في
حولية الليطاني!
صادفت
وليد، على الفيس، أوَّل أمس الجمعة، بعد سنوات من البحث عنه، فقنصته. قبل أعوام
هاتفته من تل تعنك، الأثري المهم، في قريته. كنت رفقة طلاب الآثار في جامع القدس،
وأساتذتهم. ردَّ علي كان خارج حدود القرية الحدودية. خلت أنني وأنا على قمة التل،
أراه في مرج ابن عامر، الذي يطل عليه التل. كيف أصبح شكله الآن؟ وأصلًا هل يذكرني؟
عرفت
وليد في مناسبة مزعجة. في مثل هذه الأيَّام عام 1978م، غزت دولة الاحتلال جنوب
لبنان، ووصلت حدود نهر الليطاني، وربَّما بعده، في عملية عُرفت باسم النهر. بؤر
الاشتباك آنذاك انتفضت ومنها مخيمنا. كان أولاد المخيم يتحكَّمون في مركبات جيش
الاحتلال ومستوطنيه على شارع القدس-الخليل. مفتاح القدس بجيبنا، بفضل حجارتنا.
اعتقلنا
مجموعة من الأطفال وتعرضنا لضرب وحشي، ترك ندوبًا نفسيَّة لدي لفترة ليست قصيرة.
كنَّا
مشبَّعين وطنيًا وأدلجة، لنا مواقف من فيتنام إلى البوليساريو. من بين المعتقلين:
شوقي العيسة، وبرهان شعبان عطا الله، وخالد الحايك، وآخرين تركت عائلاتهم الأراضي
المحتلة وهاجرت، بسبب صدمة وحشية ذلك الاعتقال. رُميت وبرهان في المياه العادمة.
في فترة السجن تلك كنا نحاول متابعة ثورة الكاسيت الخيمنية.
أمضينا
فترة السجن في البصَّة (واحدة من بنايات تارجيت الاستعمارية الصفراء) التي توارثها
مَن حكمنا، بعد الإنجليز: المصريوُّن، والأردنيُّون، والإسرائيليُّون والآن:
الفلسطينيُّون.
مَن
نقل منا إلى سجون الاحتلال، لم تقبلهم إدارت السجون، بسبب صغر سنهم، فعادوا الينا،
إلى جهنمنا الصغيرة، طبعًا سيتغيَّر الأمر لاحقًا لدى مصلحة سجون الاحتلال.
جلب
الجنود، معتقلين ناشطين من طلبة جامعة بيت لحم، الحركة الطلابية كانت دافعة
للتحركات الجماهيرية. منهم من نعرفهم مسبقًا. اختلنا عليهم، لأنَّنا كأولاد رفضنا
الاعتراف بما وجه لنا من تهم، بينما هم اعترفوا. قُدمنا لمحكمة عسكريَّة عُقدت لأوَّل
مرة وآخرها في البصَّة.
قد
يتفاجأ الأصدقاء، أن نبيل كوكالي (الدكتور نبيل الصديق الصدوق الآن) كان زعيم طلبة
الجبهة الشعبيَّة المعتقلين. عانينا جميعا من البرد، والضرب، والجوع.
من
بين المعتقلين وليد. أظنه كان من نشطاء الجبهة الديمقراطيَّة، لكن أبا غسَّان، أسر
لي قبل سنوات، عندما كنت أبحث عن وليد أنَّه من الشعبيَّة.أبو غسَّان أصبح رئيس
مجلس اتحاد الطلبة في الجامعة، ممثلًا عن الجبهة الشعبيَّة.
صبَّحت
على وليد، وعرَّفته بنفسي، وأظنه لم يتذكرني، لكنَّه تذكر تلك السجنة.
قال:
"أتذكر عندما صفُّونا طابور وصار الجنود يفرزوا فينا وأنا أكلتها".
أنا
أيضًا أتذكَّر، فسألته عن واقعة المجرم أبو الفهد، اليهوديِّ العراقيِّ الكردي
الضخم، عندما مرَّ من أمام غرفتنا، يهصر مجندة ضئيلة بالنسبة لحجمه، كي يزيدنا قهرًا،
فهمس وليد: فَوِّتها شوية. سيظل سماع أبو الفهد للكلمة المهموسة سرًا، إلَّا إذا
كان ركَّب استشعارين على أذنيه الكبيرتين.
أخرجونا
من الغرفة وضربونا، وتركَّز الضرب على وليد، الذي لم يعترف ولم نعترف على أنَّه
الهامس.
كما
أنكر وليد أنَّه الهامس أمام أبو الفهد وجنوده، ينكر الآن وهو على مشارف السبعين
حولًا، أنَّه المتسبب بقمعنا.
قال:
"بجوز القائل قرمان هل تذكره؟"
يقصد
عبد الكريم قرمان، الصامد الآن في مخيم النصيرات، تحت القصف والمأبدة التي ذهب
ضحيتها الكثيرين من عائلته. لا أذكر أنَّ قرمان، كان معتقلًا معنا. شكرا وليد
لانعاش الذاكرة.
قلت
له: أظن أنَّ الهامس هو أنت! قرمان الغزاوي، أظنه لا يستخدم فعل الأمر فوِّتها!
وهو مؤدب، مسالم، حتَّى أنَّه انتمى لتنظيم شيوعي يحمل اسم سيدة (زمرة إميلي)!
رد:
والله ما انا صاحي!
-ههههههه
*والله
ما أنا صاحيها هذه الكلمة: فوِّتها!
ستنقل
الصخور، والوديان، والأشجار، والطيور، والزواحف، والضباع لسلالتها، أنَّه وِجد من
دافع عن شرف الصامتين.
الصورة:
أبو الفهد الهصور. احتلال 1967م كان فرصة لليهود العرب في دولة الاحتلال، التي
جندتهم للتعامل مع المحتلين، فقمعوا وفسدوا. (للمزيد عن ذلك يمكن مراجعة كتاب
يهودا شنهاف).
#عبد_الكريم_قرمان
#شوقي_العيسة
#يهودا_شنهاف
#أسامة_العيسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق