قد
يكون الحنبلي (1456-1521م)، صاحب تاريخ القدس والخليل، الذي كتبه قبل 500 سنة، هو،
مع محمود درويش، أكثر اثنين من المثقفين الفلسطينيين، توقيرًا، وقد يكون ليس فقط
لما قدماه كل في مجاله، ولكن أيضًا لعلاقتهما بالسلطة السياسية، ومحاولتهما نقدها
أيضًا.
كان
الحنبلي، جزءًا من مشروع المماليك السياسيّ والدينيّ، وعايش سلطنة قايتباي، المبجل
في كتابه، ولكنّه يذكر قصة محيرة جدًا، على الأقل بالنسبة لي، عندما يروي حكاية
سرقة قايتباي العظيم، لحصان مواطن فلسطيني غلبان، دون أن يوحي بأي انتقاص لسلطان
المسلمين. هل كان يبعث برسالة ما؟ المؤسف أن كل من قرظوا كتابه، لم يهتموا بحكاية
سلطان يملك آلاف الأحصنة، وحصان مسروق، فلم تصل الرسالة.
محمود
درويش، هو جزء من مشروع فلسطيني معاصر، تمثله منظمة التحرير، لم يغرد خارج سلطتها،
بعث برسائله، أمام ياسر عرفات نفسه كما حدث في حفل توزيع جوائز فلسطين في جامعة
بيت لحم عام 2009م، وعندما رحل درويش، أُسس متحفه، بجوار قبره، كواحدٍ من المشاريع
الفلسطينية التي تم تحقيقها، ولم تؤجل.
القبر
داخل ضريح الحنبلي، بالقرب من كنيسة ستنا مريم، بخلاف قبر درويش، غير حقيقي، هو
رمز؛ فقبر مؤرخ القدس العتيد، عُثر عليه خلال أعمال على طريق القدس-أريحا خلال حقبة
القدس الأردنية، فبُني له ضريح في مكانه الآن، ولا بد أن نعتبره أيضًا مشروعًا
فلسطينيًا ناجحًا من قبل بيروقراطية السلطة الأردنية في القدس، التي تعرف تمامًا
قدر الرجل، وموقعه في المخيلة التاريخية والدينية للنّاس، فلم تجعل من بناء ضريحه،
مشروعا مؤجلاً قد لا يتحقق، بل زيد من أسطرته باعتباره حفيد لعمر بن الخطاب رغم
الفارق الزمني بين حياتي الاثنين الذي يجعل من التأكد من المسألة، أمرًا مستحيلاً.
والآن بسبب قربه من مواقع مقدسة جدًا في الديانة المسيحية، كالجثمانية، فان الحجاج
والزوار، يلتقطون الصور بجانبه، كمعلم من معالم المدينة المقدسة، وربما عدوه أحد
قديسي الشرق.
في
أغلب الأحيان، يعيش مثقفو السلطة، طويلاً، ويكتسبون قوة استمرار ذاتية، لا تتوفر
عادة، لمناوئي السلطة، الذين ربما، في مسيرة الكتابة، يكتئبون، ويلعنون فقرهم،
وزمانهم.
إنها واحدة من تجلي مكر العلاقة بين
السلطة والمثقف، في شرق لم يغالب ذاته، وإنما إعادة إنتاجها..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق