فهذا أمر آخر.

ـ بالتالي ما هي وظيفة الرواية ؟

يقرأ الناس لأسبابٍ عدة، بحثًا عن متعة، أو معلومة، أو حتى لمساعدتهم على النوم. أحاول تقديم عملًا جديدًا، قد يثير الشغف، وإذا فشل، فتكفي المحاولة، للنقاد أن يحددوا ما يرونه مناسبا من وظائف الرواية ، أنا لا أجلس للكتابة، واضعا نقاطا أحدد فيها وظيفة الرواية ، أنا أكتب معايشتي، أكتب نفسي، وتباريح جيلي، وكفاحه، ونضاله، وتوقه للحرية. أكتب عن الانسان الفلسطيني الذي لا ينتصر، ولكنه ينهض بعد كل هزيمة ليواصل.

ـ ماهي مشاريعك القادمة...؟

المشاريع كثيرة من بينها ثلاثية عن ميدنتي القدس وبيت لحم عنوانها العام: (شارع القدس-الخليل) لكن لكل جزء عنوان فرعي.

 

الثلاثاء، 12 مارس 2024

في رحيل أبو السعدي!


 


*"انتصر ضَبْعو، على أية محاولات لتحجيمه كرجل سَيْر، وزادت شعبيته، وقبوله لدى النَّاس، رغم بروز آخرين، مارسوا هواية تنظيم حركة السَّيْر، ولكن بدافع الواجب، وشعور ملح بالمسؤولية، مثل أبي السَّعْدي المسنّ، مخدد الوجه، والمحبوب، اللاجيء من قرية ديربان المدمرة، في الهضاب الوسطى، إلى قرية ترمسعيا، التي تمتاز بفيلاتها الجميلة، وأسطحها القرميدية الحمراء، جُهد تحويلات مغتربيها في أميركا، فهي من القرى التي أصابتها مبكرًا لوثة الهجرة إلى خلف البحار، التي يقال بأنَّ حنّا الصاع من رام الله، هو مَن بدأها في منتصف القرن التاسع عشر، عندما ذهب بائع التذكارات هذا برفقة الحجاج اليونانيين إلى اسطنبول، وقبل نهاية القرن، دشّن بوسف الدِبّيني الهجرة إلى الأميركيتين، لتصبح عدوى ضربت رام الله وجارتها المتداخلة معها البيرة، وقرى في ريفهما".

*"أبو السَّعْدي، الَّذي يُطلق عليه لقب (المواطن المقاوم) و(المناضل الثمانيني) و(شيخ المناضلين)، لا يعتبر تنظيم حركة السَّيْر، على أجنداته الملحة، كرجلٍ مفعم بالوطنية الثورية التي لا تقبل المساومة. يُشاهد أحيانًا على دوّار المنارة، يُنظم حركة السَّيْر، ويساعد المشاة في المرور، بدافع، -كما يقول- تربوي وطني، لأنه يعتقد بأنَّ العدو الإسرائيليَّ قد يحسب حساب الفلسطينيين، فقط إذا رآهم مُنظَّمين".

#أبو_السعدي

#رسول_الإله_للحبيبة

الاثنين، 11 مارس 2024

اقتباس/سارة سليم


 


"علينا أن نكون دائماً أذكى من الاحتلال، إنه يسبقنا بخطوة أو أكثر. وعلينا أن نغير المعادلة، أن نسبقه دائماً، و إلا فإننا لن تتغلب عليه".

#سارة_سليم

#سماء_القدس_السابعة

#أسامة_العيسة

#منشورات_المتوسط

الأحد، 10 مارس 2024

حزن أوسع من المدى!


الصورة، منحوتة جنائزية من مدينة تدمر الرومانية، من مقتنيات "متحف إسرائيل" في القدس. تختزن حزن الدنيا وشجنها، ضفرها إزميل مثَّال شامي القرن الثاني الميلادي، عبر عن أحزاننا التي لا تريد المغادرة.

تقارن هذه الجنائزية، بجنائزيات الفيوم الرومانية، ومنها من مقتنيات متحف الكتاب في القدس أيضًا.

كيف تسربت إلى دولة الاحتلال؟ هذا مبعث شجن آخر.

نحن الشاميُّون، شامة الأكوان المطعونة. طعنت حتَّى تورمت، ولا بصل يمتص الصديد!

#الشام

 

السبت، 9 مارس 2024

"رواية نبيلة" ولكن/ يوسف حطيني


 


(1)

رواية "سماء القدس السابعة رواية نبيلة"، تقدّم حكاية مختصرة لشخصياتها الحكائية، بينما تمدّ جذوراً ضاربة في أعماق التاريخ إلى القدس، بكثير من الاستفاضة، تحكي حكاية المهزوم المأزوم الذي يستعين بالجغرافيا التاريخية في مواجهة منتصر متفوق يغتصب الحق ويزور المكان ويرقّع سمعته بالانتساب إلى آثارها ونقوشها. إنها رواية تحتفل بالمكان، وتدعونا من خلال حكايتها المبتسرة إلى مراجعة المسلّمات، ونفض الشعارات التي أثقلت كاهلنا، كما تستحثنا على الانتقال للفعل الثوري الذي سُجن والد السارد من أجله، حتى لا يُستشهد موسى مرتين، وحتى نكون جديرين بالانتماء إلى سماوات القدس.

هي رواية نبيلة إذن، لكنّ نبل المقصد لا يكفي وحده لإنتاج رواية متفوقة، ونحن نحاول في هذه السطور إبداء وجهة نظر نقدية، تسعى إلى أن تكون محايدة، حول رواية يمس موضوعها شغاف القلب، ويَدخله من مدخل الهوية الوطنية والحضارية التي يسعى أسامة العيسة إلى تحقيقها، في ظلّ صراع لا يرحم مع مزوّري التاريخ والآثار ووجه الحضارة.

(2)

تتشكل الرواية من ثلاثة أسفار، أولها: "سفر للحياة"، وهو سفر تبدأ حكايته من ذروة مشوّقة للقارئ، يلخّصها خبرٌ انتشر في القرية انتشار النار في الهشيم: "السّبع طربَلَ"، ولم يستطع أن يرفع رأسه ورأس أمه أمام عروسته في ليلة الفرح. أما لماذا "طربَلَ" السبع، مع أنه رمز فحولة شباب القرية، فحكاية أخرى تنتثر تفاصيلها على مدى الصفحات، وتنتهي بانتحاره، في سرد مبكّر عن نهاية الرواية، ما يعني أن الأزمة المفتوحة المشوّقة التي تابعها القارئ في البداية أُغلقت على نحو مبكّر، وكان من الممكن تأجيلها، لا سيما أن هذه الشخصية غنية بما يكفي للإفادة منها حكائياً ورمزياً، في ظل وجود قيادة فلسطينية "مطربِلة"، تعيد إلى ذاكرتنا صورة أبي الخيزران قائد صهريج الموت في رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني.

هنا يقدّم الروائي بداية حكاية مشوّقة مميزة، تؤرق مجتمع الرواية، وتصلح تماماً لتظلّ خلفية لحكاية القدس النبيلة، غير أنّ انتحار السبع المبكر يحرفها إلى مسار آخر، قبل أن يفيد منها على الوجه الأكمل، منتقلاً إلى حكايات تنبت فجأة وسط السرد، ثمّ تختفي.

على أنّ هناك ظلال حكاية ضبابية، ربما كان من الأفضل تظهيرها في السرد، هي حكاية (ذي الكفل ـ كافل) السارد الشاهد على الرواية، فهو يبدأ مستمعاً من أبيه ومن الآخرين، وينتهي متحدّثاً لابنه، لتصبح القدس حكاية تنتقل من جيل إلى جيل: "أرى من مكاني، وأُري ابني، وأنا أشير له، لينظر إلى سفح جبل الزيتون، كنيسة الدمعة، وهو الاسم الشعبي لها، بينما تسمّى رسمياً كنيسة بكاء الربّ"، ص650.

هذا السياق المهم الذي لم تركّز الرواية على تظهيره جدير بأن يكون خطّاً تبتدئ به الرواية وتنتهي، بديلاً عن حكاية السبع التي استحقت جدارة البدء وانسحبت خارج الحكاية قبل نهايتها بكثير.

ثمة أمر آخر يثيره السفر الأول من الرواية، وهو يمتدّ على أكثر من أربعمئة صفحة؛ إذ من حقّ القارئ أن يتساءل: أيقدّم هذا السفر من الرواية حكاية القدس نفسها؟ أم يقدّم القدس من خلال الحكاية؟ يبدو أن أسامة العيسة كان ميّالاً للخيار الأول، ويبدو أن لهذا الخيار تبعاته على البناء الفني؛ لأنه جعل السرد بطيئاً جداً، لا يقدّم في الصفحات المئة والخمسين الأولى أي تطور حكائي مهم، ونحن هنا لا ننقص من قدر الجهود البحثية التي قدمها الباحث (نعم الباحث) في تقصّي تاريخ القدس وحاضرها، والحديث عن حاراتها وأزقتها، وجبالها وأوديتها، وأوليائها وأنبيائها، ومساجدها وكنائسها وزواياها وأسوارها وقبابها وقبورها، بل نجلّ دور هذا الجهد في ثتبيت روايتنا عن القدس في مواجهة رواية الآخر، غير أننا نَرفُق بالسرد الحكائي الذي لا يحتمل مثل هذه التفصيلات لقارئ ملول سيفتقد دافع التشويق قبل أن يصل إلى محفّز حكائي يعيده إلى أتون الحكاية، هذا إذا افترضنا أنّ الرواية رواية عن القدس، وليست رواية القدس نفسها.

بعد مئة وخمسين صفحة يعود الكاتب إلى الحكاية التي انفتح عليها السرد، إذ يقول السبع "المطربل" لوالد السارد: "أنا لست عنيناً، لقد جربت نفسي مع يهوديات شارع يافا"، ص152، ثم يعود السرد توثيقياً بطيئاً، ليشتد في فصول لاحقة (35، 36، 37)، ثم يعود من جديد بطيئاً، ليوضّح ما بات واضحاً، وهو أن الأب يريد أن يورّث الحكاية للسارد.

وفي السفر الثاني المعنون بـ "سفر للحزن والحياة"، والذي يمتد على أكثر بقليل من مئة وثلاثين صفحة يبدأ السرد باستشهاد مريم التشادية واعتقال الأب بعد إصابته في عملية فدائية نفّذها معها، تبعها هدم البيت، ما يعيد للسرد حيويته، ودفأه، وقدرته على إثارة القارئ: "ترى جدراناً وأسقفاً، وقواطع، وأبواباً، ونوافذ، تكتشف أنك كنت تبادلها التحيات، والعواطف والأشواق، وهي شاهدة على فرحك وحزنك، تنهار بسرعة مرة واحدة، عندما يضغط أحدهم على أزرار التفجير، فلا ترى منها سوى الغبار الأبيض"، ص441.

ويبدو لنا أن السفر الثاني (سفر للحزن والحياة) أقرب الأسفار الثلاثة إلى الانخراط في القالب الروائي الطويل، إذ ثمة أحداث فارقة، فاعتقال الأب يجبر زوجته على العمل، فتعمل في تنظيف منازل اليهود، ثم في منزل العرعور الذي آل إلى مؤسسة إسرائيلية، ثم يؤدي إلى ظهور ملثمين يقتلون زوجته في شبهة ظالمة، ما يحرّك السرد نحو احتمالات جديدة.

أما السفر الثالث الذي يساوي السفر الثاني في عدد صفحاته تقريباً فقد حمل عنوان "سفر للبقاء والحزن والحياة"، وظهر فيه أربعة أطفال يصنعون سهاماً ليقتلوا حارس العين اليهودي انتقاماً لاستشهاد الطفل موسى، ثم يقضون شهداء إثر انفجار غامض دبّره الاحتلال. وتمضي الحكاية معتمدة على وسيط الرسائل التي كتبتها لورا لتغطّيَ فراغ فترة زمنية قضاها السارد في لندن للدراسة، ولم يقرأها إلا بعد عودته، وهو سفر يقوم بوظيفته البنائية، ويغلق الدوائر التي تمّ فتحها سابقاً.

(3)

تكاد هذه الرواية تشبه حكاية ألف ليلة وليلة من حيث تداخل حكاياتها الفرعية، بعضها ببعض، فلا نكاد ندخل في حكاية حتى نخرج منها: حكايات متفرقة، تجمع بينها القدس، فتشتت انتباه القارئ الذي يلهث وراء حكاية تائهة للسبع "المطربل"، والأب الذي يريد الدفاع عن هويته بالسرد.

وإذا كانت حكايات ألف ليلة وليلة تسردها شهرزاد واحدة، فإن حكاية القدس (التي تقع في خلفية حكاية الرواية)، تسردها شهرزادات متعددة، بدءاً من الأب الذي يتكئ على ما يصادفه بصره، أو ما يعنّ له خلال حديث، ليحكي جزءاً من الحكاية التوثيقية، أو من حكايات الذاكرة القريبة، دون داعٍ سردي، على نحو ما نرى في السياقات التالية:

• "وانتقل والدي ليواصل حديثه عن وادي جهنم"، ص107.

• "قال لي: انظر تلك كنيسة الجثمانية، دقق النظر في أعمدتها وواجهتها ورسومها، انظر للأعمدة الوردية المبهرة الأكثر اكتمالاً وجمالاً، تخيّل كيف حفّها الحجارون"، ص108.

• قال والدي: "انظر على امتداد الوادي: سترى أضرحة ومغارات وكهوفاً استخدمت للدفن. أترى الأضرحة الثلاثة؟ إنها أضرحة ذات أشكال غير مألوفة في فلسطين، ولكنها مبهرة"، ص148.

• "خرجنا من القبة، وودع والدي الشيخ عبد رب النبي، معتذراً عن أي إزعاج، وانطلقنا، وهو يقول: الآن إلى وادي حلوة"، ص180.

• "استغربت الاسم حِطّة، يُطلق على أحد أبواب الأقصى، فكان جواب والدي حاضراً كأنه يتوقعه: قال الله لبني إسرائيل "ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ"، ص175.

• "أشار والدي إلى نتوء كبير في جدار، يشبه الشباك، قائلاً: هذا سبيل آل قطينة، على اسم العائلة التي تسكن تلك الدور، بجانب بوابة ماندلبوم"، ص73.

• "تشجّع والدي، وأكمل السير شمالاً باتجاه مقام الشيخ جراح، القائد الذي عمل تحت إمرة صلاح الدين الأيوبي"، ص74.

• "بعد صمت الرشاشات وسيطرة العصابات الصهيونية على الأحياء العربية فيما سيعرف بالقدس الغربية أسس جدي الذي أصبحت بارودته عاطلة عن العمل مجموعةً كانت تتسلل بشكل دوري إلى أحياء قريبة مثل تل بيوت والطالبية والثوري والبقعة"، ص26.

• "في طريق العودة سمعت من والدي حكايات عديدة عن فلسطين وعن النكبة والنكسة، وعن جدي الثائر"، ص42.

• "عندما وصلنا حلحول قال والدي بأنه سيحكي لي حكاية القط الذي ناوش السماء"، ص43.

ربّما عليّ أن أعتذر للقارئ الكريم عن الإطالة في هذه الاقتباسات التي لا تشكّل إلا مجرّد إشارات لجزء يسير جداً من حكايات الأب التي يتضمنها النص الروائي. كما إنّ للأم نصيباً في الحكايات التي يتلقاها السارد، فهي تحكي له حكاية الدجاجة ص94، وحكاية نبي الله سليمان، ص ص 96ـ98، وص388، وغيرهما، وقد يتناوب الوالدان على حكاية واحدة على نحو ما نرى في ص275، فالحكايات التي تقع خارح السرد في هذه الرواية قدرٌ مفروض على أسرة السارد، وتتجاوزها إلى معارفها، فها هي ذي لور تحكي عن توابيت مرمية ورسومات في القصر، ص337، وعن القصر الشتوي للخليفة الأموي الوليد الثاني بن يزيد، ص412، وعن قرية نصف جبيل:

"ـ تساءلتُ: نصف الشمس؟

• قالت ضاحكة: نحن هكذا نسمي قريتنا، أجدادنا أخبرونا بأن جبيل تعني في اللغات القديمة الشمس، ولأن منازلنا تقع على مجموعة من الينابيع الطبيعية على سفوح الجبال، فإن الشمس تشرق عليها في فترة متأخرة وتغيب في فترة مبكرة، يعني لدينا نصف شمس فقط"، ص256. كما يتحدث أبو روحي عن سور القدس ص90، وعن مريم العذراء، ص235، ويقول: ""كل منا عليه أن يكتشف مكانه، ويعرف قدسه، ولكل منا قدسه"، ص88، بينما يحكي الشيخ نعيم حكاية طحّانة خُرسا، ص38، حتى السبع المطربل ذاته، يتدخل في حضور الدليل السياحي النصرواي، ليقول: "اسمها ليس فقط عين ستنا مريم، ولكن أيضاً: عين أم الدرج، وعين جيحون وعين سلوان، ومثلما تقدّسونها، نقدّسها نحن، فهي تأخذ قوتها من حقيقة أنها تختلط مرة في العام بمياه زمزم"، ص213ـ 214، كما إن المختار يسهم بقدر من السرد التوثيقي، ص286، مثلما يفعل كوهين، ص342، وجورجيت، ص316، و490، ومانويل، ص423، حتى لتكاد كل شخصية من الشخصيات الثانوية والطيفية تقدّم حكايتها في هذا الاستعراض الثقافي المرهق.

ها هنا تبدو الشخصيات ساردة للتاريخ أكثر من كونها محرّكة للسرد، خاصة في السفر الأول من أسفار الرواية، وكل ذلك ليحقق الأب هدفاً واحداً: "أريده أن يكبر بسرعة، ويصبح رجلاً"، ص55.

(4)

تبدو لغة الروائي في المقاطع السردية التي تنتمي للحكاية الأصلية موفقة وجميلة وشاعرية وذات طابع تحفيزي، إذ يرتفع مستواها الوظيفي حين تتحدث عن اليهود يتحسسون عضلات العمال العرب الذي يستأجرونهم للعمل في المستوطنات، كما تتجلى في أبهى صورها حين يحكي السارد عن استشهاد موسى ومريم التشادية، وحين تطلق أم السبع زغرودة بمولود قادم (هو السارد نفسه)، "فالفرح في عائلتنا مقتنص، ولا يعرف أحد ماذا يخبّئ الغد"، ص13، وحين تطوّق دورية من جيش الاحتلال العرس الثاني للسبع "كانت دورية من جيش الاحتلال تطوق المكان، مثلما فعلت خلال عزاء موسى، تحسباً لشيء لا أعرفه"، ص203

كما تحلّق اللغة حين تصطبغ بالبيئة الشعبية، وتُستخرج من معجمها (كالطبلية، والبجم والمطربل، والزبال، والغازيّة)، وحين يكتب الشيخ نعيم حجاباً، وحين تلوم أم السبع زوجة ابنها على "طربلته"، "فعلى البضاعة أن تعرف كيف تتصرف وتتغنج وتتقوس وتتدلع"، ص21، وترقص تلك اللغة وتدبك مع أبي طلعت الذي يغني في العرس الثاني للسبع، من باب اقتناص الفرح:

"يا زريف الطول وشوفوا يا بَشَرْ/ يا محلا دبكتنا مقاهرة وجَكَرْ

وما نخاف الجنود وما نخشى الخطر/ نحنا فلسطينية وهايِ أرضِنا، ص204

نود أن نقول: إن اللغة تسمو وتعذُب عند الروائي القادر على تطويعها حين يتخذ قراره بأن يكون روائياً، ويصوّر المشاهد السردية ذات الصلة الوثيقة بالحكاية الأصلية. أما حين يلبس لبوس الصحافي أو الباحث فإن اللغة تتجه عنده نحو المباشَرة، فنقرأ سياقات سردية، مثل قول عازار: "يا أستاذ عارف، أنا أعرف أنك مطلع عارف ومثقف، أية أرض وقفية تتحدث عنها؟ وهذه الأرض كلها منحها الرب لشعبه المختار"، ص224.

ومثل الحوار التالي الذي يجري بين شارلي وأبي روحي:

"ـ أنتم مواطنون في القدس الموحدة، صحيح بأنكم مصنفون كمقيمين، ولكننا جميعاً تحت إدارة بلدية واحدة، ويمكن أن نعمل معاً من أجل مصلحة فقرائنا وفقرائكم.

ـ بلديتكم بلدية احتلال، فقراؤنا يريدون التخلص من الاحتلال، وفقراؤكم يريدون الاستفادة من الثراء الذي يجلبه الاحتلال"، ص102.

ربما كانت هذه الرواية من أفضل المراجع التوثيقية التي كتبت عن القدس، وربما يجد من يقرؤها بصبر الباحث الكثير من المعلومات التي نواجه بها رواية الآخر. لكنّ القارئ الذي يبحث عن الحوافز السردية المشوقة لن يجد منها إلا القليل الموزّع على مساحة النص التي اقتربت من سبعمئة صفحة.