ودعت مدينة بيت جالا
اليوم، المناضلة زكية حنّا عوّاد، إلى مثواها الأخير، بعد الصلاة على جثمانها في
كنيسة العذراء للروم الأرثوذكس في المدينة.
الفقيدة، كما ذكر
قريبها المحامي الراحل جودة شهوان، في مذكراته من مواليد عام 1912م، ناضلت في صفوف
الحركة الوطنية في خمسينات القرن الماضي، واعتقلت في سجن الزرقاء، وتعرضت، كما ذكر
شهوان، للتعذيب.
بقيت زكية، مخلصة
لأفكارها اليسارية، رغم أن العالم تغيّر، ومن تعرفهم أو لا تعرفهم من رفاق باعوا أنفسهم،
وغيّروا ليس فقط مبادئهم، وهذا أمر طبيعي، ولكنّهم، انحدروا إلى القاع الأسفل.
التمعن في سيرة زكية،
مفيد، فهي عاصرت أسوأ الظروف التي مرت على شعبنا كالحرب العالمية الأولى، حيث عانت
مدينتها من الجوع والأوبئة، ونجت زكية، واستقبلت الاحتلال البريطاني، ربما بشعر
ابن بلدتها اسكندر الخوري، الذي رحب ببني التايمز، قبل أن تدرك بأنهم ليسوا أفضل
من بني مرمرة.
وشهدت غزوات الجنود
الانجليز، لبلدتها، وجمع الأهالي في معسكرات اعتقال جماعي، والتحرش بالنساء، وعاشت
النكبة، والقتال حول بيت جالا، والتنافس بين العرشين المصري والأردني، على حكم
بلدتها، وانقسام النّاس بين نخبة تسعى إلى مصالحها مع الملك عبد الله، وعموم
النّاس الذين أحبوا المصريين والحاكم العسكري لطفي واكد، الذي سيكون من الضباط
الأحرار.
شهدت المواجهات بين
الحكم الأردني والحركة الوطنية، واعتداءات الاحتلال التي لم تتوقف، وأشهرها معركة
السموع، واحتلال ما تبقى من فلسطين الانتدابية، وفوقها أراض سورية ومصرية،
والانتفاضات المتعاقبة، التي انتهت إلى نتائج فاشلة ومؤلمة.
كيف يمكن لشعب بكل
هذه القدرة على التضحية، أن يعطي قياده لقيادات غير مؤتمنة؟
ورغم ذلك، كما ذكر
شهوان، ظلت زكية، متمسكة بآرائها اليسارية.
قبل أشهر غادرنا
الشاعر خليل توما، الذي كان يزورها بشكل دوري، ويطمئن عليها، وها هي، التي ولدت في
بداية قرن التغيرات وتحرر الشعوب، تغيب في بداية قرن انقلابات القيم، وشعبها ما
زال مقهورًا، ومنقسمًا، وكأنّ لا شيء اختلف بين قيادة الحاج أمين والنخب المعارضة
له، وقيادات القرن الواحد والعشرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق