مدينة
لا تقرأ من حجارتها فقط بل تقرأ أيضا من نسائها حيث كتب الكاتب الفلسطيني ابن
مدينة بيت لحم واستاذي "أسامة العيسة" كتب عن "تقاطع الجسد مع
القانون وعن الشرف حين يعرى امام مؤسسات عاجزة وعن مدينة لا تقرأ من خلال حجارتها
بل من نسائها أيضا"
مدينة
واحدة وعقائد ثلاث هو عنوان كتاب للكاتبة كارين أرمسترونج وهي مستشرقة بريطانية،
قمت بقراءته، يتحدث عن صراع الديانات الثلاث وحق الوجود لكن عند العودة لسماء
القدس السابعة للكاتب الفلسطيني أسامة العيسة: نكتشف ان القدس دائما تبحث عمن
يكفلها ويحميها ويقودها لبر الأمان عبر حجارة وتاريخ لكننا هنا نكتشف ناسها أكثر كافل
الراوي كان تاريخا للمدينة ووصفا لشوارعها وبيوتها والتفاصيل الدقيقة المخفية
لحجارتها فكانت تفاصيل الحياة داخل البيوت هامشية لإكمال السرد الروائي فقط.
لكن
صالحة اخذتنا الى عتبات جديدة مخفية من القدس عتبات الناس البسطاء المساكين، الناس
الذين عليهم دفع الثمن وهم على خطأ، وان كان الحق معهم فهنا نتحدث عن جنون مختلف
جنون المهمشين المظلومين لا جنون العقلاء.
صالحة،
ابنة حي البقعة، فتاة جميلة ومثقفة، ومتمردة، تذهب إلى المحكمة لتطالب بثمن
بكارتها، التي أزيلت دون وجه حق، كما تقول. فهي ليست ضحية، بل صاحبة حق تقف وحدها،
في مواجهة قاض ومجتمع وميراث طويل من التواطؤ والخوف. فنحن هنا امام تشكيل من
الفساد الإداري والزوايا المخفية والحجارة التي تشهد لكنها لا تستطيع أن تنطق.
هنا
القدس، ليس من بوابة التاريخ او الكتب المقدسة أو الحكايات الرسمية، بل من زاوية
لم يفكر بها أحد: من معالم اسوار المدينة وحاراتها، ومن محاكمها ودوائرها الرسمية،
ومن شوارعها التي تشهد ولا تنطق. "بنت من القدس الجديدة رواية عن الجسد في
مدينة الجدران، وعن امرأة تطرق باب العدالة بظهر منحني يبحث عن حق ضائع وهو الشرف.
هنا
نتحدث عن بيت وسقف واعمدة ثابتة بالأرض فالبيت هو اهل القدس والسقف والاعمدة هي
المدينة، وصالحة هنا هي بيت القدس والبيت هو الوطن وحقها الضائع لان القدس كما
صالحة هي الزمان والمكان والحاضر والمستقبل صالحة، هنا هي الجريئة والمتمردة
والمثقفة فهي مجروحة كجرح القدس هي ابنة صحفي كاتب اجتماعي يتحدث عن قضايا القدس.
فهنا بين القدس واسوارها واحيائها الجديدة وقصورها وبيوتها امام نكبة صالحة بنت
القدس الجديدة، المدينة التي تنهض وتبنى بتسارع يتماشى مع الأنظمة الحديثة لكن
صالحة سقط حجابها وبانت سوءتها وفقدت ما لا يستطاع أن يرد. كان هذا في زمن دخول
أبناء التايمز مدينة القدس وخروج أبناء عثمان منها.
بين
القدس وأهلها نروي حكايات الناس البسطاء العاديين بمشكلاتهم وظروف حياتهم، فنجد
البقعة وحي القطمون والطالبية في القدس الجديدة التي بدأت تُبنى خارج السور القديم
ببيوت ناسها التي ستسرق من قبل الغزاة بعد حين، كما نجد حكايات السكاكيني وإميل
حبيبي وآخرين من رواد الثقافة والأدب، وكأنَّ زمن القدس لا يتوقف عند المكان، بل
يأبى إلا أن تحضر الأسماء كشواهد في مشاهد دورة حياة القدس الجديدة التي بُنيت
خارج السور القديم رغبة في الحياة والتطور الحتمي للمدن العتيقة.
يمكن
تلخيص الرواية كاملة في شكوى مقدمة الى المحكمة، من فتاة مقدسية شكوى ضاعت بين
تفاصيل المحاكم ودفع المظلوم ثمنها لا الظالم.
إنَّها
صالحة التي كشفت عن قضيتها بكامل إرادتها، وصرخت في المحكمة، غير مهتمة بالعادات
والتقاليد والمجتمع، واصرت على اخذ حقها ممن أخذ او هتك عرضها الكلمة التي دوَّت
في المحكمة وجعلت القاضي في صدمة مما سمع فهي تحدث لأول مرة جعلته يتساءل هل يعيش
عالم عربي او أجنبي.
تاريخ
الحادثة كما وردت في الرواية، زمن قدوم الاستعمار الإنجليزي إلى البلاد، او أبناء
التايمز وانتهاء زمن العثمانيون، فنحن هنا نذهب مع زمان القدس عبر صالحة واهل
القدس في تتابع الزمن والاجيال، وصولًا إلى زمن القدس الجديدة المحتلة 1948 زمن
الاحتلال من قبل عصابات الهاغانا وشترن والذين أصبح لهم دولة وجيش وشأن يخيف
المحيط، وسيقيمون معاهدات سلام وتفاهمات مع الجوار واتفاقيات هدنة.
لا
تأتي صالحة مترددة أو خائفة لا هي تأتي بكل قوة لتخاطب القاضي وتطالب بتقدير ثمن
بكارتها، ثم تراجع القاضي الأعلى لأنها صدمت بطول الإجراءات، وتعالي القضاء. وفي
الجلسة، حين تسترسل حجتها: «لا يوجد للواحدة منا إلا بكارة واحدة»، كان السرد هنا
يتحدث هنا عن الحق والقانون والمجتمع.
من
خلال قاض يلقبه أصدقاؤه الأدباء في مقهى الصعاليك حيث يجتمعون (التنكزي) لكنه قاض
مأزوم بالأسئلة المهنية والأخلاقية. لا يعود إلى بيته بعد أول مواجهة مع صالحة، بل
يلجأ إلى أرشيف المحكمة الضخم وغير المنظم ليقلب سجلات قديمة «بحثاً عن قضايا
مشابهة نظرها أسلافه»، فيعلن منذ البداية أن زمن القدس متكرر وأن ما نشهده اليوم
له سوابق وأشباه في قرون مضت. يعود القاضي إلى سجلات شرعية تعود إلى 1545م تُدين
رجلاً في باب حطة وتنفِيه من المدينة، فيرى في التعزير حكماً مناسباً ويتوقف عند
قسوة النفي كعقوبة تاريخية.
تتحدث
الرواية أيضا عن شواهد تاريخية حدثت بالقدس مثل حادثة تفجير فندق الملك داوود،
محاولا تغيير اسماء المناطق مثل البقعة حارة صالحة التي يسميها أهلها وادي الورد
لحدائقها وماء الورد، في مقابل الاسم العبري «عِيمِق رفائيم»، ومحاولة تغييره في
زمن الإدارة البريطانية التي رفضت خوفاً من غضب السكان. هنا تُبرز الرواية الصراع
على الذاكرة والخيال، وان تغيير المعالم هو جزء من فرض السيطرة.
كذلك
من سجلات الأرشيف 1556-1557 مشهد الاختلاط بين رجال القدس ونسائها في الحرم القدسي
وهذا يدل على ان المجتمع يعاد تدويره وان القدس تفهم من خلال أهلها وبيوتها
وسجلاتها المكتوبة.
تحدث
الكاتب أيضا خبز القدس المقدس (الخبز المطبب) الذي عرفه أبو ميلاد انه رمز للضيافة
مثل فنجان القهوة حيث سافر من أديرة السالزيان في إيطاليا في القرن التاسع عشر
ليزيّن موائد عابرة للمتوسط موائد القدس، حيث ربط بين إيطاليا والقدس، بين الرهبنة
والبيت، بين المدينة ومطبخها في تفصيل جديد لهوية المدينة.
وأخيرا
برغم كل شيء تبقى القدس بناسها وحجارتها واحداثها مدينة واحدة لا تتكرر وان تشابهت
في جوانب معينة مع بيت لحم.
#ردينة_ياسين
#بنت_من_القدس_الجديدة
#منشورات_المتوسط
#أسامة_العيسة

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق