بنات الانتفاضة..!

في عام 1989، سألت المرحوم محمود الخطيب (أبو نبيل)، عن الفرق بين دور المرأة في ثورة 1936-1939م، والانتفاضة (الأولى، الكبرى)، أجابني المناضل المثقف خريج الصف الرابع الابتدائي في مدرسة زكريا، في الهضاب الوسطى: "لم تكن المرأة الفلسطينية متعلمة ومثقفة مثل الآن، فهي رزحت مثلها مثل الرجل الفلسطينيّ تحت عقود من الجهل والاستعباد في ظل احتلال تركيا الطويل والاحتلال الإنجليزي فيما بعد، وكانت المتعلمات مِن النساء الفلسطينيات أقلية تنحصر في المدن ومِن بنات الطبقات الثرية التي تستطيع ان تبعث بناتها إلى المدارس الأجنبية أو مدارس بيروت، وعندما سقطت فلسطين لم تكن هناك مدرسة ثانوية حكومية للإناث، لذلك ولأسباب أخرى منها موقف المجتمع من المرأة، جعل مشاركة المرأة على الهامش مثل تجهيز الأكل وحمل الماء إلى الجبال حيث يختبئ الرجال. وفي الأغلب كانت صلة القرابة بين الفدائيين والنساء هي التي تحدد مشاركة المرأة في تقديم الخدمات التي ذكرت، ولا أعرف أيا مِن النساء حملت بندقية في السابق، فالرجل نفسه، السيّد في نظر المجتمع ونفسه، بالكاد كان يحصل على بندقية وإن حصل فستكون على حساب قوت عياله، أمّا اليوم فلا تجوز مقارنة وضع المرأة مع السابق، فدورها توسع ومهامها قاسية: عمليات مسلحة ورشق حجارة، كشف الطريق للشباب المطاردين، التمريض، العمل من خلال اللجان الشعبية، تعرضها للسجن، مشاركتها الفعالة في الاقتصاد المنزلي. ومع هذا ما يزال يسود الاعتقاد بأن المرأة مخلوق ضعيف، فكثيراً ما أسمع الشباب في المظاهرات، عندما تشتد المصادمات يقولون: خَلّيّ النساء يرجعن للوراء..!».

أضاف أبو نبيل وهو يجلس في باحة منزله في مخيم الدهيشة، حيث لجأ بعد سقوط قريته: «هذا بالإضافة لكون المرأة أُماً وزوجة وأُختاً وحبيبة تتضرر وتحس وتشارك في معاناة الرجل: السجين والجريح والشهيد».

قاطعت أبا نبيل، لأقول بحماس محمولا على غرور الجهل: «خلال هذه الانتفاضة دخلت السجون الإسرائيلية نحو ثلاثة آلاف امرأة، وعلينا كرجال ان لا ننسى ذلك في المستقبل، عندما نتحرر، ونصبح مثل كلّ شعوب العالم، لنا دولة وعلم ونشيد، وربما ننتخب امرأة رئيسة لنا».

بعد سنوات نزل الشباب والنساء عن الجبل، في أثر قائد ملهم، لم تكن لديه خيارات كثيرة، وحدث تسابق على قطف أشجار غنائم، لم تثمر بعد, وصرخت النساء: «الرجال سرقوا نضالنا».

واذا كان لواحدٍ مثلي ان يفخر، حتى في غير مجال الفخر، فانني اسجل بانني كنت من أوائل مَن نشروا صرخات النساء الشرهة في تقارير صحافية.

في هذه الهبة-الانتفاضة، تثير مشاركة البنات، الحيرة. الصحافي الإسرائيلي أوهاد حمو من أخبار القناة الثانية يقول بكلمات حاول انتقائها لإحداث وقعا على مشاهديه: "ما يلفت النظر هو العدد الاستثنائي للنساء المشاركات في الاحتجاجات والمشاركات بشكل فاعل في المواجهات، مُلقيات الحجارة، واللواتي يتصدرن الجبهة".

حمو، الوفي لتراث صحافي إسرائيلي وبحثي، في محاولات تأطير ظواهر انتفاضية، قرر ان مميّزات فتيات الانتفاضة: "ذوات وعي سياسي منفتح، عازبات، يتمسكن برأيهن. يرتدي بعضهنّ الحجاب وأخريات لسن متديّنات جدّا". يمكنا ان نتصور صرخات: يا للهول تنطلق من أفواه المشاهدين الإسرائيليين..!

على الطرف الآخر من الجبهة، نلاحظ اهتمام الجمهور الفلسطيني-العربي بمشاركة الفتيات، حتى ان وكالة أنباء محلية، بعماء بصيرة مستحكم، عقدت مقارنة، لا معنى لها، بين فتيات جبهتنا، وفتيات جبهة الإسرائيليين..!

من بين ملاحظات الفيسبوكيين على مشاركة فتيات الانتفاضة، نشرت إحدى المتحمسات للمشاركة، نصائح لزميلاتها، من الخندق الصديق، باللهجة المحلية، يمكن تلخيص بعضها، مترجمة لعربية مفهومة، فيما يلي، مع التنويه، بالمثل الايطالي الذي يعتبر كل ترجمة خيانة:

*عندما تنزلين، يا عيني، على المواجهات، حاولي ارتداء الأسود فقط، وبلاش الملابس الملونة، والضيقة، لان الشباب المنتفضين سيكفون عن ضرب الحجارة، ويتفرغون للبحلقة فيكِ، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى اقتتال داخلي، لان الغيرة طبع مستحكم في الرجال، وإذا أُصبت ووقعت على الأرض، وحملك شباب إلى سيارة الاسعاف، سيؤدي ذلك إلى نسج ألف قصة عنكِ.

*ليس من الضرورة الاكثار من التقاط الصور لك، لنعرف بأنكِ كنتِ في المواجهات، ولا مانع ان تلتقي صورة لك للذكرى فقط. سيلفي واحد تكفي.

*اقذفِ الحجر بكل قوتك، حتى يصل هدفه، ولا يصيب الشباب، فليس ضروريًا، لأنك نواعم، ان يُشج رأس شاب.

*اذا كنتِ غير قادرة على قذف الحجارة، لا تقفين مكتوفة الأيدي ملخومة، ساعدي بما تقدرين عليه، ايصال الطعام، والحجارة، لان وقوفك في المواجهات بدون عمل، واصابتك بالغاز أو بالرصاص، لأنك تريدين فقط الفرجة وشوفيني يا خالة، سيؤدي إلى اصابة آخرين يتحتم عليهم مساعدتك ونقلك إلى الاسعاف، ليس ضروريا ان نفقد شبابنا، من أجل واحدة مثلك ذاهبة للفرجة، يا عيني..!

منذ قرون، عندما نتحدث عن الفتيات، كنّا نقول: يا عيبي، الان، بفعل فتيات الانتفاضة يمكن أن نقول: يا عيني..!

مسيرة قرون بين العار..والسخرية، حدث تطور..أليس كذلك؟