أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 26 فبراير 2019

هذا منزل الشهيد..!




بعكس مدن وبلدات فلسطينية أخرى، كبيت لحم، ورام الله القديمة، والخليل، لم ينقش أهل القدس، أسماءهم على منازلهم، والسبب أن معظمها وقفية، ولذلك لا نعرف الكثير عن ولاءاتهم الاجتماعية والسياسية، ولغتهم، ورموزهم، وكذلك، عن نوع الرسائل التي كان يمكن أن يبثوها على الرقوم، التي اختص السياسيون وأصحاب السلطة أنفسهم بها في القدس والمواقع المقدسة فيها كالمساجد والزوايا، وهو ما درسته في كتابي (ظله على الأرض-دمشق 2005م).
ولكن ذلك لم يحل، نسبيًا، دون نجاحهم في نقل ما يعبر عنهم، ولعل أبرز ذلك الرموز المتعلقة بالحج إلى بيت الله الحرام، في مكة المكرمة، وهي رموز وجداريات حديثة تتميز عن مثيلاتها في المدن الفلسطينية الأخرى.
وفي حالات نادرة، لجأ القدسيون، إلى إعلاء شأن بعض الرموز، التي فرضت نفسها في صراعهم مع الاحتلال، مثل صور الشهداء، كما فعل مثلاً والد الشهيد خالد الشاويش، الذي ثبت نقشًا حجريًا على منزله، مع صورة ولده، يعلن فيه بدون مواربة عن ملكية الشهيد للمنزل، إضافة إلى آية قرآنية تبجل الاستشهاد وتعطيه أيضًا معنى دينيًا، وذِكر تاريخ الاستشهاد بالتقويم الميلادي، والهجري، الذي يكتسب خصوصية، لان واقعة الشهادة جرت في شهر رمضان المقدس، مما يعظم فعل الشهادة، ويعزز العزاء لدى أهل الشهيد.
وليس بعيدًا عن منزل الشهيد الشاويش، يقع منزل الشهيد نضال فؤاد الربضي، ولكن الإشارة إليه، تم بصورة متواضعة وعملية جدًا؛ على آرمة حديدية مختصرة لا تحمل سوى اسم الشهيد، بدون أية إضافات.

الخميس، 21 فبراير 2019

ما حدث للمواطن الكفيف فجر يوم بارد






عدسة: أحمد مزهر
بيت لحم-الحياة الجديدة-أسامة العيسة-عندما سمع منذر طلال مزهر، ضربات أقدام في منزله، اعتقد أنه دبيب أولاده، وعجزت حواسه على تقدير ما يحدث، فهو لا يرى منذ 15 عامًا، بعد فقدانه البصر، ويغسل الكلى منذ 11 عامًا، ولا يستطيع السير إلّا بمساعدة اثنين، يمسكان به من الجانبين.
وعندما نهض من سريره ليعرف ماذا يجري، مع علو الجلبة في المنزل، صرخت زوجته، متفاجئة بالرجال الذين اقتحموا المنزل وأصبحوا في غرفة النوم، وبوغت منذر بأشخاص ينهالون عليه بالضرب، دون أن يعرف هوياتهم، أو لماذا يفعلون به ذلك، واعتقد أنهم ربما يكونوا لصوصًا، فأمسك بأحدهم كي لا يهرب، ولم يمض وقت طويل حتى علم أن الرجال الذين يعتدون عليه، ويتكلمون العبرية، ويرفضون سماعه ما هم إلّا جنود في جيش الاحتلال، كما أخبروه لاحقًا: "نحن من جيش الدفاع".
يستذكر منذر ما حدث: "كانوا يتحدثون العبرية دون أن افهم ماذا يقولون، وعندما أخبروني بأنهم من جيش الاحتلال، لم يتوقفوا عن الضرب الذي تركز على وجهي وكتفيّ".
وأضاف: "بعد أن تركوني، أمسكتني زوجتي، وأخذتني إلى الصالة، حيث احتجز الجنود أولادي، بعد إجبارهم على الوقوف ووجوههم إلى الحائط".
ولكن ماذا يريد جيش الاحتلال من منذر المريض؟ لا أحد يعلم، سوى أن الجنود الذين اقتحموا مدينة الدوحة، قرب بيت لحم، فجير اليوم، حيث يسكن منذر، دهموا البناية التي يسكن فيها، واعتقلوا ابن جاره في الطابق الذي يعلو شقته، وعندما غادروا أرادوا تأكيد حضورهم، بالاعتداء عليه.
أصيب منذر في رأسه، وسال الدم منه، ونقل إلى مستشفى بيت جالا الحكومي، حيث أحاط به أفراد من عائلته، وهم يشعرون بالأسى لما حدث لقريبهم.
وقالت شقيقته ميسون: "وصلت إلى شقة شقيقي، بعد أن سمعت أصوات تفجير أبواب المنازل في الدوحة، وعندما دخلت الشقة، وجدت الوضع مريعًا جدًا، بحيث شعرت أن وحوشًا كانوا في الشقة، وصدمت وأنا أرى شقيقي منذر ينزف دمًا، خصوصًا من وجهه، وتيقنت بأن الذين فعلوا ذلك بشقيقي لا يمكن أن يكونوا من البشر".
الصحافي أحمد مزهر، قريب المصاب منذر، عبر في حديث مع مراسلنا، عن صدمته وحزنه لما حدث لقريبه: "نشعر كعائلة بكثير من الغضب لما حدث لمنذر، خصوصًا بسبب حالته الصحية، التي اعتقدنا أنها يمكن أن تنجيه من أي اعتداء، ولكن جيش الاحتلال لا يعرف معاني الشفقة".
وأضاف: "أطالب كل صاحب ضمير بالتدخل، ورفع صوته عاليًا استنكارًا لما حدث لمنذر، وأدعو جهات الاختصاص الرسمية وغير الرسمية، إلى رفع قضية منذر إلى المحاكم الدولية".
على سرير الشفاء في المستشفى، يتمدد منذر، مربوطا بأجهزة طبية، محاولاً استيعاب ما جرى له، وتصور وجوه المعتدين عليه، دون سابق إنذار، في فجر يوم بارد، وإخراجه من دفء فراشه، على غفلة، وبكل هذه القسوة.


الأربعاء، 20 فبراير 2019

سيدة الشرق الأوسط المتنحية..!



في يومٍ من أيّام عام 2008م، كانت تيسبي ليفني، سيدة (ورجل) الشرق الأوسط القوية، فأعلنت الحرب على غزة من أكبر عاصمة عربية، وبجانبها شخص اسمه احمد أبو الغيط، كانت مهمته الإمساك بيدها حتى لا تقع عن الدرج، كما اعترف لاحقًا، ووظيفته المعلنة وزير خارجية نظام كامب ديفيد.
ولم يكن بإمكان أي من رجال الشرق الأوسط الأقوياء والضعفاء ومن بينهم حكام تركيا وإيران، أن يحولوا دون عدوانها على شعبنا في غزة.
صوّرها الصحافيون مع أبو الغيط المبتسم، ولا نعرف إذا كان ذلك رضاءً عن نفسه، لنجاحه في منع سقوطها، أو لإصراره نقل عدوى الضحك إليها، لتحسين مزاجها الذي قد يكون مسؤولاً عن اختيارها الشاعري، نسبيًا، لاسم حربها على غزة: الرصاص المصبوب..!
ولم يكن شاعريًّا تمامًا..!
نظر إليها فلسطينيون، من زاوية نظر غريبة ومخجلة، عندما نُشرت صور لها، مع مسؤولين فلسطينيين، فربط الناظرون بين الصور ورؤى فضائحية، ولم يكن ذلك سوى فضيحة لزاوية نظر الناظرين، الذين لم يروا في سيدة الشرق الأوسط القوية، سوى مومس قومية، تبيع الجنس لصالح دولتها، وما أحقرها من نظرة.
فضحت ليفني، بدون أن تقصد، طرق التفكير لدى قطاع مِنّا، قد يكون واسعًا، وللأسف انضم إليه مثقفون، عبرّوا عن تلك الرؤى الشعبوية على الفيس بوك، وشكّل ذلك أيضًا جهلاً في طبيعة العدو الذي يحاربنا.
هل نعرف العدو فعلاً؟
ليفني، التي بدت في ذلك اليوم في القاهرة، كإمبراطورة رومانية تتفقد عواصمها المحتلة، وتلتقي مع ولاتها، وتعطيهم توجيهاتها، وقفت قبل أيّام في مؤتمر صحافي، معلنة اعتزالها العمل السياسي، بسبب فشلها في الحياة السياسية الداخلية.
هكذا وببساطة، ذهبت ليفني التي لم ير فيها بعضنا سوى امرأة، وكل امرأة في ذهننا ترتبط فقط بالجنس، ويبقى أبو الغيط، ماسك وضيع ليد سيدته، والذي سيصبح أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية، راضيًا عن نفسه، مرضيًا عليه من خلفاء ليفني..!

الثلاثاء، 19 فبراير 2019

نصر مفرنع..!







دخلت يوم الجمعة الماضي (15-2-2019)، إلى المسجد الأقصى، من باب الأسباط، وهدفي باب الرحمة، لأرى ما حدث للكنز الأثري المرمي في ساحته، أمام الباب تجمعت مجموعة من الزوّار الأتراك، يستمعون لشرح من دليل ربما عن تاريخهم التليد.
هل حدث تحسن على حال الكنز الأثري؟ نبتت أعشاب برية على الشادر الذي يغطيه، ورأيت البوابة الحديدة الصغيرة، مغلقة، ولم أتوقع أن تكون سلطات الاحتلال فعلت ذلك، لان هذه السلطات لا تستطيع، لأسباب تقنية، إبقاء الباب مغلقا حتى لو صدرت قرارات المؤسسات الاحتلالية كلها بذلك، فإغلاق الباب وجعله مغلقا، كمثل ربط العائلات الإقطاعية لفلاح فلسطيني بحبل من عروق البطيخ؛ نوع من اختبار قوة، ويستطيع الشبان، تحطيمه في أي وقت.
ستنتبه دائرة الأوقاف إلى أن الباب مغلق منذ مساء يوم الأحد، وهذا أمر غريب، ويدل على أن الأوقاف تعرف متأخرًا ما يدور في الأقصى، وستتوالى البيانات، والدعوات للنفير، وستتحرك الفصائل الفلسطينية لتهدد وتدعو النّاس، وكأنهم يعملون لديها.
 النفير..النفير، كيف ولماذا؟
باب الرحمة مغلق؟! باب الرحمة مغلق في الواقع منذ قرون، هل فهم محررو المواقع الالكترونية الذين بدأوا بنقل الأخبار عن بعد، ما هو باب الرحمة وكيف يغلق، وهل يمكن إغلاقه فعلاً؟
ماذا أصدرت المؤسسات الثقافية من أبحاث وكتب عن باب الرحمة؟ هل فكروا بترجمة رسالة الماجستير المهمة لباحثة إسرائيلية عن الباب؟
يحتاج ىالوضع في القدس وفلسطين إلى عمليات تنفيس متباعدة، وللأسف إنها تكلف غاليًا من شهداء وجرحى، وتؤدي الى اطالة عمر الاحتلال، والجالسين على الكراسي الوظائفية الدينية والسياسية، ولكن لا أحد يتحدث عن استراتيجيات وأساليب عمل لمواجهة الاحتلال.
لم تتحرك الأوقاف لإنقاذ الكنز الأثري؛ أخشاب المسجد الأقصى التي تعود إلى أكثر من 1500 سنة، والتي أزيلت خلال ترميم المسجد في خمسينات القرن الماضي، ورميت في ساحة باب الرحمة.
في حينه بيع جزء من هذه الأخشاب لتاجر خردة أرمني، وتسربت قبل سنوات إلى مستوطن يعيش في مستوطنة قرب رام الله.
هذا الكنز الأثري احتل غلاف المجلة الأثرية الأهم عن فلسطين ومحيطها، وكتبتُ عنه أكثر من مرة، ولا أحد في الأوقاف لديه الاستعداد لان يسمع، ولكن المعارك الكلامية الأسهل، وعدسات الكاميرات، هي ما يمكن أن تثير اهتمام شيوخ الأوقاف، فليس أكثر من لذة الوقوف اليوم أمام باب الرحمة بعد إزالة القفل، لإلقاء خطاب نصر، وتوجيه الشكر لرؤساء وملوك في الشرق الأوسط.
من الذي يمكن أن يدعو الناس للموت، من أجل شكر رؤساء وملوك؟ وقبل ذلك لماذا لا يتوقف النّاس عن الاستجابة لدعوات النفير العبثية؟ ويطالبون بدلاً من ذلك بالعمل الجاد لحماية الأقصى وأثاره، وتعزيز النفير المعرفي وليس الغرائزي، ليس فيما يتعلق بالأقصى فقط، ولكن بالقدس، فالقدس ليست  الأقصى أو القيامة (والجهل المعرفي بهما طاغيًا)، إلَّا عند أصحاب (الكلام المفرنع) وهو مصطلح للراحل نقولا زيادة.
والكلام المفرنع، لا ينتج عنه إلا نصر مفرنع..!
**
تفاصيل عن الكنز الأثري المهمل:

الأحد، 17 فبراير 2019

قبة الصخرة من الداخل

عروس فلسطين على نهر اليرموك























تقع قرية الحمّة، بمحاذاة نهر اليرموك، على الحدود السورية-الفلسطينية-الأردنية، وهي إحدى قرى قضاء طبريا، لم يتمكن المحتلون من احتلالها عام 1948م، فبقيت بأيدي الدولة السورية، حتى احتلت في حزيران 1967م، ولهذا السبب يسميها النّاس الحمّة السورية، التي تشتهر بمياهها الحارة ذات الخصائص العلاجية، وتدير المنتجع داخلها الآن، إحدى المستوطنات اليهودية في المنطقة.
امتدت شمال القرية برك ماء واسعة، تمنح القرية مشهدًا ساحرًا، للنازلين إليها من علٍ، تملأها مياه عدة ينابيع حارة، أهمها ثلاثة هي: المقلى، والريح، والبلسم، والتي تحتوي على نسبة عالية من الكبريت، ونسبة أقل من الأملاح.
وتغطي شهرة ينابيع الحمّة العلاجية، التي يقصدها الزوار لهذه الغاية وللاستجمام، على تاريخها التليد، الذي ما زالت أثاره موجودة حتّى الآن في المنطقة.

السبت، 16 فبراير 2019

عندما يتنازل الناقد عن اسمه..!



الدكتور فيصل درّاج اسم كبير في النقد الأدبي والثقافي العربيين، أو هكذا حسب، ولكن هل هو نفسه صاحب كتاب (آل عبد الهادي في تاريخ فلسطين: أقدار وطن ومآل نخبة وطنية) الصادر في عمّان عام 2018م؟
من مقدمة الكتاب أو مقدمتيه، يمكن للقاريء أن يفاجيء بالفجاجة الرؤيوية التي يتم التعبير عنها بنص بالغ الركاكة مغطى برطانة تفضح نفسها.
يتخلى درّاج عن كل الأسلحة المنهجية في كتابه هذا، ولو بادر مبكرًا للتنصل منه، لفعل شيئا انتصارًا لاسمه.
يتعامل درّاج مع مصطلحات كالنخب، وعائلة عبد الهادي، والأصالة العربية، وعائلة تاريخية وغيرها، ككتل صلدة فوق قوانين التاريخ، وميكانزيماته، بما لا يليق حتى لطلبة المدارس الابتدائية.
عائلة عبد الهادي، مثل أية عائلة فلسطينية أو غير فلسطينية، تتشكل من أقواس قزح، لها ولاءاتها، وما يؤكد ذلك ملحق الصور في نهاية الكتاب، الذي يجمع أفرادًا من العائلة مع ممثلي سلطات مختلفة في فلسطين والأردن خلال المائة العام الماضية، والذي يجعل تمايزها الذي يؤكده درّاج، على طريقة بيانات التأييد العربية للحكام، عن العائلات الأخرى، مجرد كلام هباء.
الدراسات الفلسطينية، والإسرائيلية، والأجنبية، قطعت شوطًا مهمّا في دراسة النخب الفلسطينية، ويشكل ما كتبه درّاج، تقهقر إلى ما قبل نقطة الصفر.

الثلاثاء، 12 فبراير 2019

نور فؤاد عبد النور


عندما تضررت تجارته في الانتفاضة الأولى، عاد فؤاد عبد النور، إلى سيرته الأولى ككاتب، وجال في الجليل والمثلث ليصدر كتابين عنهما.
كتابه عن الجليل صدر بطبعتين، وعندما وصل برلين ليكون مع أولاده، أشع نوره، وأسس مركز حيفا الثقافي، واصدر عنه الطبعة الثالثة من كتابه عن الجليل، موّلها ابنه ماهر، ويا لها من طبعة.
غطت الطبعة الثانية من الكتاب، الصادرة قبل أكثر من ربع قرن 92 بلدة وقرية في الجليل، وهذه الطبعة تغطي أكثر من ثلاثة أضعاف الطبعة السابقة التي صدرت في نحو 274 صفحة، في حين تقترب الطبعة الثالثة من 750 صفحة، وهي طبعة محدثة وموسعة ومعززة بأبحاث عربية وإسرائيلية وغربية.
ترفع القبعات لجهود أفراد، هم بجهدهم، وشغفهم، وإخلاصهم، مؤسسات تنشر الثقافة الفلسطينية، فؤاد عبد النور نموذج من هؤلاء.
الفلسطينيون مثل باقي سكان العالم، فيهم ناس، وفيهم ناس. أحب النّاس أمثال فؤاد عبد النور.

الأحد، 10 فبراير 2019

ما تبقى من بيارة أبو دية في يافا


















يجلس رفعت تُرك، نجم كرة القدم في الداخل الفلسطيني، على مقهى في أحد مقاهي يافا الحديثة، في منطقة ترتفع فيها البنايات، التي يخيل للمرء أنها كانت هكذا دائمًا، ولكن منظومة مياه مبهرة مقابل المقهى ولا تبعد عنه سوى أمتار، تنبيء عن غير ذلك.
قال تُرك، الذي كان أول عربي يلعب في المنتخب الإسرائيلي في سبعينات القرن الماضي، بأنه تعلم السباحة عندما كان طفلاً، في البركة التي يضمها النظام المائي.
وأضاف: "كانت هذه المنظومة المائية تخدم بيارة برتقال تعود لعائلة أبو دية، وكما يعلم الجميع، كانت يافا تشتهر بهذه البيارات التي تصدر برتقالها إلى العالم".
ولكن دولة الاحتلال، التي استولت على مئات البيارات، مثل ببارة أبو دية، دمرتها، وحولتها إلى مبانٍ سكنية لإسكان المستوطنين اليهود، كما يمكن رؤية ذلك في الموقع الذي كان بيارة كبيرة لعائلة فلسطينية تشتت، حيث ترتفع البنايات الحديثة الإسمنتية، ولم يبق شاهدًا على تاريخ الموقع سوى المنظومة المائية، التي تتكون من قنوات وآبار وبركة، وغرف، ومضخة مياه.
وتظهر ثلاث غرف محمولة على أقواس، تعود على الأغلب إلى القرن التاسع عشر، كشاهد ليس فقط على وجود بيارة عائلة أبو دية، ولكن على مئات البيارات في يافا وحولها، والتي عرفت بالسكنات، مع توسع زراعة البرتقال، وتصديره، منذ القرن التاسع عشر.
ورممت بلدية تل أبيب-يافا هذه المنظومة المائية جزئيا، لتكون معلما سياحيا، يقصده زوار مدينة يافا، وأضافت إليه أدراجا للجلوس، ولكن يبدو انه تم إهمال المعلم، ولم يكمل تأهيله.
يقول تُرك، الذي يعمل الآن معلقا رياضيا، بأن ببارة أبو دية وغيرها من البيارات أنتجت أنواع لا حصر لها من البرتقال.
ويذكر المؤرخ خيري أبو الجبين في مذكراته، الأنواع المختلفة التي كانت يافا تنتجها من البرتقال مثل: البرتقال العادي اليافاوي، والبرتقال الشموطي، وأبو صرة، والفالنسيا، وبرتقال دم الزغلول، والكباد والبوملي، والجريب فروت، والكلمنتينا، والمندلينا، ويوسف أفندي، إضافة إلى أنواع أخرى من الحمضيات مثل: الليمون الحلو، والليمون الحامض، والخشخاش، والبرتقال الصفير والذي كان يؤكل مع قشره، والبرتقال الحلو المسمى السكري أو الفرنساوي.
أسهم جريان نهر العوجا إلى الشمال من يافا، والمياه الجوفية التي يمكن الوصول إليها على عمق أقل من عشرة أمتار، والتربة الخصبة، في صنع مجد يافا في زراعة الحمضيات، واستثمر أصحاب البيارات، كعائلة أبو دية، مبالغا طائلة في هذا المجال.
وحسب الدكتور محمود يزبك، الذي صدر له حديثا كتابا عن يافا، فانه لبدء مشروع لبيارة: "اضطر المستثمر إلى امتلاك قطعة أرض كبيرة وإنشاء نظام ري مكلف، شمل حفر بئر وإنشاء بركة كبيرة جدًا لجمع المياه وحفر قنوات لنقل المياه إلى الأشجار".
وكان صاحب البيارة يشغل عمالاً، ومزارعين، ليكونوا جزءا من آلية صناعة البرتقال وتصديره، والتي تشمل العناية بالأشجار، وقطف الثمار، وتغليفها، ووضعها في الصناديق، وطباعة ما يشير إلى ماركات أصحاب البيارات.
المنظومة المائية لبيارة أبو دية التي ما زالت صامدة، كان يوجد مثيلا لها في كل بيارة، ويتحدث الدكتور يزبك عن نظام الري في البيارات الذي: "يشمل جهازا لسحب الماء عرف باسم الساقية ويديرها عادة جمل أو حيوان آخر. وبعد أن تسقط مياه الساقية في بركة لتخزين المياه، يتم سحب المياه من البركة بواسطة قنوات، ثم تسيل في جميع أنحاء البيارة من هذه القنوات إلى حفرة صغيرة كانت تحيط بكل شجرة. ومن الواضح أن إقامة نظام ري كهذا وصيانته خلال العام كانتا تتطلبان مبالغ طائلة".
سيرة تُرك، كرياضي عربي في الداخل، لا تخلو من منغصات، سببها العنصرية الإسرائيلية، وربما تكون أكبر المنغصات، رؤيته كيف يتم العصف بالمكان الذي شهد طفولته، وقبل ذلك شهد تشرد شعبه ومعظم سكان يافا.