أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 17 فبراير 2019

عروس فلسطين على نهر اليرموك























تقع قرية الحمّة، بمحاذاة نهر اليرموك، على الحدود السورية-الفلسطينية-الأردنية، وهي إحدى قرى قضاء طبريا، لم يتمكن المحتلون من احتلالها عام 1948م، فبقيت بأيدي الدولة السورية، حتى احتلت في حزيران 1967م، ولهذا السبب يسميها النّاس الحمّة السورية، التي تشتهر بمياهها الحارة ذات الخصائص العلاجية، وتدير المنتجع داخلها الآن، إحدى المستوطنات اليهودية في المنطقة.
امتدت شمال القرية برك ماء واسعة، تمنح القرية مشهدًا ساحرًا، للنازلين إليها من علٍ، تملأها مياه عدة ينابيع حارة، أهمها ثلاثة هي: المقلى، والريح، والبلسم، والتي تحتوي على نسبة عالية من الكبريت، ونسبة أقل من الأملاح.
وتغطي شهرة ينابيع الحمّة العلاجية، التي يقصدها الزوار لهذه الغاية وللاستجمام، على تاريخها التليد، الذي ما زالت أثاره موجودة حتّى الآن في المنطقة.

الحمّامات الرومانيّة
من أهم الآثار التي تظهر جزئيا الآن، هي الحمّامات الرومانيّة، والتي تشهد على مجد المدينة الرومانيّة القديمة التي عرفت باسم حمامات جادر.
تقع الحمّامات الرومانيّة إلى الجنوب من المسرح الرومانيّ ونهر اليرموك، بنيت حول عين المقلى، وأجريت في الموقع حفريات أثرية في عام 1979م، من قبل الجامعة العبرية وسلطة الآثار الاحتلالية برئاسة (و.هيروشفيلد) و(ج. سولار)، وتم الكشف عن سبع برك مختلفة الأحجام.
وبينت الحفريات عدة قاعات استخدمت من قبل الزوار، لأغراض علاجية، منها قاعة النوافير، وقاعة الأعمدة بمساحة 10.5م x 22.6م، وقاعة أخرى تسمى قاعة النقش حيث عثر فيها على نقش مهم يشير إلى بناتها الرومان، إضافة إلى القاعة البيضاوية، ورواق للمرور.
وتظهر مقاعد دائرية وضعت بجانب بعضها وبشكل متقابل، جمالية الهندسة الرومانيّة، ووظيفتها العملية، بينما تجري المياه بينهما، حيث يمكن أن تجلس مجموعتان من الزوار، الذين قطعوا مسافات قد تكون بعيدة للاستفادة من مياه العين الحارة المميزة المتدفقة.
وفي عام 1932م، جرت حفريات في تل الحمّة، كشفت عن أثار تعود للعصر البرونزي المبكر والعصور الرومانية اللاحقة، وغيرها.
غابت الحمّة في غياهب التاريخ، بعد مجدها الروماني، خصوصًا لتعرضها لزلازل، حتى الحقبة الإسلاميّة المبكرة في فلسطين، حيث جُدد بناء حمّامات القرية، في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، ومن المؤكد أنها تعرضت للهدم، لتختفي من جديد، وتصبح خرابًا، وبقيت كذلك حتى انتهاء العهد العثماني.
المسرح الأسود لليالي البيضاء
حوت الحمّة القديمة، مسرحا حجريا يبدو الآن، وهو مهدم، صغيرًا نسبيًا، جميلاً ولطيفًا، يؤكد على أهمية القرية الثقافية والفنية.
بينت مقاعد المسرح من حجارة البازلت السوداء، بهندسة تراعي راحة المتفرج، وكشفت الحفريات التي جرت في الموقع، عن وجود خمسين صفا من المقاعد المتراصة على شكل مدرج، ويقدر بأن المسرح يتسع لنحو 1500-2000 متفرج، وهذا يدل على أن اتساع الحمّة الرومانية، التي كان المتفرجون يجلسون فيها على مقاعد المسرح، في الليالي الصيفية لمشاهدة العروض الفنية المختلفة.
في عام 1932 سمحت حكومة الانتداب البريطاني للجامعة العبرية بالتنقيب في الموقع، فجرت حفريات، كشفت عن معالم المسرح المهدم، والذي تتناثر بعض مقاعده على جوانبه، وعن منصة العرض، التي  ترتفع 1.5م، بعمق 5.8م، بطول 29.6م.
تبدو أثار المسرح الآن معزولة، لا تثير انتباه الزوار، الذين يتجهون إلى حديقة الحيوانات القريبة منه، والتي تضم عشرات الأنواع من التماسيح، التي استقدمتها إدارة المنتجع لزيادة عدد الزوار.
المسجد الصامد
وسط المنتج يقع مسجد الحمّة، وهو بحالة جيدة نسبيًا، حافظ على هيكله ومئذنته ومعالمه، ومنها بقايا النافورة في صحن الجامع، الذي، حسب بعض المصادر يطلق عليه مسجد حمال عبد الناصر، حيث بني في فترة المد القومي، التي كان الرئيس المصري الراحل أحد رموزها.
المسجد مهجور الآن، ولا يستخدم، وأحاطه المحتلون بسياج، وكأنهم أرادوا عزله عن محيطه، وفي مدخل المسجد لا تظهر اللوحة التأسيسية، التي يبدو مكانها فارغا، ربما نزعت أو حطمت أو اختفت، ولا يعرف مكانها الآن.
تنتمي هندسة الواجهات والشبابيك، إلى الفن المعماري الإسلامي، وأمام المسجد، مظلة اسمنتيىة محمولة على أقواس وأعمدة، تشكِّل رواقًا ومدخلاً جميلاً له، وأدى إهمال المسجد، إلى حدوث تراكم بعض الأوساخ داخله.
وبجانب النافورة التي لا تعمل الآن، رميت بعض الأعمدة وتيجانها والحجارة القديمة، وفي أكثر من مكان في المنتجع يمكن رؤية مثل هذه الآثار المهملة.
الفندق المغتصب
في أكثر من موقع في الحمّة تظهر بقايا غرف، ومنشآت استخدمت قبل الاحتلال، عندما تمكّن رجل الأعمال اللبناني سليمان ناصيف، من الحصول امتياز الاستفادة من ينابيع الحمّة من قبل لحكومة الانتداب البريطاني لفترة تبدأ من عام 1936م وتنتهي عام 2029م.
شيّد ناصيف، عدة مباني لخدمة الزوار، ومن بينها الفندق الذي بُني من الحجارة البازلتية السوداء، وتمنع سلطات الاحتلال، وصول الزوار إلى الفندق، لقربه من الحدود السورية-الأردنية، حيث يوجد نقاط حراسة احتلالية.
وبالإضافة إلى الفندق، يوجد نحو أربعة أبنية أيضًا، من فترة قبل الاحتلال، إحداها يستخدم كمطعم، وأخرى استخدمت في فترات مختلفة بعد الاحتلال، ولكنها الآن لا تستخدم.
تذكر هذه الأبنية بمجد الحمّة، في عهد سليمان ناصيف، الذي ارتبط بالقرية، حيًا وميتًا، وعندما شعر باقتراب أجله، حدد مواصفات القبر الذي أراد أن يدفن فيه في الحمّة، ومكانه، والأبيات الشعرية التي اختار أن تكتب على شاهدة القبر.
ورحل ناصيف، وهو من بلدة المختارة اللبنانية، في عام 1959م، عن عمر زاد عن قرن، ونظمت له جنازة حاشدة، ليرقد في الأرض التي أحبها.
وبعد ثماني سنوات احتلت دولة الاحتلال، الحمّة، مع أراضٍ فلسطينية وعربية أخرى، ورغم الاحتلال المستمر حتى الآن فان أبرز معالم عروس اليرموك الفلسطينية، تؤكد هويتها الضاربة في عمق التاريخ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق