أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 14 ديسمبر 2019

على باب زويلة..!



‏يؤسطر المخرج البريطاني بيتر ويبر موت طومان باي، اخر سلاطين المماليك، الذي تصدى، للاحتلال العثماني للشام ومصر.
تشي مشاهد الإعدام، بمرجعية لدى ويبر، تتلخص بحادث إعدام آخر سبق موت طومان باي بنحو 1500 سنة، وأقصد صلب السيّد المسيح في القدس. وهذا أمر مبرر، إذا عرفنا خلفية المخرج الثقافية المسيحية التي علقت بها أشهر حادثة صلب في الإمبراطورية الرومانية.
يسير طومان باي التلفزيوني، الذي اتخذ شكل السيّد المسيح في الرؤى الغربية، رغم سحنة الممثل خالد النبوي السمراء، نحو منصة الإعدام، ممسكًا بنسخةٍ من المصحف الشريف، يحيط به جنود لا يشبهون في زيهم العثمانيين، وإنما الجنود الرومان، ويظهر المخرج تعاطف وألم الحضور مع طومان باي، وكذلك نرى حبيبته أو زوجته التي تبدو كواحدة من المريمات اللواتي تابعن مسير السيّد المسيح في درب الآلام، وكذلك صديق طومان باي، وكأنّه أحد حواري المسيح.
وبعكس آلام المسيح، فإن درب طومان نحو المشنقة، أراده المخرج بدون تعذيب ولا مشاهد قاسية، إنما شخص ذهب إلى موته بدراية وعلم، بخلاف المسيح الذي كان حائرًا فصرخ: "إلهي إلهي لماذا تركتني؟".
يسقط المصحف من طومان باي بعد شنقه، فيسرع طفل لالتقاطه، وهو مشهد يحيل إلى فيلم عمر المختار لمصطفى العقاد، ويرمز للأمل والاستمرارية.
هل كان المماليك أفضل من العثمانيين؟ ولماذا علينا أن نقف مع هذا الطرف المسلم الذي يقتل مسلمًا باسم الإسلام؟
يكشف لنا أرشيف مجلس الوزراء في تركيا، المنشور بالعربية في ستة مجلدات، عن لواء القدس (ناحيتا القدس والخليل) الأوضاع في اللواء في القرن العثماني الأوَّل، ومنه يمكن أن نستنج مدى الكارثة التي حاقت بفلسطين حيث هُجّرت قرى، وقرى أخرى لم يبق فيها إلَّا أعداد قليلة، والضرائب التي تثقل كاهلهم، ويمكن أن نتخيّل الأساليب التي واجه فيها الفلاحون الوضع الصعب؛ بالهروب، وترك الأرض.
خلال 400 سنة لم يبني فيها العثمانيون مدرسة واحدة في برّ القدس.
يمكن لأحد أن يصف عصر المماليك في الشرق العربي، بالعصر الأسود، ولكن في القدس كان عصرًا أبيض، عاش فيها الكثير من المماليك الذين نفوا إلى المدينة المقدسة، وما زالت العمارة المملوكية تبز المنشآت العثمانية فيها، وكثير منها هو استمرارية لعصر المماليك، وينسب للسلطان سليمان القانوني.
ثقافيًا؛ فإن التأثير المملوكي-المصري على الفلسطينيين المعاصرين، أوضح بما لا يقاس من تأثير العثمانيين.
400 سنة، انتهت وكأنها محض هباء، أدت إلى أن يواجه شعبنا، المثخن بالجراح، في ظرف صعب، البريطانيين، والغزوة الصهيونية. ولم يكن يستطيع الانتصار.
تمكّن الأتراك من بناء دولة حديثة على أنقاض الخلافة العثمانية، وما يحسب لأردوغان، اقتصاديًا وتنمويًا، هو نتاج الدولة العلمانية الحديثة، التي يقودها.
أمّا نحن فلا شيء تغير من إعدام طومان باي على باب زويلة، إلى مذبحة رابعة، وبراميل البعث القومية..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق