أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 5 فبراير 2019

ما حدث لبيارة (الروس) في يافا






في شارع سلمة 6، في مدينة يافا، ووسط البنايات السكنية الإسمنتية، تظهر مجموعة من الدور القديمة الحجرية المتفرقة، هي ما تبقى من بيارة مراد، التي كانت واحدة من أهم بيارات البرتقال في يافا، أمّا المشاريع السكنية الجديدة، فهي أقيمت على أرض البيارة، التي دمرت عام 1949م، بعد النكبة، ومصادرتها من قبل ما يعرف بحارس أملاك الغائبين.
يجاور البيارة حي النزهة، وكذلك المستعمرة الأميركية-الألمانية، التي أنشئت بعد إنشاء البيارة من قبل يعقوب سيبرايون مراد، وشقيقه ساميون الذي شغل منصب نائب القنصل البروسي- الألماني في يافا.
بيارة (الروس)
أنشئت البيارة في منتصف القرن التاسع عشر، وشملت عددًا من المباني التي تعود إلى الفترة العثمانية وحتى فترة الانتداب البريطاني من ضمنها اثنتان من آبار المياه المتجاورتين، لم يتم العثور على شيء شبيه لهما في فلسطين حفرا معا خلال القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى مصنع لتعبئة الرزم، ومبان سكنية وزراعية، متنوعة الأنماط المعمارية.
عرفت بيارة مراد، باسم آخر، وهو بيارة الروس،بسبب العثور فيها على بقايا جمجمة من مذبحة نابليون لسكان يافا عام 1799م، أصبحت البيارة بعد وفاة يعقوب تحت إدارة شقيقه ساميون، وكان الاثنان من أثرياء يافا، والشخصيات البارزة فيها في أواخر القرن التاسع عشر.
وأول إشارة تاريخية لمسار شارع سلمة ظهر في خارطة جاكوتان وهي خارطة فرنسية أعدت خلال غزو نابليون إلى فلسطين، وأشير في هذه الخريطة وغيرها إلى عدد من البيارات حول يافا.
وتذكر الباحثة والمخرجة ساهرة الدباس، التي اصدرت كتابا عن قرية سلمة، بانها اشتهرت بالبيارات، التي بلغ عددها في عام 1945م نحو 105 بيارة، لم تقتصر فقط على الحمضيات بأنواعها، ولكنها غرست أيضا بالتفاح، والجوافة، والعنب.
اشتهرت بيارة مراد، مثل باقي بيارات يافا، بإنتاج أنوع مختلفة من البرتقال، ربما أشهرها النوع المعروف باسم، البرتقال الشموطي، الذي يسمى أيضا برتقال يافا، والذي اكتشف لأول مرة في بيارات يافا في أواسط القرن التاسع عشر، ويمتاز بقلة البذور والقشرة السميكة والمريحة للتقشير، ولهذه الأسباب أصبح البرتقال الأكثر شعبية، وأوصل اسم يافا إلى العالم.
وتحوي البيارة، سبيل ماء، ما زالت أثاره ظاهرة، وسيرت إليه المياه التي كانت تضخ من البئر في قناة مبنية على سطح المبنى، حيث مليء خزان المياه في السبيل بواسطة أنبوب فخاري، وركبت له حنفية في واجهته.
عائلة حجاج
خلال القرن العشرين، تغيرت ملكية البيارة، حيث اشترتها عائلة حجاج، التي كانت تملك أيضا عدة بيارات، وأجرت العائلة ترميمات وأدخلت إضافات، من بينها تركيب محرك ديزل على البئر، ولم يقتصر جهد العائلة على تطوير منظومة المياه في البيارة، ولكن أيضا شمل نشاطها بناء وتطوير منشئات جديدة، من بينها مصنعا للتغليف، وختموا أسماءهم وشعارات شركتهم على جدران المبنى.
ووصل إنتاج البيارة ذروته، في عهد عائلة حجاج في عام 1936م، ولكن الأمور أخذت بالتغير، نتيجة الأوضاع السياسية، التي أنهت عمل البيارة في عام 1948م، وجلبت دولة الاحتلال الناشئة، مستوطنين وأسكنتهم في منازل البيارة، وبعد عام اقتلعت الأشجار، ولم تعد تستخدم البيارة للزراعة، وبديء في البناء على أطرافها، لتشمل لاحقا معظم أراضي البيارة.
الاحتلال الذي دمر بيارات البرتقال في يافا، يعود عن طريق بلدية تل أبيب-يافا، لإجراء إحصاء لما تبقى من منازل البيارات، فيتم العثور على نحو منها، ومن بينها منازل بيارة مراد-حجاج.
تقرر البلدية ترميم مباني بيارة الروس، بالتعاون مع شركات خاصة ومجموعة من المؤسسات، ورغم إقرارها بتاريخ المبنى الفلسطيني إلا أنها تطلق عليها المسمى العبري للبيارة، وهو بيت-بئر، وفتحته لجمهورها، ليس فقط ليطلع على جزء من تاريخ البيارات في فلسطين، ولكن أيضا لقضاء أوقات ترويحية، في الحديقة التي تحيط بالمباني.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق