لا
أعرف ابن مخيمي عبد الجواد عيد، ولم أقابله ولا مرة، ولكنني طبعت صورة معينة له في
مخيلتي، باعتباره ارتبط بإحدى الأحداث التي شهدها المخيم، التي لم أعيها، ولكنّها ستثير
اهتمامي لاحقا، وأحبرها كثيرًا.
في
شهر آذار عام 1965م، استقبل المخيم المجاهد الأكبر بورقيبة، خلال زيارته المشرقية،
وخرج النَّاس، بأمرٍ من السلطة، أو تطوعًا منهم، مرحبين، وعندما غادر إلى أريحا وألقى
خطابه في مخيم عقبة جبر، سرى في البلاد، أن المجاهد الأكبر ارتكب كل الأثافي،
بدعوته للصلح مع دولة العدو، ولم يكن نشطاء الأحزاب يحتاجون غير ذلك ليسيّروا
المسيرات والتظاهرات، مطالبين بسقوط بورقيبة.
في
الدهيشة التي لم تكد تودع المجاهد الأكبر، بما يليق بمكانته، خرج النّاس مستنكرين،
مهددين، وتطوّع عبد الجواد عيد، لوضع صورة بورقيبة على مؤخرة حمار. ويبدو أنه من
تلك اللحظة أصبح استخدام الحمير في المسيرات الدهيشية، طقسًا واجبًا.
لا
أعرف إذا كان ناس الدهيشة، استمعوا فعلاً لخطاب بورقيبة، أم اكتفوا بما تلقوه من
نشطاء الأحزاب القوميّة والشيوعيّة. ولا أعرف إذا كان عبد الجواد استمع إليه آنذاك
أو لاحقًا، ولكنني عندما قرأت الخطاب بتمعن، بعد سنوات طويلة من ردات فعل الزيارة
على المخيم، والتي لم تقتصر فقط على واقعة الحمار، دهشت، من رؤيوية بورقيبة،
وتحليله النفسي لشخصيات الزعماء العرب، وإن كان ذلك، ويا للمفارقة، لم يحل، دون أن
يصبح شبيهًا بهم، فحكم مطولاً، حتى احتاج لمرافق يرفع يده عاليًا، ليحافظ على
تقليد التحية لديه.
قبل
أيّام رحل عيد في عمّان، وكتب شاهد على مرحلته، كيف انتبه، والاحتلال الجديد يدخل
ما تبقى من فلسطين الانتدابية، إلى مخفر الشرطة الذي لم غادره أصحابه، فحرقه، ليفني
الملفات التي تخص نشطاء الأحزاب، حتىّ لا تقع بأيدي المحتلين الجدد. ولكن هل حقق
هدفه فعلاً؟
في
الواقع وضع المحتلون الجدد يدهم على الملفات أجهزة الأمن المفصلة، وقُدمت في وقتٍ
لاحق، لأمنون كوهين، المختص الإسرائيلي بالتاريخ العثماني، فدرسها ووضع الدراسة
الموثقة الوحيدة، عن الأحزاب ونشطائها خلال الحقبة الأردنيّة في الضفة الغربيّة.
رحم
الله عبد الجواد عيد الذي مات بعيدًا ليس فقط عن أرض المخيم، الذي أبعدته النكسة
عنه، ولكن عن قريته تل الترمس، التي أبعدته عنها شيء سماه العرب النكبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق