أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 30 يونيو 2019

واقعة بنك بركليز..!






سمع الفتى من نشرة أخبار التاسعة من راديو المختار في سلوان، عن صدور قرار سيقسِّم وطنه، صعد في اليوم التالي إلى باب العمود، لينضم للغاضبين، الذين صعدوا إلى ساحة بنك بركليز، ودخلوا شارع يافا، إلا أن المصفحات الإنجليزية، فتحت عليهم النار، كي لا يصلوا الأحياء اليهودية، فتفرقوا نحو ماميلا، وأشعلوا النار في المحلات اليهودية في الشماعة، وتقدموا مرة أخرى إلى باب الخليل، وانحرفوا صعودًا إلى ساحة البنك، التي أغلقها البوليس، ووقف مديره أعلي درجات البنك. تناول الفتى صحنا عن الأرض، ورماه، ودون أن يقصد وصل رأس المدير، الذي انحنى في الوقت المناسب، كعسكري متدرب، فلم يصب، ولكن رجاله صبِّوا نيرانهم على الغاضبين على تقسيم وطنهم، فارتقى ستة شهداء. سيلوم الفتى نفسه، فيما تبقى له من عمر، وكأنّه المسؤول عن استشهادهم.

السبت، 29 يونيو 2019

جدار على شارع مزدحم بالغرباء









من الصعب لمن يرى الجدار المتروك وحيدًا في شارع الملك جورج الخامس في القُدْس الجديدة، أن يدرك بأنه كان في يوم ما مدخل مدرسة، حتى لو انتبه للاسم الظاهر بالأحرف اللاتينية (طاليتا قومي).

الجمعة، 28 يونيو 2019

الفزعات وبناء الهويات


غداة احتلال الرئيس صدام حسين للكويت، كان يمكن سماع أغاني تصدح في المصرارة، تبشِّر الناس السائرين، أو الجالسين يحتسون القهوة، ويتحدثون عما جرى، والعمّال الحائرين، وزبائن مطعم العكرماوي الذي يزدردون الحمص مع السياسة، أن الخطوة الثانية ستكون القدس، وليس من مهمة الأغاني تفسير، لماذا اختار الرئيس الذي يبدو أنه أصيب بلوثة تضخم في الذات لا شفاء منها، طريقًا طويلة إلى القدس، تمرّ من الكويت، رغم إنها لم تكن ولا مرة ضمن الشعارات التي رفعت، كالطريق إلى القدس تمر من عمّان، أو من زحلة.
ما حدث في ذلك الصباح، وما تلاه من أسابيع الأزمة، ضربت البلاد حالة هوس جمعي لا تسمع لأي رأي مختلف، ولا شك بأنها تصلح مجال دراسة في العلوم الإنسانية.
لا أعرف حتى الآن سرّ موقف الرئيس عرفات الداعم لصدام، وبذلك الوضوح الذي يناقض شخصية عرفات البراغماتية، وبالطريقة التي عبّر عنها، في تصريح صحافي من بغداد، رغم أن مساعده أبو إياد اتخذ موقفًا مختلفًا، واعيًا ورؤيويًا، وقد سمعت رواية من شاهد شاهد عيان وهو مرافق لأبي إياد، كيف أن القائد الفلسطيني واجه صدام حسين بشجاعة وعبر له عن خطورة الأمر في وجهه ومباشرة وبحضور القيادة الفلسطينية. قد يكون هناك مبالغة، وبغض النظر عن مدى شجاعة أبو إياد في مواجهة صدام، فان موقف الأوَّل، يدل على وجود صوت عقلاني، وربما دفع ثمن ذلك حياته، برصاص أبو نضال الذي كان حينها ربيبًا لصدام حسين، ومقيمًا في حظيرته.
بدا الملك حسين معتدلاً في تصريحاته الصحافية، لكن الإعلام الأردني الموجه وغير الموجه، خرج من عقال أية عقلانية، وتستحق جريدة النهار المقدسية المحتجبة التي كانت تمول من النظام الأردني، أن تكون عينة دراسية على جنوح الهوس الجمعي الوطني والديني والقومي.
لم يكن بالإمكان في ظل حالة الهوس الجمعي، نشر أي مقال ضد الاحتلال الصدامي للكويت، ويمكنني تذكر أصحاب الدكاكين الصحافية، الذين كانوا يشغلوننا بالقطعة، وهم متحمسين لعهد حديد من الانتصارات الصدامية، فلجأت إلى كتابة يوميات سميتها يوميات الكيماوي، ربما سأدرجها مستقبلاً ضمن خطط النشر.
من تجليات حالة الهوس الجمعي، أن منظرًا يساريًا عصابيًا، كتب مقالاً وصف فيه صدام بأنه بسمارك، وطبعًا من الواضح أنه لا يعرف شيئًا عن بسمارك وعن صدام، وقبل أشهر، التقيته صدفة ومن باب التأكد إذا كانت ذاكرتي ما زالت صالحة، سألته عن المقال، فقال بأنه يحتفظ به في أرشيفه،  وانه رغم دعمه المطلق لبشار الأسد الآن، فانه يلوم قناة المنار التي كان يظهر على شاشاتها كثيرًا، وأصدقائه من حزب الله، لعدائهم لصدام.
قد أكون من القلائل، الذي سعد باعتذار الرئيس أبو مازن للكويت، ولكن
على الجانب الآخر فإن دولة الكويت ارتكبت واحدة من الجرائم الفظيعة التي لم تعتذر عنها حتى الآن، ولم يطالب الرأي العام الفلسطيني بذلك واقصد جريمة تطهير ٢٥٠الف إلي ٣٠٠ ألف فلسطيني عرقيًا، اضافة الى خروقات لحقوق الانسان.
لا أعرف كثيرا عن السياسة الكويتية الداخلية الآن، ولذا فإنني أجهل من هو المرزوقي الذي أطلق اسمه على شارع في سلفيت، برعاية رسمية، وتحت ضغط لحظة من الفزعات العاطفية. أدرك أن من أدوار النخب الرسمية، المساهمة في بناء الهويات، ولكنها لا تبنى على ردات فعل عاطفية، ولا ضمن سياق ومحددات ورؤى.
لا أعرف، إذا صدر عن المرزوقي تصريح في المستقبل، عبّر فيه عن رأي مختلف عن اتجاهات الرأي العام الفلسطيني، أن يبادر البعض، وبفزعة عاطفية أيضًا، إلى نزع اللافتة وتغيير اسم الشارع.



رمات راحيل ضد مار الياس..!






















شكّلت مستوطنة رمات راحيل، رمزًا للمعارك حول القُدْس عام 1948م، وشهدت معارك بين المقاومين الفلسطينيين والمتطوعين المصريين والعرب بقيادة أحمد عبد العزيز، وشكا عبد الله التل، كيف كان العرب يحتلونها، ثم يصعد ناهبو الغنائم، فيلتف عليهم الصهاينة، ويحتلونها من جديد. في النهاية ظلت رما ت راحيل خاصرة احتلالية، في ظهر القُدْس.
قبالة رمات راحيل، عسكر الجيش الأردني في مار الياس، وفي الخمسينات، ارتكب أحدهم فعلاً جنونيًا، قرر الانتقام، لمقتل شقيقه وابن عمه في هجوم احتلالي على مخفر حوسان، ففتح رشاشه، ليقتل أربعة من علماء الآثار في رمات راحيل، سيطلق الإسرائيليون على التلة، تلة الأربعة.
فتشت عن الرجل، وعثرت عليه قبل عامين أو ثلاثة، واستمعت منه لما جرى، وفضل عدم نشره. كان مسنا، ورؤيته وهو يجلس على الأرض على ركبة ونصف، ليصف كيف أطلق النّار، لا تمحى من الذاكرة، بدا وكأنه يحاول الإمساك بلحظة كبرياء نادرة.
دخلت إلى رمات راحيل، التي تُقدم في علم الآثار الإسرائيلي كواحدة من أقدم المواقع في القُدْس، رفقة العم جورج نسطاس، وبمركبته. تغيرت الأمور كثيرًا بالطبع، منذ معارك المتطوعين والنكبة ثم النكسة، أصبحت مار الياس أيضا في قبضة المحتلين.
تُقدم رمات رمات راحيل الآن، كمنتجع، فيه برك سباحة وملاعب وأماكن للترفيه والجلوس، وأيضا موقع أثري مفتوح، مجانا، ومطل، لمراقبة غروب الشمس. ومشاهدة ما تسميه اللوحات الإرشادية مناظر طبيعية في القُدْس وبيت لحم. الموقع الأُثري، يستقطب أيضًا غير المهتمين بالآثار؛ عشاق عرب، فتيات وفتيات محجبات، يهربون من مجتمعهم لانتقاص لحظات، يعبرون عنها بدون خجل.
من انتصر مار الياس أم رمات راحيل؟ والاثنتان الآن في قبضة الاحتلال.
كم مرة أشرقت شمس القُدْس وغربت، غير عابئة بناسها ومحتليها؟


الأربعاء، 26 يونيو 2019

متسول القُدْس الذي لا يحب الضحك..!



القُدْس أيضًا، مدينة المتسولين، في شهر رمضان، ترتفع وتيرة التسول، ويتنوع، وفي الأيام العادية، يتداخل التسول، بين القُدْسين.
التسول، في رمضان، يمكن أن يضطلع به ممثلو جهات يفترض أنها تجمع أموالاً لغايات خيرية ودينية، ويتسول نظرائهم اليهود في كل الأوقات.
طريقة التسول مختلفة، يحمل اليهود عادة كاسات يخرخشونها، لإشعار أصحاب الخير الذين يريدون الدفع، لدفع النيات الشريرة عنهم.
ولكن كل هؤلاء، لا يمكنهم مجاراة، ذلك العربي المسن الذي يرتدي طاقية سوداء، ويجلس في مكان حَجَزه، في سوق محني يهودا. ويبدو كيهودي عتقته السنين، وطبعت التجارب، بصماتها على وجهه الحاد.
قبل أعوام، تمكّن من خلال جلوسه قبالة الباب المفضي الى حائط البراق أو حائط المبكي (وهي تسمية لم تكن حصرًا على اليهود، قبل أن تسيس الغزوة الصهيونية كل شيء) من جلب انتباه الورعين وغير الورعين اليهود، ولكنّه الآن، رضي بموقعه في السوق.
تحبه كبيرات السن من اليهوديات، وتضع الواحدة منهن في كاسته، ما تيسر لها من أوراق نقدية، بينما يهز رأسه مبتسمًا، راضيًا، وكأنه فعلا آخر الناجين من الهولوكست.
في يوم السبت يرتدي الكوفية، ويبسّط في سوق إحدى المدن الفلسطينية، يبيع أغراضًا منحت له بفضل حسّ التضامن اليهودي، ويرطن مع الزبائن العرب، بالعبرية، بينما يبتسمون، ربما كنوع من التدريب، على عمل اليوم التالي في سوق محني يهودا.
عندما تلتقي أعيننا، مساء في طريق العودة، أو وهو جالس يعمل، أبتسم، ولكنّه يبقى متجهمًا، إنه لا يحب الضحك.

الثلاثاء، 25 يونيو 2019

الحمار الوطني..!



‏لا أعرف إذا كان هناك غير الفلسطينيين، يُسخّرون الحمار، كوسيلة كفاحية، أم لا؟
في منتصف الستينات، استقبل فلسطينيو مخيم الدهيشة، الحبيب بورقيبة، استقبال قائد حرّر بلد شقيق، وعندما ألقى خطابه في مخيم عقبة جبر في أريحا، خرجوا في اليوم الثاني، وقد وضعوا صورته على مؤخرة حمار، تنديدًا ومعارضة.
سأقرأ بعد عقود، خطاب بورقيبة، وسأفاجأ بحسه الرؤيوي، وتحليله النفسي للحكّام العرب، وتساءلت إذا كان من وضعوا صورته على الحمار، قد سمعوا خطابه فعلاً، أم أنه وصل إليهم مفلترا من نشطاء الأحزاب القومية واليسارية؟ التي إذا تتعبنا سيرهم، فسنجدهم، تورطوا فيما أعابوا على بورقيبة، عليه، سواء كانوا فهموا فعلاً ما قاله، أم لا.
خلال الانتفاضة الثانية، سخّر مناضلون، حمارًا لينفذ عملية استشهادية في بلدة الخضر، وأذكر كيف أن مشاعر الناس، تعاطفت حينها مع الحمار، الذي لم يؤخذ رأيه في تنفيذ عملية ضد الاحتلال، الذي لا يدري عنه شيئًا.
هل كان يجب إفهام الحمار أولاً، شيئًا ولو أوليًا عن القضية الفلسطينية، قبل إرساله إلى حتفه، في مهمة نضالية؟ أتذكر بان العملية لم تنجح، ومات الحمار، واعتقل المناضلون.
اليوم، بمناسبة ورشة البحرين، أراد ناشطون، إرسال، رسالة، إلى المشاركين فيها، بأكثر الطرق، التي رأوها بلاغة، وذلك بوضع صور ترامب، وزعماء عرب من بينهم الأخ أبو منشار، على حمار، أجبروه على المشاركة في المسيرة.
نفسهم أولاد الدهيشة، الذين لم يشهدوا واقعة حمار بورقيبة.
هل الحمار، وسيلة ناجعة في النضال الوطني؟
علينا أن نسأل حمار بورقيبة، ولكنه، على الأرجح مات، وإذا كان ما زال على قيد الحياة، فلا نعرف له عنوانًا.

السبت، 22 يونيو 2019

رحيل الشاهد الأخير على مذبحة قرية زكريا




عندما هُجّر فايز ذيب الكواملة، من قريته زكريا، في الهضاب الوسطى، كان عمره 13 عامًا، ومثل باقي المهجرين من قريته، اعتقد بأنه سيعود إليها قريبًا، ولكن الرحلة طالت، حتى رحل، ودفن في المقبرة اليوسفية قرب باب الأسباط في القدس.
وبرحيل الحاج فايز، يرحل آخر الشهود على مذبحة ارتكبتها العصابات الصهيونية، ذهب ضحيتها ثلاثة من الأهالي.
في تلك الأيام العصيبة، كان الأهالي يسمعون أخبار الحرب، عن طريق الراديو الموجود لدى مختار القرية، وقبل التشريد بقليل أصبح هناك راديو آخر لدى أحمد يونس العيسة، وكان من يريد أن يسمع الأخبار يذهب إلى حيث يضع المختار الراديو في الطابق الثاني من بيته على الشباك المشرف على الجامع، وعادة ما يتم فتح الراديو للناس بعد انتهاء الصلاة.
وأيضا كان الأهالي يتابعون الأخبار عن طريق المجاهدين الذين يذهبون ويعودون أو يمرون من القرية، أو عن طريق الجرائد مثل (الجامعة الإسلامية) و(الدفاع). حيث من كان يأتي من يافا أو من الخليل مثلاً يحضر معه الجرائد.
وساهم شبان القرية، في ما يمكن وصفه المجهود الحربي المحلي، في تثبيت خط دفاع، يمتد من القرية، إلى قرى أخرى مجاورة، ولكن الأمور أخذت بالتراجع.
يعود مصطفى عدوي (أبو أسامة)، بالذاكرة إلى شهر تشرين أول عام 1948،  عندما قررت العصابات الصهيونية، تطهير قرية زكريا عرقيا: "تعرضت قريتنا لثلاثة أيام متتالية من قصف مدفعي بقذائف المورتور (الهاون)، وكانت القذائف تسقط حول القرية ولم يصب أحد بأذى، ولكنّ الأهالي خرجوا من منازلهم، وسكنوا تحت أشجار الزيتون الضخمة في السهل جنوب القرية، وبعض العائلات لم تكون قد ابتعدت عن حدود القرية بضع عشرات من الأمتار، وكان الناس يعودون إلى البيوت لإحضار مواد غذائية أو أية حاجات أخرى ضرورية".
وعندما لم تنجح العصابات الصهيونية، في تحقيق هدفها، بتهجير القرية، وضعت خطة: "تقدمت دورية إسرائيليه خلسة، وخطفت ستة أشخاص، كانوا بعيدين نسبيًا عن الناس، كانوا ثلاثة رجال، وسيدتين وفتى، واقتادت الدورية، المخطوفين إلى وادي بولس، حيث ذبحت ثلاثة، وأطلقت سراح السيدتين والفتى فايز ذيب الكواملة".
كان عمر الفتى فايز ذيب الكواملة 13 عامًا، عندما شهد على مقتل ثلاثة من أقاربه: الشيخ عبد الفتاح الكواملة، وعبد الله جفّال، وإبراهيم عليان الكواملة، وأطلق القتلة سراحه وسراح جدته أديبة، وقريبته هدية، ليخبروا الأهالي عمّا جرى، لبث الرعب في الأهالي.
يقول مصطفى عدوي: "اعتقد أن الجريمة المروعة، وذبح الثلاثة من الوريد، عجلت في رحيل الناس إلى الضياع".
ونقل الباحث الراحل، صلاح عبد ربه، عن شهود عيان، بان العصابات الصهيونية، ذبحت الشهداء الثلاثة، وقطعت رؤوسهم، ووضعتها على الحجارة، وذكر في رسالة له تقدم بها إلى جامعة بير زيت، ان هذه الجريمة، كانت أحد أسباب الرحيل عن القرية، ولكنه رحيل نسبي، لان آخرين ظلوا في القرية، حتى هجروا مرة أخرى، عندما قرر دافيد بن غوريون رئيس وزراء دولة إسرائيل الوليدة يوم 9 حزيران 1950، طرد ما تبقى من سكان القرية، وإسكان يهود مكانهم فيما عرف بتفريغ القرى الحدودية.
وحسب المؤرخ بني موريس، فإن قرية زكريا سقطت في الفترة بين 19-22 تشرين أول (أكتوبر) 1948 في (عملية الجبل).
وقال محمد الكواملة: "برحيل عمي فايز، يرحل آخر الشهود على الجريمة، بعد رحيل جدتي هدبة منصور وهي والدة أمي وأصلها يعود إلى بلدة حلحول، ورحيل الحاجة أديبة، وهي والدة عمي ذيب الكواملة، ولكننا لن ننسى الجريمة".
عاش الحاج فايز، وقريته تسكنه، وموّل كتيبا عنها، أعده صديقه الشيخ عباس النمر، وعرف عنه تبرعه للإعمال الخيرية، ونعته لجنة الخدمات الشعبية في مخيم العروب، باعتباره محسن كبير، وفتح له سرادق عزاء في منزله في رام الله، وفي مخيم العروب.


الأربعاء، 19 يونيو 2019

الناجي..!



نجا الفتى فايز، من مذبحة صهيونية صغيرة، ليعيش ويصبح الحاج فايز ذيب الكواملة، الذي رحل أمس، من عالمنا إلى عالم آخر، ربما يلتقي فيه ضحايا ذلك اليوم البعيد 15-10-1948م، عندما قصفت العصابات الصهيونية قريتنا زكريا، في الهضاب الوسطى، لثلاثة أيام متتالية، فهرب النّاس إلى الكهوف القريبة، وإلى ظل الأشجار، حتّى يهدأ القصف، ولكن يبدو أن الأمر، لم يحقق سياسة العصابات الصهيونية في تهجير النّاس، فقررت ارتكاب مذبحة، هدفها بث الرعب، وتشريد الأهالي.
‏‏‏‏‏وضعت العصابات الصهيونية خطة، تقدمت وخطفت سنة أشخاص، من بينهم الفتى فايز، واقتادوهم إلى وادي بولس، وقتلوا ثلاثة هم: عبد الفتاح الكواملة، وإبراهيم عليان الكواملة، وعبد الله جفال، وأطلقوا الفتى فايز، وجدته أديبة، وقريبتها هدية، ليخبروا الباقين عمّا حدث.
عاش فايز ليصبح الحاج فايز، وليخبر العالم، الذي لا يريد أن يسمع عن حكايته، وحكاية قريته التي سكنتها العصابات التي أصبحت دولة.
عندما كنت أمرّ من مقبرة باب الأسباط، أرى اسم الحاج فايز منقوشا على شاهد قبر فارغ، واستغرب، هذا الحرص المبكر، على حجز مكانه على بعد أمتار من سور القُدْس والمسجد الأقصى، ووادي جهنم، وسهل الساهرة، حيث سيبعث النّاس، كل النّاس، وفقا لميثلوجيا إسلامية ويهودية، من هنا.
هل سيخبر الحاج فايز حكايته، يوم الدينونة، لرب العرش، عالم الغيب، والعارف بما يفعل كثر من خلقه، في باقي خلقه؟
وهل ثمة ضرورة لذلك أصلاً؟

الاثنين، 17 يونيو 2019

الراسية؛ بصمة مثّال فلسطيني في كنيسة القيامة










يجول المثّال جورج نسطاس، بناظريه في كنيسة القيامة، ويشير إلى أعلى عمود قريب من مقصورة الضريح المقدس، ويقول: "هذا من انجاز والدي".
ووالده هو المثّال جريس نسطاس، الذي عمل في كنيسة القيامة في القدس، لمدة 23 عاما، من عام 1963 حتى عام 1986م، وكان المثّال لكل الطوائف، الذي عمل في أقسام الكنيسة كافة، التي تتقاسمها، ثلاث طوائف رئيسة، وفقا لاتفاقية الوضع القائم (الاستتكو) التي تعود إلى القرن التاسع عشر، وما زال معمولا بها حتى الآن.
رؤوس الأعمدة الضخمة، التي تسمى الواحدة منها بلغة الحجّارين، الراسية، يمكن رؤيتها، وبأنماط متعددة في أنحاء الكنيسة.

السبت، 15 يونيو 2019

الرُّجوم..!



يمكن للرُّجُوم؛ أكوام الحجارة المنتشرة في أنحاء فلسطين، أن تساعدنا في كتابة التاريخ الشعبيّ لأبناء البلاد، الذي تجافيه الكتب الرسمية.
يذكر الرحالة الايطالي كارولو كلاوديو جوارماني:
"أوّل رُجم ذي شأن لدى مغادرة بيت المقدس، وعلى بعد حوالي 150 مترًا إلى الشمال من قبر راحيل، الذي هو صرح أقيم محلّ الأحد عشر حجرًا اللاتي كانت الأثر الوحيد الذي أقامه يعقوب لذكرى زوجته. والرُّجم المذكر يدلّ على مكان قتل التعامرة في عام 1858م، لشاكر آغا حاكم بيت لحم، وكان قبرًا مؤقتا له. وخلاصة الحكاية أنّه كان تم توقيف أشخاص من التعامرة في بيت لحم، حيث وجه ثريّا باشا الذي كان حاكما لفلسطين، أمرًا إلى شاكر آغا باقتيادهم إلى القُدْس، حيث يتوجب زجّهم في السّجن. فامتثل شاكر آغا للأمر، وقام بخفر المساجين ومعه عشرون خيّالاً من العسكر غير النظامي، وإذا به يتعرّض لهجوم من أكثر من مئة من التعامرة الكامنين على الطريق بقيادة صافي الزّير أحد شيوخهم. فما كان من خيّالة الحاكم إلّا أنهم لاذوا بالفرار، وتم تحرير المساجين، أمّا شاكر آغا الذي كان الرّاغب الوحيد بالقتال فقد لقي حتفه ضحية بسالته والتزامه بواجبه. وحيث سقط تمت مواراته في الثّرى. وبعد بضعة أيّام، تم نبش جثمانه ونقله بتابوت أسرته إلى القدس. فكل من حضر إخراج الجثمان من القبر قام بوضع عدد من الحجارة على القبر الذي ظل فارغا. ومنذ ذلك الحين، يقوم كل رحّالة برمي حجره أثناء عبوره بالمكان، فمع مضيّ الأيّام راج الرجم يكبر، وبهذا يبقى اسم شاكر آغا ماثلاً في التاريخ".
*من كتاب، نجد الشمالي: رحلة من القدس الى عنيزة في القسيم عام 1864م-1280ه، ترجمة وتعليق أحمد أبيش، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، 2009م.
*لن يستدل كارولو، لو عاد من الموت، على الرجم، سياسة الاحتلال عصفت بالمكان، وفي الصورة رجم في الموقع الذي حدده كارلو.

الجمعة، 14 يونيو 2019

في مديح الثرثرة..!





‏لا يدرج ابن الجوزي الثرثارين، ضمن الحمقى، إلَّا إذا اعتبرنا: "الكلام من غير منفعة، والثقة بكل أحد، وإفشاء السر"، من صفات الثرثار.
تجنب ابن الجوزي ذكر الثرثار صراحة، ضمن الحمقى، ولعله فعل ذلك قصدًا، في مجتمعات يحتل فيها الثرثارون، مكانةً، وقبولاً، من الخطباء ثقيلي الظل، إلى العاديين خفيفي الظل، ولعلَّ حلّاق بغداد، في ألف ليلة وليلة، واحد من أكثر الثرثارين المحبوبين لدى محبي السمر من العرب، وما زالت حكاياته صامدة وتقرأ، وملهمة لمسرحيات وحكايات لكتّاب من الشرق والغرب.
لا تحمي المكانة التي يضع الثرثار نفسه فيها، أو يضعونه فيها، من المشاكل التي يمكن الوقوع في شباكها بسهولة، خصوصًا عندما يكون فضوليًا، ولكن الثرثرة قد تكون ميزة، في دول الدكتاتوريات، رغم أن كثيرين يرونها غير ذلك، وشعارهم: "لا تثرثروا، اقتصدوا في الكلام، فحتى الجدران لها آذان".
أكثر النصائح التي أتذكرها من أُمّي، عدم التجاوب مع الثرثارين، الذين قد يكونوا جواسيس ومخبرين، خصوصًا، إذا سافر الشخص إلى بلد آخر، مثل الأردن، الذي حكم الضفة الغربية من عام النكبة إلى عام النكسة، وحسب أمهاتنا، في ذلك الوقت، فان السائقين في شوارع عمّان، جميعهم مخبرين، يفتحون الأحاديث مع الركاب، خاصة الآتين من الأراضي المحتلة، ليجروهم في الكلام، ويعرفون أفكارهم السياسيّة، ولا يندر، حسب الأمهات الخائفات اللواتي يختزن سنوات طويلة من قمع الحكومات، أن يذهب السائق مباشرةً إلى دائرة المخابرات، حاملاً الضحية المسكين، بدلاً من إيصاله إلى المكان الذي طلب الوصول إليه، وأنقد السائق ثمن ذلك.
وبالطبع، لا يمكن لوم الأمهات، سليلات نساء ما أن يخرجن من قهرٍ وقمعٍ، حتى يقعن في قهرٍ وقمعٍ أبشع، فخلال أقل من قرن، كان عليهن أن يختبرن بشاعة العثمانيين، والانجليز، وحكم مصري عسكري محدود، ثم الحكم الأردنيّ الملكي، فالاحتلال الإسرائيليّ المستمر حتى الآن، والذي يقتل ويسجن ويهوّد الأرض، ويعلو على كل ذلك ضجيج صراعات فتح وحماس، وكل واحدة منهما، في سلطتيهما المحدودتين جدًا تحت الاحتلال، في الضفة وغزة، قلّدت النظام الأردني في سنوات أحكامه العرفية السابقة، فأصبح لكلٍ منها أجهزة أمنية متعددة، وعدد غير معروفين من المخبرين الذين يطلق على الواحد منهم: مندوب. كيف تتغير المصطلحات، وتظلّ الدلالات؟
يطلق البعض على المعتقل السياسيّ السوريّ السابق، خالد العقلة، لقب منديلا سوريا، لقضائه سبعة وعشرين عامًا في السجن، وقد يكون هناك من أمضى أكثر من ذلك. اعتقل العقلة لانتسابه لحزب البعث فرع العراق، ولو اختار فرع سوريا، ربما لما جرى له ما جرى. الآن يمكن أن نمارس ترف الأسئلة، بشكل استرجاعي ونسأل لماذا اختار أن يكون بعثيّاً عراقيّاً، وليس بعثيّاً سوريّاً، ما دام البعث هو البعث؟ ولكنَّ الأمرَ بالنسبة له، في تلك المرحلة على الأقل، مسألة عقيدة ومبدأ. ستذوب المسائل مع الوقت، وتتفتت.
الشهادة التي قدمها العقلة من خلال تلفزيون سوريا، عن سنوات سجنه، مريعة، وهو أقل وصف لها، خصوصًا فيما يتعلق بمجزرة سجن تدمر.
رغم السنوات السبعة والعشرين في السجن، يضحك العقلة، وعندما خرج من السجن، رأى ضمن من رأى رفيقًا سابقًا له وقد شاخ، وكان يمكن لو اعترف عليه أن ينام، حسب تعبير العقلة، عشرين عامًا، مرّة واحدة، في السجن، ولكن العقلة لم يعترف عليه، ليس لأن من شيم الحزب الذي ينتمي إليه، عدم الاعتراف على الرفاق، أو رقة لحاله، أو شهامة بدوية من العقلة نفسه، وإنما فقط لأنه ثرثار، ولو اعترف عليه العقلة، سيعترف الثرثار، على العشرات من رجال ونساء، فأنقذته ثرثرته. هل فرح الثرثار بذلك حقًا، وأدرك فوائد الثرثرة؟ ثمة شك، ماذا روى الثرثار خلال السنوات الطويلة، التي قضاها رفيقه في المعتقل؟ من أي نبع سحب ماء حكاياته، وهو قلق من زلة لسان رفيقه التي قد تودي به؟ ربما لو أمضى عشرين عامًا في سجون النظام، لتزوّدت ثرثرته بحكايات سيستفيد منها حتى لو ظهر، بعد موته في حياة أخرى.
يروي العقلة عن رفيقه الثرثار وهو يضحك. هل ضحك الرفيق الثرثار أيضًا؟ سيكون عدم اعترافه على رفيقه الثرثار، ملحة ينثرها على جروح سجنه، وتمنحه ثقة ما، بأنه، وإن اعترف على رفاق له، إلَّا أن هناك بضعة أسرار لديه، لن يعرفها الجلاوزة. سيمضي سنوات السجن، بما أبقاه لنفسه من أسرار حتى لو تعلقت بثرثارٍ يستحق الرثاء والشفقة.
حاولت تذكر الأصدقاء والرفاق الثرثارين، لم أنجح كثيرًا، أعرف أصدقاء لا يتوقفون عن الحكي، مدفوعين بوسواس قهري، غير إرادي، يثرثرون ولا يستطيعون التوقف، فأعذرهم وأتقبلهم، ويريحونني عادة من تبادل الحديث معهم، فأنصت لهم مستمتعًا مرتاحًا ومريحًا، ولكنني تذكرته، ذلك الناشط الحزبيّ الشاب، الذي يمكنه أن يكسب أية جولة نقاش لصالحه، من الأدب إلى السياسة إلى شؤون أميركا اللاتينية، والبوليساريا، وكوبا، وليس انتهاء بفيتنام، وأفلام هوليود ونجومها من مارلين مونرو إلى جين فوندا، مضفيًا طابعًا طبقيّاً ماركسيّاً على تحليلاته، رغم ضحالة قراءاته.
كشف لي سرًا، كان مهمًا وكبيرًا ومفاجئًا في تلك الأيَّام من أوائل ثمانينات القرن الماضي، عندما شارك في كونفرنس سرّي للمنظمة، قد يكون الأوَّل والأخير، عقدته في ضواحي القدس، علمت مخابرات الاحتلال به، فدهمت الموقع، وصادرت الأرشيفات، وسجلت أسماء الكوادر الحاضرين، واعتقلت واحدًا أو اثنين منهم، وأفرجت عن الباقي.
دهم مقر الكونفرنس، يبدو أنه شاع، واستغلته المنظمات الأخرى، للنيل والتشويه، فأصدرت المنظمة بيانًا داخليًا، وجهته للأعضاء نفت فيه ما يشاع، وعيّرت المنظمات الأخرى، مثل الجبهة الديمقراطية التي ما زال يترأسها حتى الآن نايف حواتمة (بديمقراطية واضحة..!)، بأنها تعرضت لخرق خلال الوجود الفِدائيّ في الأردن، وان المخابرات الأردنية استولت على أرشيفها. وخلاصة القول، ليس هناك أحسن من أحد، والكل متساوي في خرق المخابرات لجسده.
عندما أستعيد تلك الثرثرة، وغيرها، أدرك الآن، بأنها حمتني مبكرًا، من الوقوع في أسر الأوهام، وجعلتني أنجو مبكرًا، من العصبيات القاتلة، وما أكثرها في الساحة الفلسطينية.
لا ينجو كثير من الكتّاب، أيضًا، من الثرثرة، والتي تبدو لي أحيانًا، غير ممتعة، وغير مفهومة، فمثلاً، لا أفهم ما أقرأه لروائيٍّ عربيٍّ بارز ومقروء كواسيني الأعرج، ولم استمتع بجفاف ثرثرة كاتب مشهور مثل اورهان باموق.
سمى معلمنا الكبير، نجيب محفوظ، روايته التي قدم فيها شخصيات من المجتمع الناصري قبل الهزيمة، ثرثرة فوق النيل، وما دام الأمر ثرثرة فقط، فان الرقابة لن تعترض على الرواية، كما قدر، وفي عهد جديد معاد للناصرية، أُنتج فيلم عن الرواية، بنفس الاسم، ربما للإيحاء بالوفاء للنص الروائيّ، ولكنّه جاء أيضًا مشبعًا بالرموز، التي تحتملها الثرثرات، في مجتمعات تعيش بها، وفيها، وربما لها.

الخميس، 13 يونيو 2019

المسلم فاتح الكنيسة..!





يجلس وجيه يعقوب نسيبة، على دكة داخل كنيسة القيامة، قريبا من الباب، الذي يفتحه يوميا، يراقب الداخلين إلى الكنيسة الأهم لدى المسيحيين، مستعدا للرد على استفسارات وأسئلة الزوّار.
ينهض من جلسته، ليضع غرضا أو يخرج شيئا من خزانة صغيرة خشبية معتقة، في تجويف جدار الكنيسة خلفه، أو لمرافقة من يطلب ليقدم شرحا عن الكنيسة التي أمضى فيها نحو خمسين عاما.
يقول نسيبة، بان عائلته مسؤولة عن فتح وإغلاق كنيسة القيامة منذ الفتح العمري للمدينة، ولكن ليس لديه دليل على ذلك، سوى ما يصفها بالأدلة التاريخية، والمرويات العائلية الموثوقة المتوارثة.
ويضيف، بان وظيفة العائلة في فتح وإغلاق الكنيسة، تعطلت بفعل الاحتلال الصليبي، لمدة 88 عاما، حتى تحرير صلاح الدين الأيوبي للقدس، الذي أعاد الوظيفة للعائلة.
يفتح نسيبة باب الكنيسة، يوميا، الساعة الرابعة صباحا، بعد استلام المفتاح من عائلة جودة التي تحتفظ به، ويغلق الكنيسة في الساعة الثامنة صيفا، والسابعة شتاء، وخلال شهرين في العام، تغلق الكنيسة على الساعة السابعة والنصف.
لا توجد خلافات بين أفراد عائلات نسيبة، كما يقول وجيه، حول أحقية إي منهم في القيام بوظيفة الفتح والإغلاق، مشيرا انه يتم توارثها أبا عن جد، فهو ورثها عن والده، الذي ورثها عن جدها، تماما: "مثل الوراثة الملكية"-كما يعلق.
يشارك نسيبة، كما يقول، الطوائف المسيحية المسؤولة عن الكنيسة، أفراحها وأحزانها، ولا توجد أي خلافات بينه وبينها.
وردا على سؤال، يقول نسيبة، إن هناك من ينام داخل الكنيسة، لأسباب مختلفة، وإذا حدث طارئ ما بعد إغلاق الكنيسة، يمكن استخدام باب جانبي مخصص لحالات الطوارئ في الخروج من الكنيسة".
طوال الفترة التي شغل فيها نسيبة الوظيفة، لم تفتح كنيسة القيامة مرتين، الأولى، عندما حاول أحدهم إنزال نجمة، فهجم عليه الزوار بالشموع، فأغلقت الكنيسة، والمرة الثانية في شهر شباط 2018م، عندما اتفقت الطوائف الثلاث: اللاتين، والأرمن، والأرثوذكس، على إغلاق الكنيسة، احتجاجا على فرض الضرائب من قبل بلدية القدس الاحتلالية، وعقد مؤتمر صحافي أمام الكنيسة شارك فيه نسيبة لشرح أسباب الإغلاق.
وينفي نسيبة، أن يكون مفتاح الكنيسة الأقدس لدى المسيحيين، في أيدي مسلمين، هو نوع من الاستحواذ، والاستقواء، معتبرا اضطلاعه بهذا الدور، تشريف له ولعائلته، ويعبر عن دورها التاريخي في القدس.
في ثلاث مناسبات يقدم نسيبة مفتاح الكنيسة، للطوائف المسيحية الثلاث، ففي يوم سبت النور يقدم المفتاح للأرمن، ويوم الجمعة الحزينة يقدم المفتاح للروم للأرثوذكس، ويوم خميس الرسل، يقدمه للفرنسيسكان.
وينفي نسيبة، أي تدخل من قبله في الخلافات بين الطوائف، سوى ما يتعلق منها، بموضوع باب الكنيسة، أما فيما يتعلق بخلافات أخرى، فلا يتدخل.
ويقول، بأنه في عهد والده، عندما كان يفتح ويغلق باب الكنيسة، حدث خلاف بين الطوائف في عيد خميس الرسل، بين الفرنسيسكان والأرمن، وتدخل والده بشكل حاسم وحل الخلاف، وفي عهده تدخل لخلاف آخر صغير.
في العهد العثماني، كان الأعيان في القدس، يتلقون من الكنائس والأديرة، هدايا في الأعياد المختلفة، تسمى (العادة المعتادة) حتى أبطلها إبراهيم باشا المصري، لدى دخوله فلسطين في ثلاثينات القرن التاسع عشر.
وردا على سؤال حول ما يتلقاه من الطوائف مقابل وظيفته، قال نسيبة، بأنه يمنح مبالغ قليلة جدا في الأعياد، وانه مستمر في وظيفته المتفرغ لها، لأسباب تتعلق بالواجب. 
ويعتبر نسيبة بان تأثير الاحتلال، سلبي، ليس فقط على الكنيسة، ولكن فيما يتعلق بكل الأراضي المحتلة، أما فيما يخص الكنيسة، فلديه مقارنة بين ما قبل الاحتلال، وما بعده: "بعد الاحتلال أصبحنا نرى الدخول إلى الكنيسة بلباس غير محتشم، في حين أن الأمر قبل ذلك، كان مختلفا، لقد رأيت الناس يدخلون زحفا إلى الكنيسة، احتراما، وتقديسا للمكان، ويقدمون الزيت والشموع".