يحدث
في فلسطين، أن يُقدّم دير الروم الأرثوذكس، قطعة أرض مقابل كنيسة المهد، ليبني
عليها المسلمون مسجدًا على خرائب كنيسة يوحنا المعمدان البيزنطية، وذلك عام 1864م،
وهو المسجد المعروف الآن باسم مسجد عمر، تخليدًا لزيارة الخليفة الراشدي الثاني إلى
فلسطين، وتسلمه مفاتيح القدس، بعد حصار مرير.
لم
يذكر خبر الزيارة سوى في المصادر الإسلامية التي خُطت بعد الواقعة، بسنوات طويلة،
وما جاء في هذه المصادر، من أخبار يدخل، بلا شك، في باب رواية المنتصرين، والغريب
أن بروز الهوية الفلسطينية المعاصرة، التي يفترض أن تمثل، مشروعا نهضويا، تبنتها،
ولم تلتفت إليها بمنظار نقدي، وتقدم رؤية جديدة تناسب الهوية، وهذا ما لم يحدث،
وأدى كما هو متوقع ألى هزائم، ليس أقلها الخراب على الجانب الثقافي والمجتمعي.
ويحدث
أن يُنظر إلى مأثرة الدير، إلى مسلمي بيت لحم الذين كانوا أقلية آنذاك (إحصاءات
القساطلي مثلاً عام 1873م)، باعتباره، نموذجًا للتآخي، والتعاضد، بين أبناء البلد
الواحد.
ويحدث
في فلسطين، أن تنجز اليونسكو، لوحات تعريفية بالمواقع التاريخية في بيت لحم
المدرجة على قائمة التراث العالمي لديها، وتعلقها قرب هذه المواقع، وهو ما حدث على
واجهة مسجد عمر الشرقية، عليها ذكر لتاريخ تأسيس الجامع وكيف حدث، ويحدث أن
المصلين، وهم من المعتدلين الأتقياء، أن يتنبهوا لما كتب على اللوحة، فيرونه يمس
بالمسجد، فيخلعونها ويرمونها، غاضبين، معتبرين أن كل فلسطين، هي أرض وقف إسلامي.
تتغير
فلسطين، وما اعتبر في يومٍ ما، تعبيرًا عن الإخاء، سيعتبر بعد قرن ونصف، مسا
بقداسة المسجد.
إلى
أين تسير الأمم إلى الأمام أم تتراجع إلى الخلف؟
هذا
ما يحدث مع المشاريع الوطنية والثقافية الكسولة، غير النقدية، والعاجزة عن تقديم
رؤى مستقبلية.
في
سجل محكمة القدس الشرعية رقم 347، الصادر في أواخر ربيع الثاني 1280ه-11 تشرين الأول
1863م، ص 395، يظهر عقد حكر باسم الخواجة نيكفوريس يازجي دير الروم، لأوقاف الجامع
العمري في بيت لحم، وتتضمن الساحة الخربة حول الجامع من الجهات الأربعة.
في
لوحة أخرى لليونسكو، على بوابة الزرارة، نجد تغييرًا مقصودًا على اللوحة
التعريفية، هو أقرب لتزييف أسطورة محلية، من الواضح أنّه حدث لتجنب غضب الجمهور.
قبل
فترة، أطلعني صديق أكاديمي مسؤول، على ما أعده عن مواقع أثرية في منطقته، وكيف
تجنب ذكر وجود كنيس في أحد المواقع المعروفة أصلاً في البلدة بأنه كنيس، كي لا
يغضب الجمهور، ويخربون اللوحة.
نعم
هذا ما يحدث في فلسطين الآن؛ الرقابة ليست سلطوية، وإنما مجتمعية قاتلة، لا يتم
مواجهتها..!
وكيف
يتم ذلك؟ ما يزرع، يُحصد هزيمة..!
**
الصورة
تفصيل من نحت على شباك منزل في بيت لحم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق