أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 16 أكتوبر 2018

على سطح مبنى في مخيم..!





















ربما لو قدر للشهيد بهاء عليان، أن يختار مكانا، لإطلاق الكتاب التذكاري عنه، لما اختار أفضل من سطح مبنى مركز الرواد في مخيم عايدة، المقام على أراضي مدينة بيت جالا.
شكى الحاضرون، وهم يصعدون درج الطبقات الأربع، من صعوبة الوصول إلى السطح، ولكنه شكل حالة رمزية لمعاناة أهالي الشهداء الذين كانوا في استقبال الحضور.
من على سطح مركز الرواد يمكن رؤية مشاهد بانورامية من الجهات الأربع للقدس وبيت لحم وبيت جالا، لا يعكر صفوها كثيرا مقاطع الجدار الأسمنتي الذي بناه الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، وبالنسبة للكثيرين، شكّل المشهد استعادة لعبق هذه البقعة قبل أن يقسمها الاحتلال إلى كانتونات، فأحيانا النظر من أعلى، يجعل المرء ينسى ما يجري على الأرض، ولو مؤقتا.
على طاولة كبيرة وضعت نسخ من كتاب (البهاء باق فينا ومعنا) الذي صدر حديثا عن دار الرعاة للدراسات والنشر في رام الله، وجسور ثقافية للنشر والتوزيع في الأردن، ويضم مساهمات مجموعة من الكتاب عن الشهيد بهاء عليان، وهو من إعداد الكاتب محمد عليان، وصممت غلافه سيرين الأجرب، وراجعه ودققه لغويا الكاتب محمود شقير، الذي كتب على الغلاف الأخير من الكتاب عن الشهيد بهاء: "رأيته ذات مساء في خيمة العزاء بأحد شهداء جبل المكبر، كان واجما يدير حوارا داخليا مع نفسه، ولم أكن أعرف ما الذي يفكر فيه. كنت أعرف أنه شاب خلوق محب للثقافة ذو نزعة وطنية راسخة: وكانت له أنشطة ثقافية واجتماعية متعددة، كان من أبرزها تلك السلسلة القارئة التي امتدت حول سور القدس، وشارك فيها آلاف الطلبات والطلاب وإعداد غير قليلة من الكاتبات والكتاب والصحافيين والإعلاميين ومن أبناء المدينة".
على سطح مركز الرواد كانت تجرى الترتيبات الأخيرة لبدء حفل إطلاق الكتاب، وكان الدكتور عبد الفتاح أبو سرور، مدير المركز، والمربية أزهار أبو سرور والدة الشهيد عبد الحميد الذي ما تزال سلطات الاحتلال تحتجز جثمانه، والكاتب محمد عليان، وشقيقه حمد، وغيرهم يستقبلون الضيوف، ويحرصون على تبادل الحديث معهم.
افتتحت اللقاء أزهار أبو سرور، وهي بالإضافة إلى إنها والد شهيد، ناشطة ثقافية واجتماعية، بكلمات معبرة، أضفت على الأجواء الرطبة والظليلة مع إعلان النهار قرب وداعه، ليحل محله الليل، أشجانا حزينة.
ارتجل حمد عليان، عمّ الشهيد بهاء، كلمة، حاول فيها تحليل شخصية الشهيد بهاء، ومن خلالها شخصيات الشهداء، وتوصل إلى فرضيات تثير نقاشا حول ذوات الشهداء، الذين يذهبون إلى آخر الطريق، بوعيٍ، وبدون أن تكون لديهم عوامل خارجية خاصة تؤثر على قراراتهم بتقديم أجسادهم للوطن.
وألقى والد الشهيد باسل الأعرج، كلمة حضّرها جيدا، قدم فيها رؤاه حول مفهوم الشهادة، وموقف المثقفين من سؤال الاشتباك مع الاحتلال.
وارتجل الكاتب محمود عليان كلمة، عن ثقافة الحياة، وعن مطالب أهالي الشهداء بإعادة جثامين أبنائهم، ليلتحفوا تراب الوطن.
وقال بان أهالي الشهداء، غير مقتنعين بأن التابين هو ميكرفون وكلمات وتصفيق، وإنما التابين هو  مناسبة للانطلاق وحمل الرسالة، ومناسبة لان نقول لكل العالم نحن نريد الحياة".
وكتب الكاتب إبراهيم جوهر عن تجربة إطلاق كتاب في مخيم: "أن تكون بين الناس وتجلس على مقعد بلاستيكي مغبرّ أو شبه مكسور وتتابع ما يقوله مُعدّ الكتاب وتصغي لكهل أميّ يطلب الكتاب ويضعه قريبا من قلبه، وتتابع دفقات قلوب ودمعات أمهات أسرى وشهداء، وترى أطفال المخيم وجدارا يحجز الشمس والهواء... يعني أن تكون في قلب الحياة الحقيقية بترابها وغبارها وأحلامها وكثير من أصالتها غير المشوّهة بثقافة اليوم الجديدة.وستقارن - إن كانت لك تجربة - هذا الإطلاق وكتب أخرى في قاعات مكيّفة ومقاعد وثيرة وحضور معطّر... وستقف على التناقض بين حياتين وثقافتين. فهل سيقدر صديقي والد البهاء على خوض تجربة إطلاق كتاب البهاء في قاعة مكيّفة بعدما ذاق حلاوة الكتاب في المخيم؟!".
وطلب محمد عليان، من الحضور حصول من يرغب منهم على نسخة من الكتاب، مشيرا إلى انه لن يكتب إهداء، لان الكتاب يقدّم نفسه للمحبين والأصدقاء.
وبينما كان الحضور يتناولون نسخ الكتاب، ويتحسسون مسار الخروج من منفذين، كان الليل قد أعلن عن حضوره بوضوح فوق سماء المخيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق