أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 30 مارس 2023

لا أحد يخلو من الجنون/خليل النابلسي


أسامة العيسة؛ أثبت ببراعة بأن لا أحد منا يخلو من الجنون.

من رواية مجانين بيت لحم:

"كلنا محكومون بالأسئلة في حيواتنا، الحياة سؤال كبير".

"الحروب لا تُقسم الأوطان وتلتهمها فحسب، بل أيضًا تلتهم حيوات المهزومين".

#مجانين_بيت_لحم

#خليل_النابلسي

#أسامة_العيسة

 

السبت، 25 مارس 2023

الزمخشري والنَّاس!


تُعرِّف كتب التراجم، وما أكثرها، على تفاوت أهميتها، ومصداقيتها، الزمخشري: الإمام الأوحد. مع ذلك لم يشفع له ذلك في تحوير ما كتبه، والتجرؤ على قصده.

فخر الزمخشري بمذهبه المعتزلي، وكان يقدِّم نفسه: أبو القاسم المعتزلي. يعد درة تصانيفه: الكشَّاف، تفسيرًا معتزليًا للقرآن الكريم، وهو واحد من تفاسير القرآن ذات الأهمية الخاصة، فهو كتاب في التفسير، واللغة، والتحليل الأدبي، واستخدام علم الكلام في الجدال، والربط، والتأويل.

يبدو عنوان الكشَّاف التفسيري، مميزًا: عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ولكنه، ليس تفسير الكتاب الوحيد، الذي قدم نفسه تأويلًا لكلام الله، الأزلي، كما انتصر الرأي السائد لدى المسلمين الآن، أو المخلوق كما آمن الزمخشري.

تذكر الكتب التي ترجمت لحياة الزمخشري، أنَّه افتتح الكشَّاف بعبارة: الحمد لله الذي خلق القرآن، وهو إعلان صريح لمذهب المعتزلة العقلاني، فقيل له: متى تركته كذا هجره الناس، مع أنَّه في خطبة الكشَّاف، يشير إلى انه وضعه بسبب إلحاح النَّاس.

قدَّم الزمخشري تنازلًا صغيرًا من أجل النّاس، فغيَّر فاتحة خُطبة الكتاب إلى: الحمد لله الذي جعل القرآن. هذه المرَّة تنبه سدنة الشريعة وحرَّاس العقيدة، واعتبروا كلمة جعل بمعنى خلق. وعليهم، بوصفهم أوصياء على عقول النَّاس، حماية النَّاس.

ما وصلنا ما استقر عليه: الحمد لله الذي أنزل القرآن، وهو تدخل السدنة، على غير رغبة المؤلف، الذي غادرنا يوم 12 تموز 1143م.

طبعة الكشَّاف التي بين يدي، صدرت في بيروت عام 2012م، وفاتحة الخطبة، كما استقر على وضعها سدنة العقيدة.

حتَّى يوم النّاس هذا، لا يجرؤ محقِّق أو ناشر، على إعادة الاعتبار لما أراده الزمخشري.

في الترجمة التي وضعها الزمخشري لنفسه، يظهر تواضعه، وحس الفكاهة، وفهمه لأسلوب كتابة السيرة، وذكائه الطاغي، ولو عاد إلينا، ليزيد على ترجمته، معلقًا على تزييف فاتحة خُطبة الكشَّف، لسأل ساخرًا عن من هم النَّاس فعلًا، الذين حثوه لوضع كتابه، والذين نُبه أنَّه يحرجهم بذكر كلمة خلق، إلى تزييف ما أراده من أجل النَّاس.

#الزمخشري

#الكشَّاف

 

الاثنين، 20 مارس 2023

واحد من تلك الفصيلة


عبد الرحمن مجيد الربيعي (1939- 2023م)

روائي، وقاص، ومعتقل سياسي. مهاجر بنصوصه، بين البلدان.

لأسبابٍ لا أذكرها، تستقر في مكتبتي نسختان بطبعتين مختلفين، من رواية القمر والأسوار للربيعي. صمدتا رغم الأنواء التي عصفت بالمكتبة، وأفقدتها الكثير.

رواية بديعة، تنتمي للمدرسة الواقعية التي كانت رائجة في الأدب. هي من القراءات الروائية العراقيَّة الأولى، بالإضافة لغائب طعمة فرمان، وفؤاد التكرلي، من عتاولة المهنة المجهدة.

أظنها تحوَّلت إلى فيلم. رواية عن جنوب العراق وناسه.

صدف وأن قرأت له قصَّة في مجلة مصريَّة (قد تكون إبداع). هي قصَّة حب مؤثرة.

يغادر الربيعي، دنيانا، إلى مكانٍ سيكون، بالتأكيد أفضل.

الربيعي من فصيلة أولئك الذين، يذهبون، ويتركوننا!

#عبد_الرحمن_الربيعي

#القمر_والأسوار

 

الجمعة، 17 مارس 2023

قبر معلَّق في سماء القدس!













ولد عبد الله مخلص (1878-1947م) في عينتات، عندما كانت سوريِّة. نشأ في فلسطين. أعتبره رائد الكتابة عن المكان الفلسطيني.

تولى مسؤوليات في الأوقاف الإسلامية، وهو نموذج نادر، لموظف، يكون بالصدفة ألمعيًا شغوفًا، فيستفيد من منصبه لإثراء المشهد الثقافي، كعارف العارف مثلًا.

جمع الدكتور كامل العسلي، مختارات من كتابات مخلص في كتاب، ولكن كثير من مقالاته لم تجمع. هناك حديث عن مخطوطات لكتبه ضاعت بفعل النكبة، وكذلك فإن مصير مكتبته غير معروف حتى الآن (التفاصيل طويلة ومؤلمة).

اكتشف الدكتور خضر سلامة، قبر مخلص، في مقبرة المجاهدين (بقيع الساهرة)، ولفت انتباهي.

بقيع الساهرة، ميثولوجيا إسلامية، لا تهم معظم المسلمين الآن، طورت عن ميثولوجيا يهودية، تطبق على أرض القدس، بقوة الاحتلال، والمال، فأصحاب رؤوس الأموال اليهود من يمكنهم شراء قبر في الموقع الذي سيشهد "المحشر والمنشر".

هندسة القبر، والنقوش عليه، والمنحوتات، تشي بتقدير لدوره الثقافي. يبدو القبر للسائرين في شارع السلطان سليمان، إذا انتبهوا، كأنَّه علق في سماء بعيدة.

عبد الله مخلص، سيرة مثقف نهضوي فلسطيني ملهم!

فيديو:

https://www.youtube.com/watch?v=eC2W1vJ93LM

#عبد_الله_مخلص

#القدس

 

قبر عبد الله مخلص

الثلاثاء، 7 مارس 2023

رحلة/ماري القسيس مصلح


 


من أجمل وأعمق الكتب التي قرأتها. كتاب مجانين بيت لحم؛ يأخذك في رحلة بين أزقة بيت لحم ومخيم الدهيشة ويسرد حقبة تاريخيَّة مهمَّة جدًا في فلسطين.

#ماري_القسيس_مصلح

#مجانين_بيت_لحم

#أسامة_العيسة

الاثنين، 6 مارس 2023

عائلتان مسيحية ومسلمة آخاهما الكفاح والنخوة






 


يمضي جورج نسطاس، معظم وقته في منزل العائلة قرب دير مار الياس، الواقع بين بيت لحم والقدس، بينما تستمر أعمال إنشاءات احتلالية واسعة، في المنطقة، بجانب المنزل، الذي يظهر كجزيرة وسط الإنشاءات الاحتلالية، خشية من التعرض إليه.

يعتبر نسطاس المنزل الحجري القديم، في منطقة تابعة لمدينة بيت لحم، لكن سلطات الاحتلال، ضمتها إلى حدود بلدية القدس الاحتلالية، بعد حزيران 1967م، شاهدا على التطورات السياسية التي شهدتها البلاد خلال أكثر من قرن.

عمر المنزل أكثر من قرن، وأجبرت قوات الاحتلال، عائلة نسطاس، على هدم ما أضافته إلى البناء القائم، ومنه بئر مياه. خلال النكبة، عسكر الجيش المصري قريبا من المنزل، وبعد اتفاقات الهدنة، أصبح المنزل بمحاذاة المنطقة الحرام، وفتح شارع بجواره، ليصبح شارع القدس-بيت حم.

يعتبر جد نسطاس، الذي يحمل اسمه، رائد السكن والتعزيب في المنطقة، التي تظهر فيها مقاطع مهمة من قناة السبيل التي نقلت المياه من برك سليمان، جنوب بيت لحم، إلى القدس، والمدينة الاستيطانية هار حوما، المقامة على جبل أبو غنيم، وتتوسع باستمرار.

يتذكر نسطاس، جده جورج سعيد نسطاس الذي عرف بكنية أبو عفيفة، على اسم ابنته الكبرى، وحكاياته وطرائفه، ومنها الحكاية التي استمرت كإرث عائلي.

خلال الثورة الفلسطينية الكبرى، سكن بالقرب من منزل عائله نسطاس، حسين علي أبو حامد، من بلدة صور باهر القريبة، كان أبو حامد ناشطا في صفوف الثوار، وأصيب خلال إحدى العمليات، فأنقذه أبو عفيفة، ما أدى إلى تآخي العائلتين، وأصبحت حكايتهما إرث عائلي لدى العائلتين،  ظل الكبار يرددونها، ولكن مرور السنوات، وتغير الظروف، ورحيل بطلي الحكاية، جعلها تتوارى.

تعرف جورج نسطاس، على فؤاد أبو حامد الذي يدير مركزا صحيا في بلدة بيت صفافا، التي يسكن فيها نسطاس حاليا، وخلال حديثهما، تبين أن كل منهما يحمل جزءا من حكاية التآخي تلك التي كان بطلاها جديهما، فقررا إعادة الاعتبار للحكاية، ومقابلة أكبر شاهد عليها.

انتظر نسطاس، بناء على موعد مسبق، بحضور مراسلنا، أبا حامد، في مدخل بلدة صور باهر، لمقابلة  محمد حسين أبو حامد، وهو ابن الراحل، وعم فؤاد.

ولد محمد حسين أبو حامد (أبو حسين) عام 1940م، وهو مربي متقاعد، ودارس للتاريخ، وحاصل على الماجستير في التاريخ، في رسالة عن قضاء القدس في العصر المملوكي.

استقبل أبو حامد، جورج نسطاس، بحرارة، في منزله مؤكدا على التآخي بين العائلتين، وقدم جزءه من الحكاية كما سمعها من والده، الذي رحل عن عالمنا في صيف عام 1990م: "انضم والدي، للبوليس الإنجليزي، كما فعل كثير من الشباب العرب، وفي مرحلة معينة، قدم استقالته، وعمل فلاحا، يضمن كروم التين والأشجار من أهالي بيت لحم، ويعزب في الأراضي قرب دير مار الياس، شهرين أو ثلاثة كل عام، وتعرف على جاره أبي عفيفة، عندما بدأت الثورة الفلسطينية، منظمة، وغير منظمة، التحق والدي بالثوار، وكلف من جماعة المفتي الحاج أمين بقص أسلاك الكهرباء، أعطوه مقصا، واستعد لتنفيذ المهمة، ولم تكن المهمة الأولى، فسبق أن أصيب بالرصاص خلال مهام سابقة".

يضيف أبو حامد: "كما روى لي والدي، فإنه صعد إلى عمود الكهرباء، وما إن هم بقطع السلك، حتى وجد نفسه، مقذوفا، بصعقة كهربائية، إلى مسافة بعيدة. بعد ساعات افتقده الرجال الذين يرونه يوميا، وبدأوا البحث عنه".

يتدخل جورج نسطاس الحفيد: "جدي كان فلاحا، يخرج مبكرا جدا، لقطف التين، قبل العصافير، واكتشف مكان صديقه أبو حامد، وعرف خطورة إصابته، سمعت من والدتي، أن جدي طلب منها ومن شقيقتها الأكبر عفيفة، الجلوس قرب صديقه الجريح النازف، بعد أن غطى الجروح بالقش، طالبا منه الصبر حتى يجد طريقة لنقله وعلاجه. ذهب أبو عفيفة إلى صور باهر، وأخبر من يجب إخباره، فحضروا وحملوا الجريح على سلم، ونقلوه لتلقي العلاج".

كان الحفاظ على السرية، امرأ مهما، فالانجليز وصلوا إلى الموقع لمعرفة ما جرى، ولكنهم لم يعثروا إلا على المقص، ولم يستدلوا على مكان الثائر.

يروي محمد أبو حامد، ما حدث مع والده لاحقا: "ذهب رجال من صور باهر إلى القدس وأخبروا القيادة عن حالة والدي، فتقرر نقله إلى بيروت للعلاج، وأمضى هناك نحو عام، خضع فيها للعلاج".

يتذكر أبو حامد: "كان والدي يريني الرصاص الذي ما زال في رجليه، ولم يفضل الأطباء في بيروت إزالته، قائلين أنهم لو فعلوا ذلك فانه لم يتمكن من السير".

عرفت عالتا نسطاس وأبو حامد في المنطقة، كعائلة واحدة متآخية. يذكر نسطاس، نقلا على لسان والدته، التي عندما تزوجت في عام 1943م، كيف جاء: "أخوة العائلة من بيت صفافا، ومعهم ذبيحة".

لا يتذكر محمد أبو حامد، الجد جورج نسطاس كثيرا، ويقول أنه شاهده مرة واحدة، عندما كان طالبا عائدا إلى المنزل فرآه مع جده، وكان نسطاس قد جلب "لأخيه زجاجات من زيت الزيتون" وفي ذلك النهار، تغدى نسطاس على مائدة أخيه، بعد ذبح دجاجة.

رحل أبو عفيفة في عام 1976م، وحزن عليه أخيه أبو حامد كثيرا.

فؤاد أبو حامد، الذي يبدو فخورا بجده، لم يكن على علم بهذه الحكاية. يقول: "أعرف عائلة نسطاس منذ عشرين عاما، بحكم عملي في بيت صفافا، ولكنني لم أعرف حكاية التآخي، حتى سمعتها مؤخرا، من عمي وزوجته. فسألت جورج الذي أكدها، فتأثرت، لقد كان جدي أحد وجهاء صور باهر، وأثر فينا، وما زالت ذكراه حاضرة".

يضيف فؤاد: "أنا فخور بعائلة نسطاس، وجدهم صاحب النخوة الذي أنقذ جدى، وسيكون ذلك مدعاة لتوطيد العلاقات بيننا، فنحن فعلا عائلة واحدة".

يوافق جورج نسطاس، الحفيد على ذلك، ويقول: "كما اعتبر جدانا العائلتين، عائلة واحدة، نحن أيضا نعتبرهما، عائلة واحدة".

https://www.alhaya.ps/ar/Article/146541?fbclid=IwAR1zmPNm_dok00RLAqy3cp9sLDqE6QthRLwQalbAsNAzB1m5Vx8UDRlwU-8

الأحد، 5 مارس 2023

عن رواية وردة أريحا/ردينة ياسين


 


*"لن يعرف أحد من هو الرجل الأول أو المرأة الأولى الذي رأى أو رأت البياض الذي ظهر فجأة، على أهل قريتنا الفلاحين وجلل قبر فاطمة عندها تحول الأمر إلى أعجوبة، استلزم الحج للموقع، وأصبح جزر من مخيلتنا عن أنفسنا، وكأننا كنا بحاجة إلى معجزة الورد لنرى ما كنا غير قادرين على رؤيته، أو إننا تجاهلناه مستكينين غارقين في ظلام طال سنوات لا يمكن معرفة عددها".

*"في عام 1939، هوى على رأسها بآلته الحادة. واحدة من نساء هذا الجانب مِنْ المتوسط، الكثيرات اللواتي ما زلن يُقتلن منذ سنوات."

قلنا سابقًا إنَّه كاتب عجيب، كُتبه فعلًا هي عملية اكتشاف، تكتشف القديم لتعود إلى العصر الحديث ربما إلى تاريخ كتابة هذه المراجعة، فهو كاتب على استعداد لنقلك من زمن سيدنا آدم إلى يومك الحاضر.

468 صفحة هي صفحات الرواية وبابين باب استكشافي وباب بوليسي. يستكشف الكاتب من خلالهما التقاليد المرتبطة بمريم العذراء والخَضِر الأخضر، وعلاقة الإنسان الفلسطينيّ بالطَّبِيعَة وما وراءها، في برّ القُدْس الجنوبيِّ، خلال النِّصْف الأول مِنْ القرن العشرين، في رواية حول جريمة قتل امرأة، تظللها الظروف المحيطة في وطنٍ، هو نفسه تُرتكب جريمة أقسى بحقه، من كل الجبهات من قوى استعمارية، ونُخب عاجزة ومتآمرة، فيُقسم ويحتل وينتهك.

قبل البدء بالكتاب، عرفت أنَّ الكاتب كاتب غريب، يصرّ أن ينقلنا إلى جبهات، وجبهات لتشعر أنك تدخل معركة مع رواياته عليك أن تنتصر فيها عليه بفهم الكتاب ومعرفة ما يريد أن يقول قبل الانتقال إلى الصفحة الثانية، كأنَّك في صراع من صراعاته لأنك دخلت في قفص مخصَّص صنعه الكاتب لك، يبدأ من الصفحة الأولى، وينتهي مع نهاية الرواية. كل ذلك بلغة حكيمة سهلة الفهم وأسلوب الكاتب المميز وحبكة مدروسة ضمن متاهة، يجعلك تنسى الهدف أو البطل الأصلي لتعود له فجأة. باستخدام تقنية النص المفتوح، فأنت لا تعرف ماذا تقرأ؛ كتاب تاريخي، رواية والسلام، شعر، نثر، النص المفتوح أكثر اتساعًا، كما أنَّه أكثر احتمالًا للتجريب، لا ينفي ذلك أن رواية وردة أريحا أو ما قبلها روايات، لكنه الأسلوب.

*صفحات الرواية:

من قرأ رواية الإنجيل المنحول الذي كتبها الكاتب وصدرت عام 2021م، يستغرب كيف أعاد الكاتب صراع الشرق وجعل المرأة ضحية للمرة الثانية. في الأولى كان صراع دينيِّ قوميِّ، متأصل من سيدنا إبراهيم وهنا صراع عقيدي أساسه العادات والتقاليد البالية لا تختلف فيها تمارا عن فاطمة. جميعهن قتلن لكن كل واحدة بطريقةٍ مختلفة ولا أقصد هنا الموت، بل الشرف.

في صراع تاريخي ممتد من العهد التركي إلى الإنجليزي مرورًا بالعهد الحالي الذي نعيش فيه، أصعب احتلال جعل الكاتب، القاتل هنا حكيمًا وناقلا لنا عبر مدن فلسطين في رحلة تاريخية عجيبة بين الأديرة والكنائس في بيت لحم، والقدس، وأريحا، والناصرة، عبر ترنيمات الخضر، وتعاويذ البتول إلى ضحكات فاطمة وتكبيرات الورد. شرح الكاتب خلاله تطور المجتمع الفلسطينيِّ؛ ثقافته، فكره، عاداته، وتقاليده، الشوارع، والمدن، أثواب الجَدَّات، وأثواب كنعان. كله تغيَّر، وانتقل وتطوَّر، إلَّا قضايا الخداع والنظرة الدونية للمرأة.

*وردة أريحا: إن عدنا إلى قراءات في المواقع الالكترونية عن وردة أريحا، نجد أنَّها تعرف أيضًا بشجرة مريم، كفّ العذراء، نبات الطلق، كفّ مريم، عشب حولي قصير ينمو بعد سقوط الأمطار في الخريف مع بداية الشتاء في الأماكن ذات التربة الطينية، الحصوية التي تستقبل مياه السيول. تجف النباتات بعد نفاذ الرطوبة في التربة، وتلتف الأفرع إلى أعلى لتكون على شكل كرة تشبه قبضة اليد المغلقة بأحكام على الثمار الناضجة الجافة، ندما يحصل النبات على الرطوبة من الأمطار أو الغمر بالماء، فإنَّ الفروع الميتة تتفتح منبسطة إلى الخارج لتحرِّر بعض البذور الموجودة في الثمار، وعند حدوث الجفاف فإنَّ الفروع تلتف مرَّة أخرى منقبضة إلى أعلى مرَّة أخرى، وهذا النظام الميكانيكي يؤكد ويساعد على استمرار حياة هذا النوع في البيئة الصحراوية القاسية. وقد ورد في بعض الكتب أنَّ هذا النبات لا يموت إطلاقًا.

*فاطمة: فتاة جميلة فلَّاحة صغيرة، ربما أكبر أمنية لها هي أن تتزوج وتسعد يمنع عنها قول لا أو أن تنظر إلى شاب تلتفت إليه مجرد التفاف، يحيطها الشرف من كل الجهات، لأن أُمَّها حواء ربما هي من أخرجت آدم من الجنة. عليها أن تكون خاضعة لأهواء الرجل، ونزواته فلا نستغرب من الجريمة التي حصلت لأنّها جريمة مستمرة عبر الزمن لم تنتهي لكي تبدأ، ولدت مع ضعف المرأة وجبروت الرجل.

*حكاية: ملخص القصة إن أردنا؛ رجل كبير في العمر خرف وعده رجال قريته أنَّ فتاة جميلة ستكون له ربما وهي في بطن والدتها لم تر النور، ليطاردها في الطرقات ويصر على الاقتراب منها وعندما دافعت عن نفسها قتلها ولبستها الخطيئة، ليصبح هو بطلًا قوميًا خلص العائلة من عار كبير كان سيلبسها. لكن لماذا أخذت هذه القصة كل هذه الصفحات ونشرها الكاتب بعد تدقيق وغيره؟  الجواب لأن ما حصل لم يكن زمان مضى، هو زمان حاضر أيضًا، ونحن نحوم حول الكذبة وننشدها، ويتفاخر كل واحد بجنونه الخاص وعَوَرِه وهَبَله ودجله، ويسوق الواحد منا حكايات بعيدة عن الواقع، ويرسم حوله الأسطورة، وعجائب الأمور، ويتخذ من الحماس ما يدفع بالبقية على الصمت من وقع الذهول، والبقية بائسة في أحلامها، لا يوقظها إلا دجل الكلام وذو الحسد اللعين.

*وأيضًا هي حكاية الزمن الفلسطينيِّ الممتد فهي رواية الخضر عليه السلام، هو يتناوله في أكثر من وجه، وتكاد الرواية أن تكون جامعة لكل ما جاء في التراث الشعبي عن "الخضر" مع سيدنا موسى والفلاح وحكايات كنعان، وخضر ذلك الصفي الذي علق بين الديانات، لكنه محبوب من الجميع ومن جميع الأديان "من يحبهم ألله يدبر لهم مكانًا قرب الخضر، جالب الأمطار، عندما يركض حصانه في السماء، نسمع صوت الرعد، وكأنَّه يقول إنَّه لم ينسنا، ويذكرنا بنفسه، يركض على حصانه الأبيض، باحثًا عن أي مكلوم ليغيثه، قدِّيس الماء والخضرة، وهو من يسكب الماء على نبات الصبر، فأصبح دائم الخضرة، يصبر على العطش، ... يزور سيدنا الخضر الينابيع يومي الخميس والجمعة، نحسّ بطيفه على موائدنا، يأخذ حصته من خبزنا، يحمينا عندما نحتاج لحمايته، ويتدخل عندما يرى بأنه يجب أن يتدخل، إنه لا ينسانا مثلما لا ننساه"  عبر الأزمنة المتعاقبة .

*وهي حكاية الحرام والممنوع فسبب الجريمة هو أن فتاة مسكينة طفلة صغيرة ضحكت على رجل خرف طلبها للزواج فاعتبرت جريمة فهي لم تكن تعرف وهي الفتاة الضاحكة، أنَّها قتلت في وطن يحرم ربما الابتسام، فكيف بالضحك فنحن نعيش عصر الممنوعات والخوف والحذر وكل شيء في هذا الزمن الحاصل 2023، ففاطمة لم تقتل لأنَّها ضحكت بل لأنَّها تحدَّت الممنوع، رفضت السقوط والضياع  كما ضاعت البلاد بين احتلالات واستعمار وأزمنة من الحرب والجوع، لكأنَّ العيسة أراد القول أين تذهبون؟ أوقفوا هذا كله لقد سقطت البلاد واحتوتنا  النكسة بعد النكبة  فقط تغيرت الأسماء.

*وأخيرًا فاطمة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، لكن الكاتب نقل قصتها بطريقة فلسطينيَّة تتبع عوالم متعددة من أزمنة أزمنة القهر والاضطهاد، وما وقع على هذه البلاد من قسوة العباد على العباد، ومن ظلم الحكام الذين توارثوا الأرض، واستباحوا العباد لكأنَّنا في زمن الخيول، حيث الناس تهتم بفرس وتنسى البلاد، وتنسى أن هناك عدوا خطط ودبر ليستولي على مقدرات البلاد فهم فيها فساداً ففسدوا وأفسدوا، وأخذهم العلوّ إلى التيه خسفاً وسخطاً وضياعاً. الأرض التي توراثها أيضاً الأنبياء والأتقياء والأولياء والصالحين، مثلما ورثها الخلفاء والأغنياء والبسطاء والسعداء والبؤساء. الأرض التي تتسع لكل ما فيها من حكايات، وخيبات ومقامات وكتب سماوية وأناشيد وروايات وأسفار وكتب والتي حوت كل الديانات، لأننا نعيد الأزمنة التي تصر على القرب من الأساطير وأثواب كنعان، مثل رفضها البعد عن الأديرة والمساجد والكنائس وارث البلاد.

#ردينة_ياسين

#وردة_أريحا

#أسامة_العيسة

الجمعة، 3 مارس 2023

حتّى الصفحة الأخيرة/أحمد جرادات


 

ليست دعاية ولا تملق. هي قمة الحقيقة. لا يمكنك أن تبدأ قراءة رواية (مجانين بيت لحم) للروائي الفلسطيني ابن المخيم الأشهر (الدهيشة) أسامة العيسة، لا يمكنك البدء بقرائتها إلا وتشغلك عن أي أمر آخر حتى تغلق الصفحة الأخيرة، وينتابك الشعور القوي بإعادة قرائتها. بالنسبة لي من أجمل وأعمق الروايات التي  حظيت بقرائتها. ببساطة هي تغريبة فلسطينية أخرى ومن مدخل آخر. ويمكن القول هي أشبه برواية الروائي المغربي الكبير محمد شكري الخبز الحافي ولكن رواية عن القاع الفلسطيني. عدا جمالية السرد وبنيانها الممتع.

#أحمد_جرادات

#مجانين_بيت_لحم

#مخيم_الدهيشة

#محمد_شكري