على بعد أمتار من قبر
الشهيد باسل الأعرج، الذي وري الثرى قبل عام في قرية الولجة، جنوب غرب القدس،
احتفت الجماهير بذكرى استشهاده الأولى، بمهرجان خطابي تحدث فيه رجال دين وناشطون
وسياسيون وفاعلون، ولكن باسل الذي قال أحد الحضور انه يسمع ما يدور حوله، ولكنه لا
يستطيع الكلام، حضر من خلال كتاب تذكاري أصدرته دار رئبال للنشر في القدس، ووزع
على الحضور.
حمل الكتاب عنوان
رئيس: "وجدت أجوبتي" وهي جملة اقتبست من أقوال الشهيد، وعنوان فرعي:
"هكذا تكلم الشهيد باسل الأعرج".
اهتمام الحضور بما
كتب باسل، جعلهم ينتظرون فترة إضافية، رغم البرد الذي بدا مسيطرا على تلك البقعة
من جبال القدس، مع زحف الظلام، ليحظوا بالكتاب الذي أعلن انه سيوزع بعد اختتام
المهرجان، واستكمال الخطابات.
يضم الكتاب، أبحاث
ومقالات الشهيد، وما كتب عنه بعد رحيله في فجر السادس من آذار 2017م، بعد اشتباك
مع جيش الاحتلال في مخبئه بمدينة البيرة.
يقدم محرر الكتاب
صورة حية لحياة باسل القصيرة (31) عاما: "في فجر السادس من آذار، كان باسل
متحصنا في سدة ضيقة، وهو الذي عاش اتساع الوطن في التجوال والحكايات، مُبادرًا إلى
إطلاق النار على العدوّ. في وقائع استشهاده ما يُكثف رحلة عمره القصير، وحياته
العريضة، أطلّ في بدايتها من نافذة غرفته في قرية الولجة، على أرضه المنهوبة، وعلى
الساحل الفلسطيني حيث تلتقي الأرض بالسماء "ببحر أكبر من أن يحاصر" كما
هتف يوما في مظاهرة غاضبة على حصار غزة".
ويكمل: "مرورا
بنشاط نضالي متواصل توّزع على كافة أشكال الممارسة الكفاحية؛ المسيرة والمظاهرة
والاعتصام، والعمل التطوعي المجتمعي والتثقيف الوطني، وُصولاً إلى تجربة العمل
الفدائي المسلح، تنظيما واختفاءً، ومواجهة الاعتقال بالإضراب عن الطعام، وصعودًا
إلى شهادة صاخبة مدوّية، بجسد مطرز بـ 22 رصاصة وشظية. ليُوارى الثرى في قبر،
حَدّدَ سلفًا مقاييسه بالتفصيل، على ربوة تطلّ على ذات المشهد الأول، حيث تلتقي
الأرض بالسماء ببحر أكبر من أن يُحاصر".
تنوعت كتابات باسل
الأعرج واجتهاداته الفكرية، من مقارباته للنكبة، تحليلا وتوثيقا وجمعا للتراث
الشفوي، واقتباسا من الأرشيف الصهيوني كما يتبدى ذلك في دراسته (الذاكرة الجريحة
للنكبة) إلى تعمقه في مفهوم (العونة) سلف العمل التطوعي في فلسطين، ويفترض الأعرج
ان: "العونة نوع من أنواع التنظيم المجتمعي لمواجهة الظروف السياسية
والاقتصادية الناتجة عن غياب الدولة أو مواجهة سلطة الدولة وتحديات المناخ
والاقتصاد".
ويعود للخلف عدة
عقود، ليتوقف عند إحدى ظواهر تاريخنا النضالي، وهي المجموعات الكفاحية، فيدرس
عصابة الكف الأسود التي شكلها رفاق الشهيد عز الدين القسام لملاحقة العملاء.
ويبدي اهتماما
بالاقتصاد في الانتفاضة، و(الفن في فلسطين)، ويستعيد ذكرى الشهيد عبد القادر
الحسيني، والمناضل فوزي القطب.
يعلن باسل الأعرج بأنه
وجد أجوبته، وعرف دربه، وترك وصية ختمها، موجها حديثه لأبناء وبنات شعبنا:
"فلتبحثوا أنتم"، ومضى حاملاً صليبه إلى نهاية مشواره الجسدي في قير على
تلة في جبال القدس.
وبينما كان باسل
مستمرا في نومته الطويل، عابئا أو غير عابيء بالعالم الذي تركه، كان محبوه،
يغادرون، وقد هبط الظلام، وألقى بغلالة حزينة، وكل منهم يحمل كتاب باسل، وعلى الأرجح
فان منهم من بحث ووجد أجوبته، ومنهم ما يزال يبحث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق