أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 6 فبراير 2019

أبو كتانة..!



عندما كنت أناديه، وهو طفل: كتّانة، كانت رؤى، وبحس بارومتري بالعدل تصرخ فيّ:
-حرام عليك..!
ولم تفهم، إلَّا عندما كبرت، بأنّ كتّانة ليست شتيمة، وإنما اسم عائلة كريمة، وهو اسم مرغوب، إلى درجة أنّه عابر للطوائف، فعائلات كتّانة موجودة لدى مسلمي فلسطين ومسيحييها.
عندما رأيت المنهاج الديني الذي يدرسه كتّانة قبل سنوات، وفيه فقه الولاء والبراء، نصحته بان لا يقرأه، وإن قرأه فلكي يكسب الامتحان، ثم ينساه، وإلا فانه لن يكسب نفسه.
قلت له:
-أنت لست بحاجة لولاء، ولا لبراء..!
ولم تكن النصيحة الوحيدة أو الأخيرة لكتّانة، الذي أصبحت أناديه أبو كتّانة ويرد ضاحكًا، وتضحك رؤى، لأنها فهمت أخيرًا، فخر أبو كتّانة باسمه.
قلت له بان المقاومة، هي رد فعل، وفي حالة فلسطين، لا جدوى منها، وإنما الأصعب هو الصمود، وعليه أن يدرس في الجامعة أولا. درس في الجامعة، ولكنّه، وكما هو متوقع، لم يأخذ بكلامي. في العلن قال لي أنت صح، وفي الباطن نفذ إرادته الحرّة، وكنت أعلم بأنه سيفعل ذلك.
وكنت أعلم، أيضًا، كما هو يعلم، بان جيش الاحتلال سيعتقله خلال أيام، وهو ما حدث فجر اليوم، فامتلأت صفحات أصدقائه الفيسبوكية، بكلمات مأثورة، وكأنّه جيفارا جديد.
في اليوم الذي اعتقل فيه أبو كتّانة، سمعت سائق حافلة بيت لحم-القدس، يؤكد بأنه بعد تسميم شخيبر، فانه لم يربي أي كلب، أو حتى أي حيوان، ولو كانت طيور اللف بيرد، فلا أحد يمكن ان يعرف قيمة شخيبر، إلا من عرفه.
ولم يوضح الجهة التي سممت شخيبر، الذي كان ارتفاعه عن الأرض أكثر من متر. وترك ذلك مفتوحا، قد يكونوا أولادًا يعبثون، أو جهاز الموساد.
وفي اليوم الذي اقتيد فيه أبو كتّانة إلى معتقل لم نعرفه حتّى الآن، كان شباب فريق النصر العماني، بملابسهم الرياضية الزرقاء يجولون في شوارع القدس القديمة، ولكنّ بخفر يتراوح بين التطبيع، وزيارة السجين في سجنه الطويل.
وفي اليوم الذي بدأ فيه أبو كتّانة، رحلته الاعتقالية الأولى التي لا نعرف أين ستنتهي، كان ثلاثة فقط يقيمون صلاة العصر في مسجد الديسي، في حارة اليهود، بينما أطفال اليهود، يحدثون إزعاجا أمام باب المسجد، الذي يمنع فيه رفع الآذان.
وفي اليوم الأول لافتقادي أبو كتّانة، صعدت إلى سطح الهوسبيس، أتأمل مساجد وكنائس وكنس وقباب البلدة القديمة المتلاصقة، وأنظر إلى طريق الآلام من علٍ؛ خلق لا يعدون، يحملون آلامهم على أكتافهم، ويجرونها. أعرف أن لا أحد منهم سمع بأبي كتّانة، أو عرف بأن طالبًا جامعيًا فلسطينيًا، اقتيد إلى مجهوله، لأنه اعتقد بأنه يمكن أن يكون حرّا.
وقبل ذلك اعتقد بأنه يمكن أن يكون شاعرًا، إلى درجة انه كتب تحت صورته المرفقة: "في كل مرة أحاول الهرب فيها ارتطم باسمك" فارتطم بقضبان المعتقل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق