أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 21 فبراير 2025

"بهمش" للعيسة.. مشاهدات ووقائع على هامش الانتفاضة الفلسطينية


 

"بهمش" للعيسة.. مشاهدات ووقائع على هامش الانتفاضة الفلسطينية

عمان– صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب بعنوان "بهمِشّ: يوميات كاتب في انتفاضة مغدورة" للباحث والروائي الفلسطيني أسامة العيسة.

في كلمة على غلاف الكتاب، يقول الروائي الأردني ناصر الريماوي: "إن العيسة يوثق في هذه اليوميات مشاهدات ووقائع على هامش الانتفاضة الفلسطينية المباركة، أولا لأهميتها كرافد طبيعي للمواجهات، وعلى خلفية اجتماعية مهم لما قد نعتقد أنه ثانوي، من حيث الضآلة مقارنة بالوقائع اليومية الرئيسية. وثانيا لأنها تصاغ بأسلوب أدبي شيق، بحماسة المنتمي لذلك الحدث، بالروح قبل القلم، على هذه الأرض. فلا يوجد ما هو هامشي بلا قيمة في زمن المواجهات العادلة مع المحتل... هذا ما تقوله على الأقل يوميات/ ومشاهدات الروائي أسامة العيسة التوثيقية.

فيما يقول العيسة في "خطبة اليوميات"، وهي عبارة عن مقدمة للكتاب: "إنه في يوم ماطر (18 شباط 2024م)، حين كانت السماء تمطر بغزارة، ذهب إلى أزقة مخيم عايدة، الذي يقع بمحاذاة الجدار الضخم المحيط بـ"قبة راحيل"، وهو المقام الإسلامي- المسيحي الذي استولى عليه المحتلون وحولوه إلى جيب عسكري- استيطاني، وضموه مع أراضٍ أخرى إلى حدود بلدية القدس الاحتلالية".

ويضيف المؤلف أنه بجوار المقام الفلسطيني، الذي يحرسه جنود الاحتلال من أصحابه الفلسطينيين، كما قال: "أحد الجنود في منتصف تسعينيات القرن الماضي في تصريح إلى مجلة ألمانية، تقع المقبرة الإسلامية الرئيسية في مدينة بيت لحم، حيث دفن فيها شهداء من حرب فلسطين (1948م) من جنسيات عربية مختلفة. كما يدفن فيها اللاجئون في مخيم عايدة موتاهم، ومن بينهم الطفل عبد الرحمن شادي عبيد الله، الذي استشهد يوم 10/5/2015م".

ويشير العيسة إلى أن هذا المقام تحول إلى نقطة تماس جديدة بين فتية الحجارة وجنود الاحتلال بعد اتفاق أوسلو 1993م، وتهويد المقام. وعلى إسفلت شارع القدس -الخليل، سالت دماء الأطفال والشبان، وفي الانتفاضة الثانية (2000م)، تكثف الموت مع كثافة المواجهة عند المقام، الذي شكل لقرون واسطة العقد بين المدن المقدسة الثلاث: الخليل، بيت لحم والقدس.

ويبين العيسة أنه في فلسطين بين كل انتفاضة وانتفاضة، انتفاضة، وبعد خفوت الانتفاضة الثانية الكبرى، واتخاذ سلسلة من الإجراءات الإدارية للصراع والسيطرة عليه، وتصفية خلايا المقاومين بالقتل أو السجن، اندلعت على ما يبدو أنه انتفاضة ثالثة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2015م. حيث وقعت أحداث مختلفة في سنوات سابقة كانت تذكر تيمنا بأنها الانتفاضة الثالثة المنتظرة، لكن لا أحد يمكن أن يعرف متى تولد الانتفاضات في الأرض المقدسة في فلسطين.

ويرى المؤلف، أن الناس لم يتفقوا على أن ما يحدث هو انتفاضة، على الأقل مثل الانتفاضتين الكبيرتين أو غيرهما من الانتفاضات الصغيرة، مثل انتفاضة النفق (1996م)، واحتاروا في تسميتها بين هبة وانتفاضة. في هذه اليوميات، تظهر بالاسمين. وقد يكون النقاش حول أي من التسميتين أصح أكاديميا خارج نطاق هذه المقدمة، رغم أهميته.

وأوضح أنه كان ينزل إلى مواقع المواجهات ليفهم ما يدور في أذهان جيل جديد من الفتية الذين يشبون على رشق الحجارة، وكتبت يوميات تحت عنوان "أكتوبر الخامس عشر". ولكن يمكن تسمية تلك الانتفاضة التي غابت مثل غيرها من الهبات باسم "بهمش"، الكلمة التي اشتهرت بسبب تردادها من قبل الحاج "زياد أبو هليل"، الذي كان ينزل إلى نقطة المواجهات في مدينة الخليل، محاولا حماية الفتيان من رصاص الجنود، مخاطبا الجنود بلهجته المحلية وبأسلوبه الذي عرفه الناس من خلال الفضائيات: "بهمش". وأصبحت الكلمة شعارا لدرجة أنني رأيت فتيانا يرسمونها على رؤوسهم عند الحلاقين.

ويشير المؤلف إلى أنه في أحد الأيام، مر بالقرب من القبر المفتوح الذي كانت تجلس عنده أحيانًا الصديقة "أزهار أبو سرور"، منتظرة عودة جثمان ابنها عبد الحميد لتدفنه، وتطمئن عليه تحت الأرض وقريبا منها. تقدمت أكثر حتى وصلت إلى صرح يحمل صورة كبيرة للشهيد الطفل عبيد الله، مع كتابة باللغة الإنجليزية على لسانه تشرح للعالم ظروف إعدامه، برصاصة استقرت في قلبه من قناص على أحد أبراج السور المحيط بقبة راحيل، المطل على مخيم عايدة.

ويتابع العيسة، وفي اليوم التالي لاستشهاده، شيع عبيد الله إلى مثواه الأخير في مقبرة قبة راحيل، على بعد أمتار من موقع استشهاده. وقد كتب العيسة كما يقول، في يومياته بتاريخ 6/10/2015م: " إن الطفل الشهيد عبد الرحمن شادي عبيد الله. تمكن من إعادة الحشود الجماهيرية الكبيرة إلى شوارع بيت لحم، خلال تشييع جثمانه، بعد يوم من استشهاده، برصاصة قناص احتلالي، عندما كان يقف على مدخل مخيم عايدة شمال بيت لحم، مرتديا زيه المدرسي، وما تزال حقيبته المدرسية على ظهره".

في باحة مستشفى بيت جالا الحكومي، احتشد المواطنون منذ الصباح. وألقيت كلمات استنكرت جريمة الاحتلال، وطالب المحتشدون، في هتافاتهم بالانتقام لدماء الشهيد. وانطلق موكب التشييع من المستشفى بجنازة شعبية ورسمية، بمشاركة قوات الأمن الوطني بالزي الرسمي، ورفع المشاركون الأعلام الوطنية ورايات الفصائل، وصولا إلى مخيم عايدة. حيث وضع جثمان الشهيد، الذي لف بالعلم الفلسطيني وراية حركة فتح، في منزل عائلته لإلقاء النظرة الأخيرة عليه.

وبعد الصلاة على الجثمان في مسجد مخيم عايدة، انطلق المشيعون إلى المقبرة الإسلامية، حيث وري الثرى. وبعد انتهاء التشييع، اندلعت مواجهات قرب الجيب العسكري في قبة راحيل، استنكارا لجريمة قتل عبيد الله بدم بارد. واعتبر استشهاد عبيد الله إرهاصا لانتفاضة "بهمش".

وخلص العيسة إلى أن هذا الاعتداء الوحشي على الفتى، الذي اعتقلته قوات الاحتلال في مناسبة أخرى، وشارك والده ووالدته في الاعتصام التضامني مع الأسرى في ساحة المهد بمدينة بيت لحم، واستشهاد عبيد الله، وهو جزء من مشهد يمكن أن يقدم فهما لإرهاصات انتفاضة "بهمش"، التي لا تفصل عن عمليات فردية عديدة لم تتوقف. فوجود الاحتلال ينتج مقاومة. وتعتبر الجهات الإسرائيلية أن شهر أيلول (سبتمبر) 2015م، هو بداية الهبة التي سمتها في مراحل لاحقة بـ"انتفاضة السكاكين" والموجة العنيفة التي لم يهتم أحد بتفسيرها.

ومن أحد اليوميات تحت عنوان "تصفية حساب"، يقول العيسة: إنه في السابع من أكتوبر 2024، في فجر الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، ارتقى في مدينة دورا مسن فلسطيني، بعد اقتحام جنود الاحتلال منزله والاعتداء عليه بالضرب المبرح. هذا الخبر الذي بثته وسائل الإعلام، واتضح أن المسن ليس سوى "الحاج زياد أبو هليل"، صاحب "بهمش"، في انتفاضة أكتوبر قبل تسعة أعوام. الذي جعله فتية الانتفاضة رمزا لانتفاضة بلا قيادة أو برنامج. إنها زفرات غضب وألم وأمل! أغلق المحتلون الدائرة، وصفوا الحاج زياد! هل أقول "بهمش" يا حاج؟ إلى متى سنظل نقولها؟.

https://alghad.com/Section-150/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/%D8%A8%D9%87%D9%85%D8%B4-%D9%84%D9%84%D8%B9%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D9%85%D8%B4%D8%A7%D9%87%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%88%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%B9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%87%D8%A7%D9%85%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-1953941?fbclid=IwY2xjawIltVxleHRuA2FlbQIxMQABHcvTNBHLE20GOTA5bhe_AVK8TcsIZ06QH3dJzq-7EMIaNQyj84cvCfWWPQ_aem_NbDgfAH8SNEOTuZZwHHL2w


الاثنين، 17 فبراير 2025

مقامات الدحدح!




 


لا أعرف الوقت الذي لم أعد أخذ فيه حصتي من مقاربات الدويري. لكن قد يكون بدايته عندما أوقفني صديقي بائع الدحدح في بيت لحم القديمة سائلًا: شفت الدكتور يزبك؟ من الدكتور يزبك؟ استغرب صاحبي من جهلي.

تابع إن لم تكن التقيته ستجده عند الحملان أمامك.

أفهمني ابن جبل القيسيين أنَّ الدكتور يزبك هو المحلل المشهور في قناة الجزيرة وإن لم تبز شهرته الجنرال الدويري. سألت صديقي ولم أكن بحاجة لأتقيس، فأنا أصلًا قيسي وإن كنت من القيسية التي دُحدحت فأصبحت القيسية التحتا. وليس مثل صاحبي التي رسخت صفة القيسية لدى ربعه. فيوصف الواحد منهم بالقيسي في لغة الناس اليوميَّة.

أخبرني قيسي الدحدح إنَّه سأل الدكتور النصراوي السؤال الوحيد الذي نسأله لبعضنا متى ستنتهي الحرب؟ نتوقع دائمًا ردًا مطمئنًا. رد اليزبكي: طالما بقي نتنياهو في الحكم فلن تتوقف الحرب. بشارة غير مبشرة من ابن مدينة البشارة. علَّقت: لكن الغزاويين دحدحوا نتنياهو!

لم ألتق يزبك عند الحلمان الغارق وسط أدواته القديمة. هل احتاج يزبك إلى تصليح بابور كاز عند الخليلي. لم أتأكد وإن كنت مثل غيري اقتنعت أن محللي الفضائيَّات بحاجة لنفض رؤوسهم من تكرار كلامهم، فنفضوا رؤوسنا ولخمونا.

بدأت أحرص على أخذ المقاربات التحليلية من صاحبي صاحب الدحدح كل ما أمر من شارع الفواغرة. مع إصراره على دحدحتي بقطعة دحدح. أحيانًا أجده غائبًا لمرض أو لمشاركته في عزاء شهيد من أقاربه. فيصيبني اكتئاب دحدحي.

#محمود_يزبك

#حلل_يا_دويري

#أسامة_العيسة

الأحد، 16 فبراير 2025

عراقي في رمات جان!


 

عاش آفي شلايم، طفولة مرَّة في رمات جان، الضاحية/ المدينة في منطقة تل أبيت-يافا الكبرى (مترجم الكتاب يسميها رمات كَان) كطفل عراقي يخجل من لغة أبويه العربية. يعاني من الاستعلاء الغربي. اعتبرت الحركة الصهيونية تهجير يهود الدول العربية، انتقالًا من الشرق إلى الغرب.
عرفت اثنين من عراقي رمات جان، سامي ميخائيل، الكاتب المعروف، ولطيف. دوري، الناشط اليساري. وكلاهما عاشا بأثر الاستعلاء الغربي. مارسا الاستعلاء.
سألت ميخائيل، عن توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغيرهما ممن التقاهم في القاهرة بعد استسلام السادات. رد بابتسامة ساخرة: على دين حكومتهم!
أمَّا دوري الذي افتخر بقومه يهود العراق، لتوجههم اليساري العام، تهكم على يهود عرب آخرين كيهود اليمن باعتبارهم من اليمين.
هزيمة ١٩٦٧، التي نكست عربًا، كانت فتحًا لليهود العراقيين وغيرهم من المزراحيين. وفّر احتلال ما تبقى من فلسطين الانتدابية، فرصة للعمل في أجهزة الاحتلال العسكرية والمدنية، فقمعوا وفسدوا وسرقوا وتلقوا الرشى.
يستعيد شلايم هويته اليهودية العربية، ويطوِّر مواقفه الأخلاقية تجاه قضية شعبنا، لكن هذا لم يكن اشتباكي مع كتابه.

بتاتًا!


في بيت. لحم. مين قد الفلسطينية؟

 

يوميات لأسامة العيسة في انتفاضة مغدورة


عمان/ الدستور الأردنية:
صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، كتاب جديد للروائي الفلسطيني أسامة العيسة بعنوان: «بهمِشّ-يوميات كاتب في انتفاضة مغدورة»، يستعيد فيه الكاتب يومياته في انتفاضة فتية فلسطين خلال عامي 2015-2016، وارتقاء أكثر من 350 شهيدا منهم خلال المواجهات مع قوات الاحتلال.
يكتسب الكتاب، الذي جاء في نحو 340 صفحة، من طزاجة اليوميات، وتتبع سير بعض شخوص الانتفاضة، الذين قضوا لاحقا، من بينهم الحاج زياد أبو هليل صاحب كلمة «بهمش» التي أصبحت أيقونة تلك الانتفاضة. ويتوقف عند بعض رموز المقاومة الشبابية مثل الشهيدين بهاء عليان، وباسل الأعرج.

اعتبر الكاتب ناصر الريماوي أن أهمية اليوميات أيضا، «كرافد» طبيعيِّ للمواجهات وخلفيَّة اجتماعيَّة هامة، لما نعتقد أنَّه ثانويِّ من حيث الضآلة مقارنة بالوقائع اليوميَّة الرئيسة، ولأنَّها تصاغ بأسلوب أدبيِّ شيِّق بحماسة المنتمي لذلك الحدث بالروح قبل القلم على هذه الأرض».
أضاف الريماوي: «لا يوجد ما هو هامشي بلا قيمة في زمن المواجهات العادلة مع المحتل. هذا ما تقوله على الأقل يوميَّات/ مشاهدات العيسة التوثيقيَّة».
#ناصر_الريماوي
#الدستور_الأردنية
#بهمش
#يوميات_كاتب_في_انتفاضة_مغدورة
#المؤسسة_العربية_للدراسات_والنشر
#أسامة_العيسة
 

عن "يوميّات كاتب في انتفاضة مغدورة"/ عمر شبانة


 تذكّرنا عبارة "بهِمِّش" في عنوان الكتاب الجديد للروائيّ والكاتب الفلسطينيّ أسامة العيسة، بعبارة الصحافي في قناة الجزيرة وائل الدحدوح "معَلِشّ" بعد استشهاد ابنه وعدد من أفراد عائلته، ثم الاستهداف المباشر والمقصود له. للعبارتين معانٍ مشتركة، فهما تتضمنّان التهديد والوعيد للعدو الصهيوني على ما اقترفه من إبادة جماعيّة لأهل غزة والضفة الغربية، في صور شتّى. هما عبارتان وليستا مجرد كلمتين، تعبّر كلّ منهما عمّا يمكن للفلسطيني أن يقوم به في هذه المواجهة غير المتكافئة ولكن المفتوحة على الاحتمالات في عبارتين تختزلان الكثير: بِهِمِّش، مَعَلِشّ. بهمّش التي هي اسمٌ لما بدا أنه الانتفاضة الثالثة (2015)... "انتفاضة بهمّش" وذلك بسبب "تردادها من قبل الحاج زياد أبو هليّل الذي كان ينزل إلى نقطة تماس المواجهات في مدينة الخليل، محاولًا حماية الفِتية من الجنود، مخاطبًا الجنود بلهجته المحليّة وبأسلوبه الذي عرفه الناس من خلال الفضائيّات: بهمّش".    

هذا ما يؤكّده المؤلّف في مقدمته لكتابه، التي حملت عنوان "خطبة اليوميّات"، أي أنّنا أمام "أدب اليوميّات"، وينطلق العيسة في كتابه هذا "بهِمِّش: يوميّات كاتب في انتفاضة مغدورة" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 328 صفحة، 2025، من مخيّم عايدة، مع التفاصيل الصغيرة التي يجيد سبكها وسردها، تفاصيل تتعلّق بالزمان الذي هو 18 شباط/ فبراير 2024، والمكان وهو مخيّم عايدة، بمحاذاة الجدار الضخم المحيط بقبّة راحيل، هذا المقام الإسلاميّ المسيحيّ الذي استولى عليه المحتلّون، وحوّلوه إلى جيب عسكريّ استيطانيّ، وتمّ ضمّه إلى بلدية القدس، هذه البلدية الاحتلالية. وهنا أيضًا تقع العيون على جنود من جيش الاحتلال يحرسون المقام من أصحابه الفلسطينيين، كما يصرّح العساكر الصهاينة أنفسهم.

وكما تابعنا العيسة في إبداعه الروائي، وأسلوبه السرديّ المتميّز، وتابعناه أيضًا في كتب توثيقية وشهادات واقعية، فإننا نتابعه هنا في رسم شخصيّات واقعية- حقيقيّة من الشارع الفلسطينيّ، وبما يشبه رواية وثائقية، حيث نبدأ بشخصية الطفل عبد الرحمن شادي عبيد الله الذي استشهد يوم 5/ 10/ 2015، ودُفن في المقبرة الإسلامية الرئيسة في بيت لحم، قريبًا من المقام المذكور أعلاه. مقام تحوّل إلى نقطة تماس بين أطفال الحجارة ووحوش الجيش الصهيوني وأجهزة أمن السلطة معًا، بعد اتفاقات أوسلو.

يكتب الكاتب عن الانتفاضة- الانتفاضات المغدورة- المهدورة، ولكن المستمرة والمتواصلة في صور عدة، فهو يلتقط مشاهد من مقاومة أطفال الحجارة واشتباكهم مع جنود الاحتلال من جهة، واعتداء أجهزة أمن السلطة عليهم من جهة مقابلة، في ما يشبه رصد يوميّات المواجهات بعينين قادرتين على توثيق المشهد ووضعه في سياقه، والتعليق عليه بكل ما يحيط به من مفارقات ترى أجهزة أمن السلطة وعملها "في خدمة العدوّ الصهيوني جهارًا نهارًا". وهذه الحالة يمثّلها الاعتداء على فتى بطريقة وحشية، ثم اعتقاله لاحقًا من الجيش الإسرائيلي، واستشهاده. وحين أدان بعض السياسيين الفلسطينيين هذه العمليّة الوحشية، تمّ اتهامهم بأنهم "من الطابور الخامس الهادف إلى زرع بذور الفتنة بين أبناء الشعب الفلسطيني".

في الكتاب أيضًا، وكما في كتابه السابق "شهداء الرب"، الذي جمع فيه شهادات عن شهداء الانتفاضة من الأطفال، ثمة مشاهد سريعة بتأمّلات عميقة ومعبرة تجسد مشاهد سينمائية مؤثرة. فـ"متطوّع الإطارات"، وهو قريب أحد الشهداء، يأتي "واثقًا هادئًا ناقمًا... يُنزل الإطارات من صندوق مركبته، يقبض بشفتيه على سيجارته المشتعلة، يمكن أن أتخيّله في مشهد سينمائيّ، يمسك عقب سيجارته بعد الانتهاء من تنزيل إطاراته، ويقذفها نحوها فتهبّ النار وتتصاعد علّها تشفي غليل المقهورين". مشهد واقعي يمارسه الفلسطينيون ويشاهدونه كل يوم. لكنّ طبيعة السرد هنا تمنحه تلك السحرية في الرواية، ما يحوّل "حياة المقاومين من الأطفال"، هذه المقاومة الواقعية أقرب إلى الأسطورة. وسنقف في مقالنا هذا أمام أبرز ملامحه.

ومن بين حكايات كثيرة، حكاية "فتى الكرسيّ" العنيد، جزء من حركة المنتفضين والمقاومين في بيت لحم. فتى يحمل كرسيّه البلاستيك، ويجلس وسط جزيرة في شارع من شوارع بيت لحم. تناله حجارة المقاومين من جهة، وقنابل غاز جيش المحتلّين الصهاينة من جهة مقابلة، لكنها لا تثنيه عن جلسته "الاستعلائية" التي يتأمّل من خلالها العالم من حوله، ولا يترك مكانه إلّا حين يقترب الخطر، فيحمل كرسيّه وينتقل إلى أزقة المخيّم وشوارعه، حتى يتراجع الخطر، فيعود إلى كرسيّه- عرشه، لا يتبادل الكلام مع كثيرين، يحافظ على غموضه.

هل يحقّ للفلسطينيّ المسيحيّ الذي يُقتل في المواجهة مع قوات الجيش الصهيوني، وهو يحمل الصليب، أن يوضَع في خانة "شهيد"، أم أن صفة شهيد مخصّصة للمسلم؟ هذا السؤال واحد من أسئلة عدة يطرحها العيسة، وبعبارات قليلة يجيب عليها، إذ يعود إلى تلك الحقبة التي عرفت الحدود بين المناضل والعميل، ورُفع الصليب بجانب الهلال في المظاهرات، ويكثف العيسة "الصليب ليس أداة سحرية لكشف العملاء فقط، ولكن يمكن أن يكون- أيضًا- رمزًا مهمًّا للانتفاضة الكبيرة المقبلة، يحيل إلى الشهيد الفلسطينيّ الأوّل في مواجهة الاحتلال الرومانيّ والسلطة الدينية، وهو الذي يحظى باحترام مليارات الناس في العالم...".

"لاعبات البنانير" كما يطلق عليهنّ المؤلّف، ظاهرة ترتبط برماة الحجارة والبنانير، تقوم الفتيات فيها بتزويد الشبّان بالبنانير التي يصطادون بها عيون الجنود الصهاينة. فتيات يشترين البنانير من مصروفهنّ اليوميّ، تقول إحداهنّ "نريد إحراز أكثر النتائج إبهارًا، لذا فإنّ من يقذف الكرات هم من نثق بهم أكثر من كلّ اللاعبين السياسيّين المُضجرين...". ووفاءً لهذه "اللعبة" التي كان يمارسها السّارد- المؤلّف في شوارع المخيّم المُتربة، يقرر تقديم تبرع (5 دولارات) لشراء ذخيرة! وارتباطًا بظاهرة البنانير، يرسم المؤلّف صورة فتى في الحادية عشرة تلتصق به صورة حامل زجاجة من الحجم العائلي مملوءة بالبنانير، يقول إنه يحملها دائمًا لكي يكون "جاهزًا لتزويد من يطلب من الرماة الماهرين".

هي إذًا محاولات لأسطرة المقاومة والمقاومين، في حكايات وشذرات ولمحات سريعة، كلّها لتخليد صور من المقاومة، وابتكار الموازي الأدبيّ لما يجري على الأرض من وقائع خارقة، تصبّ كلّها في نهر الكفاح متواصل الجريان. ونواصل في هذا النهر الطويل والعميق، زمانًا ومكانًا، مع كاتب يرصد بوعي ثاقب وعينين حادّتَي الرؤية، تفاصيل النضال الصغيرة وهي تبني هرم المقاومة الأكبر. مقاومة مهدورة بفعل قوى المساومة. وهي مقاومة تقوم على جهود الفتيان (والأطفال)، الأمر الذي يؤكد أسطوريّتها، ويمنحها تميّزها.

حكايات كثيرة تستوقفنا مع المؤلّف، لا يمكننا الوقوف معها، لذا نقف، أخيرًا، مع حكاية هي بعض من حكايات الأمكنة، إذ يتوقف العيسة عند الأمكنة التاريخية البارزة والمعروفة، منها على سبيل المثال "جبل المكبّر"، هذا الجبل صاحب السيرة الميثولوجيّة الخرافية "لقاء توماس مان وعنترة بن شدّاد، وشيطنة الملك داود... مكانته أسيرة ميثولوجيا الدين الإبراهيميّ بتجلياته في الميثولوجيا اليهودية، المكان الذي أطلّ منه أبو الأنبياء، على جبل الموريا وهو يقود ابنه إسحق ليضحّي به...". فيما عُرف الجبل في الميثولوجيا المسيحية باسم "جبل المؤامرة" أو "جبل المشورة الفاسدة" حيث تقع فيه دار الكاهن الأكبر، المكان المفترض لاجتماع يهوذا الإسخريوطي والكهنة والقادة العسكريين، والاتفاق على تسليم السيد المسيح. ويذهب العيسة إلى أن ملحمة الاستيطان العربي الجديد للجبل تحضر في رواية محمود شقير "فرس العائلة"، ولا ينسى التذكير ببيت الشعر الشهير للشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) مهدّدًا قصر المندوب السامي الذي أقيم على الجبل، وفيه يقول أبو سلمى:

جبلَ المُكبّر، لن تلين قناتُنا
حتى نحطّمَ فوقكَ الباستيلا... 

مجحشون هنا!



في بديعته: رسالة الصاهل والشاحج، يعرض معلمي المعري، لمظلمة البغل/ الجحش في ظرف سياسي إقليمي ومحلي، يشبه واقعنا الآن.
ليس لدى الفلسطينيين، حساسيات ضد الحيوانات، حتّى المخيفة كالحيَّة، والصديقة كالبسة، فحملت عائلات أسماءً مثل: البغل، والبغول، والجحش، ومشتقات من الجحشنة!
شاهد العالم، ملحمة الجحشنة الفلسطينيَّة، في مواكب العودة في غزة، وإن كانت عودة مؤقتة، تمهيدًا للعودة الأولى.
مجحشون هنا، مجحشين هون، ترمب ليس أوَّل الخائبين.

السبت، 15 فبراير 2025

ابتسامة موسى!


 

يعبِّر موسى عن نفسه بالابتسامة، التي قد تتسع ولكن لا تصل للقهقة. يعتقد أنها اللغة الأقرب للتواصل. هكذا كان في المدرسة، وفي الحياة.

وصلت منزل موسى في مخيمنا قرب الحاووز، رفقة الزميل خالد أبو عكر وصحفي أجنبي، دون ميعاد. الحديث عن الحدث الساخن، تصاعد العمليات في الانتفاضة الثانية، واعتقال شقيقه إبراهيم وزوجته الأوكرانية، وشقيقه الأصغر خليل.

أُدرك أن الاحتلال غيَّر مصاير معظمنا، ومن بينهم إبراهيم، الذي فوجئنا بانخراطه في المقاومة، والحكم عليه بالسجن 6 مؤبدات و45 سنة.

عندما ودعت موسى، بدت لي ابتسامته رسالة. فوجئت بعد أيَّام قليلة باعتقاله، صدمت حقًا. أين خبأت كل ذلك يا موسى. لم تكن الابتسامة هذه المرَّة الأنسب للتواصل.

خرج موسى اليوم بعد 23 عامًا إلى مخيمه وقدسه، معبرًا، هذه المرة، بابتسامة لا تحتاج إلى فك رموزها.

خليل أُبعد! وإبراهيم بدا متماسكًا؛ قصته قصة وحكايته حكايا! لو ينطق الحجر والتراب والهواء منبئًا عن سلالة الريح. فلسطين ليست بلاد الحكايات، هي الملحمة التي لو جُيِّر مداد البحر لما تمكن من خطها!

زاملت والديهم؛ أبو يوسف وأُم يوسف في زيارات الأسرى، قسَّم الأبوان نفسيهما لزيارة الأولاد. استنفرت مقدرات الأبوة. شهدت كيف تكبر الطفلة غزالة، بينما شقيقتها تكبر لدى جدة أخرى في أوكرانيا.

أوقفني في البدء وقال، خُلق الفلسطيني من حرف وطين! مقامك ما بين التراب والإبداء! أزلية لتشهد الريح والسماء والبرازخ!

#موسى_سراحنة

#إبراهيم_سراحنة

#خليل_سراحنة

#مخيم_الدهيشة

#أسامة_العيسة

الخميس، 6 فبراير 2025

كتاب سياسي/ ماهر كيالي


 


كتاب سياسي للكاتب أسامة العيسة  بعنوان "بهِمّش: يوميات كاتب في إنتفاضة مغدورة ". منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر.Jan 2025.

دام العطاء. الكتاب يجمعنا!

#ماهر_كيالي

#بهمش

#يوميات_كاتب_في_انتفاضة_مغدورة

#المؤسسة_العربية_للدراسات_والنشر

#أسامة_العيسة

بهمش!



تاريخ شعب في مغالبة الأباطرة والولاة والأغوات والسلاطين وأمراء المؤمنين وأمراء الكافرين والفاتحين والمحتلين والأفاقين وباشاوات الدورة. طواهم نسغ البلاد. وظلت أزهارها ونباتها وحجارتها وناسها توحي وتنطق!
خلال قرن فقط بدَّل شعبنا أربع خمس دول. من بينها إمبراطورية غابت شمسها، وأخرى غير مهتم بشمسها أو قمرها!
لم يبق إلا مجنون يمعمع مخه ويقرقر. على من؟ على مجانين لا يعرفون المعمعة، ولكنهم شخصُّوا القرقرة: ضراط لم ينضج!

شولوخوف غزة!


 شولوخوف غزة!

شاب عائد إلى شمال غزة، ولكن ليس وحده. يحمل طفلًا، يقبِّله بين الوقت والوقت حتَّى وهو يتحدَّث لصحفيِّ.
يقول العائد: "عثرت عليه وحيدًا، لا أعرف أهله، بقي وحيدًا. ما حوله شهداء مقطعين. أخذته يخاطبني بابا".
وصل العائد الذي كان نازحًا في مدرسة في جباليا إلى فصلين قُصفا، فوجد رضيعًا ناجيًا، ضُفر مصيرهما. في النزوح والعودة الملحمية.
أيقنت أنَّ مثل هذه الحكايات ستكشف. خلال سنوات طويلة مقبلة سنعرف الكثير.
حصل ميخائيل شولوخوف (1905-1984) على جائزة نوبل وعمله الأبرز الدون الهادىء. تعرض شولوخوف لهجوم تشكيكي من البعض بقدرته على الإبداع الَّذي أنتجه، كمواطنه النوبلي باسترناك الذي مُنع من استلام الجائزة. وجه شولوخوف ضربة للمشككين بعمل قصصي باسم: مصير إنسان، تحوَّل إلى فلم. عن مقاتل يعود من الجبهة فلا يجد عائلته التي قضت في الحرب، يلتقي طفلًا فقد أيضًا عائلته، تُضفر حياتهما.
قوة الأدب والفن، جعلت عمل شولوخوف والشريط السينمائي مؤثرًا. أيَّة قصص ستخرج من رمالك وبحرك يا غزة!
الصورة: التشابه بين مصير إنسان الغزي وغلاف رواية مصير إنسان السوفيتي.