أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 7 يناير 2024

الإعلام الشخَّاخ!


 


التقيت طارق عبد الجابر، مراسل التلفزيون المصريِّ في فلسطين، خلال الانتفاضة الثانية، في تقاطعات عابرة، منها، في حضرة جثمان الشهيد أبو خليل، ابن صفي، بعد اغتياله في قرية ارطاس، وجلبه إلى مستشفى بيت جالا الحكومي ((5/5/2001م).

لم يكن عبد الجابر كثير الكلام. حديث سريع عن مستوطنة جيلو، التي تظهر من المستشفى، وكانت آنذاك عنوانًا لاطلاق النَّار عليها من المقاومين. وقفت السيناتور هيلاري كيلنتون في المستوطنة وحرَّضت حكومة الاحتلال على الرد، وكأنَّ الاحتلال لا يقصف ولا يقتل ولا يُهجِّر. قالت: إنها تستغرب كيف تقصف عاصمة دولة، والدولة صابرة لا ترد. تتجاهل أنَّ جيلو مستوطنة، أُقيمت على أراضي بيت جالا، وضُمت لحدود بلدية القدس الاحتلالية.

النَّاس في فلسطين يحبون المصريِّين. رافقتُ، على مدار عملي الصحفي، مراسلين مصريِّين، أُستضيفوا في بيوت الفلسطينيِّين، بحبٍ شديد، من بينهم، على الأرجح، عبد الجابر في القدس. لم يكن من الصعب ادراك أن مِن هؤلاء من وصل فلسطين، في مهمة تطول أو تقصر، ليس بسبب كفاءة ما، وإنما لمحسوبيات تتعلَّق بسير العمل في الإعلام الحكومي في القاهرة. هذا موضوع آخر.

أعتقدت أنَّ عبد الجابر، قد لا يكون استثناءً، سمعت مرَّة حديثًا للكاتب أسامة أنور عكاشة، لم يكن بالنسبة له عبد الجابر، المناسب للمهمة.

استمعت أمس، للقاء، على اليوتيوب، مع عبد الجابر، بدا فكهًا، ومنطلقًا، وجريئًا، تدب فيه الروح المصرية. تحدَّث عن لقاءته مع زعماء حركة حماس، بحماسةٍ، وايجابية. من الواضج أنَّ صمود المقاومة حسَّن من صورة الفلسطينيِّ، إذا قورنت تلك الصورة، مثلًا، بالهجوم الممنهج على الفلسطينيِّين، خلال التمهيد للثورة المضادة، حتَّى أنَّ كاتبًا مثل وحيد حامد، تجنَّد لدى قوى الثورة المضادة، خرج على التلفزيون محذرًا: الفلسطينيون سيحتلون سيناء. "كوفيء" حامد، لاحقًا من الرئيس عباس بمنحه النجمة الكبرى من وسام الثقافة والعلوم والفنون (5/1/2019م).

يروي عبد الجابر، اقتراحه لصفوت الشريف، وزير إعلام مبارك، رغبته باستضافة الشيخ أحمد ياسين، بعد أن عرض عليه إسماعيل هنية ذلك. يبدو أنَّ الأمر لم يكن سهلًا، وأخذ مشاورات على مستوى عال من الشريف ورئيس المخابرات عمر سليمان، فصَّلها عبد الجابر في المقابلة. حذَّر الشريف، عبد الجابر، من أن لا يسيء ياسين، في المقابلة لمبارك، وهدده، بتعبير عبد الجابر: برقبتك.

المفاجأة لعبد الجابر، أنَّه لسببٍ لا يعرفه، قرَّر التلفزيون المصريِّ أن يكون اللقاء مباشرًا. في نهاية اللقاء، طرح عبد الجابر سؤاله للشيخ عن مصر، فبدأ يشيد بالرئيس مبارك. ولكن عبد الجابر الذي خشي من حصول خطأ ما، اضطرب، سمع دقات قلبه وشخّ على نفسه كما يقول، ورأى الحضور "حنفية مية" تبلل ملابسه، وهو ما شاهده زملاؤه في استوديو القاهرة. كان مرعوبًا من أن يخطيء الشيخ ياسين، وهو الأمر المستبعد من الشيخ المناور، فأسرع الصحفي المرعوب الخائف على رقبته، بانهاء اللقاء.

في هذا الرعب عمل عبد الجابر وزملاؤه، في الإعلام الشخَّاخ. لكن الآن ليس فقط الإعلام العربي كان شخَّاخا وما زال، ولكن العدوى انتقلت إلى العالم. لم يعد فقط إعلاماً منحازًا، ولكنَّه شخَّاخًا.

من المفارقات أنَّ إعلام المقاومة، هو الأكثر مصداقية الآن. المقاومة حرَّرت عبد الجابر، بدا حرًا، ارتفع كثيرًا!

#طارق_عبد_الجابر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق