هذه اللوحة، التي تبدو غير مكتملة، من إبداع
فنان من قريتنا عاش فيها قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، في العصر البرونزي المتأخر لعله
كان شابًا طموحًا، أو مهنيًّا تخصّص، في صنع الآلهة الأنثى، الّتي لم يكن المواطن،
يحتاج إلَّا لوضعها في جيبه، متوكلاً على نفسه وعلى آلهته المتفهمة، قبل أن تنقلب
الأمور ويظهر في قريتنا، والقرى الأخرى، إله يسمى يهوه، لا يحب أن يُذكر اسمه على
ألسنة النّاس، تبجيلاً. اختار شعبًا محددًا، ليكون له ربًا مذكرًا، ويكون الشعب،
شعبه، وقدم نفسه بأنهّ إله غيور منتقم. أشهر العصا والجزرة في وجه شعبه المختار.
عثر على هذه اللوحة وغيرها خلال موسم
الحفريات المستمر في هذا الصيف في تل قريتنا، والتي تجري وقريتنا محتلة، وبالطبع دون
أخذ أذن منا، نحن أصحاب الأرض. احتفت صحيفة هآرتس بالمكتشفات الجديدة، ومنها ما
يؤكد التأثير المصري على حياة أهلنا في ذلك العصر.
لم يكن هذا الفنان، ليعرّف نفسه، بأنّه
"عربي" أو "فلسطيني". لم تكن بلادنا، مثل كل بلاد العالم، لتكون
ذات هوية خالدة على مدى الدهر، كما يفتئت أصحاب الشعارات القومية، جهلاً وسخافةً
وسماجةً، بأنّ فلسطين عربية منذ فجر التاريخ.
تتكون الهويات، عبر مسار طويل، من البناء الذاتي،
والتأثيرات والاحتلالات والفتوحات، والتطورات الثقافية.
استمر اليهوذيون، في احترام الآلهة الأنثى،
يدل على ذلك العدد الكبير من تماثيل عشيرة أو عشتار أو عشتروت التي عثر وما يزل
يعثر عليها في مستوطنات فلسطين في العصر الحديدي. ربما لم يعش ذلك الفنان، ليشهد
الغزو الشامل لسنحاريب زعيم أكبر امبريالية في عصره، لقريتنا، وقرى الهضاب الوسطى،
وصولاً إلى القدس، لقد دمر سنحاريب ونهب، ووثق ذلك في جدارياته: "لقد أسرت،
ودمرت، وأخذت الغنائم..". وسيفعل مثله اليونان، والفرس، والرومان، وعرب
الجزيرة، وفرنجة أوروبا.
كان ذلك منذ أكثر من 2700 عامًا. يبدو أن
لوحة الفنان صمدت، تحت ركام الهدم، حتى يأتي محتلون جدد ليعثروا عليها.
يقود الحفريات في هذا الموسم في تل زكريا أوديد
ليبشيتس من جامعة تل أبيب، ومانفريد أومينغ من جامعة هايدلبرغ، مع المدير
الميداني: د. سابين كليمان من جامعة توبنغن.
لم يستأذنا أي منهم. ما يجري، وإن كان في
القانون الدولي مشروعًا، فقريتنا اعترف بها جزءًا من دولة إسرائيل الّتي اعترفت بها العالم،
وكأنّها كسبتها في لعبة روليت، إلّا أنّه بالنسبة لنا ما يحدث هو جزء من النهب
الاستعماري المستمر.
#تل_زكريا
#قرية_زكريا
#جامعة_تل_أبيب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق