في ختام لقائه
المتلفز، أفصح الصحافي الوقور، على أنه أضحى متأكدا بان الصراع مع اليهود على
القدس، هو صراع ديني، "مع هؤلاء الذين يعتقدون بان القدس وعد الله لهم"،
فردت المذيعة بثقة وحسم وهي تنهي المقابلة: "بل هو وعد الله لنا".
يخيل إليّ بأن بغض
الجماعات الإسلامية أشد حبا لليهود من أي شيء آخر، وما الهجوم على اليهود، سوى نوع
من الإنكار السيكولوجي، فإذا كان لليهود وعد، فجيب أن يكون للمسلمين، وعد مشابه.
في مدينة "نصية" مثل القدس يسمح بمثل
هذه الخطاب، وأي خطاب، رغم أنه في غير مصلحة شعبنا وقضيته.
لو أوفدنا الصحافي
المحترم، إلى محفل دولي ليشرح قضية شعبنا الذي يقتل كل يوم، هل أن هذا الشعب يعاني
لخلاف بين وعود الآلهة، أن أن معاناته مستمرة، بسبب الوعود الاستعمارية
والامبريالية ومؤامرات الرجعيات والتقدميات العربية والفلسطينية عليه؟
وفي تأبين باسل
الأعرج اليوم، لم أعرف ما هي الفائدة في تهديد "يهود"، فمن سمع الشيخ
الخطيب لتأكد بان اليهود هم من يعانوا وشعبنا هو من يرفع السيف على رقابهم. لماذا
لا يتم استخدم مصطلح الاحتلال؟
الخطاب العُصَابي هذا
يحول دون رؤية التعدد الغني في مدينة فلسطينية محتلة، المحتوى الفلسطيني الإعلامي أو
على منصات التواصل الاجتماعي لا يعكس واقع مدينة القدس التي تختصر بمصطلح غير
مفهوم (القدس الشريف)، ولا يظهرها بمظهرها التعددي الديني والاثني (عرب، قبط،
يونان، روس، أثيوبيون، أرمن، إيطاليون، بريطانيون، أميركيون، ألمان، غجر، أفارقة،
جورجيون، أوزبيك، سريان..الخ).
وليس فقط العرب من
يخطون تاريخ المدينة، أو يمكن ادعاء لوحدهم الفلسطنة، بل يشاركهم فيها قبط،
وأوزبيك، وهنود، وسريان، وأرمن.
والواقع أن المصابين
بالخطاب العُصَابي، هم ليس فقط الأقل في خدمة القدس معرفيا، ولكنهم يسيئون لشعبنا
وقضية القدس، والفضل في المقترحات المعرفية يعود لغير العرب. مثلا نحن ندين للعالم
السويسري ماكس فانبرشم (1863-1921)، لتوثيقه 300 نقش إسلامي-عربي في القدس والحرم
القدسي الشريف، ولعل الفرنسي فانسان لومير هو أحدث مؤرخي القدس الجادين.
اعتقد أن الفضائيات
الفلسطينية المقاومة أو المساومة تحتاج إلى سياسية تحريرية، تليق بشعب في مرحلة
تحرر وطني، لا أن يقدم كشعب أنجز مهامه التحررية ولم يبق لديه سوى مطاردة اليهود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق