أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 18 ديسمبر 2025

نزول الجبل!




 


تتوسَّع البؤرة الاستيطانية على جبل أبو زيد، لن أتمكَّن من نزوله مرَّة أخرى.

يطل مخربو التلال من موقعهم على أرض وقفية، على القدس، وبيت لحم، والبحر الميت، وإِرطاس، والخضر، وخلايل اللوز، وأبو نجيم، وغيرها.

ينزلون من جبلنا مع أغنامهم، ليسرقوا عشب أغنامنا ويضربون ويعتدون ويطلقون الرَّصاص، ويقتلون. ما زالت دماء فتيي تقوع، لزجة، لم تجف بعد.

نزلت الجبل مرَّة، مع واحد من غزلان الجبل، الأستاذ موسى سند، كانت مهمة تاريخية، في فلسطين كل شيء تاريخي، دلني على المحجر الذي قُصت منه الحجارة لبناء دير الجنة المقفلة، وكأنَّه يودعني أمانة. تحامل أُستاذي على مرضه الأخير، وبدا تعبًا ونحن نمرّ، نزولًا، على دار الراهب، وبئرها الضخمة، أخذ استراحات كثيرة، وقوفًا أو جلوسًا، وبلسمه المخفِّف شفط سيجارة، يتصاعد دخانها يغطي وجهه الشاحب ربَّما كان هذا آخر لقاء لي معه، قبل أن يسترح في رقدته الأخيرة أسفل الجبل، قبالة الدير، وبجوار عين ارطاس وواديها الممتد، تكاد فلفلة الست لويزة تظلله.

من نزولات الجبل، مع يوسف وشاهر وربعهما، في مسار لاستكشاف مقاطع من قناة السبيل التي حملت المياه إلى القدس، وتوثيق أحد نفقي القناة بطول 120 مترًا، بينما الآخر في جبل المكبر بطول 400 مترًا، شقه الأسلاف، بضربات المعاول، لاختصار 4 كلم من طول القناة. استرحنا عند دار الراهب، ونفخ يوسف في نار الصاجية، وغنى وربعه، من أغاني الانتفاضة الأولى.

صعدت الجبل أكثر من مرَّة لاقتفاء أنقابًا رومانيَّة، وتحديد مواقع غير مكشوفة للقناة، ولاستكشاف مساحة الاستيطان، الذي يتجسَّد الآن. قطعة من الجنان قُفلت علينا، وتهددنا. يقول من يعرف منا، أنَّ ما يظهر في الصورة  كنيس. فتحت شباكي أمس مع ضيفي عوَّاد، عشية سفره إلى أبو ظبي، فرأينا الكنيس يطل ويقترب. تناقشنا

ليس الموقع الوحيد الذي يضيق سجننا! كم سيطول حرماننا من جبلنا؟

#موسى_سند #يوسف_أبو_طاعة #عواد_الجعفري #أسامة_العيسة

الأربعاء، 17 ديسمبر 2025

رجال الورد!


 


المثير، بالنسبة لمثلي في عسير، الثرية ميثلوجيًا وغموضًا وشغفًا وغيمًا وشجرًا وماءً، هم رجال الورد. هي المنطقة التي حدَّدها المؤرخ المهم كمال الصليبي، موقعًا للحدث التوراتي، وفق نهج أخرق، لا يناسب ألمعيته؛ الحدث صحيح لكن الخطأ في الجغرافيا، وسار خلفه قطيع من الخُرْق.

عرفت سعير وجبال السراة من أعمال الكاتب السعودي عبد العزيز مشري، خلال اقامتي القصيرة في تلك البلاد، تراسلنا، وأدهشني، مثل آخرين، بهذا الأدب الجديد، إلى جانب شعراء كعلي الدميني، ومحمد الثبيتي، وعبد الله الصيخان، برزوا في فترة صراع بين المحافظين والحداثيين في الدولة الممتدة.

رحل المشري الجنوبي، ورغم قيمته الفنية، وهو واحد من الذين نوه بهم صنع الله إبراهيم، خلال رفضة لتلك الجائزة، لكن الغريب، أنَّه في حين استمر الاحتفاء بمجايليه ممن ذكرت، بدا وكأنَّه أُمعن في غياب.

قرأت لاحقًا، أكثر من رواية مهمة عن الجنوب السعودي، من بينها رواية أحمد أبو دهمان: الحزام، التي كتبها بالفرنسيَّة، وأعاد كتابتها بالعربية، وغلافها واحد من رجال الورد.

رواية أبو دهمان قصيرة، قد يكون كتبها بطلب من سلسلة أدبية فرنسية، لتعريف قاريء الفرنسية بعوالم مختلفة. أعتقد أنَّها كُتبت أو خضعت لقواعد تحرير صارمة، تناسب السلاسل الأدبية العالمية. بسبب ذلك أو برغمه، وبموهبة أبو دهمان، فإنها واحدة من الروايات العربية القصيرة الجاذبة.

رحيل أبو دهمان (1949 - 14 كانون الأوّل 2025) ، ذكرّني بروايته الحزام، وهي قد تكون وحيدته الأدبية. للكتب أجنحة!

#عبد_العزيز_مشري #أحمد_أبو_دهمان #رواية_الحزام #أسامة_العيسة

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

كتاب بين شهيد وشهيد!


 


تعلو باسمة التكروري، في الكتابة الفلسطينيَّة الجديدة، أدبًا وبحثًا وترجمةً، بكتابتها عن أماكن خبرتها، خصوصًا نابلس والقدس ويافا، ويبدو غربيًا بالنسبة لي كم العثراث والأخطاء عن الأماكن في الكتابات الجديدة، في رواية تخبرنا أنَّها عن جَدَّها، وأنَّ عليًا الشخص الرئيس في الرواية، مستوحى من حياة الجد محمد التكروري التميمي، وبذلك تدخل في اختبار الكتابة عن العائلة. أعتقد أن الكتابة عن العائلة هو الاختبار الأهم لصنعة الكتابة، يُجهبذ، بين كاتب وآخر، ولأسبابٍ كثيرة فإنَّ كثيرين من الكتَّاب العرب، يخفقون في هذا المجال.

تشير الكاتبة، إلى أعلام من عائلتها. شخصيًا أذكر بتقدير، رفيق التميمي، المثقف المهم في النصف الأوَّل من القرن العشرين، الذي درَّس في الكلية الصلاحية، قبل تحوّلها إلى كنيسة كاثوليكية، على اسم القديسة حِنة. ناس القدس يسمونها كنيسة الصلاحية، في ترابط هُوياتي ملحوظ. لعب محمد رفيق، أدوارًا سياسيَّة وطنيَّة. لكن قد يكون أهم إنجازه كتابه/ التقرير عن أحوال ولاية بيروت في أواخر الحقبة العثمانيَّة الطويلة. كُلف رفيق وزميله محمد بهجت، من والي بيروت الإصلاحي، كتابة تقرير عن أحوال الولاية، فسار ورفيقه في أنحاء الولاية من طرطوس إلى نابلس، وأمدانا بمعلومات هامة عن واقع ناسنا. تقريره أغضب ناسه النابلسيين، عندما استخدم مناهج بحثه العصرية لوصفهم. بالنسبة لي أعود دائمًا لكتاب رفيق ورفيقه (الطبعة الأولى 1914م)، الذي تُرجم جزء منه مؤخرًا إلى العبرية. أكاد لا أصدق الظروف التي عاشها ناسنا، مثلًا في نابلس وسلفيت، وكيف تمكَّن شعبنا في ظروف كتلك النهوض، ومغالبة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

تعرف باسمة نفسها واحدة من سلالة العائلة، ككاتبة وشاعرة مقدسية. ومثل كل تعريف فإنَّه إشكالي. لا يقال عادة كاتب نابلسي أو ناشط وكاتب خليلي أو أسير تلحمي، لكن مقدسي تلصق بكل هذه الصفات، لمن يحمل بطاقة إقامة في القدس من الاحتلال. لكلمة مقدسي/ ة حمولات غير أدبيَّة، لا أعتقد أنَّها مناسبة لتقديم كاتب لنفسه، يكفي أن يكون كاتبًا، دون الاتكاء على إيحاءات.

رغم العلاقة التي عرفناها بين الجَدّ في الواقع، وعلي في الرواية، فإنّ القاريء أمام نصّ مصنَّف رواية، وسيتتبع الأحداث بهذا التصنيف، وتنتابه مشاعر من التشويق، لمسار الأحداث، بلغةٍ تميَّزت بها الكاتبة، مدركًا النهاية التي ستصلها الرواية، فالكاتبة تفتتح روايتها بوجود علي في مشفى في القدس الجديدة، التي تسميها الغربية، إثر دهسه بمركبة عسكريَّة احتلالية في باب الأسباط، خلال مجزرة ارتكبها الاحتلال في عام 1990م. أذكر أجواء المجزرة، وكتبت عنها تحقيقًا مطولًا تضمن شهادات، بتكليف من الراحل خليل توما، لصالح مجلة اليسار القاهرية التي كان مراسلها. وبين مولده في نابلس واستشهاده في القدس، نعرف الكثير عن علي، ومأساته الشخصية في تقاطع مع مآسي شعبه وتطورات سياسية في فلسطين والإقليم.

تظهر في الرواية ثنائية تنتمي لرواية القرن التاسع عشر، فمحمد رمز لشرٍّ مطلق، وعلي رمز مضاد آخر. ربما مثل هذه الثنائيات تناسب عمل سيري أكثر من رواية. آمل أن يحين الوقت لتكتب الكاتبة كتاب سيري، بوثائق وبتوسع، وبتفاصيل وصراعات، وخلفيات سياسية واجتماعية، ووقع دول تكالبت على البلاد، في حياة جَدَّها. تقترب الرواية، من أن تكون رواية عائلية عن الجد والجدة، وهذا قد يناقض الفعل الأدبيّ. فباستثناء محمد أخ الجد، فباقي الشخوص مثالية أو تقترب منها.

ربما اختارت الكاتبة الرواية، لكتابة سيرة جدها، لإدراكها أننا في زمن الرواية، لكنَّني أعتقد أنَّ لليوميَّات والمذكرات والسير، مكانة مهمة في المقولات الأدبية المعاصرة، كما كانت في الماضي.

رواية أخرى عن القدس، العصية أدبيًا. تحاكي فلمًا سينمائيًا، قد يشوبه إلحاح مشاهد على نهاية سعيدة نسبيًا، أو تحفظه على صناعة مشهد، إلَّا أنه يتمنى لو أنه يطول. تمتلك باسمة الموهبة وجَلد الكتابة، وهما من أهم أدوات صنعة الكتابة وقد يظهر ذلك بوضوح في أعمالٍ مقبلة.

قرأت الرواية في ليلة باردة، أراقب المطر الخفيف من خلف الشباك، بعد بضع صفحات وصلني خبر ارتقاء الشهيد الفتى عمَّار صباح (16) عامًا، ارتقى في تقوع تحت المطر أمس، ليس بعيدًا عن معتزلي في خلايل اللوز. أصوات غضب ناسه وصلت للسماء الماطرة. بعد دفنه اليوم (16/12/ 2025)، وأنا أطوي آخر صفحة من الرواية، ارتقى الفتى مهيب جبران (16) عامًا، الذي انضم لرفيقه بعد مشاركته رحلته الأخيرة. لتصبح رحلة واحدة.

يا للدم المسفوح على تخوم برية القدس!

#باسمة_التكروري #رواية_الإمام #أسامة_العيسة

الأحد، 14 ديسمبر 2025

جماعة تورنتو الثقافيَّة!


 



يجهد كمأل الرياحي وباسمة التكروري وعبد الله الخطيب، لخلق حالة ثقافيَّة عربيَّة، بعيدًا عن العالم العربي المأزوم، وربَّما تؤكد سِيرهم الأزمة. أراهن دائمًا على مشاريع المثقفين الفردية. علنا نسمع الجديد دائمًا عن جماعة تورنتو الثقافيَّة، كحالة ومآلات غير مأزومة.

سعدت وزميلي إياد شماسنة بلقاء عبد الله الخطيب، في شرفة ساحة المهد، تحرسنا أضواء القدس، وامتداد البريَّة، ولُمع مادبا وما حولها من بعيد. حدَّثنا عن بيت الخيال في تورنتو، ومعارض كتب وغيرها من مشاريع. نقاش حول المشروع الثقافيِّ والهويَّة وقناته على اليوتيوب: مقهى الخطيب الثقافي،  وكتابه حول العهد القديم، ورحلته الحالية في فلسطين. عودة إلى الجذور في حوش الخطيب، في بيت لحم القديمة.

بيت لحم تنهض، وتتجدَّد، مثلما فعلت منذ أكثر من ألفي عام، مع ميلاد السيِّد الَّذي لا يموت. لقاء حميم مع ابنها العائد، ولو لحظيًا. العزيز عبد الله. سعدنا بك.

#إياد_شماسنة #باسمة_التكروري #كمال_الرياحي #عبد_الله_الخطيب #أسامة_العيسة


السبت، 13 ديسمبر 2025

طريق القدس (1-2)


 


في الصورة، التي أتحفنا بها نشطاء الفيس، حافلة خطّ القدس- بيت لحم، أو تابعة لشركة الباصات الوطنيَّة (القدس- الخليل)، بمحاذاة طنطور فرعون، واحد من أكثر الأوابد حيرةً وجدلًا في القدس. من باب البروباغندا الأدبيَّة، أشير إلى أن أحد الأسماء التي اقترحت لروايتي سماء القدس السابعة، هو طنطور فرعون.

الحافلة في وادي النَّار، أو وادي جهنم، أو وادي سِتنا مريم، أو وادي الجوز، أو وادي يهوشفاط (بعض الصفحات الفلسطينية المتحمسة تذكر بغباء وادي شعفاط) أو وادي سلوان، وقد أنهكته الديانات الإبراهيميَّة أسطرة.

الحافلة، على الأرجح، في طريق العودة إلى بيت لحم أو الخليل، الزمن قبل ذلك الحزيران، الذي أدخل مصطلح النكسة في تاريخنا المنكوب، وكأنَّه لم يكن ينقصه إلَّا الانتكاس.

نكبت النكبة الطريق الى القدس، واغلق بالقرب من دير مار الياس، وأضحت المنطقة منطقة حرام، بين الطرفين الأردني والإسرائيليِّ، لكن في الواقع تركت المنازل والقصور فريسة للمحتلين. أسكن فيها، خصوصًا من اليهود الشرقيِّين، لرفض الغربيِين السكن قرب خطوط النَّار وإن كانت نارًا هامدة. بالنسبة للشرقيِّين فإنَّ الانتقال من خيام مخيمات الاستيعاب، كمخيم معسكر اللنبي، القريب من الكلية العربيَّة، إلى القصور الحجرية، كالصعود إلى جنان عدن.

استحدثت طريق وادي النَّار النَّارية المتلوية كأفعى، ولكن الأمر لم يطل، فأصبحت طريق القدس، أقل وعورة. وإن كانت لا تنافس الطريق التَّاريخيَّة.

ناس مخيم الدهيشة من جيل النكبة الأوَّل، جرَّبوا الطريق الجديدة، مشيًا طقسيًا. بعد صلاة الفجر أيَّام الجمع في مسجدهم، أو بعدها ينطلقون في حجٍ إلى القدس، يستقطبون أبناء لهم خشية إمعانهم في الارتهان للأيديولوجيات الهدَّامة المسيطرة على المخيم، وتعد ناسه بالتحرير والنصر والوحدة والاشتراكيَّة، وإن كانت تصارعت على أسبقية الوحدة أو التحرير، حُبرت الأفكار والمنافرات وحيَّرت واستنزفت الأدمغة والحناجر. جيل الآباء كان يعرف أنَّه يخوض سجالًا غير متوازن مع الأبناء الأغرار الَّذين لا يسمعون النصائح، ففي المدرسة مثلًا كان المدير صبحي الناشف بعثيًا والمدير اللاحق خضر قبيع الطرزي، بعثيًا أيضًا، وكذلك موسى درويش، وكان الصيدلي الشاب الذي يحمل في حقيبته عينات الأدوية، يوزع المناشير، الآباء المستعجلين لم يصبروا ليزمن الزمن. أصبح الصيدلي أبطر أباطرة صناعة الأدوية.

لأسباب لا أعرفها، جميع البعثيين، أصبحوا لاحقا من الشق الصدَّامي العراقي في الحزب، الذي أطلق عليه الجناح السوري الأسدي، الجناح اليمينيِّ.

من أبرز المدرِّسين الشيوعيِّين محمود الخطيب، خريج الصف السادس في مدرسة زكريا الأميرية، قبل النكبة، والمستشار اللغوي للشاعر خليل زقطان، أوَّل مدير لمدرسة الخيام في المخيم. زقطان هو صاحب ديوان صوت الجياع، طبعه في مطبعة دار الأيتام الإسلاميَّة في القدس، وكان صدوره مؤثرًا في جيل من الشعراء الشباب آنذاك، كما ذكر الراحل عزّ الدين المناصرة. من المدرسين القوميِّين والناصريين: أحمد برهوم. الكاتب رشاد أبو شاور ابن المختار الشيوعيِّ، يذكر أسماء مدرسين آخرين في المدرسة: سليمان مزهر، ونمر العطابي، وأحمد العجوري.

ينطلق الموكب من المخيم إلى قُبَّة سِتنا راحيل الَّتي يُفترض أنَّها قضت في المكان وهي تضع بنيامين الَّذي أخذ اسمه من واقعة موت أمه بعد يومين، فأصبح ابن اليومين في الذاكرة الشعبيَّة، سيذكره البابا فرنسيس (2014) وغيره من إخوة خرجوا من بطن راحيل، التي عاشت مـأساته الخاصة في ملحمة حياتها مع يعقوب. قال البابا المحبوب، الذي خلف بابا غير محبوب مستفز: ما زالت راحيل تبكي أبناءها!، في قدّاس في ساحة المهد، على بعد رمية من القُبَّة التي وقف البابا على جدارها المحيط والتقى أبناء مخيم عايدة القريبة، في رسالة قوية ضد الجدران، أزعجت من بنوها.

يكملون السير إلى البلوطة وهذا يذكرهم بالأيام الخوالي، عندما كان الوصول إليها يعني أنَّ القدس أصبحت على بعد رمية. عند الوصول إلى دير مار الياس، ينحرفون مع يمين معسكر الجيش الأردني المرابط على الحدود الجديدة، منهم من يتتبع خط قناة السبيل التي نقلت الماء إلى القدس وخدمت أكثر من ألفي عام، حتى نكبتها النكبة، وبقي منها المواسير الإنجليزية التي جلس عليها أطفال المخيم وأولاده يؤرجحون أرجلهم.

يتأسون على دار السقا، القريبة من دير ما الياس، التي سماها بعضهم دار المجانين. خلال حرب النكبة، استولى عليها الجيش المصري، واستخدمها ضمن المعارك التي دار حول القدس وبيت لحم، خصوصا ضد مستعمرة رمات راحيل. سيلاحق صاحب الدار، المصريين، إلى القاهرة بعد نكبة البلاد والعباد، ليحصِّل حقه، ولكنَّه عاد خائبًا، ولم يكن ذلك نهاية المأسي.

يصلون أم طوبا وصور باهر، حتى جبل المكبِّر، منهم من يسترح في مقهى أبو جوهر، الموقع المهم على طريق القدس الجديدة، ربَّما توقف عنده الملك حسين، في طريقه الى بيت لحم والحليل، وربما توقف عنده البابا بولس السادس، في زيارته التَّاريخيَّة للأرض المقدَّسة، قبل أن يتوقف عند دير مار الياس التَّاريخي، ويرى ما حدث لشارع القدس- الخليل التَّاريخي. ربَّما ملَّ من الأرض المقدَّسة التي قد تكون تاريخيتها، من أسباب مآسيها.

التوقف عند أبو جوهر له مغزى عندما يرون القُبَّة الأموية مسيطرة على المشهد في بلدة القدس القديمة. لقد فعلها عبد الملك، وهي يؤسِّس لإمبراطوريَّة عربيَّة، ويعربن فلسطين. ربَّما خيِّل لأحدهم أنَّه يقف موقف النبي ابراهيم عندما وصل البلاد الموعودة، فرأى المكان ودهش، رغم أنَّه يُفترض أن وجود لهياكل أو أوابد على التلة الصغيرة المشرفة على وادي جهنم، وكنيسة الجثمانية وقبر سِتنا مريم وغيرها. في عملية تثاقف تُميِّز الأرض المقدسة، ستتكرَّر الحادثة في عهدٍ جديد، انبهر الخليفة الثَّاني عمر بن الخطاب، بما يمكن أن يكون هيكلًا مدمر فكبَّر، وسمي الجبل بالمكبِّر، أمَّا بالنسبة للمسيحيِّين فهو ليس إلَّا جبل المشورة الفاسدة التي ستودي بالسيِّد الَّذي ترك مسكنه السماوي ليحاول إصلاح بشر الأرض المحيرين. لكن هيهات، ففي الأرض المقدَّسة تجارب لوطيء الموت بالموتِ، وكما فعلها أدونيس، فعلها السيِّد، أزاح صخرة القبر، وصعد، ليرعى ناس الأرض من عَليه.

يواصل المشاة العظام نزولًا إلى سلوان بمحاذاة الثُوري، يتوقفون طويلًا في عين سلوان المؤسطرة، يستحمون ويتطهرون، وإذا مُنحو أعينًا كعيني جبرا إبراهيم جبرا فسيلفتهم قبر سِتنا مريم، الذي زاره معاوية ابن سفيان. ثم يصعدون إلى قبتهم الأولى، الذي قال لي موسى درويش في نقاشٍ، ليؤكِّد العلاقة بين الإسلام والعروبة، كيف أنَّ ربّ العرش اختار مكة، قُبلة من أجل عروبة الرسول العربيِّ الكريم. من البعثيِّين من عد الرسول العربي، أوَّل بعثيّ!

بعد انتهاء الصلاة، منهم من يظل لصلاة العصر أو المغرب، ينطلقون في شوارع القدس القديمة، منهم من يشتري الكُسبة من مطحنة السمسم في باب السلسلة، أو مُطبق زلاطيمو الشهير الشهي، أو الكعك الطريّ، أو التمرية.  ثم يركبون الحافلة كما في الصورة ليعودوا من نفس الطريق.

يبدو لي أن المشي الطقسي، قد يكون معادلًا للمظاهرات الصاخبة التي تستقطب الشبان وتنطلق من المخيم إلى بيت لحم.

#أسامة_العيسة

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2025

بيت شمسنا المشرقة!


 


من ينظر من تل زكريا، غربًا، سيرسل رمشه، سجادة تمشي عليها عيناه، تكتحل بخضرة تبدو لا نهائية، تعانق السحاب، في لقائه النادر مع بحرنا في عسقلان وأسدود، وتلال وقرى أقيمت على مستوطنات بشرية تزيد أعمارها عن أربعة ألاف عام. يبدو الأمر غريبًا، كيف يمكن أن تحافظ هذه المستقرات على هوياتها، وأحيانًا أسمائها القديمة مصحفة؛ عجُّور، تلّ الصافي، بيت جبرين، إِمغلِّس، دير الذبان، البريج، سجد، ذِكرين، وغيرها، مرورًا بمستقرات ما زال تحمل أسماء التلال، كتل الترمس، وأخرى تناسب انسيابتها، كقسطينة، وفيها كلها، مزيج بشري؛ امتزاج من الشام والحجاز ومصر والمغرب، ليشكِّل شعبًا، جدلت هويته تحديات مستحيلة.

ومن ينظر إلى الشرق، فستكتحل العيون بجبال الخليل والقدس الناهضة، وإذا قرَّب نظره إلى الأسفل، فسيستكين قلبه عند معبد بيت الشمس المشرقة، مطلًا على وادي البطم، المعروف كتابيًا باسم وادي إيلا المؤسطر، بالفتى داود وجليات الفلسطينيِّ، سيؤسطره العرب بطالوت وجالوت.

أسفرت الحفريات الموسمية، التي تتم بدون موافقتنا، عن ثروة من الأبحاث ورسائل الماجستير والدكتوراه. تنضم إلى ما سبقها من آلاف الصفحات عن نتائج حفريات بدأت منذ أكثر من قرن، يمكن مراجعتها على موقع أرشيف متعدِّد اللغات.

حظي معبد الشمس، بدراسة جديدة بعنوان: "بيت الشمس المشرقة: معبد عزيقة الكنعاني"، بتوقيع أودد ليبشيتس، وهانا م. ريبس، ومانفريد أومينغ، وسابين كليمان.

تعرض الدراسة اكتشاف المعبد على أعلى المنحدر الشرقي لتلّ زكريا، وهو هيكل مقدَّس يواجه الشمس المشرقة، التي كانت تضيء أحجاره البيضاء، وجدرانه المجصصة، وأعمدته الوردية كل صباح. أسس المعبد في العصر البرونزي المتأخر، وهي فترة ازدهر فيها تلنا تحت الإدارة المصريَّة وأصبح أحد أهم مراكز منطقة الهضاب المنخفضة.

حسب الدارسين، بدأ المعبد ملاذًا مفتوحًا مع إطلالة نحو وادي البطم، ومرتفعات الخليل والقدس، فيه مذبح حجري مستدير كبير مع حوض، وكلاهما مغطى بالجص. انتصب عمود من الحجر الجيري المصقول بجانب المذبح ليعكس أوَّل ضوء للفجر.

يوازي التوجه الشرقي للمعبد بشكل وثيق المعابد الشمسية المصرية في القرنين 14-12 قبل الميلاد، وهي المعابد المخصصة للولادة اليومية للشمس.

في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، عندما وصل تلّ زكريا العصر البرونزي ذروته، أعيد بناء بيت الشمس المشرقة المفتوح، كمعبد مسوَّر ضخم.

عثر على سبعة مصابيح طقسية، تناسب السياقات الثقافية المتأخرة في عصر البرونز وفي وقت مبكر من العصر الحديدي. يشابه المعبد الجديد أمثاله في التلال المعروفة، مثل تل لخيش (قبيبة أبو عوَّاد) وحاصور (تل القدح).

يقع الفناء الرئيس للمعبد في الجنوب الغربي منه، مرصوف بأرضية حصى، استخدم في الاحتفالات العامة، والطقوس والمناسبات الدينية.

يخلص الباحثون، إلى أنَّ المعبد يكشف عن صورة حية: لم يكن تلّ زكريا مدينة محصنة فقط، بل أيضًا مركز طقوس رئيس في العالم الدينيِّ والسياسيّ في أواخر العصر البرونزيّ، مما يعكس علاقات قوية مع مصر الفرعونية مع الحفاظ على هوية محليَّة.

تل زكريا، تلنا، بيت الشمس المشرقة، الذي عودتنا! آخر مرَّة تفقدت معبدنا في الخامس من أكتوبر 2023م. غادرت مع مغيب الشمس في بحرنا الكبير. أعرف أنَّها تولد في كل صباح من بحرنا الصغير المويلح، ترمي خيوطها على معبدنا!

#قرية_زكريا #تل_زكريا #أسامة_العيسة

السبت، 6 ديسمبر 2025

أبو سعاد!


 


أنا واحد من كثيرين، شكَّل لنا سعيد العاص، المناضل المخضرم، ملمحًا غامضًا يُقتدى، حتَّى قبل معرفة حكاياته الكثيرة. والسبب ضريحه في قرية الخضر في عرقوب القدس.

أُسطر العاص، الَّذي استشهد في معركة، ستحمل عدة أسماء، خلال ثورة الفلَّاحين، كمعركة الخضر ومعركة حوسان. أُصيب في المعركة مساعده عبد القادر الحسيني، الذي سيتمكَّن من الهروب من المستشفى الحكومي في القدس. كيف حدث ذلك؟  هل تلقى مساعدة من جنود بريطانييِّن متعاطفين؟ هذا موضوع آخر، لا يحب الفلسطينيُّون سماع حكايات التعاطف البريطانيّ، وهي حكايات مهمة ومؤثرة، ومثالها الأبرز، العمليَّات التي خطَّط لها الحسيني، لاحقًا، من مقره في بير زيت، وأشعلت شوارع القدس الجديدة. أمَّا المفاجأة، بوجود قائد بريطاني رفيع جدًا، ساند الجانب الفلسطينيّ، ولاحقته فرق الاغتيال، بعد تأسيس دولة الاحتلال. هذه أيضا قصة أخرى.

حقَّقت في ظروف استشهاد العاص، في منطقة وادي الغويط، ما بين قرى الخَضر، وحُوسان ونَحَّالين، في عرقوب القدس، الَّذي يمتد غربًا حتى الهضاب المنخفضة، صرة التقاء باب وادي القدس، صعودًا إلى جبل الخليل، وامتدادًا غربيًا إلى السهل الساحليِّ. يتخلل ذلك وادي الصرار، بطول يصل إلى أكثر من 70 كلم، يصب في البحر الشامي، بجوار النبي روبين، حيث موسم الصيف الفلسطينيِّ، الذي نُكب مع النكبة.

سار الرحالة ناصر خسرو على شارع القدس الخليل عام 1074, ووصف هذه القرى إنَّها جنة عدن. في التثاقف الاستعماري، يفخر المستوطنون، بما ذكره الرحالة الفارسي.

لسعيد العاص، حصة في روايتي وردة أريحا. لا يحتاج التذكير بأبي سعاد، وهي كنية المناضل صاحب السجل من العهد العثماني. مناسبة. ولكن التذكر مناسبته ما نشرته الكاتبة الملتزمة وطنيًا وقوميًا وطبقيًا ناديا خوست، ابنة التسعين ربيعًا، على صفحتها الفيسبوكية عن أبي سعاد. ومقطع من روايتها: وداع ولقاء في بلاد الشام (2002). التي تظهر فيها سعاد، طفلة يتيمة مريضة، لم يكن يملك والدها، حسب خوست، ثمن الدواء. تذكر الروائية، كيف تبنت: "نساء القدس وعمان جمع التبرعات لابنته سعاد".

حسب الروايات المحلية التي جمعتها، فإنَّ سعاد زارت قبر والدها في قرية الخضر، بقبته الخضراء، التي بنيت بتبرعات الخضريِّين، والتقت مع شهود عيان على معركة استشهاد والدها، التي حشد لها البريطانيَّون مئات الجنود، ارتقى أبو سعاد واقفًا. الضريح الآن محاط بالجدار الاحتلالي، قريبًا من حاجز شارع الأنفاق، الذي أراده المحتلون، بديلًا عن شارع القدس-الخليل التاريخي، فحفروا الجبال، وشقوا الشارع، وما زالوا يشقون، وفق المنهج الديكارتي، حسب إيال وايزمن.

انتمى أبو سعاد للحزب القومي السوري. يذكر شيخ المناضلين بهجت أبو غربية في مذكراته، أنَّ أبا سعاد زار فلسطين، للترويج لكتاب له.

#ناديا_خوست #سعيد_العاص #رواية_وردة_أريحا #أسامة_العيسة

الجمعة، 5 ديسمبر 2025

تسكع تحت سماء بيت لحم/ جميل أبو حسين


 


صدفة التقينا

فنادى علينا الماضي البعيد، فردّ عليه أسامة العيسة

جاهزون للتّسَكّع كما كنا في ذاك الزمن

فمشينا في شوارع المدينة نتسكَّع على طريقتنا

تلك المدينة التي تغيَّرت كثيرًا وحاراتها القديمة وسوقها القديم وادراجها وصولاً إلى باحة الكنيسة.

ساعات ثلاث تحدثنا فيها كثيرًا عن كل شيء وفي كل شيء في السياسة والأدب وسألنا أنفسنا كثيرًا كما كانت عاداتنا القديمة.

#جميل_أبو_حسين #الياس_حلبي #ساحة_المهد #أسامة_العيسة

الخميس، 4 ديسمبر 2025

قارورة جَدَّتي التي لا أعرفها!


 


الصورة لقارورة فاتنة، إلَّا لمن يرى عكس ذلك، عُثر عليها في تل زكريا، تعود للعصر البرونزي المتأخر.

بعض القطع الأثرية تروي قصة ليس فقط من خلال كيفية استخدامها، ولكن أيضًا من خلال الصور المنقوشة بحرفية على وجهيها، مثل قارورتنا.

حسب علماء الآثار، فإنَّ القوارير هي نوع من الأوعية المميزة التي ظهرت خلال العصر البرونزي المتأخر، وأصبحت شائعة بشكل خاص في مراحله اللاحقة (LB IIB). غالبًا ما يشار إليها باسم "قوارير الحجاج"، بناءً على النظرية القائلة إنَّ المسافرين استخدموها لحمل السوائل خلال الرحلات الطويلة.

العديد من الأمثلة المعروفة من المنطقة تعرض أنماطًا هندسيَّة مرسومة، مثل اللولب والدوائر والزخارف،  أسلوب قد يعكس التأثر بالتقاليد الفنية في إيجة. لكن هذه القارورة من تلّ قريتنا، تتميَّز، بأسلوب أقل شيوعًا، وهو نقوش الحيوانات.

يمكننا رؤية على جانب القارورة، اثنين من الوعول يواجهان بعضهما، إضافة لظهور رسم لنعامة، وقد تظهر زخارف لأسماك محتملة على الجانبين. بينما تظهر زخارف الحيوانات على أنواع أخرى من الأوعية في العصر البرونزي المتأخر، إلَّا أنَّه أقل شيوعاً على القوارير، مما يجعل قارورتنا فريدة بشكل خاص.

عثر على القارورة سليمة تقريبًا، في منطقة الحفريات المعرفة بـ T2، في جزء من طبقة تدمير واسعة النطاق ترتبط بالنهاية الدرامية للموقع خلال العصر البرونزي المتأخر. ما أكثر احتلالات تلنا.

قد لا نعرف أبدًا من كان يملكها من أسلافنا، أو من حملتها، من جدَّاتنا، وماذا وجد فيها: ماء أو زيت أو نبيذ أو عطر. المهم أنها نجت من كارثة ضربت تلنا، قد تكون حملة عسكريَّة أو بيئية، ولكنَّها نجت من النَّار والدمار، وأكثر من ثلاثة آلاف عام للوصول إلينا.

أحب تسميتها قارورة جَدَّتي البعيدة، التي لم أعرفها. هل فكَّرت أنَّها يمكن أن تصلنا صورتها بعد قرون، بينما هي معتقلة في مخزن للمنقبين الغرباء في تلنا!

#قرية_زكريا #تل_زكريا #أسامة العيسة

الأربعاء، 3 ديسمبر 2025

في العراق!


 


بنت القدس تصل بغداد، جناح منشورات المتوسط، في  #معرض_العراق_الدولي_للكتاب 2025 في(جناح رقم A1)

#إياد_شماسنة: " يقدّم أسامة العيسة في روايته «بنت من القُدْس الجديدة» عملاً سرديّاً يختبر قدرة الأدب على مساءلة القانون، والأخلاق، وذاكرة المكان والتاريخ  في آنٍ معاً".

#بنت_من_القدس_الجديدة

#منشورات_المتوسط

#أسامة_العيسة

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2025

جميل جدًا/ جمال القواسمي


 


كتاب جميل جداً يا أسامة، سرد جميل وممتع بساطته وسخريته وواقعه الرمزي والحقيقي، وواضح ان بطل القصة مصدر هذا الجمال.

#جمال_القواسمي

#قط_بئر_السبع

#أسامة_العيسة

الاثنين، 1 ديسمبر 2025

يافا..القاهرة..بيروت 1947!



في عام 1947، كان لدى شاب من القدس، ما يأمله، في الأرض المقدَّسة المشتعلة. اسمه زهدي حسن جار الله. أصدر كتابًا عن المعتزلة. من منشورات النادي العربي في يافا. طبع في القاهرة.

الكتاب، المتوفرة منه نسخة على الانترنت، رسالة تبحث في تاريخ المعتزلة وعقائدهم وأثرهم في تطور الفكر الإسلامي، قدمها مؤلفها إلى دائرة التاريخ العربي في كلية العلوم والآداب بجامعة بيروت الأميركية ونال عليها رتبة أستاذ في العلوم.

أهداه إلى: "طلَّاب الحرية من شباب العرب في كل أرض، وفي كل زمان، أهدي هذه الرسالة في تاريخ دعاة التحرر الفكري من أسلافهم".

مقدمة قصيرة للدكتور الفريد جسوم الموصوف بـ المستشرق الكبير، وهو أستاذ جار الله، وأحد المشرفين على الرسالة، رفقة قسطنطين زريق، الذي سينسب إليه أجتراحه مصطلح النكبة، وصاحب التأثير على شبان سيعبرون عن رفضهم للنكبة، بأكثر الطرق ثورية، كجورج حبش مثلًا.

يقرّ الشاب القدسي، بفضل شارل مالك، الشخصية المعتبرة سياسيًا ودبلوماسيًا وأكاديميًا، المعجب بالمعتزلة. أظن أنَّ من منجزات مالك المتعددة، تأسيسه لقسم الفلسفة في الجامعة الأميركية، وربَّما هذا ما أوجب التويه بفضله.

يعرب المقدِّم عن أمله الكبير: "إذا كانت مكتبات الشيعة في اليمن أو في غير اليمن تحوي مخطوطات من أصل معتزلي، أن تقوم بنشرها". هذه ملاحظة مهمة، هل سُمع في زمنه عن مخطوطات للمعتزلة في اليمن؟ هل يقصد مؤلفات القاضي عبد الجبار، التي نشرت بالفعل، لاحقًا (في الستينيات) بإشراف طه حسين؟ وصلت بعثة مصرية في عام 1951 لتصوير مخطوطات اليمن ومن ضمنها كان (المُغني) للقاضي عبد الجبَّار، أدرك طه حسين أهمية هذا السِفر، فأشرف على نشر ما وجد منه. تتوفر نسخ منه لدى مكتبة دنديس في الخليل، التي يعيش فيها ناجح سلهب، الذي يقدم نفسه كرأس المعتزلة في فلسطين. لعل ذلك يفرح جار الله هناك في دنيا البقاء.

يقرَّ جار الله أنَّه اعتمد على ما قاله المختلفون عن المعتزلة عنهم، أملًا هو الآخر نشر مخطوطات المعتزلة الموجودة في مكتبات الشيعة "في اليمن والعجم والهند". هذا يعني أنَّ معلومات شاعت عن وجود مثل هذه المخطوطات.

لا يخفي المؤلف تعاطفه مع المعتزلة باعتبارهم روَّاد حركة فلسفيَّة علميَّة تحرريَّة، ويأخذ عليهم إعلانهم المحنة واضطهاد العلماء ليحققوا بالإكراه ما لم يحقق بالاقناع. ويرى أنهم بهذا هدموا بأيديهم في بضع سنين ما بنوه في قرن، وأعطوا أعداءهم الحنابلة سلاحًا يقاومونهم به.

يعتقد المؤلف أنَّ شدَّة تمسك المعتزلة بالعقل وتحاملهم على النقل لم يؤد إلا إلى تقوية ما يصفها الرجعية الحنبلية، ولكن أيضًا إلى نشأة حركتين رجعيتين، حسب وصفه أيضًا وهما الظاهرية، والكرَّاميةَّ. هل الظاهرية التي ترفض القياس والرأي، وقصر الإجماع على إجماع الصحابة، والتمسك بظاهرة الكتاب والسنة، رجعيَّة حقًا؟ على الأقل فيما يخص عَلمين من أعلامها، وهما ابن داود زعيمها في بغداد بعد والده، وابن حزم فالأمر مختلف. الأصح أحب أن أراهما مختلفين، فالأوَّل هو صاحب كتاب الزهرة، الذي يعتبر، حتى إشعار آخر، أوَّل كتاب في العشق في الأدب العربي، يعتقد البعض أنَّ ابن حزم، كتب طوق الحمامة، كمعارضة لكتاب الزهرة، وإن كان ذلك، بالنسبة لي، غير دقيق، إلا أنَّه يمكن تلمس تأثر القطب الظاهري البارز في الأندلس بكتاب زعيم المذهب في بغداد.

حسب جار الله فإنَّ فرقة الكرَّامية، وهم أتباع محمد بن كرَّام السجستاني، غالوا في إثبات الصفات حتى انتهوا إلى التقسيم والتشبيه، ووصل عددهم في الشام إلى 21 ألفا. استوقفتني هذه الفرقة، بعيدًا عن كتاب جار الله، لنفوذها في القدس حتى يمكن لقاريء أخبارها، يظن أنَّ القدس، في فترة زمنية، كانت كلها كرَّامية، ودفن مؤسسها في المدينة المقدسة. عموما الكرَّامية فرقة كلامية، تأثر مؤسسها، ووارثوه الذين انقسموا لفرق، كحال أصحاب علم الكلام، بالفلسفة. مؤسف أن لا أحد، على علمي تصدى لمهمة كتابة التاريخ العلمي للقدس، التي وإن لم تكن بأهمية القاهرة وبغداد ودمشق، إلا أن ساحاتها وأروقتها شهدت مناظرات، وإقامة لعديد من رموز الفكر والفلسفة فيها لفترات.

عاد جار الله، في بحثه، إلى مخطوطات، ويمكننا تقدير صعوبة عمله، نحن الذين نستطيع قرأتها وقد تحولت إلى كتب.

#زهدي_جار_الله #ناجح_سلهب #المعتزلة #أسامة_العيسة
 

السبت، 29 نوفمبر 2025

تتويج فلسطيني في جائزة ابن بطوطة!



أعلن المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق، في أبوظبي ولندن، نتائج "جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة" للعام 2025-2026، التي تُمنح سنوياً لأفضل الأعمال المحققة والمكتوبة في أدب الرحلة، وقد فازت 12 كاتبة وكاتباً من المغرب، ومصر، والجزائر، وتونس، والبحرين، والإمارات، والهند، وفلسطين، وتشاد.

وعن فئة اليوميات، توج كتاب "وحيداً تحت سماء القدس.. يوميات السجن والسرطان والكورونا" للكاتب الفلسطيني أسامة العيسة.

ويُقام حفل توزيع الجوائز في مايو/ أيار المقبل في المغرب وأبوظبي، ترافقه ندوة حول أدب الرحلة يشارك فيها الفائزون ولجنة التحكيم وباحثون عرب وأجانب.

سعيد بهذه الجائزة لأسباب كثيرة.

تفاصيل:

https://www.independentarabia.com/node/637266/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/12-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A7-%D9%81%D8%A7%D8%A6%D8%B2%D8%A7-%D8%A8%D8%AC%D8%A7%D8%A6%D8%B2%D8%A9-%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A8%D8%B7%D9%88%D8%B7%D8%A9-%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9

#جائزة_ابن_بطوطة_لأدب_الرحلة

#تحت_سماء_القدس

#أسامة_العيسة

الخميس، 27 نوفمبر 2025

شاهد على اغتيال القط!



 


آخر الواصلين إلى ساحة المهد، لاجئاً، مع استعدادات المدينة للاحتفاء بميلاد ابنها اللاجئ الأوَّل إليها، بعد عامين من الاستنكاف، هو شعبان عمرو، مناضل قديم، تصدَّرت عمليته الفدائيَّة الأخبار، في زمنٍ مضى. تحرَّر في صفقة التبادل الكبرى في مثل هذه الأيَّام قبل 42 عامًا.

طردته حكومة الاحتلال من القدس، بعد أكثر من 35 عامًا، في محله في حارة النصارى.

شعبان شاهد على واقعة القط في سجن بئر السبع، صديق الأسرى، بطل رواية قط بئر السبع.

يتذكر شعبان ما حدث، وهو ينظر لكنيسة المهد، حزينًا،  وكأنَّ ما حدث، وقع للتو: لقد قتلوا القط، قتلوه!

#شعبان_عمرو #قط_بئر_السبع #روايات_الهلال #أسامة_العيسة

الأربعاء، 26 نوفمبر 2025

حمار زكريا!




للوهلة الأولى، يبدو التمثال وكأنهَّ لعبة صغيرة مكسورة، لكنَّه حمار طيني صنع يدويًا، عاش في تلنا (تل زكريا) أكثر من 4500 عامًا، حتَّى وصل إلينا.

وُجد هذا الحمار الزكراوي، خلال الحفريات الاحتلالية في تلنا، مستريحًا على أرضية من العصر البرونزي المبكر، من المرجح، أنَّ التمثال لم يصلنا كاملًا، فهو يفتقد الأنف الطويل، وربَّما حمل على ظهره بردعة أو فلاحًا.

كما الآن، في غزة مثلًا، لعبت الحمير دورًا حاسمًا في الشرق القديم، استخدم في نقل البضائع، وربط المستقرات السكنية، وساهم في تشكيل شبكات التجارة المبكرة. ليس من قبيل الصدفة العثور على العديد من تماثيل الحمير من هذه الفترة في جميع أنحاء المنطقة (الهضاب المنخضة). ولكن الجزء الأكثر إثارة للاهتمام هو أنَّه تحت الأرضية، حيث عُثر على هذا التمثال، كشف علماء الآثار عن دفن حمارين صغيرين.

هل كان هذا التمثال مجرد لعبة؟ أو عرض طقوسي؟ أو حارس رمزي لمن سافروا؟

قد لا نعرف على وجه اليقين، لكن هذا الحمار الطينيِّ الصغير يحمل قصَّة تمتد عبر آلاف السنين. رواها فلَّاح من بلدنا، ووصلت إلينا، رغم أنَّ التمثال نفسه محتجز الآن، لدى المؤسسات الاحتلالية الأثرية.

تفاصيل عن حمارنا:

*يعود إلى العصر البرونزي المبكر (EB II-III)، المنطقة S1، تل زكريا.

* الفترة التي صنع فيها 2800-2600 قبل الميلاد.

*الحجم الطول: 12.3  سم، العرض 6 سم.

#تل_زكريا

#قرية_زكريا

#أسامة_العيسة

 

الثلاثاء، 25 نوفمبر 2025

"بنت من القدس الجديدة" لأسامة العيسة: مدينة من لحم ودم وخطايا!/ بديعة زيدان


 
تُعد رواية "بنت من القدس الجديدة" لأسامة العيسة، الصادرة حديثاً عن منشورات المتوسط في إيطاليا، نصاً سردياً مشاغباً للتاريخ، يبتعد عن السرديات البطولية التقليدية للقضية الفلسطينية، ليغوص في التاريخ الاجتماعي والنفسي لمدينة القدس وسكانها، من خلال مأساة فردية تتحول إلى استعارة كبرى للضياع.
تدور أحداث الرواية حول "صالحة"، وهي فتاة مقدسية من حي "البقعة" (القدس الجديدة)، ابنة الصحافي المتنوّر "صالح أبو صالحة".. الحدث المحرك للرواية صادم وغرائبي، بحيث تذهب صالحة إلى المحكمة الشرعية (المدرسة التنكزية سابقاً) لتشتكي "محمد حنا" (مسيحي يحمل اسماً مركباً)، مطالبة إياه بـ"ثمن بكارتها" التي "انتهكها" بطريقة غير مشروعة، معتبرة أن هذا حق لا يسقط، بالاتكاء إلى حكم سابق من محكمة البداية.
تستعرض الرواية تفاصيل الحياة في الأحياء الجديدة خارج الأسوار (البقعة والقطمون) كرمز للحداثة الفلسطينية التي كانت تتشكل، فقد بنى والد صالحة منزلاً حجرياً جميلاً في حي البقعة، يرمز للاستقرار والنهضة العمرانية، فيما تظهر صالحة كفتاة عصرية، تقود دراجة نارية، وتذهب للسينما، وتعمل في فندق الملك داود، وتسجل في مفكراتها تفاصيل الحياة اليومية، والمشتريات، والديون، وحتى متابعتها للأغاني والإذاعات، ما يعكس نمط حياة منفتحاً يختلف عن انغلاق البلدة القديمة.
والدها "صالح أبو صالحة" صحافي ومثقف، كان عضواً في "جمعية الاتحاد والترقي"، وطرح فكرة دولة موحدة (إسراطين) كحل سياسي مبكر، لكنه قوبل بالسخرية والتخوين.
تتقاطع مأساة صالحة الشخصية مع الكوارث العامة التي حلت بفلسطين، كحادثة تفجير فندق الملك داود، حيث كانت تعمل، هي التي نجت من التفجير الذي نفذته عصابة "الأرغون" الصهيونية في العام 1946، وشاهدت الدمار الذي لحق بالمكان الذي كان يمثل جزءاً من عالمها الحديث، وكسقوط "البقعة" في العام 1948، بحيث تصف الرواية بدقة مؤلمة لحظات سقوط الحي.. لم تكن معركة عسكرية بقدر ما كانت عملية استيلاء ونهب، حيث دخلت العصابات البيوت، وسرقت الأثاث، والسجاد، والبيانو، وحولت المنازل العامرة إلى ركام أو مساكن للمهاجرين الجدد.
غادرت صالحة ووالدها القدس على أمل العودة قريباً (إجازة قصيرة)، حاملين حقائب صغيرة، متجهين إلى القاهرة، وتحديداً للعيش في حي مصر الجديدة (هليوبوليس)، الذي كان يشبه في حداثته "القدس الجديدة" المفقودة، وهناك عاشا وسط جالية فلسطينية تنتظر العودة، يجترون الذكريات ويتابعون الأخبار السياسية بأمل يتضاءل تدريجياً.
توفي والد صالحة في القاهرة مقهوراً، لتدفنه هناك، وتفقد السند الأخير الذي كان يربطها بماضيها وعزتها، وبعد حرب العام 1967، واحتلال ما تبقى من القدس، تقرر العودة، لكنها تجد مدينة مختلفة تماماً، فحين تذهب إلى منزلها تجده مسكوناً من قبل عائلة يهودية، ولم يتبقَ من ماضيها سوى شجرة الكينا والبيانو الذي لم يعد يعزف ألحانها.
وهنا تدرك صالحة أن ضياع "بكارتها" كان استعارة لضياع المدينة بأكملها، حيث لم يعد هناك من يطالب بحق أو يعيد ما سُلب، لينتهي المطاف بها في مستشفى للأمراض العقلية (دير المجانين) في بيت لحم، المكان الوحيد الذي يتسع لذاكرتها ومأساتها، قبل أن تموت وحيدة وتدفن في "مقبرة الغرباء".
وهذه التفاصيل ترسم مساراً من الصعود ممثلاً بالانفتاح إلى الهبوط ممثلاً بالنكبة والمنفى والجنون، جاعلة من جسد صالحة وحياتها خريطة لمدينة القدس وتحولاتها التراجيدية، فبكارة صالحة هي المعادل الموضوعي لـ"فلسطين" أو "القدس" نفسها، ومطالبة صالحة بـ"ثمن البكارة" في المحكمة صرخة عبثية ترمز لمطالبة الفلسطينيين بحقوقهم المسلوبة من قوى استعمارية أو متواطئة، وهي حقوق لا تُسترد.
أما "القدس الجديدة"، فترمز إلى الحداثة الفلسطينية المجهضة، خاصة أنّ الرواية تركز على العائلات التي خرجت من أسوار البلدة القديمة لتبني حياة عصرية (بيوت حجرية، وبيانو، ولغات، وانفتاح)، وكيف تم تدمير هذا "الفردوس" ونهبه، بينما يمثل "محمد حنا" الخديعة، أو ربما التناقضات الهوائية للواقع، فهو مسيحي يُدعى محمد، يستغل صالحة ثم يتنصل منها، تماماً كما تنصلت القوى الدولية من وعودها للقدس.
أمّا استخدام مفكرة "صالحة" التي تحتوي دعاية بريطانية لتدوين مأساتها الشخصية، فيرمز إلى سحق السردية الفردية الإنسانية تحت عجلات البروباغندا السياسية الكبرى.
الشخصية المحورية هي "صالحة"، وهي ليست مجرد ضحية، بل هي "القدس" المتمردة والمكسورة.. شخصية إشكالية، جريئة لدرجة الوقاحة كما قد يراها البعض، لكنها مثقفة، وإن انتهى الأمر بها بالجنون أو ما يشبهه، وهي تمثل الجانب الإنساني المغيّب للمدينة المقدسة.
القاضي الذي ينظر في القضية، ويلقب نفسه بالتنكزِي، غارق في التاريخ المملوكي، يهرب من قضايا واقعه إلى مخطوطات التاريخ وسيرة الأمير "تنكز"، يتعاطف مع صالحة إنسانياً لكنه يجد نفسه مكبلاً بالنصوص والإجراءات، فينتهي به الأمر إلى إحالة القضية للمحكمة الكنسية، ما يعني ضياع حق صالحة عملياً، وهو هنا يمثل السلطة العاجزة، والمثقف الذي يهرب من "القدس الحالية" المليئة بالدناسة والرعب إلى "القدس التاريخية" (زمن المماليك وتنكز) عبر الكتابة والبحث، في محاولة لترميم الواقع عبر التاريخ.
ويمثل صالح أبو صالحة (الأب)، المثقف الفلسطيني التنويري المهزوم، وهو صحافي أسس جريدة تدعو للحرية، واقترح دولة موحدة (إسراطين) مبكراً، لكنه انتهى لاجئاً ومهمشاً، في ترميز لجيل النهضة الذي انكسر مشروعه.
ومَنَحَ حضور خليل السكاكيني كشخصية حقيقية، الرواية، مرجعية تاريخية وتوثيقية، كممثل لضمير القدس التعليمي والتربوي الذي شهد على النكبة وضياع مكتبته الشخصية، التي ترمز لضياع الذاكرة الثقافية.
تميّز أسامة العيسة في هذه السردية بكسر الإيهام الروائي، حيث الراوي لا يكتفي بالسرد، بل يتدخل بصفته "كاتب مجانين بيت لحم" أو "الروائي"، يعلق على الأحداث، ويخاطب القارئ مباشرة، ويسخر من شخصياته أحياناً.. هذا الأسلوب يجعل من الرواية "بحثاً في كيفية كتابة الرواية" وتوثيقاً للتاريخ المنسي والمهمش (تاريخ الجنون، والمومسات، والمهمشين)، بدلاً من تاريخ القادة والزعماء.
وتدمج الرواية بين الخيال والوثيقة، حيث يستحضر الكاتب نصوصاً من سجلات المحاكم الشرعية المملوكية والعثمانية، ومقالات صحافية قديمة، وقصائد، ليعطي السرد عمقاً أنثروبولوجياً، كما تتميز بتعدد الأصوات، بحيث تتنقل الرواية بين صوت الراوي العليم، ويوميات صالحة (المفكرة)، وأبحاث القاضي التاريخية، ما يخلق منها فسيفساء لمدينة القدس.
أما اللغة فهي مشحونة بسخرية مريرة، وهي لغة تمزج بين الفصحى الرصينة (خاصة في استعارة لغة السجلات القديمة)، وبين روح اللغة المحكية الفلسطينية المقدسية، كما أنها مثقلة بالمعرفة التاريخية والجغرافية.
وتُخرج الرواية القدس من كونها "رمزاً دينياً" مقدساً وجامداً، لتصبح مدينة من لحم ودم، فيها "الدناسة" كما "القداسة".. إنها مدينة البشر بخطاياهم ونزواتهم، وليست مدينة الملائكة فقط، مركزة على تاريخ الناس العاديين، فيما كان تناول موضوع "البكارة" وربطه بضياع الوطن مدخلا جريئا وغير تقليدي في الأدب الفلسطيني.
لكن القارئ، قد يشعر أحياناً أن صوت "الباحث" يطغى على صوت "الروائي"، خاصة في الفصول التي تتناول تفاصيل العصر المملوكي والأمير تنكز، ما قد يقطع التدفق العاطفي لقصة صالحة، كما أن الانتقال بين الأزمنة والشخصيات الكثيرة، مثل: روبرت كندي، واللورد بيل، وشخصيات عابرة عدة، قد يشتت القارئ عن الخط الدرامي الرئيسي.
ورغم ذلك، يمكن اعتبار رواية "بنت من القدس الجديدة" مرثية جارحة للحداثة الفلسطينية التي قُتلت في مهدها، وكأن العيسة يطالب باستعادة ذاكرة مدينة كاملة تم انتهاكها، ليس فقط عسكرياً، بل ثقافياً وإنسانياً.. إنها رواية تقول، إن ضياع "البقعة" و"القطمون" وبيوتهما الجميلة، جرح لا يقل عمقاً عن ضياع المقدسات.

https://www.al-ayyam.ps/ar/Article/421045/%D8%A8%D9%86%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D9%84%D8%AD%D9%85-%D9%88%D8%AF%D9%85-%D9%88%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D9%8A%D8%A7?fbclid=IwY2xjawOStIlleHRuA2FlbQIxMQBzcnRjBmFwcF9pZBAyMjIwMzkxNzg4MjAwODkyAAEe6-FJeUrTK8yCAjHYOPrnIBVgoVcbeBm0-LB3if7NzQxGvaLeygpS-ZQZQHI_aem_B7y9vjUT8--Fk4beH8UJYA

الاثنين، 24 نوفمبر 2025

ما تفعله شوارع الاحتلال بجمال الأديبات!


 


ما دام الحديث عن النكبات وجمال الخالات (المنشور السابق على هذه الصفحة)، أنظر في يومياتي فأقرأ عن أخلوقة حدثت في مثل هذا الوقت عام 2009، تداعت وحدها، إلى تداعياتي عن الخالات، ولكن عن ما تفعله الطرق الالتفافية، وهي من بركات العم أوسلو، في جمال الأديبات.

في مؤتمر المرأة المبدعة الذي استضافته جامعة بيت لحم (23-11-2009)، قدَّمت الكاتبة الأردنيَّة بسمة النسور نفسها باعتبارها كاتبة متمردة وجميلة، وقالت إنَّ السفر من رام الله إلى بيت لحم أتعبها وأثَّر على جمالها، وإنَّها في الواقع أجمل بكثير مما بدت عليه، اللعنة على طريق وادي النَّار الذي استحدثه الاحتلال بعد إغلاق القدس في 30 آذار 1993م.

الدكتور إبراهيم أبو هشهش، الَّذي قدَّم الأديبات، قال إنَّه يعرف النسور منذ زمن ويعتبرها من أجمل الكاتبات العربيات. الصورة للنسور في ذلك المؤتمر، تظهر تأثير الاحتلال على وجهها، وكاميرتي المتواضعة. من المؤسف أنَّني لم أر تألقًا ولا تمردًا في ذلك المؤتمر البعيد. هذه ميزة المهرجانية الأدبيَّة، التي لا معنى أدبيًا لها. يتألق أبو هشهش، ويبدع في القصة والسيرة.

#بسمة_النسور #إبراهيم_أبو_هشهش #أسامة_العيسة

السبت، 22 نوفمبر 2025

ما تفعله النكبات بالنساء


 


توالت النكبات على عائلة ابن حزم الأندلسي. تُوجت، اذا كانت النكبات تُتَوَّج، باحتلال جند البرابرة منازل أهله في قرطبة عام 1013م. ستُعرف الأحداث في الأدبيات الأندلسية بفتنة البرابرة.

نزح ابن حزم عن قرطبة وتوالت النكبات لأسبابٍ سياسيَّة. تعرض للاعتقال أكثر من مرَّة، لكن تقاديره هذه تخرج عن موضوعنا.

يذكر ابن حزم كلفه بجارية عند أهله قبل النكبات، وكانت في ذلك الوقت بنت ستة عشر عامًا. يقدم وصفًا آسرا لها: "كانت غاية في حسن وجهها وعقلها وعفافها وطهارتها وخَفَرها ودماثتها، عديمة الهزل، منيعة البذل، بديعة البِشْر، مُسْبَلَة السِّتر، فقيدة الذام، قليلة الكلام، مغضوضة البصر، سديدة الحذر، نقية من العيوب، دائمة القطوب، كثيرة الوقار.." ويكمل ويبدع وصفًا، قد تهم المتأدبين المتواضعين، لإثراء لغتهم. أمَّا من منحهم الله، علمه كله، فاستكفوا، واستنكفوا.

التقاها بعد ست سنوات من النكبات، فلم يعرفها: "ما كدت أن أميزها حتى قيل لي هذه فلانة، وقد تغيَّر أكثر محاسنها وذهبت نضارتها، وفُنيت تلك البهجة وغاض ذلك الماء الذي كان يُرى كالسيف الصقيل والمرآة الهندية، وذبل ذلك النُّوار الذي كان البصرُ يقصدُ نحوه منبهرًا ويرتاد فيه متخيرًا، وينصرف عنه متحيرًا، فلم يبق إلا البعضُ المنبىءُ عن الكلِّ، والخبر المخبر عن الجميع، وذلك لقلة اهتبالها بنفسها وعدمها الصيانة التي كانت غُذيت بها أيَّام دولتنا وامتداد ظلنا ولتبذُّلها في الخروج فيما لا بد منه مما كانت تُصان وترفع عنه قبل ذلك؛ وإنما النساء رياحين متى لم تُتعاهد نقصت، وبنيَّة متى لم يهتبل بها استهدمت".

في الصورة المرحومة فاطمة سالم، جارتنا في المخيم، واحدة مما فعلت النكبة فعلها في حُسنها. تحمل تنكة ماء، فازت بها من عين الماء التي وفرتها الأنروا، وكانت تشهد تزاحمًا وإشكالات وطوشًا، وكان وصول الماء ثوريًا، فقبل ذلك كان على الأمهات حمل تنكات المياه على رؤوسهن، وصعود جبلين بعد تمكنهن من تعبئتها من عين قرية ارطاس. كيف كن يتحملن؟ كل مشوار بتنكة. (الأديب وديع البستاني الذي عاش في فلسطين الانتدابية شجَّع استخدام كلمة تنكة، مُفلسفًا ذلك لُغويًا).

قدّر والدي العمة فاطمة، فهي ابنة خالته. وهي مثل باقي نساء قريتنا تحتفظ بملامح جمال، من زمن سبق النكبة، لا شك أنَّها كانت من جميلات القرية، ومعظمهم جميلات، والعمة فاطمة واحدة من كثيرات من ملكات الجمال، وفق المعايير الهوليدية، لم يكن بحاجة لحمية غذائية أو عمليَّات تجميل لا أعرف عنها الكثير، ولكن يبدو أنَّ الدماء الرومانيَّة والبيزنطيَّة التي تجري في عروقهن، يرشحهن لجمال، حددته الصناعة الرأسمالية. التي هي نفسها دمرت عالمهن، ونكبتهن، وقتلت نكبة البرد والجوع نصف ما أنجبن من أبناء.

ربَّت العمة فاطمة الدجاج في سقيفة قرب غرفىة الوكالة، التي صممها حسن فتحي، وغالبت الدنيا، ظهرت في مجلة العربي في واحدة من أعدادها الأولى، في استطلاع عن مخيم الدهيشة. عاشت قدرها السخيف القاسي.

#مخيم_الدهيشة #ابن_حزم #أطلس_الخالات #أسامة_العيسة