"إنه عنيد ولا
يسمع لأحد، ولا يرد على أحد، ولم يقبل النصيحة بتأجيل زيارته للأراضي
المقدسة".
قال الدكتور جريس،
الذي ينتظر، عندما يرمي كلامًا ساخرًا، من مستقبليه أن يبتسموا أو يضحكوا.
كان الدكتور أتيًا
للتو من استوديوهات قناة الجزيرة في المالحة المحتلة، إلى مركز الصديقة مها
التراثي بعد أن تحدث عن البابا، وكانت مها الشغوفة والمبتسمة دائمًا، بفعل كلام
الدكتور جريس أو بدونه، تريد أن ترينا تصميمها للشال الذي سيهدى للبابا في زيارته
التاريخية.
عندما جلس بنديكيت السادس
عشر على كرسي القديس بطرس، الذي يفترض بأنه من أرضنا المقدسة، بدا صداميًا، ووتور
العلاقات مع العالم الإسلامي، باقتباسات جاهلة، رغم معرفته الواسعة، وفي فلسطين
تلقى ردًا من الدكتور منير فاشة في كتيب: مسيحية أُمّي.
بعد سنوات، واستمرار
فضائح التحرش الجنسي بالأولاد، بدا أن من مصلحة الفاتيكان التخلص من بنديكيت،
فالصحافة لم ترحم، فجاء البابا فرانسيس المتسامح والمنفتح وصاحب التأويلات الدينية
المفاجأة، إلى كرسي القديس بطرس، وإلى فلسطين، وأعدت مها أيضًا شالاً له.
ثلاثة باباوات زاروا
فلسطين، في وقت متقارب، من البابا يوحنا بولس الثاني، الذي لفّ بسيارته شوارع مخيم
الدهيشة، وأجبر عرفات كبار المسؤولين على تقبيل يده، ومن بينهم الشيوعي البارز
سليمان النجّاب، والدكتور أسعد عبد الرحمن، وبنديكيت الذي زار مخيم عايدة، وفرنسيس
الذي زار الدهيشة، وإن لم يلف في شوارعها بسيارتنا، فالسيارة التي جاب بها شوارع
بيت لحم، وتوقفت عند جدار العزل والتوسع، هي من إبداع فلسطيني خالص، ومن أموال
دافعي الضرائب، وأهدتها السلطة إلى كازانوفا البوظة، التي لم يتوقف إنتاجها على
البوظة، واستقرت السيارة المكشوفة في البرندة المطلة على الأراضي التي سلخها
الاحتلال عن بيت لحم، وضمها لحدود بلدية القدس الاحتلالية.
في هذه البرندة
استقبلنا، خلال السنوات الماضية عدد كبير من الضيوف والأصدقاء من فنايين وكتّاب،
ورأينا كيف يبهت فرش سيارة البابا، من كثر صعود الناس إليها لالتقاط الصور، ويبدو
أن الإبداع الفلسطيني الخالص لم يأخذ بعين الاعتبار هذا الأمر.
سنغادر البرندة،
بقرارٍ عسكريّ من الشرقاوي، لموقفه المفاجئ من الأب إبراهيم، وقرارات الشرقاوي، في
الحب والكره، لا تقبل الجدل. لم أعد أتردد على البرندة إلّا لاستقبال بعض الضيوف،
وعندما يتصل الشرقاوي، يفضل أن ينتظر في الساحة، على أن يكسر قرارًا اتخذه بإباء.
لم تكن أنوار البابا
فرانسيس كلها مضيئة، فصديقتنا التي عاشت في أميركا اللاتينية، اعتبرت وصوله إلى
كرسي القديس بطرس، ليس سوى مؤامرة، نظرا لتاريخه الأسود مع عسكرتارية الأرجنتين،
أمَّا الدكتور جريس، الذي ذهب لرؤيته، فاجأه ملك الموت وهو في حاضرة الفاتيكان يستعد
للدخول والتشرف بالمثول بين يدي البابا.
كتبت عن الباباوات
الثلاثة الذي زارونا، تجربة قصصية في مجموعة: رسول الإله إلى الحبيبة.
لماذا كل هذه الثرثرة،
والدعاية لمجموعتي القصصية؟ اعتقد أن السبب، أنني لا أريد كتابة أي تعليق على
التحفة الفنية: الباباوان (ريما يجترح أحدهم ترجمة أفضل للفيلم). هذا النوع من
الفن والجمال، بشكل أو بآخر علاج لتنظيف كل ما علق لدي من حضور عروض فنية وثقافية،
الخطابات السياسية الكاذبة والمجاملات هي مقرر مقيت فيها.
ماذا يمكنني أن أقول
عن انطوني هوبيكنز، ابن الثانية والثمانين، وهو يجسد دور بنديكيت السادس عشر؟ وماذا
عن جوناثان برايس الذي جسد فرنسيس؟ ماذا عن المشاهد، وأماكن التصوير، والسيناريو، والحوار،
والإخراج؟
لا كلام خارج، ولا
حوار يخدش الأذن، ولا أي شيء من المقرفات التي يعتقد البعض، هنا في أرضنا المقدسة،
إنها توابل لفلم ناجح يخدش المقدسات، فلا يفعل سوى وضع كميات ملوثة إضافية في
أذاننا، الملوثة أصلاً، من الأصوات التي تنبعث من وسائل الإعلام، والحواسيب،
والساحات، والشوارع.