توقع الشاب تامر حربي
أبو صدود، أي شيء، يمكن أن يحدث خلال يوم عمله في محطة الهدى للمحروقات في مخيم
الدهيشة، على شارع القدس-الخليل، يوم أمس، ويعكر مزاجه، كزبون متطفل، أو مشاكس، أو
غلس، وهو ما يحدث معه دائمًا، إلّا أن يكون الزبائن الذين قدموا بمركبة بيضاء من
نوع سكودا، ليسوا زبائن، وإنما مجموعة مدربة على الخطف والقتل.
عندما توقفت المركبة
أمام خراطيم تعبئة المحروقات، لم يلاحظ تامر أو أي من زملائه، أن شابين مفتولا
العضلات، يتقدمان نحوهم راجلين، ولم يدركوا أنهما ترجلا من مركبة أخرى توقفت خلف
الجدار الشرقي للمحطة، أحدهما يضع كوفية على كتفيه، والثاني يحمل وعاءً بلاستيكيا
ممثلاً دور شخص قطعت به السبل، يريد أن يعبئه بالبنزين أو الكاز، ولدى وصولهما
موقع التعبئة، خرج من المركبة اثنان نحو تامر، الذي استعد لوضع خرطوم تعبئة في
المكان المخصص لتعبئة البنزين فيها، ولكن فجأة وجد نفسه يُقتاد إلى دخل المركبة من
قبل الشبان الأربعة، الذين أحاطوا به، وشددوا الخناق عليه، ولم تفد محاولته
المقاومة، أما زميله الذي يقف بجانبه، وحاول إنقاذه من أيدي هؤلاء الغرباء، فهاجمه
أحدهم بالوعاء البلاسيتكي، ولاحقه عدة أمتار، حتّى أدرك الزميل عدم جدوى تدخله لإنقاذ
زميله.
وهكذا تمت عملية
اختطاف الشاب أبو صدود، خلال 56 ثانية، كما يظهر شريط مصور بكاميرات المحطة، الذين
أدرك العاملون فيها، بان قوة احتلالية خاصة من المستعربين، هي التي تسللت إلى
المحطة، بتمويه كزبائن، وخطفت أبو صدود، وهو أسير محرر، في عزّ النهار، ومضوا به
دون إحداث ضجة، يمكن أن تنبه أولاد المخيم فيهاجمونهم بالحجارة، كما جرت العادة.
وأظهرت كاميرات
المراقبة، مركبة ثالثة للمستعربين، وقفت إلى الغرب من مكان تامر، ونزل منها اثنان
يحملان حقائب، وانتظار على الدرج المطل على المحطة، وعادا بسرعة إلى المركبة بعد
نجاح عملية خطف تامر، الذي لا بد فوجيء بما يحدث، وحاول المقاومة، ورمى هاتفه
النقال بعيدا، حتى لا يصادره الخاطفون، إلا أن احدهم جلبه.
اعتقل أبو صدود أكثر
من مرة، وبين هذه الاعتقالات حاول أن يجد له مكانا في الحياة العملية، فجرب العمل
في أكثر من مهنة، إلّا أن إعادة اعتقاله كان يفسد عليه تطوير نفسه في المهنة التي
يعمل بها، حتى بدأ العمل في محطة المحروقات، وآمل أن تستقر أموره أخيرًا، ولكن
لمخابرات الاحتلال رأي آخر.
أبو صدود، الذي فقد
قبل أشهر والده المناضل الذي أمضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال، وعرف بمشاركته في
العمل المجتمعي في مؤسسات مخيم الدهيشة، من جيل يختلف عن والده، حيث كانت الألوان أكثر
وضوحا من زمنه الأغبر هذا، فيحاول هو وزملائه الكثر جدًا في المخيم، إعطاء معنى
لوجودهم في ظل احتلال طويل ومستمر.
معظم أصدقاء تامر يقبعون
في معتقل عوفر، الذي تعرض الأسرى فيه إلى القمع، باستخدام قنابل الغاز والصوت
والرصاص المطاطي والكلاب، وحسب نادي الأسير أصيب أكثر من 100 أسير.
دوامة الاعتقال
والخروج، وغياب الأمل، وإفلاس الفصائل الفلسطينية، بشكل مريع، يجعل حياة تامر
ورفاقه، كمن يصارعون طواحين هواء متعددة.
ما حدث مع تامر، هو
حدث عادي، في زمن الاحتلال غير العادي، لن يتوقف عنده قليلو الفهم من محللي
الفضائيات، الذي يرون في اقتحام رام الله مثلاً، رسائل للسلطة الفلسطينية، وتدمير أنفاق
في جنوب لبنان، هروب لنتنياهو إلى الأمام، واقتحام معتقل عوفر، دعاية انتخابية.
قالت أزهار اليوم،
بأن النخب أفلست وسقوطها مدوي، وقال صالح أبو لبن، بأن على المثقف، أن لا ييأس ولا
يقنط، وإن قنط القانطون، وأكد محمد عليان، على دور المثقف العضوي، وكل هذا ونحن
نحتفي بأصوات أدبية مبهرة لصبايا راهبات مار يوسف، ولدن ونشأن في ظل الاحتلال.
نصمد في أرضنا، ونروي
فسائلنا، بندى العيون..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق