فلسطين شوقي الماجري،
المخرج التونسي الذي رحل مؤخرًا، أبية، متعالية، ميتفازيقية، فوق طبيعية، متخيلة،
صحيح أن لكل منا فلسطينه المتخيلة، لكن فلسطين الماجري، بدت لي غير واقعية، ولا
أقصد، بالطبع، تلك الواقعية المبتذلة.
في مسلسل الحصار الذي
لقي شعبية جارفة، غامر الماجري، في أن يقدم عملاً، أحداثه ما زالت طازجة، و كثيرون
يعرفون أبطاله الحقيقيين.
تظهر البطلة كـ
«امرأة خارقة»، تهدد بتنفيذ عملية تفجيرية في إسرائيل، إذا تم تصويرها في شريط
مخل. ونحن نعلم كم هو موضوع التفجيرات هذا حسّاس بالنسبة لمخابرات، حتى أنه جرت
محاكمة لفلسطيني حلم بتنفيذ عملية. وتكثر البطلة من البصاق في وجه المحقق والمحققة
من دون أن يكون لديهما أي ردة فعل، وهو عكس واقع التجربة الاعتقالية التي جربها
نحو ثلث الشعب الفلسطيني منذ بداية الاحتلال. ولا يمكن أن توجد مثل هذه الحالة
التي يمكن أن يطلق عليها «ديمقراطية المحققين»، على الأقل في ما يخص الاحتلال
الإسرائيلي. فمن هو المحقق في أي جهاز أمني في العالم الذي يبصق عليه، مراراً من
يحقق معهم، ولا يتخذ أي إجراء ضدهم؟
تنسحب الصورة المشوهة
لليهودي، التي تبناها المسلسل، على شخصية شاؤول موفاز، رئيس أركان الاحتلال إبان اجتياح
2002م، الذي بدا من خلال تصريحاته وتحركاته على الأرض كما يذكر المشاهد العربي،
رابط الجأش حتى وهو في قمة غضبه خلال سنوات الانتفاضة، كذلك عندما أشرف على ارتكاب
مجزرة مخيم جنين. لكن في المسلسل، يظهر الممثل حسين نخلة، كشخصية عصبية،
كاريكاتورية، أشبه بالجنرالات الذين يصلون إلى مناصبهم من دون موهبة أو دراسة.
ولم يختلف الأمر كثيرًا،
بالنسبة لصورة رجل الدين المسيحي وهو يرحب بالمقاومين الذين لجأوا إلى كنيسة
المهد، مع الساعات الأولى للاجتياح. هذه شخصية معادلة للراهب إبراهيم فلتس، ومن
يعرف فلتس يرى بان الممثل قدم صورة كاريكاتورية أيضًا عنه، وظهر رجل الدين
المسيحي، في صورته النمطية، طيباً وساذجاً، فيما المشاهد التي تتحدث عن حصار
الكنيسة، ليس لها كثير علاقة بواقع الأحداث كما جرت، حيث كانت هناك تعقيدات كثيرة،
اكبر من أن تخفيها طيبة مفتعلة على شاشة عربية.
ولا شك بأن المخرج لم
يطلع على آراء فلتس في الكتاب الذي حرره صحافيان إيطاليان عن حصار كنيسة المهد.
في مملكة النمل، ومنذ
المشاهد الأولى تظهر البطلة الخارقة، مرّة أخرى، وهي صبا مبارك نفسها، والجدة المفعمة
بالقوة المفتعلة، والتي لا تشبه جداتنا.
تظهر مبارك، منذ
بداية الفيلم، وهي تبصق على الجنود، بينما يبدي الضابط المتعجرف، رباطة جأش، يظهر
ديمقراطيًا فلا يعاقبها على ذلك..!
النوايا الطيبة،
والمشاعر الوطنية، ليست شرطًا، للفن..!
رحم الله الماجري.
**
نشرت موضوعًا عن
مسلسل الحصار في جريدة الشرق الأوسط: 28 نوفمبر 2007 العدد 10592
الرابط:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق