أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 4 مارس 2018

تل الذهب هُود










في الطريق إلى وسط قرية القبو المهجرة، المقامة على تلال القدس الجنوبية الغربية، يظهر شجر اللوز بشكل مكثف، وسط الأشجار الحرجية التي زرعها المحتلون، لإخفاء معالم القرية العربية، ومنازلها المدمرة، ورغم أن الأهالي لم يتمكنوا من زراعة أراضيهم بعد عام 1948م إلا ان شجر اللوز، يبدو أنه قرر ليس فقط الاعتناء بنفسه، وإنما أيضا التكاثر في تحدٍ رمزي لإجراءات الاحتلال في المنطقة.

جارة الوادي
تعتبر القبو واحدة من القرى التي تجاور وادي الصرار، الذي يحمل المياه من جبال القدس إلى البحر المتوسط، في مسيرة طويلة، وبمحاذاته أنشأ العثمانيون سكة قطار القدس-يافا.
وكان أهالي القبو يطلقون على المنطقة من الوادي التي تحاذي قريتهم اسم (وادي السكة) نسبة لسكة القطار، وحسب توثيق لجمعية ذاكرات والذي صدر في كتيب بعنوان (ذاكرات القبو) بتحرير عمر اغبارية، فان القبو: "قرية عربية في فلسطين تبعد 18 كم إلى الجنوب الغربي من القدس، على طريق بيت جبرين – القدس وقريبة من سكة حديد القدس – يافا. كانت تربطها طرق ممهدة بقرى بتير، وحوسان، ووادي فوكين، والولجة، ورأس أبو عمار.
أقيمت القبو على قمة جبل من جبال القدس ارتفاعه 775م عن سطح البحر وينحدر بشدة نحو وادي السكة (من وادي الصرار). كانت القرية معروفة في العصر الروماني باسم "قوبي". تبلغ مساحة أراضي القبو 3608 دونمات استثمرت بزراعة الحبوب والأشجار المثمرة أهمها أشجار الزيتون والعنب، وكان عدد سكان القبو عام 1948 حوالي 300 نسمة وكان فيها حوالي 50 بيتاً".
وعن احتلال القبو جاء في الكتيب:  "يشير الكتاب الإسرائيلي "تاريخ حرب الاستقلال" إلى أن الكتيبة السادسة من لواء "هرئل" التابع للجيش الإسرائيلي دخلت القرية في 21 تشرين أول / أكتوبر 1948، بعيد عملية "ههار" (الجبل).
ويقول المؤرخ الإسرائيلي بني موريس إن القرية احتلت في 23.10.1948 وكان هذا الهجوم الذي شن في أواخر الهدنة الثانية من الحرب يهدف إلى احتلال مجموعة من القرى الواقعة في القسم الجنوبي من الممر المؤدي إلى القدس. ويشير بني موريس إلى أن القوات المحتلة عزمت على ألّا تترك أية مجموعات مدنية في المنطقة فكان مصير سكان القبو إمّا الهرب وإمّا الطرد نحو بيت لحم وتلال الخليل.
على اسم مجرم حرب
بعد احتلال القرية، أنشئت مستعمرة "مبو بيتار" على أراضي القبو عام 1950م، وأنشأ الصندوق القومي اليهودي على موقع القرية وعلى أغلب أراضيها متنزهاً على اسم مجرم الحرب مناحيم بيجن، الذي غزا لبنان في عام 1982م، وارتكبت مجزرة صبرا وشاتيلا المروعة وبيروت تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى أنقاض مباني القرية المهدمة، تم زراعة الأشجار الحرجية لإخفاء معالم الجريمة، وتظهر بجانب عين القرية معالم كنيسة صليبية، بالإضافة إلى مسجد القرية المغلق الآن، وعلى جدرانه تنبت أشجار اللوز.
وتظهر صورة جوية للقرية تعود لعام 1945م، كيف كانت القرية، وحسب تحليل المهندس ميخائيل يعقوبسن، يتضح أن قرية القبو وكذلك قرية بتير جارتها من جهة الشرق: "تقعان على مناطق عالية ومسيطرة، تشرف ليس فقط على الوادي المسمى بالعبرية وادي الأشباح (وادي السكة)، وإنما أيضاً على الأراضي الزراعية التي كانت بحوزة أهالي القرية. خلافاً لقرية بتير الواقعة على منطقة عالية في منحدر الجبل، فإن قرية القبو تقع على قمة أحد هذه الجبال".
ويضيف يعقوبسن: "يمكن، وبسهولة، رؤية المناطق الزراعية في الصورة الجوية: مئات المدرجات التي تظهر بوضوح كخطوط تتمازج مع تضاريس الأرض، هي كلها من صنع يد الإنسان. هدفها وقف انجراف التربة وإنشاء مسطحات أرضية سهلية على سفح الجبل لاستعمالها للزراعة. غالبية الأراضي كانت مغطاة بكروم زيتون وحقول قمح. تقع قرية القبو على جانب طريق ضيق تشعب باتجاه الشمال من الطريق القديم الذي وصل بين بيت جبرين وبيت لحم. (اليوم شارع رقم 375). القرية نفسها كانت مقسمة إلى قسائم أرض أحيط قسم منها بجدران، وقعت على جانبي الطريق الواصل بين القرية والطريق الرئيسي. في واجهة كل قسيمة بني منزل مربع وصغير الحجم، كان يستعمل كمأوى ليس فقط للعائلات وإنما أيضاً للحيوانات والبهائم التي كانت بحوزتها".
تل الذهب الضائع
حسب بغض الروايات، فان قرية القبو كانت تسمى قبل النكبة بـ (تل الذهب) وسبب ذلك لأن خيراتها كانت كثيرة وعدد سكانها قليل.
وحسب مصطفى الدباغ في موسوعته (بلادنا فلسطين) فانه: "في 1 مايو (أيار) 1948م قبضت دورية يهودية في قرية القبو على ثلاثة قرويين واستاقوهم بأفواه المسدسات إلى كوخ كان يقيم فيه رجل مسن يبلغ السبعين من العمر يسمى ( علي محمد القاضي) وذبحوا الرجال الثلاثة في حجر الشيخ الواحد تلو الآخر".
وجاء في كتاب (كي لا ننسى) لوليد الخالدي عن واقع القرية الحالي: "يكثر في موقع القرية ركام المنازل وحطامها كما ينبت فيه شجر الزيتون واللوز والصنوبر. وتبدو مقبرة القرية في الجانب الجنوبي الشرقي من الموقع، حيث تشاهد سبعة قبور، ويبدو بعض العظام البشرية فيما نبش منها. ولا يزال مسجد القرية قائما وهو مهجور مهمل، وفي صحنه حوض اصطناعي مجهز بدرجات. وثمة خلف المسجد ثلاث آبار. ويقع مقام الشيخ العمري خلف شبكة قديمة من قنوات الري. وتؤدي مجموعة من الدرجات الحجرية إلى المدخل المقنطر لنبع ( عين القبو) القديم وتغطي غابة غرستها إسرائيل معظم الأراضي المتاخمة".
عين القبو
تصب مياه العين التي تنبع من الجنوب، في بركة تحت أرضية (قبو) عبر نفق، ومن هذه البركة تسير المياه بعد امتلائها في نفق آخر يظهر على وجه الأرض لتصب في برك أخرى.
ينزل إلى البركة التحت أرضية بدرج حجري، ولكن المحتلين أدخلوا تعديلات، فنصبوا درجا حديديا، يصل إلى البركة ووضعوا أيضا أرضية حديدية، وإفريز حديدي، حتى يتمكن الزوار من الوقوف ومعاينة البركة، التي يسبح فيها المتدينون اليهود، باعتبارها تحوي ماءً نقيا، لازما لطقوس التطهر.
بجانب العين، يوجد المسجد وهو عبارة عن غرفة حجرية كبيرة، مغلق بباب حديدي يمكن من خلاله رؤية معالم المسجد الداخلية ومنها المحراب، وعلى جدرانه أينعت شجيرات لوز، في دلالة رمزية على قوة الحياة، وعلى تحدي أشجار اللوز التي تشتهر بها القبو، للمشهد السويسري الذي أراد المحتلون تغطية القرية به.
يوم الجمعة 23-2-2018م، رافقت مجموعة من الشباب الفلسطينيين في رحلة سير على الإقدام إلى القبو، انتهت بالقبض على أربعة أشخاص من أفراد المجموعة، اعتقلتهم شرطة الاحتلال لمدة ثلاث ساعات، ضمن إجراءاتها القمعية بحق أبناء شعبنا وحرمانهم من زيارة أرضهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق