أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 7 نوفمبر 2022

عندما يتغير الجيران








 لا يسيطر الهدوء على دير بيت الجمال، المقام على أراضي قرية بيت الجمال المهجرة، في التلال المنخفضة، ولكنه لا يعكس دراما الدير المستمرة منذ تأسيسه عام 1878م على يد الأب أنطونيو بيلوني، كملجأ للأيتام.

تروى حكايات تبدو مفجعة جعلت الأب الايطالي بيلوني يفكر في تأسيس الدير، وتجميع الأيتام فيه، ولكن الأهم في مسيرة الدير، المقام على تلة مشرفة على حولها من قرى مهجرة، مثل عرتوف، وبيت نتيف، وزكريا، وصرعة، ودير بان، وغيرها، هو علاقاته المتشعبة التي ربطته بناس هذه القرى، حتى النكبة.

يفخر الأب أنطونيو سكودو، رئيس الدير الحالي، بأن ديره خدم 50 قرية فلسطينية، موزعة على دائرة قطرها نحو 45 كلم، مثل بيت جبرين، والدوايمة، ودير الذبان، ودير الشيخ، ومغلس، ورفات، ورعنة، وصوريف، وسجد، وذكرين.

عمل كثير من أهالي هذه القرى في أراضي الدير، وكان مستوصفه هو ملجؤهم، واستفادوا من مطحنة الحبوب فيه، لطحن الشعير والقمح، وعصروا زيتونهم في معصرة الزيت.

ما زال كبار السن من القرى المهجرة في المخيمات، يذكرون الراهب سمعان السروجي، ابن الناصرة الذي خدم في الدير. يقول بييرباتيست بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين: "تعتبر حياة ابن بلدة يسوع الناصرة، المكرم سمعان السروجي، مثالا رفيعا في هذا الدير الذي مثل مكانا للقاء بين الماضي والحاضر، وبين الإلهي والإنساني".

يرى الأب انطونيو سكودوا: "فيما يتعلق بخدمة السكان المحليين حول بيت الجمال، يجب أن نقول إن البطل في هذه الخدمة، دون شك، كان الأخ الساليزي، سمعان سروجي 1877-1943م". انضم السروجي إلى ميتم الأب بيلوني في بيت لحم، بدا مبتدئا في دير بيت الجمال عام 1892م، وميزته أنه يمكنه أن يضطلع بأية إعمال دينية أو زراعية، والعمل في المخبز، والمطحنة، ومعصرة الزيت، والمستوصف، وغيرها.

المكرم رتبة كنسية، أقل من مرتبة الطوباوي واثنتين من رتبة التقديس، يسعى الدير لتطويب السروجي قديسا بشكل رسمي، وما زال يحشد جهوده لذلك، واعتمد على شهادات مسلمين.

يقول بيتسابالا: "إن الجمال الطبيعي الذي يحيط بهذا الدير وصمت المكان، هي ظروف مواتية جدا لتكوين علاقة هادئة وعميقة ومتيقظة بين الإنسان والله، بل بين البشر أنفسهم".

ولكن هذا الجمال لم يحل، دون معاناة الدير، من منعطفات الأرض المقدسة السياسية، فخلال الحرب العالمية الأولى قطعت السلطات العثمانية أشجار غابة بيت الجمال بأكملها: الصنوبر، والسرو والبلوط لاستخدامها في سكة الحديد، ولم تكن علاقة الدير بسلطات الضرائب العثمانية جيدة.

يفخر الدير بتأسيس أول مدرسة زراعية في المنطقة، وأول محطة أرصاد جوية في فلسطين، لا تزال تعمل حتى اليوم. أرشيف الدير غني ببيانات الأرصاد الجوية مثل درجات الحرارة، وشدة الرياح، والرطوبة، والأمطار، وكل هذا كان مهما لتجهيز الأراضي للزراعة والبذار.

خلال الثورة الفلسطينية الكبرى، تأثر الدير، عندما قتل رئيسه ماريو روزين عام 1938م، لا يستطيع رهبان الدير تحديد الجهة التي تقف وراء الاغتيال، هناك شائعات أنه قتل على أيدي عربية نظروا إلى الدير كجزء من النظام البريطاني. ولكن كما يقول الأب سكودو: "هناك تفسير آخر، أكثر إثارة للقلق، هو أن الحكومة الفاشية الايطالية كانت متورطة من خلال ممثليها في القدس. لم تستطع إيطاليا الفاشية أن تتسامح مع رئيس الدير، باعتباره مؤسسة ايطالية، يعارض سياستها، وبالتالي هناك حاجة للقضاء عليه. قال بعض السالزيان في السابق إن نبأ وفاة الأب روزين كان مطروحا على مكتب القنصل الايطالي في القدس قبل مقتله".

خلال الحرب العالمية الثانية، اعتقل البريطانيون رهبان الدير الذين يحملون الجنسية الايطالية، لأنهم ينتمون لدولة معادية، وفي عام 1948،عسكر الجيش المصري في منطقة الدير الاستراتيجية.

يقول سكودو: "بعد عام 1948، تغير جيراننا. كانت بيت شيمش نقطة تفتيش على خط سكة الحديد. بعد عام 1949، أصبحت قرية بيت نتيف العربية نقطة محورية للمهاجرين اليهود".

جاء المستوطنون اليهود، كما يقول سكودو، من أوروبا، ولاحقا من المغرب وكردستان، وغيرها، وجاء المستوطنون الجدد من الاتحاد السوفييتي السابق، ومنذ عام 1998م، وصل اليهود الأرثوذكس المتزمتون من أميركا، ليستقروا في مستوطنة رمات بيت شيمش التي تتوسع حتى الآن، ووصلت أعمال البناء الضخمة إلى حدود أراضي دير بيت الجمال.

يقول سكودو: "إن العلاقات بين بيت جمال والجيران الجدد –أو على الأقل مع بعضهم- لم تكن دائما مثالية. هناك أوقات بدا فيها أن وجودنا غير مقبول وحتى اسم الدير حذف من لافتات الطرق لجعل الوصول إليه أكثر صعوبة أو استحالة".

نجحت جهود سكودو في إعادة لافتات الطرق أو كما يقول: انتهت "حرب لافتات الطرق" ولكن ليس العداء ضد ساكني الدير".

من مظاهر هذا العداء، اعتداءات:

-هجوم بالقنابل صبيحة يوم 20 نيسان 2007م، أدى إلى إصابة عامل عربي في الدير.

- إلقاء قنبلة مولتوف على دير الراهبات يوم 7 آذار 2014م، وكتابة شعارات معادية على أسوار الدير، ورسم نجمة داود.

-تخريب في كنيسة القديس اسطفانس يوم 20 أيلول 2017، شمل تحطيم صليب صنع من عرق اللؤلؤ، وتمثال لمريم العذراء، وتدمير جزئي لزجاج النوافذ.

-تدنيس مقبرة الدير يوم 10 تشرين الأول 2018م، وذلك للمرة الثالثة.

تقاطعات الدير مع السياسة، لا تنتهي. في بداية عام 1991، أصبح الدير مقرا مؤقتا للسفارة الايطالية، عندما بدأت حرب الخليج الثانية، وأطلق صدام حسين صواريخ على دولة الاحتلال، فاعتقد السفير الايطالي في تل أبيب، أنه من الأفضل نقل السفارة مع الموظفين الأساسيين إلى مكان أقرب إلى القدس، مقتنعا، كما يقول سكودو، أن الرئيس العراقي لن يهاجم القدس أو محيطها أبدا. عندما انتهت حرب الخليج في 28 شباط 1991م، عادت السفارة الايطالية إلى تل أبيب.

رؤية الدير ليلا مضاءً، من مسافة بعيدة، تظهره كقلعة ساحرة غامضة. يمكن إضافة مزيد من الرومانسية إذا علمنا أن هذه الإضاءة هي هدية الممثل الاسباني الشهير أنطونيو بانديراس، الذي وصل في عام 1999 إلى الدير لتصوير جزء من فيلم the body.

علاقة الدير مع السينما، لا تنتهي عند بانديراس، فكثير من المخرجين الإسرائيليين، يطلبون استخدام مبنى أسفل الدير، استخدم لسنوات كحظيرة للأبقار، لتصوير أفلامهم. المبنى من تصميم المهندس الايطالي انطونيو بارلوتسي الذي صمم وبنى العديد من الكنائس في الأراضي المقدسة.

http://www.alhaya.ps/ar/Article/142047?fbclid=IwAR0ZPBT6qDjlfp2aYF_gz85tGCP6we3I94CEoZNwYCOJnAlzzc2ml28Bt_k

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق