في
مثل هذا الشهر من عام 1948م، غادر أكرم زعيتر العضو في حكومة عموم فلسطين، قطاع
غزة، الاسم الجديد آنذاك، إلى القاهرة، ومن هناك خط رسالة إلى زميله عوني عبد
الهادي في دمشق، تحمل تاريخ 16-11-1948م، أرسلها، على يبدو مع شخص ثقة، لأنه ورد
في النص الذي نشرته الباحثة الراحلة خيرية قاسمية، اعتذار من زعيتر لتأخره في
مراسلة عبد الهادي، لأنه لم يجد من يحمل الرسالة، وكان رافضا أن يكتب
"بالبريد المراقب".
يقدم
زعيتر وصفا مؤلما لغزة التي تدفق إليها اللاجئؤن وأصبح عددهم 200 ألف لأجيء في
حالة يرثى لها، يقول بان المصريين ضاعفوا قواتهم: "في غزة، وإنهم مصممون على
الدفاع عنها بكل ما أوتوا من قوة، وأن كل ما جرى في تخليهم عن المجدل وغيرها إنما
هو تقصير خطوط".
ويخبر
زعيتر، زميله، بأن السلطات المصرية قد قبضت في غزة، على حمدي الحسيني، وخليل
البديري، وغيرهما بتهمة الشيوعية، وأطلقت سراحهم لاحقا.
سيقاوم
عبد الناصر الإسرائيليين، ويشكل كتيبة فدائيين بقيادة مصطفى حافظ، الذي ستغتاله
إسرائيل بعد عام من تشكيل الكتيبة.
سيقتل
عبد الناصر إسرائيليين، ولكنه أيضًا سيقتل فلسطينيين، ويعتقل ويعذب الشيوعيين
والأخوان المسلمين.
وستغير
إسرائيل على غزة وتحتلها، مرتين، وتقتل وترتكب المجازر، وفي صيف 1967 وخريفه قتل
شارون ألفا من الغزيين (من يعرف كم وصل العدد حتى الآن؟).
سيُكتب
قدر غزة، الذي يبدو انه لن يتغير؛ مقاومة، واحتلال، واعتقالات وقتل داخلي. سيدفع
اللاجئون ثمن لجوئهم، قتلا، وجوعا.
سيضيق
عبد الناصر بغزة، ويرفض الملك حسين استلامها، وعندما يستسلم السادات، سيدفع
الغزيون، هذه المرة، ثمن السلام، وستقسم رفح.
وعندما
تستلم غزة، سلطة فتح، سيقاوم ياسر عرفات إسرائيل، ولكن أيضًا، ستقع حوادث قتل
(حادثة مسجد فلسطين مثلاً)، وتعتقل الأخوان المسلمين (ممثلون هذه المرة بحماس)
وتعتقل الشيوعيين (ممثلون هذه المرة بالجبهة الشعبية)، وسيحضر المصريون (ممثلون
بحكم كامب ديفيد)، كوسيط هذه المرة.
وعندما
تستلم غزة، سلطة حماس، ستقاوم إسرائيل، وستتحارب مع فتح ويسقط قتلى، وستمارس
الاعتقال السياسي.
لن
تكف إسرائيل عن احتلال وتوغل، وارتكاب المجازر، وستجوّع الغزيين، ثم تشق الباب
عليهم قليلاً أو كثيرًا، ولن تلتزم بأية اتفاقات، وستستمر المقاومة، ولن يتوقف
الاحتراب الداخلي.
ولن
يحتاج من فرح، لاستقالة ليبرمان إلَّا الرثاء..! فالنصر لا يمكن أن يكون بعدد
الشهداء (إنما بتقليلهم)، وكثرة الضحايا، وتدمير المنازل، وانعدام الحد الأدنى من
الوحدة الوطنية، واستمرار الاعتقال السياسي.
لا
نصر في غزة (والنكبة مستمرة)، التي صيغ قدرها، وقد تضخمت كمخيم لاجئين، باستمرار
تطهيرهم عرقيا، فما زالت الخطوط قاصرة، كما كانت منذ عام 1948م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق