أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 5 ديسمبر 2025

تسكع تحت سماء بيت لحم/ جميل أبو حسين


 


صدفة التقينا

فنادى علينا الماضي البعيد، فردّ عليه أسامة العيسة

جاهزون للتّسَكّع كما كنا في ذاك الزمن

فمشينا في شوارع المدينة نتسكَّع على طريقتنا

تلك المدينة التي تغيَّرت كثيرًا وحاراتها القديمة وسوقها القديم وادراجها وصولاً إلى باحة الكنيسة.

ساعات ثلاث تحدثنا فيها كثيرًا عن كل شيء وفي كل شيء في السياسة والأدب وسألنا أنفسنا كثيرًا كما كانت عاداتنا القديمة.

#جميل_أبو_حسين #الياس_حلبي #ساحة_المهد #أسامة_العيسة

الخميس، 4 ديسمبر 2025

قارورة جَدَّتي التي لا أعرفها!


 


الصورة لقارورة فاتنة، إلَّا لمن يرى عكس ذلك، عُثر عليها في تل زكريا، تعود للعصر البرونزي المتأخر.

بعض القطع الأثرية تروي قصة ليس فقط من خلال كيفية استخدامها، ولكن أيضًا من خلال الصور المنقوشة بحرفية على وجهيها، مثل قارورتنا.

حسب علماء الآثار، فإنَّ القوارير هي نوع من الأوعية المميزة التي ظهرت خلال العصر البرونزي المتأخر، وأصبحت شائعة بشكل خاص في مراحله اللاحقة (LB IIB). غالبًا ما يشار إليها باسم "قوارير الحجاج"، بناءً على النظرية القائلة إنَّ المسافرين استخدموها لحمل السوائل خلال الرحلات الطويلة.

العديد من الأمثلة المعروفة من المنطقة تعرض أنماطًا هندسيَّة مرسومة، مثل اللولب والدوائر والزخارف،  أسلوب قد يعكس التأثر بالتقاليد الفنية في إيجة. لكن هذه القارورة من تلّ قريتنا، تتميَّز، بأسلوب أقل شيوعًا، وهو نقوش الحيوانات.

يمكننا رؤية على جانب القارورة، اثنين من الوعول يواجهان بعضهما، إضافة لظهور رسم لنعامة، وقد تظهر زخارف لأسماك محتملة على الجانبين. بينما تظهر زخارف الحيوانات على أنواع أخرى من الأوعية في العصر البرونزي المتأخر، إلَّا أنَّه أقل شيوعاً على القوارير، مما يجعل قارورتنا فريدة بشكل خاص.

عثر على القارورة سليمة تقريبًا، في منطقة الحفريات المعرفة بـ T2، في جزء من طبقة تدمير واسعة النطاق ترتبط بالنهاية الدرامية للموقع خلال العصر البرونزي المتأخر. ما أكثر احتلالات تلنا.

قد لا نعرف أبدًا من كان يملكها من أسلافنا، أو من حملتها، من جدَّاتنا، وماذا وجد فيها: ماء أو زيت أو نبيذ أو عطر. المهم أنها نجت من كارثة ضربت تلنا، قد تكون حملة عسكريَّة أو بيئية، ولكنَّها نجت من النَّار والدمار، وأكثر من ثلاثة آلاف عام للوصول إلينا.

أحب تسميتها قارورة جَدَّتي البعيدة، التي لم أعرفها. هل فكَّرت أنَّها يمكن أن تصلنا صورتها بعد قرون، بينما هي معتقلة في مخزن للمنقبين الغرباء في تلنا!

#قرية_زكريا #تل_زكريا #أسامة العيسة

الأربعاء، 3 ديسمبر 2025

في العراق!


 


بنت القدس تصل بغداد، جناح منشورات المتوسط، في  #معرض_العراق_الدولي_للكتاب 2025 في(جناح رقم A1)

#إياد_شماسنة: " يقدّم أسامة العيسة في روايته «بنت من القُدْس الجديدة» عملاً سرديّاً يختبر قدرة الأدب على مساءلة القانون، والأخلاق، وذاكرة المكان والتاريخ  في آنٍ معاً".

#بنت_من_القدس_الجديدة

#منشورات_المتوسط

#أسامة_العيسة

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2025

جميل جدًا/ جمال القواسمي


 


كتاب جميل جداً يا أسامة، سرد جميل وممتع بساطته وسخريته وواقعه الرمزي والحقيقي، وواضح ان بطل القصة مصدر هذا الجمال.

#جمال_القواسمي

#قط_بئر_السبع

#أسامة_العيسة

الاثنين، 1 ديسمبر 2025

يافا..القاهرة..بيروت 1947!



في عام 1947، كان لدى شاب من القدس، ما يأمله، في الأرض المقدَّسة المشتعلة. اسمه زهدي حسن جار الله. أصدر كتابًا عن المعتزلة. من منشورات النادي العربي في يافا. طبع في القاهرة.

الكتاب، المتوفرة منه نسخة على الانترنت، رسالة تبحث في تاريخ المعتزلة وعقائدهم وأثرهم في تطور الفكر الإسلامي، قدمها مؤلفها إلى دائرة التاريخ العربي في كلية العلوم والآداب بجامعة بيروت الأميركية ونال عليها رتبة أستاذ في العلوم.

أهداه إلى: "طلَّاب الحرية من شباب العرب في كل أرض، وفي كل زمان، أهدي هذه الرسالة في تاريخ دعاة التحرر الفكري من أسلافهم".

مقدمة قصيرة للدكتور الفريد جسوم الموصوف بـ المستشرق الكبير، وهو أستاذ جار الله، وأحد المشرفين على الرسالة، رفقة قسطنطين زريق، الذي سينسب إليه أجتراحه مصطلح النكبة، وصاحب التأثير على شبان سيعبرون عن رفضهم للنكبة، بأكثر الطرق ثورية، كجورج حبش مثلًا.

يقرّ الشاب القدسي، بفضل شارل مالك، الشخصية المعتبرة سياسيًا ودبلوماسيًا وأكاديميًا، المعجب بالمعتزلة. أظن أنَّ من منجزات مالك المتعددة، تأسيسه لقسم الفلسفة في الجامعة الأميركية، وربَّما هذا ما أوجب التويه بفضله.

يعرب المقدِّم عن أمله الكبير: "إذا كانت مكتبات الشيعة في اليمن أو في غير اليمن تحوي مخطوطات من أصل معتزلي، أن تقوم بنشرها". هذه ملاحظة مهمة، هل سُمع في زمنه عن مخطوطات للمعتزلة في اليمن؟ هل يقصد مؤلفات القاضي عبد الجبار، التي نشرت بالفعل، لاحقًا (في الستينيات) بإشراف طه حسين؟ وصلت بعثة مصرية في عام 1951 لتصوير مخطوطات اليمن ومن ضمنها كان (المُغني) للقاضي عبد الجبَّار، أدرك طه حسين أهمية هذا السِفر، فأشرف على نشر ما وجد منه. تتوفر نسخ منه لدى مكتبة دنديس في الخليل، التي يعيش فيها ناجح سلهب، الذي يقدم نفسه كرأس المعتزلة في فلسطين. لعل ذلك يفرح جار الله هناك في دنيا البقاء.

يقرَّ جار الله أنَّه اعتمد على ما قاله المختلفون عن المعتزلة عنهم، أملًا هو الآخر نشر مخطوطات المعتزلة الموجودة في مكتبات الشيعة "في اليمن والعجم والهند". هذا يعني أنَّ معلومات شاعت عن وجود مثل هذه المخطوطات.

لا يخفي المؤلف تعاطفه مع المعتزلة باعتبارهم روَّاد حركة فلسفيَّة علميَّة تحرريَّة، ويأخذ عليهم إعلانهم المحنة واضطهاد العلماء ليحققوا بالإكراه ما لم يحقق بالاقناع. ويرى أنهم بهذا هدموا بأيديهم في بضع سنين ما بنوه في قرن، وأعطوا أعداءهم الحنابلة سلاحًا يقاومونهم به.

يعتقد المؤلف أنَّ شدَّة تمسك المعتزلة بالعقل وتحاملهم على النقل لم يؤد إلا إلى تقوية ما يصفها الرجعية الحنبلية، ولكن أيضًا إلى نشأة حركتين رجعيتين، حسب وصفه أيضًا وهما الظاهرية، والكرَّاميةَّ. هل الظاهرية التي ترفض القياس والرأي، وقصر الإجماع على إجماع الصحابة، والتمسك بظاهرة الكتاب والسنة، رجعيَّة حقًا؟ على الأقل فيما يخص عَلمين من أعلامها، وهما ابن داود زعيمها في بغداد بعد والده، وابن حزم فالأمر مختلف. الأصح أحب أن أراهما مختلفين، فالأوَّل هو صاحب كتاب الزهرة، الذي يعتبر، حتى إشعار آخر، أوَّل كتاب في العشق في الأدب العربي، يعتقد البعض أنَّ ابن حزم، كتب طوق الحمامة، كمعارضة لكتاب الزهرة، وإن كان ذلك، بالنسبة لي، غير دقيق، إلا أنَّه يمكن تلمس تأثر القطب الظاهري البارز في الأندلس بكتاب زعيم المذهب في بغداد.

حسب جار الله فإنَّ فرقة الكرَّامية، وهم أتباع محمد بن كرَّام السجستاني، غالوا في إثبات الصفات حتى انتهوا إلى التقسيم والتشبيه، ووصل عددهم في الشام إلى 21 ألفا. استوقفتني هذه الفرقة، بعيدًا عن كتاب جار الله، لنفوذها في القدس حتى يمكن لقاريء أخبارها، يظن أنَّ القدس، في فترة زمنية، كانت كلها كرَّامية، ودفن مؤسسها في المدينة المقدسة. عموما الكرَّامية فرقة كلامية، تأثر مؤسسها، ووارثوه الذين انقسموا لفرق، كحال أصحاب علم الكلام، بالفلسفة. مؤسف أن لا أحد، على علمي تصدى لمهمة كتابة التاريخ العلمي للقدس، التي وإن لم تكن بأهمية القاهرة وبغداد ودمشق، إلا أن ساحاتها وأروقتها شهدت مناظرات، وإقامة لعديد من رموز الفكر والفلسفة فيها لفترات.

عاد جار الله، في بحثه، إلى مخطوطات، ويمكننا تقدير صعوبة عمله، نحن الذين نستطيع قرأتها وقد تحولت إلى كتب.

#زهدي_جار_الله #ناجح_سلهب #المعتزلة #أسامة_العيسة
 

السبت، 29 نوفمبر 2025

تتويج فلسطيني في جائزة ابن بطوطة!



أعلن المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق، في أبوظبي ولندن، نتائج "جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة" للعام 2025-2026، التي تُمنح سنوياً لأفضل الأعمال المحققة والمكتوبة في أدب الرحلة، وقد فازت 12 كاتبة وكاتباً من المغرب، ومصر، والجزائر، وتونس، والبحرين، والإمارات، والهند، وفلسطين، وتشاد.

وعن فئة اليوميات، توج كتاب "وحيداً تحت سماء القدس.. يوميات السجن والسرطان والكورونا" للكاتب الفلسطيني أسامة العيسة.

ويُقام حفل توزيع الجوائز في مايو/ أيار المقبل في المغرب وأبوظبي، ترافقه ندوة حول أدب الرحلة يشارك فيها الفائزون ولجنة التحكيم وباحثون عرب وأجانب.

سعيد بهذه الجائزة لأسباب كثيرة.

تفاصيل:

https://www.independentarabia.com/node/637266/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/12-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A7-%D9%81%D8%A7%D8%A6%D8%B2%D8%A7-%D8%A8%D8%AC%D8%A7%D8%A6%D8%B2%D8%A9-%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A8%D8%B7%D9%88%D8%B7%D8%A9-%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9

#جائزة_ابن_بطوطة_لأدب_الرحلة

#تحت_سماء_القدس

#أسامة_العيسة

الخميس، 27 نوفمبر 2025

شاهد على اغتيال القط!



 


آخر الواصلين إلى ساحة المهد، لاجئاً، مع استعدادات المدينة للاحتفاء بميلاد ابنها اللاجئ الأوَّل إليها، بعد عامين من الاستنكاف، هو شعبان عمرو، مناضل قديم، تصدَّرت عمليته الفدائيَّة الأخبار، في زمنٍ مضى. تحرَّر في صفقة التبادل الكبرى في مثل هذه الأيَّام قبل 42 عامًا.

طردته حكومة الاحتلال من القدس، بعد أكثر من 35 عامًا، في محله في حارة النصارى.

شعبان شاهد على واقعة القط في سجن بئر السبع، صديق الأسرى، بطل رواية قط بئر السبع.

يتذكر شعبان ما حدث، وهو ينظر لكنيسة المهد، حزينًا،  وكأنَّ ما حدث، وقع للتو: لقد قتلوا القط، قتلوه!

#شعبان_عمرو #قط_بئر_السبع #روايات_الهلال #أسامة_العيسة

الأربعاء، 26 نوفمبر 2025

حمار زكريا!




للوهلة الأولى، يبدو التمثال وكأنهَّ لعبة صغيرة مكسورة، لكنَّه حمار طيني صنع يدويًا، عاش في تلنا (تل زكريا) أكثر من 4500 عامًا، حتَّى وصل إلينا.

وُجد هذا الحمار الزكراوي، خلال الحفريات الاحتلالية في تلنا، مستريحًا على أرضية من العصر البرونزي المبكر، من المرجح، أنَّ التمثال لم يصلنا كاملًا، فهو يفتقد الأنف الطويل، وربَّما حمل على ظهره بردعة أو فلاحًا.

كما الآن، في غزة مثلًا، لعبت الحمير دورًا حاسمًا في الشرق القديم، استخدم في نقل البضائع، وربط المستقرات السكنية، وساهم في تشكيل شبكات التجارة المبكرة. ليس من قبيل الصدفة العثور على العديد من تماثيل الحمير من هذه الفترة في جميع أنحاء المنطقة (الهضاب المنخضة). ولكن الجزء الأكثر إثارة للاهتمام هو أنَّه تحت الأرضية، حيث عُثر على هذا التمثال، كشف علماء الآثار عن دفن حمارين صغيرين.

هل كان هذا التمثال مجرد لعبة؟ أو عرض طقوسي؟ أو حارس رمزي لمن سافروا؟

قد لا نعرف على وجه اليقين، لكن هذا الحمار الطينيِّ الصغير يحمل قصَّة تمتد عبر آلاف السنين. رواها فلَّاح من بلدنا، ووصلت إلينا، رغم أنَّ التمثال نفسه محتجز الآن، لدى المؤسسات الاحتلالية الأثرية.

تفاصيل عن حمارنا:

*يعود إلى العصر البرونزي المبكر (EB II-III)، المنطقة S1، تل زكريا.

* الفترة التي صنع فيها 2800-2600 قبل الميلاد.

*الحجم الطول: 12.3  سم، العرض 6 سم.

#تل_زكريا

#قرية_زكريا

#أسامة_العيسة

 

الثلاثاء، 25 نوفمبر 2025

"بنت من القدس الجديدة" لأسامة العيسة: مدينة من لحم ودم وخطايا!/ بديعة زيدان


 
تُعد رواية "بنت من القدس الجديدة" لأسامة العيسة، الصادرة حديثاً عن منشورات المتوسط في إيطاليا، نصاً سردياً مشاغباً للتاريخ، يبتعد عن السرديات البطولية التقليدية للقضية الفلسطينية، ليغوص في التاريخ الاجتماعي والنفسي لمدينة القدس وسكانها، من خلال مأساة فردية تتحول إلى استعارة كبرى للضياع.
تدور أحداث الرواية حول "صالحة"، وهي فتاة مقدسية من حي "البقعة" (القدس الجديدة)، ابنة الصحافي المتنوّر "صالح أبو صالحة".. الحدث المحرك للرواية صادم وغرائبي، بحيث تذهب صالحة إلى المحكمة الشرعية (المدرسة التنكزية سابقاً) لتشتكي "محمد حنا" (مسيحي يحمل اسماً مركباً)، مطالبة إياه بـ"ثمن بكارتها" التي "انتهكها" بطريقة غير مشروعة، معتبرة أن هذا حق لا يسقط، بالاتكاء إلى حكم سابق من محكمة البداية.
تستعرض الرواية تفاصيل الحياة في الأحياء الجديدة خارج الأسوار (البقعة والقطمون) كرمز للحداثة الفلسطينية التي كانت تتشكل، فقد بنى والد صالحة منزلاً حجرياً جميلاً في حي البقعة، يرمز للاستقرار والنهضة العمرانية، فيما تظهر صالحة كفتاة عصرية، تقود دراجة نارية، وتذهب للسينما، وتعمل في فندق الملك داود، وتسجل في مفكراتها تفاصيل الحياة اليومية، والمشتريات، والديون، وحتى متابعتها للأغاني والإذاعات، ما يعكس نمط حياة منفتحاً يختلف عن انغلاق البلدة القديمة.
والدها "صالح أبو صالحة" صحافي ومثقف، كان عضواً في "جمعية الاتحاد والترقي"، وطرح فكرة دولة موحدة (إسراطين) كحل سياسي مبكر، لكنه قوبل بالسخرية والتخوين.
تتقاطع مأساة صالحة الشخصية مع الكوارث العامة التي حلت بفلسطين، كحادثة تفجير فندق الملك داود، حيث كانت تعمل، هي التي نجت من التفجير الذي نفذته عصابة "الأرغون" الصهيونية في العام 1946، وشاهدت الدمار الذي لحق بالمكان الذي كان يمثل جزءاً من عالمها الحديث، وكسقوط "البقعة" في العام 1948، بحيث تصف الرواية بدقة مؤلمة لحظات سقوط الحي.. لم تكن معركة عسكرية بقدر ما كانت عملية استيلاء ونهب، حيث دخلت العصابات البيوت، وسرقت الأثاث، والسجاد، والبيانو، وحولت المنازل العامرة إلى ركام أو مساكن للمهاجرين الجدد.
غادرت صالحة ووالدها القدس على أمل العودة قريباً (إجازة قصيرة)، حاملين حقائب صغيرة، متجهين إلى القاهرة، وتحديداً للعيش في حي مصر الجديدة (هليوبوليس)، الذي كان يشبه في حداثته "القدس الجديدة" المفقودة، وهناك عاشا وسط جالية فلسطينية تنتظر العودة، يجترون الذكريات ويتابعون الأخبار السياسية بأمل يتضاءل تدريجياً.
توفي والد صالحة في القاهرة مقهوراً، لتدفنه هناك، وتفقد السند الأخير الذي كان يربطها بماضيها وعزتها، وبعد حرب العام 1967، واحتلال ما تبقى من القدس، تقرر العودة، لكنها تجد مدينة مختلفة تماماً، فحين تذهب إلى منزلها تجده مسكوناً من قبل عائلة يهودية، ولم يتبقَ من ماضيها سوى شجرة الكينا والبيانو الذي لم يعد يعزف ألحانها.
وهنا تدرك صالحة أن ضياع "بكارتها" كان استعارة لضياع المدينة بأكملها، حيث لم يعد هناك من يطالب بحق أو يعيد ما سُلب، لينتهي المطاف بها في مستشفى للأمراض العقلية (دير المجانين) في بيت لحم، المكان الوحيد الذي يتسع لذاكرتها ومأساتها، قبل أن تموت وحيدة وتدفن في "مقبرة الغرباء".
وهذه التفاصيل ترسم مساراً من الصعود ممثلاً بالانفتاح إلى الهبوط ممثلاً بالنكبة والمنفى والجنون، جاعلة من جسد صالحة وحياتها خريطة لمدينة القدس وتحولاتها التراجيدية، فبكارة صالحة هي المعادل الموضوعي لـ"فلسطين" أو "القدس" نفسها، ومطالبة صالحة بـ"ثمن البكارة" في المحكمة صرخة عبثية ترمز لمطالبة الفلسطينيين بحقوقهم المسلوبة من قوى استعمارية أو متواطئة، وهي حقوق لا تُسترد.
أما "القدس الجديدة"، فترمز إلى الحداثة الفلسطينية المجهضة، خاصة أنّ الرواية تركز على العائلات التي خرجت من أسوار البلدة القديمة لتبني حياة عصرية (بيوت حجرية، وبيانو، ولغات، وانفتاح)، وكيف تم تدمير هذا "الفردوس" ونهبه، بينما يمثل "محمد حنا" الخديعة، أو ربما التناقضات الهوائية للواقع، فهو مسيحي يُدعى محمد، يستغل صالحة ثم يتنصل منها، تماماً كما تنصلت القوى الدولية من وعودها للقدس.
أمّا استخدام مفكرة "صالحة" التي تحتوي دعاية بريطانية لتدوين مأساتها الشخصية، فيرمز إلى سحق السردية الفردية الإنسانية تحت عجلات البروباغندا السياسية الكبرى.
الشخصية المحورية هي "صالحة"، وهي ليست مجرد ضحية، بل هي "القدس" المتمردة والمكسورة.. شخصية إشكالية، جريئة لدرجة الوقاحة كما قد يراها البعض، لكنها مثقفة، وإن انتهى الأمر بها بالجنون أو ما يشبهه، وهي تمثل الجانب الإنساني المغيّب للمدينة المقدسة.
القاضي الذي ينظر في القضية، ويلقب نفسه بالتنكزِي، غارق في التاريخ المملوكي، يهرب من قضايا واقعه إلى مخطوطات التاريخ وسيرة الأمير "تنكز"، يتعاطف مع صالحة إنسانياً لكنه يجد نفسه مكبلاً بالنصوص والإجراءات، فينتهي به الأمر إلى إحالة القضية للمحكمة الكنسية، ما يعني ضياع حق صالحة عملياً، وهو هنا يمثل السلطة العاجزة، والمثقف الذي يهرب من "القدس الحالية" المليئة بالدناسة والرعب إلى "القدس التاريخية" (زمن المماليك وتنكز) عبر الكتابة والبحث، في محاولة لترميم الواقع عبر التاريخ.
ويمثل صالح أبو صالحة (الأب)، المثقف الفلسطيني التنويري المهزوم، وهو صحافي أسس جريدة تدعو للحرية، واقترح دولة موحدة (إسراطين) مبكراً، لكنه انتهى لاجئاً ومهمشاً، في ترميز لجيل النهضة الذي انكسر مشروعه.
ومَنَحَ حضور خليل السكاكيني كشخصية حقيقية، الرواية، مرجعية تاريخية وتوثيقية، كممثل لضمير القدس التعليمي والتربوي الذي شهد على النكبة وضياع مكتبته الشخصية، التي ترمز لضياع الذاكرة الثقافية.
تميّز أسامة العيسة في هذه السردية بكسر الإيهام الروائي، حيث الراوي لا يكتفي بالسرد، بل يتدخل بصفته "كاتب مجانين بيت لحم" أو "الروائي"، يعلق على الأحداث، ويخاطب القارئ مباشرة، ويسخر من شخصياته أحياناً.. هذا الأسلوب يجعل من الرواية "بحثاً في كيفية كتابة الرواية" وتوثيقاً للتاريخ المنسي والمهمش (تاريخ الجنون، والمومسات، والمهمشين)، بدلاً من تاريخ القادة والزعماء.
وتدمج الرواية بين الخيال والوثيقة، حيث يستحضر الكاتب نصوصاً من سجلات المحاكم الشرعية المملوكية والعثمانية، ومقالات صحافية قديمة، وقصائد، ليعطي السرد عمقاً أنثروبولوجياً، كما تتميز بتعدد الأصوات، بحيث تتنقل الرواية بين صوت الراوي العليم، ويوميات صالحة (المفكرة)، وأبحاث القاضي التاريخية، ما يخلق منها فسيفساء لمدينة القدس.
أما اللغة فهي مشحونة بسخرية مريرة، وهي لغة تمزج بين الفصحى الرصينة (خاصة في استعارة لغة السجلات القديمة)، وبين روح اللغة المحكية الفلسطينية المقدسية، كما أنها مثقلة بالمعرفة التاريخية والجغرافية.
وتُخرج الرواية القدس من كونها "رمزاً دينياً" مقدساً وجامداً، لتصبح مدينة من لحم ودم، فيها "الدناسة" كما "القداسة".. إنها مدينة البشر بخطاياهم ونزواتهم، وليست مدينة الملائكة فقط، مركزة على تاريخ الناس العاديين، فيما كان تناول موضوع "البكارة" وربطه بضياع الوطن مدخلا جريئا وغير تقليدي في الأدب الفلسطيني.
لكن القارئ، قد يشعر أحياناً أن صوت "الباحث" يطغى على صوت "الروائي"، خاصة في الفصول التي تتناول تفاصيل العصر المملوكي والأمير تنكز، ما قد يقطع التدفق العاطفي لقصة صالحة، كما أن الانتقال بين الأزمنة والشخصيات الكثيرة، مثل: روبرت كندي، واللورد بيل، وشخصيات عابرة عدة، قد يشتت القارئ عن الخط الدرامي الرئيسي.
ورغم ذلك، يمكن اعتبار رواية "بنت من القدس الجديدة" مرثية جارحة للحداثة الفلسطينية التي قُتلت في مهدها، وكأن العيسة يطالب باستعادة ذاكرة مدينة كاملة تم انتهاكها، ليس فقط عسكرياً، بل ثقافياً وإنسانياً.. إنها رواية تقول، إن ضياع "البقعة" و"القطمون" وبيوتهما الجميلة، جرح لا يقل عمقاً عن ضياع المقدسات.

https://www.al-ayyam.ps/ar/Article/421045/%D8%A8%D9%86%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D9%84%D8%AD%D9%85-%D9%88%D8%AF%D9%85-%D9%88%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D9%8A%D8%A7?fbclid=IwY2xjawOStIlleHRuA2FlbQIxMQBzcnRjBmFwcF9pZBAyMjIwMzkxNzg4MjAwODkyAAEe6-FJeUrTK8yCAjHYOPrnIBVgoVcbeBm0-LB3if7NzQxGvaLeygpS-ZQZQHI_aem_B7y9vjUT8--Fk4beH8UJYA

الاثنين، 24 نوفمبر 2025

ما تفعله شوارع الاحتلال بجمال الأديبات!


 


ما دام الحديث عن النكبات وجمال الخالات (المنشور السابق على هذه الصفحة)، أنظر في يومياتي فأقرأ عن أخلوقة حدثت في مثل هذا الوقت عام 2009، تداعت وحدها، إلى تداعياتي عن الخالات، ولكن عن ما تفعله الطرق الالتفافية، وهي من بركات العم أوسلو، في جمال الأديبات.

في مؤتمر المرأة المبدعة الذي استضافته جامعة بيت لحم (23-11-2009)، قدَّمت الكاتبة الأردنيَّة بسمة النسور نفسها باعتبارها كاتبة متمردة وجميلة، وقالت إنَّ السفر من رام الله إلى بيت لحم أتعبها وأثَّر على جمالها، وإنَّها في الواقع أجمل بكثير مما بدت عليه، اللعنة على طريق وادي النَّار الذي استحدثه الاحتلال بعد إغلاق القدس في 30 آذار 1993م.

الدكتور إبراهيم أبو هشهش، الَّذي قدَّم الأديبات، قال إنَّه يعرف النسور منذ زمن ويعتبرها من أجمل الكاتبات العربيات. الصورة للنسور في ذلك المؤتمر، تظهر تأثير الاحتلال على وجهها، وكاميرتي المتواضعة. من المؤسف أنَّني لم أر تألقًا ولا تمردًا في ذلك المؤتمر البعيد. هذه ميزة المهرجانية الأدبيَّة، التي لا معنى أدبيًا لها. يتألق أبو هشهش، ويبدع في القصة والسيرة.

#بسمة_النسور #إبراهيم_أبو_هشهش #أسامة_العيسة

السبت، 22 نوفمبر 2025

ما تفعله النكبات بالنساء


 


توالت النكبات على عائلة ابن حزم الأندلسي. تُوجت، اذا كانت النكبات تُتَوَّج، باحتلال جند البرابرة منازل أهله في قرطبة عام 1013م. ستُعرف الأحداث في الأدبيات الأندلسية بفتنة البرابرة.

نزح ابن حزم عن قرطبة وتوالت النكبات لأسبابٍ سياسيَّة. تعرض للاعتقال أكثر من مرَّة، لكن تقاديره هذه تخرج عن موضوعنا.

يذكر ابن حزم كلفه بجارية عند أهله قبل النكبات، وكانت في ذلك الوقت بنت ستة عشر عامًا. يقدم وصفًا آسرا لها: "كانت غاية في حسن وجهها وعقلها وعفافها وطهارتها وخَفَرها ودماثتها، عديمة الهزل، منيعة البذل، بديعة البِشْر، مُسْبَلَة السِّتر، فقيدة الذام، قليلة الكلام، مغضوضة البصر، سديدة الحذر، نقية من العيوب، دائمة القطوب، كثيرة الوقار.." ويكمل ويبدع وصفًا، قد تهم المتأدبين المتواضعين، لإثراء لغتهم. أمَّا من منحهم الله، علمه كله، فاستكفوا، واستنكفوا.

التقاها بعد ست سنوات من النكبات، فلم يعرفها: "ما كدت أن أميزها حتى قيل لي هذه فلانة، وقد تغيَّر أكثر محاسنها وذهبت نضارتها، وفُنيت تلك البهجة وغاض ذلك الماء الذي كان يُرى كالسيف الصقيل والمرآة الهندية، وذبل ذلك النُّوار الذي كان البصرُ يقصدُ نحوه منبهرًا ويرتاد فيه متخيرًا، وينصرف عنه متحيرًا، فلم يبق إلا البعضُ المنبىءُ عن الكلِّ، والخبر المخبر عن الجميع، وذلك لقلة اهتبالها بنفسها وعدمها الصيانة التي كانت غُذيت بها أيَّام دولتنا وامتداد ظلنا ولتبذُّلها في الخروج فيما لا بد منه مما كانت تُصان وترفع عنه قبل ذلك؛ وإنما النساء رياحين متى لم تُتعاهد نقصت، وبنيَّة متى لم يهتبل بها استهدمت".

في الصورة المرحومة فاطمة سالم، جارتنا في المخيم، واحدة مما فعلت النكبة فعلها في حُسنها. تحمل تنكة ماء، فازت بها من عين الماء التي وفرتها الأنروا، وكانت تشهد تزاحمًا وإشكالات وطوشًا، وكان وصول الماء ثوريًا، فقبل ذلك كان على الأمهات حمل تنكات المياه على رؤوسهن، وصعود جبلين بعد تمكنهن من تعبئتها من عين قرية ارطاس. كيف كن يتحملن؟ كل مشوار بتنكة. (الأديب وديع البستاني الذي عاش في فلسطين الانتدابية شجَّع استخدام كلمة تنكة، مُفلسفًا ذلك لُغويًا).

قدّر والدي العمة فاطمة، فهي ابنة خالته. وهي مثل باقي نساء قريتنا تحتفظ بملامح جمال، من زمن سبق النكبة، لا شك أنَّها كانت من جميلات القرية، ومعظمهم جميلات، والعمة فاطمة واحدة من كثيرات من ملكات الجمال، وفق المعايير الهوليدية، لم يكن بحاجة لحمية غذائية أو عمليَّات تجميل لا أعرف عنها الكثير، ولكن يبدو أنَّ الدماء الرومانيَّة والبيزنطيَّة التي تجري في عروقهن، يرشحهن لجمال، حددته الصناعة الرأسمالية. التي هي نفسها دمرت عالمهن، ونكبتهن، وقتلت نكبة البرد والجوع نصف ما أنجبن من أبناء.

ربَّت العمة فاطمة الدجاج في سقيفة قرب غرفىة الوكالة، التي صممها حسن فتحي، وغالبت الدنيا، ظهرت في مجلة العربي في واحدة من أعدادها الأولى، في استطلاع عن مخيم الدهيشة. عاشت قدرها السخيف القاسي.

#مخيم_الدهيشة #ابن_حزم #أطلس_الخالات #أسامة_العيسة

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2025

المِسْمِسْ!




 


تمكنا نحن أولاد جيل الأزقة والنجوم البعيدة، وبناته، من صمدنا أكثر من دول المواجهة (هكذا كانت تسمى)، من  قهر الجيش الَّذي لا يقهر، مرتين على الأقل في جبهة تمتد من المخيم إلى ساحة المهد، كما قهرناه في جبهاتٍ أخرى.

انطلقناة في مظاهرة، يمكن أن يصفها صحفي، فقير المصطلحات مثلي، أنَّها حاشدة، وهي كذلك بحشود أولاد المخيم وبناته، من شارع القدس- الخليل، متحمسين نردد خلف الهتَّافين، ولعل أهمهم خالد حلمي، لفلسطين وللوحدة الوطنيَّة، التي كانت آنذاك بالنسبة للأولاد والبنات: "وحدة..وحدة وطنيَّة/ فتح وجبهة وشيوعيَّة". على الأغلب لم يكن محمد اللبدي، قد نجح في إيصال رسالة أبو النوف حواتمة إلى أولاد المخيم، وربما لم يكن هو قد تبنى الرسالة. لم يكن، أيضًا، صالح أبو لبن قد تحرَّر. الأخوان المسلمون خارج المعادلة، وعندما ظهروا لاحقًا في المخيم، ربطوا أنفسهم بجماعة الأخوان البائسة في الأردن (بائسة مثل نظيرها الشيوعيِّ)، وعلى الأرجح، وبقرار من قيادة عمَّان، ناضلوا ضد الوطنيِّين، برشق المنازل بالمولوتوف، وحرق السيَّارات، والاعتداء على منازل وطنيين من المخيم، انتقلوا للعيش خارجه. لم يتلق أي من المعتدى عليهم اعتذارًا حتَّى الآن. ستكون حماس، بعد نحو سبع سنوات، مختلفة عن الأخوان.

اكتشف الصديق شوقي، نظرية، يجهد فيها الآن، أنَّ الاخوان والشيوعيِّين الأردنيِّين، نفَّذوا تعليمات لندن، وموسكو، وتوصل لنتائج متشابهة على سيرة الطرفين السياسيَّة.

وصلنا المدبسة، غير مصدَّقين تحقيق هذا الإنجاز، وأمام قهوة المِسْمِسْ، تحمَّس المِسْمِسْ بنفسه الَّذي لم يصدِّق أنَّنا حررنا المكان، فخلع قميصه، وأصبح جزؤه الأعلى عاريًا، وتقدمنا يهتف، ربما إحساسًا بمسؤوليته تجاهنا نحن الأصغر سنًا منه، وكأنَّه انبثق من مكانٍ غير معروف وغير متوقع، يؤكد بعريه شيئًا قد لا يكون هو نفسه يعرف كنهه، ربمَّا تمثَّل المقولات التي نسمعها عن المواجهة بالصدور العارية. فطبقها حرفيًا.

وصلنا درج السوق، أمام صيدلية حنضل الأبقونية، الشاهدة على هزيمة الأنظمة، وانبثاق جيل الأزقة والنجوم البعيدة. يبدو أنَّه في مكانٍ ما في قيادة جيش الاحتلال الغافل اتخذ قرار بوقف وصولنا إلى مركز الشرطة في ساحة المهد، فَفُتحت النيران علينا من مسافة بعيدة نسبيًا، فجرحت على الأقل زميلتنا جواهر، ولم نتمكَّن من العودة إلى المخيم الَّذي حاضره جيش الاحتلال، فتفرقنا أيدي شوارع وحواكير زيتون وأزقة.

مع هبوط الظلام، قبل الأولاد والبنات، بأبي جريس، رئيس البلدية وسيطًا، والَّذي اضطلع بدوره بشهامة ريفيَّة، وقاد بنفسه إعادتنا إلى المخيم ليلًا. أبو جريس كان عضوًا سريًا في حركة فتح نظَّمه القائد الشهيد أبو جهاد، بواسطة زميله حنا الأطرش رئيس بلدية بيت ساحور (شهادات خاصة) ولم يكن بروزته صورته مع شمعون بيرس في صالون منزله، على شارع القدس- الخليل، سوى نوع من التمويه. سيلقي أبو جريس كلمة الانتفاضة في المجلس الوطني عام 1988م (يحتاج إلى تأكيد). تفضَّل الأطرش في نهاية التسيعنيات، وأرسل لي ردًا مكتوبًا، على مقال تضمن اتهامات صعبة لرؤساء بلديات بيت لحم، وبيت ساحور، وبيت جالا. وهذا موضوع آخر.

تمسَّك عرفات بأبي جريس كأوَّل وزير سياحة في السلطة الفلسطينيَّة، حتَّى وهو يحتضر، وعندما مات، أصدر أوَّل رئيس للسلطة، بيانًا نعاه بوصفه شهيدًا، وهو شرف لم ينله وزيرًا. من يوم عرفات حتَّى يومنا.

ما زال ا المِسْمِسْ وجه المدبسة المعتق يصنع القهوة، تعبق رائحتها في المكان فتختلط برائحة خبز السالزيان وفلافل أفتيم وبن العلاري، وزعتر الفلاحات.

#مخيم_الدهيشة #محمد_اللبدي #صالح_أبو_لبن #شوقي_العيسة #أسامة_العيسة

الأحد، 16 نوفمبر 2025

رحيل بائع فستق!


 


انطفأ ابو جوهر، في منزله قبالة دير الجنة المقفلة، يفصل بين المنزل والدير، وادي ارطاس، جزء من أطول أودية خط تقسيم المياه في الهضبة الفلسطينيَّة الوسطى، الذي يصب في البحر الميت، بطول يصل نحو 25 كلم. يبدأ من وادي البْيار، حيث واحدة من المعجزات المعمارية الفلسطينيَّة. أخذ الوادي اسمه من نحو 70 فتحة لقناة حفرت في الصخر الصلد، من أجل أمن القدس المائي.

يقع منزل أبو جوهر بمحاذاة قناة المياه الأسطورية التي حملت المياه إلى القدس، ونكبتها النكبة، أمَّا الدير، أجمل أديرة البر الفلسطينيِّ، فيقع على أقدام جبل أبو زيد. في أشهره الأخيرة رأى أبو جوهر البؤرة الاستيطانية الجديدة أعلى الجبل، في تحدي جديد لاساطير الملاحم الهلالية، التي نسجها أسلاف أبو جوهر في المكان الذي شهد، بالنسبة للكتابيين، غزل سليمان في محبوبته، وولادة أعظم قصيدة حب وأقدمها، واعتبروا نبع ارطاس، الفم المختوم في نشيد الإنشاد.

أبو جوهر هو بائع فستق العبيد على مدبسة بيت لحم. في ظل فلافل أفتيم، أجيال من الأفتيميين لا ييبخلون بفلافلهم على أبي جوهر وغيره، وكأنَّ وصفة الفلافل الَّتي أخذوها معهم يوم نكبتهم من يافا، هي بمثابة رسالة. في بيت لحم، بيت الخبز، لا يجوع النَّاس.

أحببت دائمًا سماع حكايات أبو جوهر جالسًا بجواره على البسطة. لم يكن أبو جوهر دائمًا بائع فستق. هو من الجيل الذي كان عليه مواجهة واقع جديد بعد النكسة. لم يكن مسيسًا أو له نشاطات وطنية. واحد من جيل الصدمة، استعد لملاقاة الجيش المصريّ في تل أبيب، فوجد جنود اليهود أمام منزله يطلون على الدير، ودار الراهب أعلاه التي قيل أنَّه عاش فيها قبل الحرب يهوديِّ مستعرب. وظهر على حقيقته مع احتلال القرية. مثل هذه الحكايات شاعت بين المهزومين. ليس للمهزومين من تسلية سوى جلد الذات والتسلي على غبائها.

حدثني أبو جوهر عن ملاسنته للجنود، مظهرا أمامي فروسية قد تكون تعويضية. في سنوات الاحتلال الأولى كان كل من الطرفين في حالة تعارف واستكشاف، وإن كانت غير متساوية. وجد أبو جوهر نفسه في تل أبيب، بالطبع ليس ليلتقي الجيش المصري، ولكن في سوق العمل الأسود.

لم يكن لحياته أي خصوصية، وكأنَّه رمز لجيل وجد نفسه عاريًا، خلال أيام قليلة، قيل أنَّها ستة أيَّام، لكن بالنسبة له لم تكن سوى ست ساعات أو ست دقائق.

 منذ الانتفاضة الثانية، افتتحت مقبرة للشهداء، بجاور منزل أبو جوهر بمحاذاة بركة رومانية هي على الأرجح جزء من النظام المائي الذي متع القدس بالمياه، ليصبح شاهدًا على سبيل دماء جديد لا ينتهي، غادر والدماء في كل مكان.

وداعًا صديقي!

#إرطاس

الجمعة، 14 نوفمبر 2025

سينما وامرأة وغزة!


 


شارك صديقي السيناريست خالد خمَّاش، في لجنة تحكيم المهرجان الدوليِّ لسينما المرأة في قطاع غزة، وعاد إلى خيمته في دير البلح، التي يحتمي فيها النازحون، بفعل المأبدة، لوجود منظمات الإغاثة الأجنبية فيها.

قال لي خالد ضاحكًا: نعم سينما وامرأة وغزة. فرشوا سجادة حمراء، مثل مهرجانات الدنيا!

نُظم المهرجان في فضاء مفتوح وسط الركام.

صمد خالد في منزله في رفح، خلال شهور المأبدة الأولى، واستقبل نازحين من غزة، ولكنَّه فقد المنزل متعدد الطوابق. لم يرثه، كما رثى ابن حزم قرطبة، أو خراب البصرة، أو شعراء أرض البرتقال الحزين الذين سكبوا الدموع على منازلنا المنكوبة. رثاؤه فقط جملة: وداعًا جنتي الصغيرة. يتلقى خالد، كموظف في السلطة الفلسطينية، 50 أو 60 بالمئة من راتبه، مثل بقية الموظفين، مضطر لخسارة 20 بالمئة منه للوسطاء. الهموم في غزة تتراكم.

لم يكتب خالد يوميَّاته خلال المأبدة، واكتشف أن ابنته تكتب. هل سنفهم، من خلال ما سنقرأه مما كتبه أهل غزة، كنههم؟

حلم خالد الآن العودة إلى جنته المفقودة في رفح، لكن يحول دون ذلك الخط الأصفر، المنطقة التي يسيطر عليها الاحتلال المتفنن في اختيار ألوان الخطوط لنا ولأشقائنا كما الخط الأزرق في جنوب لبنان مثلًا.

ما فهمته أن لا أحد من ناسنا موجود في منطقة الخط الأصفر تحت السيطرة الاحتلالية التي يوجد فيها أيضًا العصابات العميلة، وبدون معرفة لدي عن طبيعة الوضع، فإنني أعتقد أن هذا يعتبر فشلًا، يدرك المحتلون، أنَّهم لن ينجحوا في خلق جيوب، كدويلة عملاء الاحتلال المنهارة في جنوب لبنان.

يريد خالد، كحال ناسنا، العودة إلى ركام منزله في رفح، وهذا منوط كما يعتقد بتطبيق اتفاقيات، لينصب خيمته على الركام، وبعد استراحة نازح عائد، يبدأ بإزالة الركام، ليبني جنة جديدة. يتراجع المفتاح، كرمز للعودة، لصالح حجر من ركام.

الفلسطيني، سيزيف عصرنا!

الصورة: السجادة الحمراء في مهرجان غزة.

#خالد_خماش

#أسامة_العيسة

الاثنين، 10 نوفمبر 2025

في الشارقة!


 


بنت القدس في الشارقة!

تجدون في جناح #منشورات_المتوسط

 في (Hall 1_ جناح رقم X_18)

#معرض_الشارقة_الدولي_للكتاب 2025

#بنت_من_الـقـدس_الجديدة #أسامة_العيسة

الأحد، 9 نوفمبر 2025

صيدليَّة أعلى الدرج!


 


الصورة المرفقة من صفحة سامي بشارة المغترب، المحتفي بكل ما يراه الزمن الجميل لبيت لحم وشقيقاتها.

تعود الصورة لصيدليَّة أبي عيطة، حسب الآرمة، أواخر تسعينيَّات القرن الماضي. صاحبها التي آلت إليه الصديق ماهر أبو عيطة، بعد سنوات قليلة من منعطف جديد في حياة المدينة وما أكثر منعطفاتها، مع تأسيس السلطة الفلسطينيَّة، ومحاولات التعافي من آلام الانتفاضة الأولى، عندما انتقل مركز المدينة التجاري إلى المدبسة وتراجع ما يعرف بباب الدير؛ منطقة ساحة المهد وكنيسة المهد وحارات بيت لحم القديمة.

تقع الصيدليَّة أعلى درج السوق القديم، ولم يكن قديمًا لدى تأسيسه في أواسط ثلاثينيات القرن الماضي. كان فضلة الزلزال الذي ضرب المدينة، فهبَّت رياح حداثة الانتداب، بخطوةٍ ثوريَّة بتأسيس سوق جديدة على أنقاض منازل حارة النجاجرة المدمرة، والاستغناء للأبد عن سوق بلاط كنيسة المهد، في قطيعة مع تاريخ المدينة العثماني. يمكننا الآن تقدير تلك الانتقالة الثورية التي لم تكن البنى المسؤولة غافلة عنها، فعبَّرت عن ذلك بلوحة السوق التأسيسية المنزوية الآن. وتضم أسماء نخبوية إضافة لاسم حاكم القدس العسكري، مندوب الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس ودنا وقت غروبها.

كانت الصيدليَّة وقت العزيز ماهر، محطَّة توقف دائمة لي. تعاطف ماهر مع الجبهة الديمقراطية برئاسة نايف حواتمة، بعكس والده رجل الأعمال الشيوعيِّ المعتَّق.  حافظت الصيدليَّة على هويتها الشعبيَّة القديمة في خدمة فئات مختلفة من شعبنا.

سعدت بالحوارات مع ماهر وزوجته الحقوقيَّة الفرنسية التي كتبت مقالات عن قضايا تخص شعبنا والتمست مساعدتي في نشرها. اهتمت بقصص الأسرى من خلال عملها في مكتب محامي شهير. أتذكَّر بود ابنتهما الذكية. أظن أنَّني كتبت قصة صحفيَّة عنها.

قرَّر ماهر وعائلته، بسبب ظروف الأرض المقدَّسة الصعبة الهجرة إلى فرنسا، لم تمضِ سنوات حتى وصلت أخبار ماهر المبهرة لي على الأقل، الذي أصبح نائبًا لرئيس بلدية مدينته الفرنسيَّة الجديدة، وجُدد له، انتخابيًا أكثر من مرَّة، وربما أصبح الآن أو في فترة ما رئيسًا للبلدية.

الجدير بالذكر، وهذه الجدارة والذكر المحببة لدى الصحفيين، تُذكر ما دام ذِكر انتخابات نيويورك حاضرًا، ذِكر أنَّ ماهرًا المواطن الصالح جدًا المسدِّد لاستحقاقاته الدنيوية، متجاهلًا واجباته الأخروية، كان من الصعب عليه أن يصبح رئيسًا لبلدية بيت لحم أو عضوًا في مجلسها البلدي، رغم أنه يستوفي أحد الشروط المتعلقة بالديانة ولكنَّه من الشقيقة بيت ساحور الذي لا يفصلها شئيًا عن بيت لحم. ماهر ورفاقه ووالده من قبله ورفاقه لم يكن في برامجهم الثوريَّة تحديث البنى المؤسساتية. فترسخ المرسخ ووصل الحضيض. ففي المدينة التي يفخر مرشحو بلديتها أنها عاصمة المسيحية في العالم. يمكن لمرشح التنابز مع آخر في عدد البواريد والزعران لديه، رغم أنهما حُسبا على الحزب الحاكم. في عودة إلى ما قبل الحداثة الانتدابية للمدينة.

قبل أن تصبح الصيدليَّة، صيدلية أبو عيطة، كان اسمها صيدلية جنضل، ولعلها من أوائل الصيدليات في المدينة. تأسست بعد النكبة، عندما كانت المدينة كعادتها مع منعطفٍ قاسٍ، لقد فُصلت عن القدس الجديدة، التي يملك التلحميون أراض ومبان عديدة فيها، واجهضت عملية الوحدة مع توأمها. وتدفق آلاف من المنكوبين الذين غيُّروا ديموغرافيتها للأبد، وتركوا بصمة لا تمحى على تطورها.

كانت المدينة ميدانًا للمتطوعين المصريِّين والعرب بقيادة أحمد عبد العزيز، واستقبلت مقبرة قبة راحيل رفات العديد من الذين ارتقوا في المعارك حول القدس.

خضعت المدينة وجوارها للحكم المصري بقيادة الحاكم العسكري لطفي واكد الذي سينضم للضبَّاط الأحرار لاحقًا، وفي فترة السادات أصبح من أقطاب حزب التجمع اليساري. بلغ نفوذ المصريِّين المتصارعين مع الهاشميين، أنَّه عندما طلب الملك عبد الله الأوَّل زيارة المدينة، جاءت البرقية من قيادة الجيش المصري حاسمة: يمكنكم تقديم كأس شاي له فقط.

أحب الناس المصريين، رغم مثالب كثيرة، كاستخدامهم نظام السخرة وملاحقة الشبان، واتهامهم بنشر الجشيش، وكأنَّ فلسطين لم تعرفه قبلًا، وفضلوهم على حكم الملك عبد الله، الذي ستدخل المدينة تحت حكمه منعطفًا خطيرًا وصعبًا، لن ينتهي باغتياله.

في مثل هذه الظروف ظهرت صيدليَّة حنضل. بالقرب منها في ساحة المهد استشهد ثلاثة من الطلبة في المظاهرات ضد حلف بغداد: عبد الله تايه، وإسماعيل الخطيب، وعبد الكريم عقل، من أبناء لاجئي قرى جبل القدس: بيت عطاب، وعين كارم، ولفتا. انضموا إلى قبور المتطوعين العرب. في عام 2021 ارتقى الأسير داود الحطيب في السجن، ودفن بجوار عمه إسماعيل.

تلقت الصيدلانيَّة المسؤولة خبر استشهاد شقيقها نصري أبو رُمَّان، الملقب طلق الريحان، خلال مطاردته وهروبه مع اثنين من رفاقه من قبضة الأمن الأردني.

رسم أحد فتية مخيم الدهيشة، صورة للشهيد طلق الريحان، وقصد الصيدليَّة، وقدَّمها لشقيقته. روى لي الفتى الذي سيضطلع بدور الأخ الأكبر ويسافر إلى السعودية، في عمَّان عن تلك الذكريات. من حسن حظه أنه ابتعد عن السياسة، وتحقَّق، مثل آخرين من أبناء المخيمات ماليًا. سألت مها عن الصيدلانيَّة، أخبرتني أنَّها هاجرت منذ سنوات طويلة إلى أميركا. لعلها أرادت الابتعاد عن المدينة التي حاصرت شقيقها حتى الموت عطشًا.

كان نصيب الصيدلية أن تصبح رمزًا على الاحتلال الجديد في حزيران 1967م، في واحدة من المنعطفات في مدينة المنعطفات، التي رغم استسلامها، إلا أن المحتلين قصفوها، وسقط قذائف على كنيستها.

سقطت قنبلة أمام الصيدليَّة وقطعت رأس أحدهم، الَّذي كان متجهًا إلى داخل الصيدليَّة، وفعلًا دخلها برأس مقطوعة، ليسقط فيها. احتار النَّاس، في الشهيد بدون رأس يكمل سيره، منفِّذا آخر أمر للدماغ. استولى المحتلون على مساحات شاسعة من أراضي بيت لحم وشقيقتيها بيت ساحور وبيت جالا، وضمها إلى حدود بلدية القدس الاحتلالية.

آلت الصيدلية، بعد ماهر أبو عيطة، إلى نادر حجازين، الساحوري من عائلة كركية معروفة، وشهدت الانتفاضة الثانية والموت على درج السوق، وفي الحارات وحتَّى كنيسة المهد المحاصرة والتي قضى فيها عدد من الشهداء.

غادر نادر الطموح دنيانا فجاة، ما زالت الصيدلَّية تطلع بدورها الشعبي. قريبا منها بسطة خضار أم نبيل بثوبها الفلاحي، زميلتي في تكريم الياس حلبي لنا مع آخرين من وجوه المدينة التعبة.

هذه قصة مبتسرة تجاهلت علاقات الطب بالبداوة والسلاح واجهاض التطور المديني. ربما مقتل طبيب الصحة ميخائيل معلوف أحد تمظهراتها.

المدينة التي خطت بقفزات ليبراليةـ، تنغلق. تتصارع في فضائها الثقافي والتجاري قوتان مستحوذتان. من الصعب معرفة من يقف خلفهما. أو ربما ممنوع الحديث العلني عنهما. المدينة أدمنت الهمس.

#بيت_لحم

#لطقي_واكد

#أسامة_العيسة

عنف حداثي

الجمعة، 7 نوفمبر 2025

لكل طفل شهيد اسم/ جوني منصور


 


شهداء الرب، هو عنوان كتاب من تأليف الكاتب والصحافي اسامة العيسة. ينقل فيه مشاهد مؤثرة لاستباحة قتل بل اعدام اطفال فلسطينيين خلال الانتفاضتين في عدد كبير من المواقع الفلسطينية في الضفة  الغربية وغزة. والمشاهد هي روايات خاصة عن كل طفل فلسطيني يحب الحياة ويرفض الموت.

الصور النصية التي ينقلها الكاتب عبارة عن عملية توثيق تاريخي في غاية الاهمية، اذ ان هذا التوثيق يقف في وجه الرواية الملفقة للطرف الاخر والتي من خلالها يشيطن الفلسطيني ويخرجه من دائرة الانسانية ويحوله الى دم مستباح. تأتي عملية التوثيق بما تحمله من الم ووجع لتفرض مقولة رئيسية ان لكل طفل شهيد اسم  وتاريخ وعائلة ومحتمع. عملية التوثيق التي يطرحها العيسة تعيد الى الاذهان عملية توثيق اسماء شهداء مجازر الارمن والاشوريين والاكراد  وغيرهم من الشعوب.

ولا بد للفلسطينيين بالرغم من الانشغال يوميا بتفاصيل الصراع التوجه نحو التوثيق المباشر صونا لذكرى الاطفال وعائلاتهم.

#جوني_منصور

#شهداء_الرب

#العائدون_للنشر

#أسامة_العيسة

الخميس، 6 نوفمبر 2025

قراءة لكتاب أسامة العيسة “بهمش: يوميات كاتب في انتفاضة مغدورة”/ نائلة الوعري


 

 يأتي هذا الكتاب الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر / عمان في ربيع ٢٠٢٥ للكاتب والروائي الصديق الاستاذ أسامة العيسة ” بهمش ” يوميات كاتب في انتفاضة مغدورة في زمنٍ تُثقل فيه الذاكرة الفلسطينية بأحداثٍ متلاحقة، ياتي هذا الكتاب الذي بين يدي بعد مراجعة وقراءة ممتعة لقصص انتفاضة مغدورة ليذكّرنا بأنّ الكتابة ليست ترفًا، بل شهادةً تُسجّل وجع الإنسان ومقاومته اليومية بأسلوب روائي شيق من واقع ما يجري على الارض و من قلب المشهد، ومن هوامش الحقيقة التي تتعمّد السرديات الرسمية إغفالها؛ فيعيد تعريف “الانتفاضة” بوصفها حالة وعي قبل أن تكون حالة اشتباك. الكاتب والصحفي الفلسطيني أسامة العيسة، يقدّم في “بهمش ” تجربة كاتب عاش هذه الاحداث فقصصت التي كتبها تمزج بين اليومي والرمزي، بين التوثيق والتأمل، لتصبح يومياته صوت الفلسطيني العادي الذي ظلّ على هامش المشهد الرسمي لكنه في قلب التاريخ الحقيقي. إنه نصّ يكتبه من عاش التجربة، لا من راقبها من بعيد، ولذلك تأتي كتاباته من فعل الحدث اليومي صادقة، مكثّفة، ومحمّلة برائحة الأرض والذاكرة.

يفتتح العيسة كتابه بمقدمة حملت عنوان “خطبة اليوميات “مؤرخة في 18 شباط/فبراير 2024، تبدأ من مخيّم عايدة في بيت لحم، من مكانٍ صغير يختزن ذاكرة الوطن كلّه. يصف المقام الإسلامي–المسيحي الذي تحوّل بفعل الاحتلال إلى نقطة عسكرية، ليصبح المكان شاهدًا على تبدّل الجغرافيا ومن هذا المشهد ينطلق نحو الفكرة الحقيقية المعاشة ويتحدث عن أن الانتفاضة الثانية كانت انتفاضة مغدورة، لم تُهزم فقط من العدو، بل من الخذلان والانقسام والتعب الجمعي.

يكتب العيسة من الذاكرة اليومية التي تُهمَل عادة، فيُعيد للهامش صوته، ويمنح الإنسان البسيط مكانه في السرد الفلسطيني. كلمة «بهمش التي اصبحت رمز وكلمة دارجه ( تفش القلب ) لم ترد نصًّا في القصص، لكنها تسري في كل قصص الكتاب كروح كلمة تلخّص فلسفة الكتابة عند العيسة: أن يكتب من الهامش الفلسطيني، من الشوارع والمخيمات والزوايا المنسية، من الحكايات التي لا ترويها نشرات الأخبار ولا تتسع لها المنابر السياسية.

الهامش عنده ليس ضعفًا، بل منبر الصدق العاري، والمكان الذي تتكثّف فيه التجربة الإنسانية والمقاومة الصامتة. لقد كتب يومياته على هامش التاريخ الرسمي، ليقول إن الحقيقة لا تقيم في العناوين الكبرى، بل في التفاصيل التي يصنعها الناس في انتفاضاتهم بأيديهم. في النص الذي جاء تحت عنوان «عندما يفقد الموت هيبته، تفقد الحياة عبقها»، يرصد الكاتب لحظة إنسانية موجعة، حين يصبح الموت متكرّرًا حتى يفقد رهَبته، وحين تنتظر الأمهات أبناءهن في ثلاجات الاحتلال. بوجع يسري فيه وفينا كقراء ، يُعرّي العيسة واقعًا حوّل الفقد إلى مشهدٍ مألوف، دون أن يطفئ في الناس جذوة الحياة والكرامة.

ad

والصمود وفي نص «لحق عديّ بعروس السماء»، يكتب عن الشهيدين عديّ ودانية ارشيد من الخليل. لا يسرد الحدث كخبر ، بل يكتبه كمرثية موجزة تختصر وجع جيلٍ كاملٍ فقد أبناءه وبناته. وحين يقول: لا كلام، الحروف لا تعبّر والكلمات تخون فإنه يُعلن لنا عجز اللغة أمام الفقد المتكرر، ويحوّل الصمت ذاته إلى فعل كتابةٍ ومقاومة. أسلوب العيسة المكثف واقعي قريب من الناس وإحساسهم . يكتب بعيون الناس ووجوههم، لكن الاحداث تاتي بصوته الخاص. وروايته اليوميات التي كتبها والقصص الحقيقية في هذه الانتفاضة التي وصفها بالمغدورة هي حياة وحكاية واحدة، تتوزّع بين مدن ومخيّمات، لكنها تشترك في تعبير واحد : أنّ الفلسطيني لا يُهزم، حتى لو غُدرت انتفاضته، لأنه يواصل الحكاية من حيث يحاول الآخرون محوها. “بهمش ” ليس تعبير عن الغضب .

بل هي تذكير بأنّ الحكاية الفلسطينية تُكتب من الهامش، من تفاصيل الحياة اليومية التي تبقي الذاكرة حيّة رغم التعب، وأنّ الكلمة ، مهما بدت صغيرة أو عابرة فإنها قادرة على حفظ ما حاول الاحتلال والعالم طمسه. ففي زمنٍ تتسارع فيه النكبات وتتبدّل العناوين، يبقى هذا الكتاب شاهدًا على أن الروايات الحقيقية لا تصنع من الخطابات، بل من التجربة الإنسانية التي لا تُروى إلا من رحم المعاناة .

بهمش» هو شهادة على أنّ الكتابة فعل مقاومة حين تضيق الساحات، وأنّ الوعي بالهامش قد يكون أصدق من خطابات المتن. الكتاب يذكرنا بأنّ الفلسطيني لا يكتب عن الوجع فحسب، بل يكتبه من داخله، ليبقى النصّ شاهدًا على جيلٍ عاش بين الجدران ولم يهزم. في زمنٍ يُمحى فيه الصوت الفلسطيني، تبقى مثل هذه اليوميات جسرًا بين الإنسان والتاريخ، بين الذاكرة والكتابة، بين الصمود والحلم. يخرج القارئ من صفحات هذا الكتاب وهو يشعر أنّه شارك في انتفاضةٍ أُجهضت، لا لأن الناس تعبوا، بل لأن السياسة خذلتهم. أسامة العيسة لا يدوّن الحدث بقدر ما يُدين غيابه عن الوعي الجمعي، في زمنٍ صارت فيه المذكرات وثيقةَ نجاةٍ أكثر منها وثيقةَ تاريخ.

ad

ولعلّ أهم ما يقدّمه هذا العمل أنّه ينقذ الهامش من الصمت، ويعيد إلى الذاكرة أصواتًا هامسة ظنّها الجميع ضاعت بين الغبار والنسيان. ويعيد كتابة السردية التاريخية الفلسطينية “بهَمش” ليس مجرّد عنوان، بل صرخة من الهامش في وجه التاريخ المغدور. كلمه اخيرة أقولها ” الصدق أن هذه القصص عن يوميات اسامة غدرت بي ايضا فهناك من التعابير والألفاظ والأمكان وأسماء قرى وأماكن لا اعرفها هذه القصص المحكية باللهجة الفلسطينية العامة التي غابت عنا نحن في الغربه ونسينا بعضها .

توقفت عند قصة البنانير ولم اعرف معناها وجاءت الكلمة في اكثر من قصة “فتيات البنانير” واتصلت بالصديق اسامة فابتسم وقال ” الكلول# نعم اعرف حجارة الزجاج واعرف اسمها الكلول كان يلعب بها الأطفال الذكور فقط تعبير جديد علي ان تسمى البنانير. لانها زجاجية اما قصة البنز فالكاتب يقصد سيارة النقل الصغيرة تسمى بالبنز هذه الغربة القاسية أنستنا تعابيرنا وكلمات غابت عنا من ذكرى طفولة وغربة #بهمش