احتاج الفلسطينيون دائمًا إلى ثنائيات، فليست ثنائية فتح وحماس، وقبلها فتح والجبهة الشعبية، ومنظمة التحرير وجبهة الرفض، ولاحقا في فتح نفسها محمود عباس ودحلان، وربما في حماس هنية-الزهار، استثناءا، بل هي استمرارا لتقاليد موغلة في القدم، حيث نبتت وعاشت ثنائيات النور والظلام، والخير والشر والعبد والحر، وغيرها وصولاً إلى الحرب الأهلية بين حزبي قيس واليمن، والتي استعرت، في القرن التاسع عشر، خصوصًا في جبلي القدس والخليل.
اتخذ القيسيون، ومنهم أسلافي اللون الأحمر علمًا وشعارا لهم، بينما رفع اليمنيون اللون الأبيض، علمًا وشعارًا، دونهما الموت.
وكان على العروس التي تنتقل بين أراضي القيسيين واليمنيين أن تغير لون ثوبها من الأحمر إلى الأبيض أو العكس. كره القيسيون اللون الأبيض وكره اليمنيون اللون الأحمر، كما يليق بشرف الذود عن العصبيات.
يذكر محمد عزة دروزة، في مذكراته، بعض الشذرات: "في قرى جبل القدس يكون خمار اليمنيات أبيض دائري حريري ملون ويسمى حياري. ويكون خمار القيسيات أحمر من الحرير يسمى شنبر. وهن في القرى والمدينة سافرات الوجه".
من الجيد أن تكون جداتنا أكثر تقدما من المدنيات، وسبقن نساء القدس، اللواتي خلعن الخمار في الأربعينات من القرن الماضي، ما أثر حماسة عارف العارف.
وعن دروزة أيضا..بعض الطرائف: "من الطريف أن القيسيين لم يكونوا يصنعون من الحليب مهلبية وإن اليمنيين لم يكونوا يصنعون دبسًا. فلما خفت النعرة وصار الطرفان يتعايشان ويتواصلان بعد الجفاء والقطيعة صار يصنع مهلبية ويوضع على وجهها دبس ويسمى ذلك قيس ويمن، كأنه رمز ذلك إلى التعايش والتواصل المستجدين".
أرجو أن يكون كل طرف علم أخيرًا ما خسره من نبذ المهلبية والدبس..!
في هذه الإثناء ترتفع في التظاهرات والمناسبات ألوان لا حصر لها تمثل رايات لفصائل لا عدد لها، ويختفي العلم الذي يمكن أن يرمز إلى "التعايش والتواصل"، وإن ظهر فعلى استحياء.
في هذه المرة، يدرك كل طرف ما يخسره، ولكنه يغذ الخطى بكل هذا الحمق، إلى الهاوية...!
**
الصورة: مغارة المهد في خمسينات القرن التاسع عشر٬ روبرت والتر ستيوارت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق