أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 17 مارس 2018

رائدة آدون: تنويعات على الغربة الفلسطينية















اختارت الفنانة الفلسطينية، ابنة عكا رائدة آدون، لمعرضها الشخصي الذي افتتح في جاليري الفندق المحاط بالجدار عنوانا لافتا: (غربة).
آدون عبرت، خلال افتتاح المعرض في جاليري الفندق، المعروف شعبيا باسم فندق بانكسي، الذي لا يفصله سوى بضعة أمتار عن جدار الفصل والتوسع، عن فرحها بوجودها بين أهلها وناسها ووطنها، في إشارة إلى وحدة الوطن الفلسطيني، وأيضا معاناته والتي تتبدى في معرض غربة.
يقول الدكتور حسني الخطيب شحادة، أمين المعرض: "في الحيز الضيق التي تعيش فيه تحاول الفنانة العكية رائدة آدون أن تخلق بداخله مساحة أوسع للخيال. إنه تعبير خاص وذاتي جداً للفنانة، ولكنه بلا شك يرتبط أيضاً بالحالة العامة التي تشعر بها الفنانة حيث ترى صور المشردين في شتى بقاع الأرض الذين يبحثون عن مكان أمان، كما وترتبط بالحالة الفلسطينية العادية جداً في بلادنا.. إنها محاولة إبداع وخلق لحياة متخيلة تتحدى من خلالها ذلك الواقع، بل هي خلق جديد لحياة زاخرة تسترجعها الفنانة من ذاكرتها المفعمة بأحداث وآمال وطموحات وخيبات أمل أيضاً".
تستخدم آدون تقنيات عددية في معرضها، منها الصورة، والرسم، والفن التركيبي، وتظهر بشخصها في عدد من اللوحات، في محاولة تجريبية مهمة في الفن الفلسطيني.
يرى الخطيب بأن آدون تسرد لنا: "تاريخ التشرد والضياع، تاريخ البحث عن بيت آمن تشعر به بالراحة والاطمئنان فلم تجده.. فهي تروي لنا من خلال العمل تاريخ المكان وتضاريسه، وتاريخ الإنسان.. وتاريخ الجسد الذي يبحث عن بيت. فهي الفنانة التي تبدأ بفكرة تشكلها برسومات أولية، حيث ترسم بخطوط واهية لا تعبر عن عمق المأساة، بل تنسج بالألوان والأشكال خطوط الحكاية، لتبدأ بعدها بسرد الرواية. من خلال تلك الاسكيتشات (الرسومات الأولية)، والتي تحمل طابع الفن الفطري، نرى الطفولة متمثلة باختيار أنواع الخطوط المائلة بحنان لتشكل من خلالها تفاصيل الحكاية. إنها فعلاً خطوط وألوان تعطي من خلالها مسميات للأشياء والبيوت وطبيعة تضاريس البلاد وسكة الحديد وحقائب السفر وسيماء البشر. ثم تبدأ الفكرة بالتبلور لتتجسد في قالب فني معاصر، هو من طبيعة أعمال الفنانة رائدة آدون في السنوات الأخيرة، ألا وهو الفيديو – آرت. إنه اختيارها الفني الذي تنقل لنا من خلاله تلك الأفكار والوساوس التي تحمل الكثير من نفسيتها المفعمة بذاكرة طفلة تحكي لنا قصتها.. بل ليس فقط قصتها الذاتية، بل تعبير عن قصص عديدة تنقلها لنا من واقع مرير يمر به العديد من الناس في العصر الحديث".
ويضيف: "تعود بنا آدون إلى أحلام الطفولة، فنجد مثلاً الكابوس على الحائط في ليل بهيم.. أو هيكل عظمي يقبع تحت السرير.. ونرى الفنانة تسترجع مجموعة من الناس المشردين الذين يحملون حقائبهم في قلب غابة، حيث يبحثون عن مأوى فلا يجدون.. وتحكي لنا عن كابوسها في سرير محاط بجنود.. أو استلقائها على حقيبتها بين مجموعة من بيوت صغيرة الحجم، والتي لا تستطيع أن تأويها.. وصور لأشخاص داخل بيوت فارغة بلا حياة تبحث عن بصيص من نور".
تحاول آدون نقل حكايات اللجوء الفلسطيني، بأقل الطرق مباشرة، وبأكثرها حيوية، بعيدة عن الصور التقليدية للنزوح الفلسطيني، فنحا بإزاء شخوص يبدو وكأنهم آتين من مدت تضرب الحداثة جذورها عميقا فيها.
يرى الخطيب بأن رائدة آدون: "هي فنانة تجيد تصوير حكايات التشرد والضياع في رحلة الألم والبحث عن مكان آمن، حيث تروي قصص الناس الذين قاسوا في الماضي، وهؤلاء الذين يقاسون في الحاضر، من ويلات الحروب ومصائبها. هي الفنانة تنتقل بنا من مشهد إلى مشهد، حيث تتشكل مضامين إنسانية عامة تعبر من خلالها عن تضامن الفنانة لكل فرد، مهما كان دينه أو وطنه، والذي يقاسي من حالة التشرد والضياع وعدم إيجاد مكان آمن. فمن خلال هذا العمل، المتكامل تصويراً وفكرة وإخراجاً، بالإضافة للصوت، يتحول المشاهد إلى جزء لا يتجزأ منه.. إذ لا مجال للوقوف بحيادية أمام هذا العمل دون التعمق في مشاهده الإنسانية عامة، تلك التي تلمسها يد الفنانة بعناية لتظهر مآسي الحروب والصراعات الجارية في أنحاء العالم".
ويضيف: "هذا المعرض لا يحمل فقط فكرة منفذة سينمائياً بتقنيات الفيديو – آرت، بل ويضم المعرض لأول مرة تبلور الفكرة منذ بداياتها قبل عدة سنوات بواسطة عرض الرسومات الأولية (الاسكتشات) للفكرة ما قبل التصوير والإنتاج، تنقلاً عبر وسائل تعبيرية مختلفة، ومن خلال تجسيدها أيضاً على أرض الواقع بواسطة الحقيبة التي قامت الفنانة ببنائها وإعدادها لتتحول إلى بديل عن بيتها الآمن الذي تبحث عنه.. وتأتي الصور الفوتوغرافية المنتقاة بعناية من خلال مشاهد الفيلم لتحول كل صورة من مشهد ما إلى عمل مستقل بحد ذاته. وهكذا يتمكن المشاهد من التعمق بالعمل الفني والغور في سبله من خلال مشاهدة الفيلم، ومن خلال الاسكتشات، ومن خلال تأمل الصور الفوتوغرافية الفنية، هذا بالإضافة لحقيبة السفر – البيت. وبذا تأتي فكرة المعرض في ربط المشاهد ما بين الذاكرة الفردية للفنانة العكية التي تنتقل من حياة لحياة، ومن مكان لآخر دون أن تجد ضالتها من الآمان، فتتحول حقيبة سفرها العتيقة، تلك التي تحمل بداخلها كل ما تبقى لها من ذكريات وتخيلات، إلى بيتها الآني. وهكذا تذكرنا بما قال محمود درويش في قصيدته "يوميات جرح فلسطيني":
آه يا جرحي المكابر
وطني ليس حقيبة
وأنا لست مسافر
إنني العاشق، والأرض حبيبة".
ولا ينتهي تأثير المعرض، بالنسبة للزائر، بمشاهدة الفيديو-آرت، المصاحب له، وإنما يستمر بعد الخروج من الجاليري، للاصطدام بالوحش الاسمنتي بطول ثمانية أمتار الذي يفصل بيت لحم عن نفسها، وعن توأمها مدينة القدس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق