لا
يظهر على النُّصْب الذي أقامه مواطنو القدس، لشهداء المدينة في حرب حزيران 1967م،
أسماء الشهداء، فتركت البلاطات البيضاء المشذبة من حجر المدينة، بيضاء، صامتة، تشي
أكثر مما تتكلم، بينما تحمل الكلمات التي تصف أصحاب النصب بأنهم قضوا في
"معركة الشرف"، أكثر من مغزى، هل هو شرف النصر أم شرف الهزيمة؟ وهل
للهزيمة شرف؟
كم
شهيدًا ارتقى خلال الحرب؟ كثير منهم من المجانين الذين أمنوا أن الكفَ تستطيع
مكافحة المخرز، حتى وهم يرون انسحاب الجيش النظامي، بدون نظام.
في
الشيخ جرّاح، حيث حارب جنود من الجيش النظامي، ببسالة في تلة الذخيرة، أقام الجيش الإسرائيلي
هذه المرة، نصبًا، اعترف فيه بشجاعة الجنود، الذين قضوا خلال ست ساعات، خُط عليه:
"هنا يرقد عدد من المقاتلين الأردنيين الشجعان".
قبالة
النُّصْب الأوَّل الذي يقع قبالة برج اللقلق، عسكر قسم من الجَيْش الصليبي، بقيادة
غودفري، في كرم الشَّيْخ ودخلوا إلى القُدْس يوم 15 تموز 1099، حيث ارتكبوا في
المدينة، وفقا لمرويات صليبية، المجزرة المهولة. ولوّ صدقنا ما كتبوه، لكانت واحدة
من أبشع المجازر على مدى العصور. واحتفالاً بانتصارهم، نحت صليبيو القُدْس، نَصّبا
حجريّاً عليه الصَّلِيب كشعار. هذا النُّصْب يمكن تبينه في بعض الخرائط القديمة،
وكان الصليبيون يحتفلون، بانتصارهم، في المكان في 15 تموز من كل عام. لم يعثر على
هذا النُّصْب، الّذي يُعتقد بأن المسلمين حطموه سنة 1187م.
في
القدس تكثر ا النُّصْب، لا يمكن إحصاؤها، لشهداء عرب، ولقتلى يهود. القدس أيضًا هي
مدينة النُّصْب، كيف ستحيا المدينة على أكتاف النُّصْب المتضادة، التي تزود
المدينة بما ينقصها من مشاعر؟
كثير
من هذه النُّصْب، مثلما حدث في الماضي، لن تصمد، ستتحطم، ستهوى خلال الحروب
المقبلة (القدس أيضًا مدينة الحروب)، أو سيتكفل بها الزمن، وما يعثر عليه باحثون
بعد قرون، سيوضع في متاحف المدينة (القدس أيضا مدينة المتاحف التي لا تعد)، ويكون
جزءا من حكاياتها التي لا تعد (القدس أيضًا وأيضًا ليست سوى مدينة حكايات).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق