وقفت
على منابع نهرنا العظيم، بانياس والقاضي والحاصباني، تفحصت مواقع عبادة آلهة أجدادنا
القديمة في بانياس، ودخلت معبد تل القاضي، وسرت في خنادق الجيش السوري المتواضعة،
ونظرت إلى بلدة الخيام، وغطّست قدمي في مياه نهر القاضي المتدفقة، وفي الحاصباني
ركبت القوارب، وطالعت الشجر والحشرات والبشر.
حوّل
المحتلون المنابع الثلاثة إلى حدائق وطنية، يجنون منها الأرباح الطائلة، ويؤمها الزوّار
وكأنها ليست مناطق محتلة، أو لم تشهد حروبًا خلال نصف القرن الماضي. كأنها في
سويسرا، وليس في الشرق الأوسط الحزين.
حرب
1967، هي بشكل أو بآخر حرب من أجل المياه. عندما حوّل المحتلون مجرى نهر الأردن،
لتخضير صحراء النقب، غضب العرب وثاروا، وعقدوا قمة للرؤساء، وهددوا الدولة
المزعومة بالويل والثبور، وأطلقت حركة فتح بيانها رقم واحد، بشكل لا يخلو من
رمزية، بتبنيها تفجير نفق عيلبون.
خسر
العرب الحرب وخسروا أراضيهم ومياههم، وعندما عقدوا اتفاقيات فك الاشتباك، نسوا
مسألة المياه هذه. كيف لهم أن يتخلوا عن المياه؟ وإلى أي من السنوات أجلوا تحرير أرض
المياه هذه؟ أم المهم أن يبقى القادة في قصورهم، أو يخربوا البلد، وكأنها ليست
خربة.
حكومة
الاحتلال، توفر لمواطنها نحو 500 لتر مياه يوميًا من المياه العذبة، وهي من أعلى
النسب في العالم، بينما تئن العواصم صاحبة الحق بالمياه، من شحه، ونوعيته.
الأنظمة
التي فرطت بأرضها، ومياهها، تعيد إنتاج ذاتها، وتواصل قهر مواطنها، الذي حرمته من
أرضه ومياهه، وتسجنه وتقتله، وتعذبه، إذا طالب بحقه في الحرية والمياه، ثم تصرخ
وتهتف باسم الجماهير والأمة الخالدة ذات الرسالة الوحيدة والواحدة.
ما
هي نوعية الأشخاص الذين يهتفون للقادة المفرطين؟ ويعلون الصوت باسم اليسار،
والمقاومة، والممانعة. أجيبوا على سؤال المحرومين، متى ستحررون لهم مياههم؟
سألت
أحدهم من الذين يعيشون تحت الاحتلال، لماذا يريد أن يستمر الاحتلال، فأجابني: إذا
تحررت هذه الجنة، وهو يقصد بانياس، فسيبني الحاكم قصرًا له فيها، وسيتبعه قادة
مخابراته وجيشه وحرسه، وسيمنعوننا من الدخول إلى هنا، وإذا دخلنا فعلينا أن ندفع
الرشى لحارس البوابة حتى منظف الحمّامات.
إلى
أي درك أوصلتم شعوبكم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق