في فلسطين قرى ملعونة، في أحد جوانب الحقيقة
التي لا تنتهي زوايا النظر إليها. لم أقلق بشأنها. قلقت، في حرائق غابة القدس (وهي
تسمية استعمارية)، على عين رافة. نجا جزء من أهالي صوبا الذين شُرّدوا بسبب
الاحتلال، وعملاء من قرى مجاورة سكنوا بيوتهم، في تأسيس قرية جديدة على أرضهم. نجح
الصوبانيون، فيما فشل فيه أهالي لفتا، وبيت محسير، وعين كارم، وصطاف، وساريس،
وأشوع، وصرعة، ودير أيوب، ودير محيسن، والقائمة تطول.
يثقف المثقف الفلسطيني، ومحازبو القوى
الوطنية والإسلامية (حسب التسمية المعتمدة، وكأنه لا يمكن للوطني أن يكون إسلاميًا،
ولا للإسلامي أن يكون وطنيًا) على ما حدث في فيتنام، وكوبا، وطهران، ولا يعرفون
شيئًا عن عين رافة.
تمتد غابة القدس، بطول نحو 20 كلم، على أراضي
القرى المهجرة، والمدمرة، زرعت بأشجار غريبة تزاحم ما تبقى من أشجار فلسطينية،
كالبلوط، والبطم. شجّر بن غوريون، ومَن خَلفه، الغابات لغايات ثلاث:
-إخفاء معالم القرى المدمرة.
-استحداث المنظر السويسري.
-منع الرعاة العرب من رعي أغنامهم، فالمواد
التي تفرزها الأشجار الغريبة، تقتل الحشائش.
شُجّرت الغابات بأموال متبرعين من مختلف
أنحاء العالم، يدعمون المشروع الصهيوني في فلسطين، يحصلون على شهادات لعلهم يفخرون
بها، وتُنقش أسماؤهم على بلاطات حجرية، متناثرة في الغابات وحدائق القدس.
مشاريع الغابات السويسرية الهائلة، هي رمز
لنجاح صهيوني، وأيضًا لوخز ضمير بالنسبة للصهيونية الليبرالية.
نشر الأديب الإسرائيلي المعروف عالميًا أ.ب
يهوشع، قصة أمام الغابات، ضمن مجموعة قصصية تحمل نفس الاسم عام 1963م، وما زالت
تثير النقاش الأدبي والسياسي.
يُعيّن إسرائيلي، حارسًا في إحدى الغابات،
يريد أساسًا أن يروح عن نفسه، وينجز رسالة أكاديمية، يُعين عربي أبكم، مساعدًا
للإسرائيلي، الذي يكتشف أن الغابة زرعت على أنقاض قرية فلسطينية مدمرة، وتراءت له
أشجار الصنوبر الباسقة، كجنود في معركة.
الفلسطيني أبكم، لأن العصابات الصهيونية،
قطعت لسانه، رمز على تغييب الرواية الفلسطينية. يحرق الفلسطيني الغابة، التي تفاخر
المؤسسة الصهيونية، أنها لا تحرق، لأنها مُسخّرة لحماية المشروع الصهيوني.
عندما يحرق الفلسطيني، الغابة، لتظهر بقايا
القرية المدمرة، هو يحاول حرق المشروع المضاد الذي شرده، ودمر قريته وبلاده. كانت
النار لغته، التي تُطهّر وتكشف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق