آخر
اتصال مع خالد، كان قبل نحو عشرة أيَّام. نزح مرَّةً أخرى من رفح إلى مشفى الأمل
في خانيونس. قلت له: رفح ستكون أأمن. قال إنَّ العودة الآن لمنزله صعبة، والقصف في
كل مكان، بما فيها رفح.
أجرِّب
مهاتفته يوميًا، ولكن الاتصال لا ينجح. لا أعرف أين حطت به السبل. تحدثنا، في
الاتصال الأخير، عن الأكل ويوميات النزوح، سألته عن الأكل الجماعي، قال إن هذا كان
متوفرًا في رفح، ولكن ليس في خانيونس.
قال
لي إن النَّاس عندهم يعتقدون أنَّ المعركة ستنتهي قبل الكريسماس. لماذا؟ لا يعرف
المتوقعون، ولكن ربَّما لديهم إحساس، أنَّ الرجل الأبيض يريد الاحتفال، بمولد
مواطننا ورسولنا إلى العالم، دون أن تُخدش مشاعرهم "الهشَّاشة"، أيَّة
صور مزعجة قد تتسرب إلى الشاشات.
الكريسماس
احتفال غربيِّ أكثر منه شرقيًا. الرجل الأبيض لا يعترف بمسيحيينا، ولا يأبه له، فَهُم
يُقتلون في غزة. نحن لا نحتفي بموت أدونيس، بانقلابه الشتوي (الكريسماس) الفلاحون
العائدون من تعزيب الحقول يلتزمون منازلهم في بيات شتوي، ولكنهم يحتفلون بانبعاثه؛
عيد القيامة/الفصح هو عيد الشرق. تنطلق في الشوارع الفلسطينية، الاحتفالات بقيامة
السيِّد، باسم الهجمة، بمزيجٍ من أشكالٍ تعود لآلاف الأعوام، وشعارات تحاكي وضع
شعبنا تحت الاحتلال.
في
واحدةٍ من انعطافات الأراضي المقدَّسة، أسرع الجنرال اللنبي إلى القدس، ليقدمها للعالم
الغربي هدية الكريسماس. أبدى اللنبي لفتته للمدينة المقدَّسة، فدخلها، تكريما لها مشيًا
(يا له من تكريم)، وعندما وقف على باب قلعة باب الخليل، خطب: "الآن انتهت
الحروب الصليبية".
رد
عليه أحمد شوقي، عندما كانت حتَّى الارستقراطية العربية ترد:
يا فاتحَ القدس خلِّ السيفَ ناحيةً .... ليس
الصليبُ حديدًا كان بل خشبا
إذا
نظرتَ إلي أين انتهت يدُه .......... وكيف جاوزَ في أمجادِه القطبا
عَلِمْتَ
أنّ وراءَ الضعفِ مَقْدِرَةً ........ وأنّ للحقِ لا للقوةِ الغلبا
لكن
موقف اللنبي أو زلة لسانه لم يمنع مثقفين من الترحيب بالاحتلال، بعد ظُلمة
العثمانيين التي استمرت أربعة قرون بالتمام والكمال، فأنشد اسكندر الخوري
البيتجالي:
بني
التايمز قد فزتم وبالانقاظ قد جئتم
بلاد
القدس شرفتم فأهلا أينما بتم
سيغيِّر
الخوري، الذي عانى شخصيا من العثمانيين، رأيه لاحقًا، وسيعيش ليشهد احتلالات أخرى،
ويرى ما تبقى من فلسطين يسقط في حزيران 1967م.
لا
كريسماس لغزة. إنَّها تردِّد ما جاء في قصيدة أمل دنقل:
"إثنان
لم يحتفلا بعيد ميلاد المسيح
أنا
والمسيح"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق