عبد
الحافظ زيدان (1927-2018م) من قُماشة قل كلمتك وأمشِ أو قل كلمتك و"مت"
أو حتى لو مت، وهي قُماشة عدد لا حصر لهم دبّوا على أرض فلسطين، لا نعرف منهم إلا
القليل، كباركوخبا الثائر اليهودي الفلسطيني على الامبريالية الرومانية، والذي
شيطنه الفلسطينيون المعاصرون، وتركوه رمزًا تستحوذ عليه الصهيونية، وعديد الثوار
والمتمردين على الحكام الأمويين والعباسيين والصليبيين والعثمانيين وغيرهم، ومنهم
من عرفناهم في انتفاضة الأقصى الطويلة الدموية، كمحمود طوالبة وأبو جندل، وزملائهم
الذين خاضوا مقاومة مع قوة قاهرة في مخيم جنين، نتيجة معركتها معروفة سلفا، ولكنهم
أرادوا تسجيل موقف بدمائهم، وهو ما فعله عدد كبير من الاستشهاديين، الذين ذهبوا إلى
موتٍ محقق، وحتى الوزير السابق شوقي العيسة، الذي عرفت منه بالأمس انه أوّل وزير
يستقيل في عهد السلطة الفلسطينية (يا للفخر العائلي..)، وأعتقد ان شوقي الذي قال
كلمته ومشى، مدين للرأي العام ببيان يوضح فيه سبب استقالته.
عبد
الحافظ زيدان (أبو عمر) مناضل شيوعي مثقف، أمضى سنوات طويلة في سجون الزمن الأردني،
ولنشاطه القيادي في الجبهة الوطنية في بداية الاحتلال اعتقل، وسمعت انه تم سكب
مادة حارقة على ظهره، كالبنزين أو الاسبرتو، وإشعالها، كنوع شيطاني من التعذيب.
أبو
عمر وجد نفسه في لحظة فارقة من الزمن، في منتصف سبعينات القرن الماضي، مسؤلا عن
فرع الحزب الشيوعي الاردني في الضفة الغربية، فأعلن تأسيس الحزب الشيوعي
الفلسطيني، وأصدر عددًا من صحيفة الحزب السرية الوطن، باسم الحزب الجديد، وهي يعي أن
الكهنة الشيوعيين في الحزب الشيوعي الأردني، والاتحاد السوفيتي الذي يحكم نصف الأرض
آنذاك لن يقبلا بخطوته المتهورة، ولكنه راهن على كادر الحزب الذي وجد نفسه محرجا أمام
جماهيره، وهو يعمل تحت مظلة الاردنة.
واصل
أبو عمر هجومه، وأصدر ما عرف برسالة أيار، انتقد فيه "الاكليروس"
الشيوعي الأردني، وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الأردني المسؤول عن الضفة
الغربية، لاعترافه أمام الإسرائيليين، وخروجه من المحكمة برفقة أعضاء كنيست من
الحزب الشيوعي الإسرائيلي إلى حيفا للاحتفال، بدلاً من العودة إلى بيته ليلتقي
رفاقه.
رفاق
أبو عمر الذين تحمسوا له، ودعموه عادوا وانتكسوا عنه، التزاما بالانضباط الحزبي،
وهم مثل غالبية أعضاء الحزب، خضعوا لما يمكن وصفه غسيل دماغ، يجعل من الشخص ينتمي
لقطيع، اشتراكي هذه المرة.
غاب
أبو عمر في غياهب النسيان، حتى ظهر اسمه مجددًا بسبب وفاته في أميركا. أذكر بأنني
رأيته مرة واحدة، أمام منزله في حلحول، قبل سنوات طويلة، وكنت مع المرحوم جمال
الشيخ الذي عرفني عليه.
أبو
عمر من فصيلة الجميلين الزوربيين العظام، المفارقين للقطيع، الذين لا يذكرهم
التاريخ الرسمي، والذين يلونون حياتنا، وبدونهم ستكون الحياة بلون أبيض فاقع..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق